الترحيل إلى الآخرة
( منع من النشر )
قد يرى البعض تفادي الكتابة عن مثل هذا الموضوع لأنه قد يؤثر سلبا على سمعة المملكة، ونرى أن العكس هو الصحيح فعدم الكتابة عنه وتوضيح ملابساته قد يُفهم منه أن الرأي العام غير مهتم به أو ربما لا يقر الأخطاء والتجاوزات المتعلقة به أو يحاول إخفائها والتقليل من شأنها، ولو حدث هذا فإنه هو الذي يسيء لسمعة الوطن لأن المتابع في الخارج قد يشك أن المؤسسة الرسمية مارست ضغطا أو أصدرت توجيها بعدم التعرض للموضوع، وهذا ما لم يحدث.. الأخطاء هي نتيجة تقصير الإدارات في القيام بواجباتها لتنفيذ توجيهات الدولة وسياستها، ولذلك يجب توضيح هذه الحقيقة..
أنا أتحدث عن قضية وفاة خمسة وافدين بصورة غير نظامية في سجن الترحيل بمدينة جازان التي نشرتها الصحف وبررها الناطق الرسمي لإدارة الترحيل بالاختناق ، لكن تصريحات فرع جمعية حقوق الإنسان والشؤون الصحية في المنطقة بعد زيارة سجن الترحيل أفادت بما يلي: اكتظاظ العنابر بالموقوفين، انتشار بعض الأمراض الوبائية، رداءة التكييف، ضعف التهوية، وأرجع أطباء الصحة وفاة الخمسة إلى اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي.. هذه هي الصورة المعلنة باختصار في بيان حقوق الانسان والصحة، لكن الصورة الحقيقية أسوأ بكثير من هذا الوصف كما يعرفها الذين شاهدوا المكان قبل وبعد الحادثة، وحمدوا الله أنها انتهت بوفاة خمسة فقط..
كان واجبا على المسؤولين عن ذلك المكان أن يدركوا أن تعاليم الإسلام التي تلتزم بها حكومة المملكة لا تجيز أبدا معاملة الإنسان بهذا الشكل مهما كانت جريرته. وأن شعار " مملكة الإنسانية " الذي تعتز به المملكة وتطبقه يتناقض تماما مع وضع الإنسان في هذه الظروف السيئة، وأن أنظمة ومواثيق حقوق الإنسان التي تلتزم بها المملكة تضمن للإنسان حقوقه في كل الأحوال والظروف وتجرم انتهاكها. ولذلك فإن تطبيق الأنظمة بحق المخالف لها، ومهما كانت طبيعة المخالفة لا يعني وضعه في ظروف تهدد حياته أو تمتهن كرامته وإنسانيته.. أنظمة وإجراءات التعامل مع المخالفين لنظام الإقامة في المملكة واضحة ومقننة ولا يوجد فيها ما يجيز الذي حدث في سجن ترحيل جازان. وبالتالي فإن أي استغلال لهذه الحادثة لتشويه صورة المملكة يتحمل وزره الذين يسيؤون تطبيق النظام وليس الدولة التي وضعت النظام، وتوفر كل الاحتياجات والدعم لتطبيقه..
سجن الترحيل الذي حدثت فيه المأساة وغيره في بعض المناطق سبق لجمعية حقوق الإنسان أن زارتها ورصدت تجاوزات ومخالفات جسيمة فيها، وأثبتت هذه الحادثة أن الإدارات المسؤولة عنها لم تعبأ بتلك الملاحظات، أي أنها لا تطبق الأنظمة كما يجب ولا تعني لها حقوق الإنسان شيئا، وهنا أساس المشكلة.. فهل يبدأ التعامل بحزم مع قضايا كهذه حتى لا يساء لوطن بأكمله بسبب تقصير البعض..