من جانبه، أكد الدكتور أسعد صبر، استشاري الطب النفسي، ضرورة تكوين لجان
مختصة تشمل أخصائيين نفسيين واجتماعيين وتحت مظلة وزارة الداخلية لتقييم حالة مرتكبي جرائم القتل ومدى
استقرارهم النفسي، مشددا على ضرورة اعتماد الطب النفسي الجنائي (الشرعي)
كما هو متبع في سائر الدول العربية والغربية، أثناء مجريات التحقيق وعقب صدور الحكم.
وأوضح المستشار النفسي أن ارتكاب جرائم القتل وبالأخص من قبل الأحداث أو من هم في مقتبل العشرينات يكون
عائدا إلى انعدام الاستقرار النفسي جراء ضغوط لمشكلة ما، أو معاناتهم من اضطرابات الشخصية التي تجعلهم غير
قادرين على التفكير في عواقب الأمور، وغالبا ما تتسم شخصياتهم بالاندفاع والتهور، إلى جانب احتمالية معاناة
الجاني من مرض نفسي أو اضطراب في الشخصية والذي يتميز بتلذذه في تعذيب الآخرين وعدم شعوره بالندم،
موضحا أن لجوء الجاني إلى تشويه الجثة عقب قتلها يعود إلى اضطراب أو اكتئاب ذهاني أو انفصام بالشخصية.
وأكد الدكتور أسعد صبر على مدى شدة الضغط النفسي الذي يتسبب به التهديد والابتزاز جراء عدم التمكن من التحكم
بمجريات الحياة، مضيفا إلى ذلك تفاقم الضغوط النفسية في حال تهديد المرء بشرفه وعرضه. عفا عن قاتل ولده..
* ذكر الشيخ فهد بن أحمد الراشد السهر، سعودي يسكن مدينة القريات في منطقة الجوف شمال السعودية، أنه عفى
عن قاتل ولده في ساحة القصاص الأسبوع الأول من شهر أغسطس الجاري،
في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» بأن شعوره يوم تلقى خبر مقتل ولده كان ثابتا،
مضيفا أنه قال في تلك اللحظة «لا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبي الله ونعم الوكيل، وإنا لله وإنا إليه راجعون»..
«وجميع أهلي وأقربائي تركوا قتل ولدي واهتموا بي، لأنهم كانوا يجهلون ردة فعلي،
وكانوا يخشون أن أحمل سلاحي وأتجه لأهل القاتل للأخذ بالثأر».
وقال السهر بأنه «بعد اليوم الثالث من دفن ولدي المقتول، جاءني إمام وخطيب مسجد في الحي الذي أسكن فيه،
يتشفع لدي من أجل السماح لأهل القاتل بتعزيتي في ولدي، وسمحت لهم بدخول بيتي وتقديم واجب العزاء».
وأشار الشيخ فهد أنه بعد مضي أكثر من شهر على مقتل ولده، بدأت الوساطات من جميع أنحاء المملكة سواء من
الأفراد العاديين أو الأعيان أو مشايخ القبائل أو مندوبي بعض الأمراء وبعض الجهات، مضيفا أنه استقبل «وساطة من
المملكة الأردنية الهاشمية، واستمرت هذه الوساطات فترة خمسة أعوام، وهي المساحة الزمنية الفاصلة بين قتل ولدي
وصدور حكم القتل قصاصا ضد القاتل، وجميعهم يطلبون العفو والصفح عن القاتل لوجه الله تعالى، ورفضت جميع هذه
الوساطات لأمر في نفسي، يتمثل في أنني لو أردت العفو فإنني أرغب في ربط العفو بيني وبين الله سبحانه وتعالى
مباشرة، وليس بيني وبين مخلوقين، وليس في هذا أي انتقاص لكل من سعى في سبيل العفو عن القاتل، وكنت أتكدّر
وأتأثر نفسيا عندما أرد أي شخص جاء للتوسط، خاصة وأنه يخرج من بيتي متأثرا وخائب الأمل،
وكان ردي لهم جميعا واحدا، وهو أن موعدنا ساحة القصاص، وإن شاء الله يصير خير».
واعترف السهر بأنه كان طيلة الفترة التي تلت مقتل ولده، تحت صراعات داخلية في نفسه عنيفة ومؤلمة،
معتبرا أن «أمر المطالبة بتنفيذ القصاص أو العفو ليس بالأمر السهل،
خاصة وأن القاتل قتل ولدي فلذة كبدي وزينة حياتي وأغلى ما أملك في هذه الدنيا،
وقبل تنفيذ حكم القصاص بشهر قررت العفو عن القاتل لوجه الله في ساحة القصاص،
واحتفظت بهذا الأمر في نفسي، ثم بحت به لزوجتي أم ولدي المقتول».
وأضاف أنه بعد إبلاغه بموعد تنفيذ القصاص، جمع أولاده وأبلغهم بقراره بعد استشارتهم،
ثم شرع في إعداد كلمة بهذه المناسبة، مضيفا أنه ألقى كلمته «صباح اليوم المحدد لتنفيذ القصاص في الساحة
المخصصة لذلك بمنطقة الجوف، واشتملت على عفوي عن قاتل ولدي لوجه الله سبحانه وتعالى،
ثم قام جميع من حضر بالتكبير والتهليل وشكر الله وحمده، واتجهوا نحوي لمصافحتي وتهنئتي».
وذكر السهر أن المعفي عنه حاول زيارته إلا أنه تجنب ذلك، لأن الأمر ليس هذا وقته،
من جهته ذكر المعفو عنه بأن «هذا العفو معروف ودين في رقبته إلى أن تقوم الساعة».
وأضاف السهر بأن كل من توسط لديه للعفو عن القاتل «جاءني بعد أن أصدرت عفوي عن القاتل إذا كان في مدينة
القريات، أو اتصل بي إذا كان خارجها، وجميعهم شكروا الله ثم شكروني، وطلبوا زيارتي في منزلي».
وأقسم فهد السهر بالله وبكتابه بأنه لم ولن يندم قط على عفوه عن القاتل، مضيفا أن الأمر جاء بالعكس
«فأصبحت أنام قرير العين، وأصبحت مرفوع الرأس أمام الله سبحانه وتعالى،
وأمام خلقه، ولم يزدني العفو إلا رفعة وعزة».
وذكر السهر بأنه سمع عن فتاة خميس مشيط التي صدر بحقها الحكم الشرعي بالقتل قصاصا من لجنة العفو
في منطقة الجوف في أحد الاحتفالات، وذلك عندما ناشد رئيس اللجنة باسم لجنة العفو في منطقة الجوف وباسمه
شخصيا للعفو عن هذه المرأة، واختتم حديثه بأن أسعد لحظات حياته كانت عندما عفى عن قاتل ولده، مضيفا أنه
سيكون سعيدا جدا «لو تذوق جميع من بيده عتق رقبة مؤمن من حد شرعي طعم السعادة والراحة والأمن،
ولذلك أناشد جميع من أراد الخير والأجر من الله تعالى، أن يعفو ويصفح لوجه الله فقط،
وأنا أطلب من الله تعالى، ثم من أهل وذوي المقتول في خميس مشيط أن يعفوا لوجه الله تعالى عن ابنتهم،
وألا يبتغون من ذلك أي أجر لا من صغير ولا من كبير، وأن يقووا إيمانهم بالله،
ويكظموا غيظهم ويتنازلوا لوجه الله ويسألوا الله أن يعوضهم خيرا»
.
المصدر
الشرق الاوسط





رد مع اقتباس