بسم الله الرحمن الرحيم
القائد الراحل
فهد بن عبد العزيز 30/6/1426هـ
----------
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، أحمده سبحانه وهو في السماء إله وفي الأرض إله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا رب سواه ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله اصطفاه واجتباه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واهتدى بهداه .
أما بعد : أيها المسلمون ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين حيث يقول تعالى { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله }
وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
ويقول تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}
عباد الله : أيها المسلمون : يقول تعالى { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) البقرة 155
إن الإنسان في هذه الحياة محاط بالأجل يمشي ولا يدري متى يباغته ذلك الأجل المحتوم ، ولقد قدر سبحانه المقادير وجعل الأسباب فكل شيء عنده بقدر وأجل مسمى لا راد لما أراد ولا معطي لما منع كتب الموت على هذه الخليقة فقال تعالى { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة وفقد فاز ، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } آل عمران 85
عباد الله : بالأمس ودعت هذه الدولة المسلمة رجلا من أبرز رجالها ، وعظيما من كبار عظمائها ، وقائدا من أمهر قوادها ، ووالدا حنونا لجميع أفرادها ، رائد نهضتها ، وباني مجدها وعزتها ، وقائد مسيرتها ، إنه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز طيب الله ثراه
، ودعته هذه البلاد والعالم الإسلامي يموج بشتى ألوان الفتن والمصائب ، أحوج ما يكون إلى حنكته وسياسته ودهائه رحمه الله ، فكانت وفاته من أكبر المصائب على أبناء هذا الشعب وعلى الأمتين العربية والإسلامية بل وعلى العالم أجمع .
إن فقيدنا الغالي لم يكن ليهتم بأمر المسلمين في هذا الوطن فحسب ، بل كان رحمه الله يعيش مآسي العالم العربي والإسلامي ، فكم له من مشورات صائبة وآراء ثاقبة في قضية فلسطين العربية وفي قضية البوسنة والهرسك ، وفي قضية الشيشان ، وفي قضية أفغانستان ، وكم مد يد العون والمساعدة لأبناء المسلمين في شتى بقاع الأرض ، وكم وكم من مآثر لا تخفى على أحد ؛ كان رحمه الله مبادرا بها لأبناء هذه الأمة المسلمة ، حيث نذر حياته وعمره من أجل قضايا الإسلام في البلاد الإسلامية وغيرها فبذل ما في وسعه من أجل النهوض بأبناء الإسلام الذين يعيشون في شتى بقاع الأرض
وخير شاهد على ذلك ما يلي :
أولا : المراكز الإسلامية :
فقد أولى رحمه الله اهتماماً كبيراً بإنشاء المراكز الإسلامية والتي بلغت 21 مركزاً في مختلف أنحاء العالم لتبقى مراكز إشعاع للدين الإسلامي ولنشر الثقافة الإسلامية وحث الدول الإسلامية على خدمة الإسلام والمسلمين في بلاد الأقليات الإسلامية وفي أوربا والأمريكتين واستراليا وأفريقيا وآسيا .
ثانيا : المعاهد الإسلامية والمدارس :
وفي سياق نشاط المملكة في نشر الثقافة الإسلامية وتعليم اللغة العربية حرصت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين ودعمه المتواصل على إقامة ودعم المعاهد الإسلامية في عدد من الدول ، في اليابان ، وفي كوريا الجنوبية ، وفي الولايات المتحدة ، وفي أندونيسيا ، وفي راس الخيمة وفي موريتانيا ، وفي جيبوتي، وفي ألمانيا ، وفي فرنسا ، وغيرها .
ثالثا - المساجد :
إيماناً منه رحمه الله بالدور الكبير الذي تؤديه المساجد في حياة المسلمين فقد تواصلت جهوده الحثيثة لخدمة المسلمين في كل مكان ومن أجل ذلك أنشأت المملكةفي عهده أكثر من 1359 مسجداً في جميع أنحاء العالم. منها مسجد المركز الإسلامي بسويسرا ، والمسجد الجامع في بروكسل ، والمسجد الجامع في أسبانيا وعدد كبير من المساجد في الولايات المتحدة الأمريكية وفي دول أمريكا الجنوبية وفي كثير من دول إفريقيا
وتجلى إخلاص خادم الحرمين الشريفين في حبه لله في إعمار بيوت الله لتستعيد رسالتها العلمية والدعوية والثقافية في حرص حكومته حفظه الله على إعمار المساجد في الأرض
رابعا - دعم الجمعيات الخيرية : لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز لفتات إنسانية واضحة في دعم المنظمات والمراكز الإسلامية وأحياء الشعائر الإسلامية ومساعدة الأقليات الإسلامية في دول العالم حيث قدم دعمه المادي والمعنوي لما يزيد على 875 جمعية إسلامية في مختلف أنحاء العالم وأمد حفظه الله المساجد والمراكز الإسلامية والجاليات بملايين النسخ الصادرة من // مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف// في المدينة المنورة الذي أنشأه رحمه الله خدمة لكتاب الله تعالى ومنفعة لأبناء المسلمين في كل مكان على وجه هذه الأرض
خامسا - استضافته لعدد كبير من الحجاج كل عام عمل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله على استضافة أعداد من الحجاج كل عام من الدول التي بها أقليات مسلمة من أوربا وأمريكا وآسيا واستراليا وإفريقيا
أو من المسلمين الجدد الذين دخل الإسلام في قلوبهم حديثا .
كما أنشأ مصنع مبرة خادم الحرمين الشريفين للمياه المبردة على نفقته الخاصة وذلك لتعبئة مياه عذبة نقية في أكياس من البلاستك وتوزيعها هدية منه رحمه الله على حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة .
سادسا - مساعدة المنكوبين والمتضررين من الكوارث
كما اهتم رحمه بمد يد العون للمنكوبين ونجدتهم سواء في البلاد الإسلامية ، أو على المستوى العالمي انطلاقا من إحساسه الإنساني بمسؤولياته والشواهد على ذلك كثيرة وقد رأيتم الكثير منها .فكم من أساطيل جوية عبرت الآفاق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا لتصل إلى أناس جعلتهم الكوارث بلا مأوى ولا لباس ولا زاد
سابعا - ومن الأمور التي أولاها رحمه الله اهتماما بالغا هي خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة فلقد وسعت في عهده توسعة لم تشهدها من قبل حيث أصبحت تستوعب لأعداد كبيرة من المصلين والحجاج والمعتمرين .
*
وبعد: فهل رجل تلك مآثره في أمته سيموت ، إن قبضت روحه فعلا؛ فستبقى آثاره ساطعة سطوع النهار
إن كل شيء هنا يذكر بفهد بن عبد العزيز .
لقد قدم الكثير والكثير من الحسنات التي نسأل الله تعالى أن تكون خالصة لوجهه الكريم وأن يجزيه بها خير الجزاء ، ويجزيه عن شعبه أوفى الجزاء وأكمله فلقد عاهد الله على السير بهذا المجتمع على كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فوفى بالعهد وصدق في الوعد وأدى الأمانة التي حملها على خير ما يرام كما نحسبه والله حسبنا ونعم الوكيل .
عباد الله إن فهد بن عبد العزيز قد قبضت روحه ونحن من رعاياه نشهد الله تعالى أنا لا نطلبه شيئا ، وإن كان لنا حق عنده فقد أحللناه وأبحناه منه وسامحناه ، اللهم تجاوز عنه واغفر له وأسكنه فسيح جناتك يارب العالمين ،وأظله في ظل عرشك واجعل درجته في عليين واخلفه في أهله وشعبه وأمته خيرا يا أكرم الأكرمين ، واجعل اللهم لنا خيرا في خلفه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز .، وأره الحق حقا وارزقه اتباعه والباطل باطلا وارزقه اجتنابه وهييء له بطانة صالحة تعينه وتساعد على سلوك سبيل الحق يا رب العالمين .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، إنه تعالى جواد كريم ملك بر رؤوف رحيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وارجوه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله باعث الأرواح وقابضها، واهب الحياة وسالبها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلقنا من التراب وإليه يُرجعنا، ثم إذا شاء منه يُنشرنا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أطال الحديث عن الموت وكربته، وعن الحساب وشدته، فنبه الناس من غفلتهم، وخلصهم من حيرتهم، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته الأبرار، الذين تعلقت قلوبهم بدار القرار، فكانوا لها عاملين، وللموت ذاكرين، حتى لقوا الله رب العالمين.
أما بعد: فقد قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت"، فكل الناس يعلمون أنهم ميتون لا محالة، ثم تراهم يعملون أعمال المخلدين، وكلهم يعلن أنه ميت، ثم تراه يعمل أعمال المخلدين، وكلهم يعلن أنه عبد، ثم تراه يعمل أعمال الأحرار، ورحم الله الفضيل بن عياض الذي رأى رجلاً فسأله: كم مضى من عمرك؟، فقال الرجل: ستون سنة، قال الفضيل: إذن فأنت منذ ستين سنة تسير إلى الله، فيوشك أن تصل.
