نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

د / سعيد مصلح سعيد السريحي


ولد عام 1373 هـ / 1953م ، وهو حاصل على بكالوريوس
اللغة العربية , وماجستير النقد الأدبي من جامعة أم القرى .

عضو مجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بجدة , والهيئة
الاستشارية بجمعية الثقافة والفنون, ومشرف على
الأقسام الثقافية بجريدة عكاظ .

وهذه واحدة ٌ من روائعه الأدبية ..




لقد أفسد الموت الحياة
حين بلغ أشدّه .. مات

كأنما كان يستحي أن يلقى موته فتى لم ينضج ..
أو يلقى موته وقد بلغ من العمرعتيّـا ..

تهـيـّــأ للحياة أربعين عاما ..
وحين نضج سقط .. كثمرة !

تشبّث بالحياة كفتى يجمع في صدره قبيلة
من العشاق وحين أشار اليه الموت ركض
نحوه كشيخ لم تـلقنه الحياة غير الزهد فيها ..

من على حافة الأربعين قفز الى حافة القبـر ..
خلع آخر أنفاسه بأسهل مما يخلع ثوبه ،
بأسرع مما يرمي عقب آخر سيجارة
أشعلها … ومضى !

هؤلاء الذين يموتون ..
يحملون معهم حياتـنا ويتركون لنا موتهم ..
هؤلاء الذين يموتون ..
يأخذون أعمارنا ويتـركون لنا المقابر !
نعشه كان يركض باتجاه المقبرة ، وكـنـّـا
جميعاً نركض خلفه ..

وحده كان يتـكىء حياً ، على نعشه ، وكـنـّا
جميعاً نسعى موتى تحت النعش ..
وحده كان يرتـدي كـفنه وكـنـّا جميعاً عراة ..
وللأحياء عورات لا يسترها غير الكفن ..

رحيل لا يستـقـر في غير القبر ..
تعب لا يريحه غير الموت ..
الحياة محو .. والموت كتابة ..
والمقبرة ذاكرة جماعية ..

كلما جفّ غصنٌ تلمّستُ جذعي ..
الذين يموتون أعضاؤهم تسبقهم إلى المقابر ..
كلّما جفّ غصنٌ أحسستُ أنني أدنـى إلى الموت .
والموتى وحدهم .. لايموتون
الحياة حجاب .. والموت كشف

يداي ُمـذ عدتُ من المقبرة تـشعان نوراً ..
وكـلـّما لمست حرفاً شبّ حريقٌ .. واللغة لا تـتـكـلـّم ..
أنهار الدنيا لا تغسل عن أيدينا تراب المقابـر ..
وحدهُ تراب المقبرة يغسلنا من أنهار الدنيا
والحياة هـيـّـنة حين نراها من على حافة القبر .
لقد أفسد الموت الحياة ونصف عمري
أمنحهُ لمن يذكـّرنـي بالنصف الآخر من هذا ..



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي