السيد أباالبهاء محمّد , أهلاً بك أولاً في منتديات صامطة ,
دعني أبدأ من نهايات جملك , لنتفق على فكرة أو مسمى التنوير , الذي أجحفت في حقه كثيراً !
من البديهيات التي لا تحتاج على استدلال مسألة عالمية الإسلام وإنسانيته , ذلك لأنه هو الذي جاء ليحرر البشرية من الوثنية وضلال الجاهلية وكل انحراف سبق الرسالة المحمدية.
ولم يكن الإسلام يوماً ما واقفاً ضد تقدم ما لم يكن انحداراً أو تطور ما لم يكن خبيثاً , بعكس ما يقال من أن الإسلام تخلف ورجعي ويعارض النهضة والرقي العالمي .
هذا هو تنوير ياأباالبهاء , فالمجتمع الجاهلي بكل بساطة , كان يحيا في ظلمات الجاهلية الأولى والصراعات القبلية , والنعرات المتحجرة , فجاء الإسلام كفكرة تنوير وتغيير , قوبلت بالرفض ككل دعوات التنوير على مدى العصور ,
إننا اليوم أمام حملة ليبراليه شرسة , موجه للعالم الإسلامي , تشكك في العقيدة والمبادئ الإسلامية , بعد تلك الحملات الصليبية الحاقدة , والشيوعية الخبيثة والهدف مهنا جميعاً الطعن في الجسد المؤمن وتفريق كيانه وتفتيت بنيانه .
ومع الأسف الشديد أن من بين أبناء المسلمين من يدعو إلى العلمانية ويروج بضاعتها بيننا في جميع مستوى وسائل الاتصال البشري . ولكنهم على مستويات متفاوتة , لا يتجمعون على منهج ولا يتفقون إلا بتطاولهم على التيار الإسلامي وعلماءه والمتدينين بدينه .
للمعلومية فقط الإسلام ليس تيار , وإنما معتقد , وديانة , وحياة !
ولواتفقنا على مصطلح تيارية الإسلام , لجعلنا كل الأحزاب السياسية والفكرية عقائد ,
لاأدري ماهو الرابط بين فساد التنوير كما قلت , وبين الليبرالية والعلمانية ,
حتى أنني أجدك تجعل هذين التوجهين الفكريين , امتداد للشيوعية والحملات الصليبية ,
مع أن أكثر المنادين بالحريات والتوجهات التنويرية , من أبناء العقيدة الإسلامية , وبعض منهم شيوخ وعلماء أجلاء , كالعودة , والعبيكان , والقرني !
وإذا سلطنا الضوء على الفكرة الأساسية التي ينطلقون منها فنشعر بأن هناك خلل واضح في المكون الفكري لديهم , فلا مساواة بين الفكر الغربي والفكر الإسلامي , يرفضون اجتماع الثنائية(الشؤون الدينية والشؤون السياسية) كما تم رفضها في أوروبا , إذ كانت الكنيسة هي المسيطرة على الحياة في مختلف مجلاتها طوال القرون الوسطى , وكانت تحد كثيراً من نشاط العلماء , بل كانت تعطي صكوك الغفران وبيع أراضي ومساكن ومزارع في الجنة , وكان الموقف الديني موقف معادٍ للعلماء .. فقد أخمدت أنفاس (كوبر نيكوس) لأنه قال: (إن الأرض كوكب مثل باقي الكواكب السيارة) وغيره من العلماء الذين يطول الحديث عنهم.
روي عند الشيخين , أن الرسول عليه الصلاة والسلام , قال في حديثٍ طويل " .... والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها .. "
هذه الرسالة النبوية تجعلنا أمام فكرة فصل المقام الديني عن المنظومة السياسية , وعدم المزج اللامنطقي , بين المنصب والدين , والإحتماء خلف الأكواب الزجاجية !
أما الفكر الإسلامي فهو يرفض الثنائية من حيث الأصل , ويرفض أن يخضع الإنسان لغير الله , ويرفض أن يستعلي بعض الناس على بعض والميزان هو العدل والمساواة , فدعاة الليبرالية لدينا لم يفرقوا أساسا بين (الإسلام ) وبين (النصرانية)
وبين علماء الإسلام وبين كهنوت ورهبان .
أكرر أيضاً استغرابي من تجنيك على الليبرالية , ومحاولة جعلها أساس الفساد التنويري ,
تعال معي ننظر لهذه الآية الكريمة (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) (المائدة : 82 ) ,
فلاتتطاول على الرهبان الذين أشاد ببعضهم في كتابه ,
وسأتفق معك جزافا , أن بعضهم الآخر , مال وجانب الصواب !
فليس في الإسلام مد وجزر بين رجال الدين ورجال العلم , لأن رجال الإسلام هم العلماء , والعلماء ورثة الأنبياء , وكما أن العلم يتحقق بمعرفة العلوم الشرعية , يتحقق كذلك بأن يأخذ الإنسان نصيباً من العلوم الكونية والعلوم الإنسانية ...
هذه الجملة التي استعصت عليّ ,
كيف تنفي العلم أولاً إلاّ عن رجال الدين , ثم تعود وتقول بأن العلم يتحقق بأخذ الإنسان نصيب من العلوم الكونية والإنسانية !؟؟
ثم إني أتساءل من بعض الأقلام هل هي تدرك ما تكتب , أو يبدو أنها واقعه في تحرج شديد بعد أن ركبت الموجه وأصبح في نظرهم من غير اللائق التراجع عن الأفكار , فالأمر واضح وجلي , إلا إن التكبر أعمى بصائرهم
فأنا أقترح عليهم أن يطلقوا على أنفسهم مسمى "الجمعية ألإنسانيه السعودية" بعيداً عن قضايا التنوير والإحتجاج بالأوهام.
في بداية منتصف الثمانينات , وعلى امتداد التسعينات , تطورت فكرة الصراع الفكري , بين دعاة التنوير , ودعاة الإنغلاق والإنكفاء على الذات ,
وكم يتحدث الشيخ سلمان العودة عن نفسه بقوله , كان في بريدة يعيش في بيت زهيد , ويقتم على أهله , ويرى أن الحياة زهد فقط , وبعد أن عرف خطأه , وعدل عن أفكاره , عاش في الرياض في قصر , وتنعم وأهله بخيرات الله , وحدّث بنعمته !
أخي الكريم أباالبهاء محمّد ,,
لستُ والله من أعداء الإسلام , ولست من أرباب الفكر التغريبي ,
ولكن كلّ مافي الأمر أن ديننا الحنيف هو الرسالة الأولى للتنوير في العصور الحديثة ,
فمن الجهل بمكان , أن نحارب مفردة التنوير , ونضعها في القائمة السوداء , التي باتت تضم كل مفردة لاتتناسب مع موروث البعض الفكري , كالحداثة والليبرالية والعلمانية وهلم تصنيفاً !
أتمنى لك إقامة ممتعة في صامطة , وشهرك مبارك , وعيدك سعيد !