فحري بمن وصل الأربعين أن يراجع نفسه ويعلم أن ما بقي من عمره هو أقل مما مضى ، وحت لو كان أكثر فإنه لا يساوي شيئا كله أمراض وأسقام وعلل ونقص في العقل والجهد ، وعجز وشيخوخة ، فليبادر بالتوبة النصوح والعمل الصالح قبل أن يخترمه هاذم اللذات ومفرق الجماعات فيصبح في تلك الحفرة ليس لديه صديق أو رفيق او صاحب أو أنيس إلا ما قدم من العمل
نح على نفسك يا مسكين عن كنت تنوح لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح
ورحم الله الخليفة الصالح هارون الرشيد، نام على فراش الموت فقال: "أريد أن أرى القبر الذي سأدفن فيه"، فحملوه إلى قبره، ونظر إليه فبكى والتفت إلى أحبابه فقال: " مَا أَغْنَىٰ عَنّى مَالِيَهْ هَلَكَ عَنّى سُلْطَـٰنِيَهْ [الحاقة:28، 29].
أين المال؟ أين الجاه؟ أين الإمارة؟ أين الوزارة؟ أين التجارة؟ أين المنصب؟ أين الدرهم؟ أين الدينار؟ أين الجند؟ أين الأولاد؟ مَا أَغْنَىٰ عَنّى مَالِيَهْ هَلَكَ عَنّى سُلْطَـٰنِيَهْ ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال وهو يبكي: "يا من لا يزول ملكه، ارحم من قد زال ملكه".
سفري بعيد وزادي لن يبلغني وقـوتي ضعفت والموت يطلبني
ولي بقايا ذنوب لست أعلمها الله يعلمهـا في السر والعلـن
يا زلة كتبت في غفلة ذهبـت يا حسرة بقيت في القلب تُحرقني
ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديـت في ذنبي ويسترني
عبا الله : إن الموت لا يفرق بين كبير ولا صغير ولا عظيم ولا حقير يقول تعالى { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستتقدمون }
فالعقل اللبيب من يعتبر بغيره فيا أيها الإنسان إذا نجوت اليوم فلن تنجو غدا ، اليوم تمشي وراء الجنازة وغدا يمشي الناس وراء جنازتك ، اليوم تقف على القبر وغدا يقف الناس على قبرك ، اليوم تعزي فيمن مات وغدا يعزي الناس فيك .
فليحاسب المرء نفسه قبل أن يحاسب ، وليزن نفسه قبل أن يوزن ، وليستعد للعرض الأكبر على الله. والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
*
ألا وصلوا وسلموا على نبي الرحمة والهدى فقد أوصى بذلك ربنا في محكم التنزيل فقال جل من قائل { إن الله وملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }
وقد قال صلى الله عليه وسلم ( من صل علي صلاة واحدة صل الله عليه بها عشرا )
اللهم صل وسلم وبارك على سيّد الأولين والآخرين وإمام المرسلين .سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن استن بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين .وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين من اليهود والشيوعيين والنصارى وكافة المستعمرين ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفق إمامنا وقائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمين لما تحبه وترضاه ، اللهم أصلح سريرتهم وعلانيتهم ووفقهم لكل خير وادفع عنهم كيد الكائدين وحسد الحاسدين ، وأرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلا وارزقهم اجتنابه ، وانصر بهم دينك ، وأعل بهم كلمتك ، وأعز بهم الإسلام وأهله ، ولا تسلط علينا ياربنا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا .
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم نور على أهل القبور من المؤمنين قبورهم ،واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم ، اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين ، واقض الدين عن المدينين ، واشف مرضى المسلمين ، واكتب الصحةوالعافية والسلامة والتوفيق والهداية لنا ولكافة المسلمين في برك وبحرك أجمعين .
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنى والزلا زل والمحن ، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن واصرف عنا كيد الكائدين ، وخيانة الخائنين ، وأطماع المستعمرين واحفظ أرضنا وجميع أرض المسلمين من كل سوء ومكروه ، ومن أراد بنا سوءا فاجعل كيده في نحره واجعل تدميره في تدبيره وأرنا فيه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين . اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه وكرمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون .
هادي محسن جردي مدخلي / إمام وخطيب جامع الشيخ حافظ الحكمي بصامطة