لا تصدق أن العذاب يجعلك أقوى وأجمل
وحده النسيان يستطيع ذلك.
عليك أن تلقي على الذاكرة تحية حذرة
فكل عذاباتك تأتي من التفاتك إلى نفسك
لا تصدق أن العذاب يجعلك أقوى وأجمل
وحده النسيان يستطيع ذلك.
عليك أن تلقي على الذاكرة تحية حذرة
فكل عذاباتك تأتي من التفاتك إلى نفسك
أيّ طبق شهيّ للبوح لا يخلو من توابل الرياء
وحده الصمت هو ذلك الشيء العاري
الذي يخلو من الكذب
قبل اليوم لم أكن أشعر بثقل السنين.
كان حبّك شبابي، وكان مرسمي طاقتي الشمسية
التي لا تنضب، وكانت باريس مدينة أنيقة،
يخجل الواحد أن يهمل مظهره في حضرتها .
كنت رجلا تستوقفه الوجوه
لأن وجوهنا وحدها تشبهنا
وحدها تفضحنا
ولذا كنت قادراً على أن أحب أو أكره
بسبب وجه .
كان في عينيك دعوة لشيء ما ..
كان فيهما وعد غامض بقصة ما ..
كان فيهما شيء من الغرق اللذيذ المحبب ..
وربما نظرة اعتذار مسبقة عن كل ما سيحل بي
من كوارث بعد ذلك بسببهما .
ارتوي من ذاكرتي سيّدتي .. فكل هذا الحنين لكِ ..
ودعي لي مكاناً هنا مقابلاً لكِ ..
أحتسيك كما تحتسى، على مهل، قهوة قسنطينيـّة .
كلما ازددنا عشقاً كبرت حماقاتنا.!!!
كنت أتدحرج يوماً بعد آخر نحو هاوية حبّك،
أصطدم بالحجارة والصخور،
وكلّ ما في طريقي من مستحيلات.
ولكنّني كنت أحبك. ولا أنتبه لآثار الجراح على قدمي،
ولا إلى آثار الخدوش على ضميري
الذي كان قبلك إناء بلور لا يقبل الخدش.
وكنت أواصل نزولي معك بسرعه مذهلة
نحو أبعد نقطة في العشق الجنوني.
وكنت أشعر أنني غير مذنب في حبك.
على الأقل حتى تلك الفترة التي كنت مكتفياً
فيها بحبّك، بعدما أقنعت نفسي أنني لا أسيء إلى أحد
بهذا الحب .وقتها لم أكن أجرؤ على أن أحلم
بأكثر من هذا. كانت تكفيني تلك العاطفة الجارفة
التي تعبرني لأول مرة، بسعادتها المتطرفة أحياناً
وحزنها المتطرف أحياناً أخرى .
كان يكفيني الحب .
متى بدأ جنوني بك ؟
كيف لنا ان نعرف ، وسط كل تلك الثنائيات المضادة
بالحياة ، التي تتجاذبنا بين الولادة و الموت ..
و الفرح و الحزن .. و الانتصارات و الهزائم ..
و الآمال و الخيبات .. و الحب و الكراهية ..
و الوفاء و الخيانات .. اننا لا نختار شيئا مما يصيبنا ..
تذكر الان ذلك اليوم الذي قالت فيه "نريد فراقا جميلا "…
و لكنه أجاب بسخرية .. مستترة "و هل ثمة فراق جميل ؟ "
أحيانا كان يبدو لها طاغية يلهو بمقصلة اللغة ..
كان رجلا .. مأخوذا بالكلمات القاطعة و المواقف الحاسمة ..
و كانت هي امرأة .. تجلس على أرجوحة "ربما"
فكيف للغة .. أن تسعهما ؟
وماذا تفعلون إذن بالأشياء التي لم تعد من حاجة لكم بها؟
أجبت مازحاً :
- ليس في حوزتنا أشياء لا نحتاجها , لأنها حتى عندما تهترئ , وتعتق , نحتاج حضورها المهمل في خزائننا أو في مرآب خردتنا , لا عن بخل , بل لأننا نحب أن نثقل أنفسنا بالذاكرة , ونفضل أن نتصدق بالمال ,على أن نتصدق بجثث أشيائنا , ولهذا يلزمنا دائماً بيوت كبيرة..
الناس الذين نحبهم لا يحتاجون إلى تأطير صورهم
في براويز غالية . إهانة أن يشغلنا الإطار عن النظر إليهم
ويحول بيننا وبينهم . الإطار لا يزيد من قيمة صورة
لأنها ليست لوحة فنية وإنما ذكرى عاطفية ,
لذا هو يشوش علاقتنا الوجدانية بهم
ويعبث بذاكرتنا .
الجميل أن تبقى صورهم كما كانت فينا
عارية إلا من شفافية الزجاج
بمنطق الصورة نفسها التي تلتقطها الة التصوير معكوسة ، ولا تعود إلى وجهها الحقيقي إلا بعدما يتم تظهيرها في مختبر ، يلزمني تقبل فكرة أن كل شيئ يولد مقلوباً ، وأن الناس الذين نراهم معكوسين هم كذلك ، لأننا التقينا بهم قبل أن تتكفل الحياة بقلب حقيقتهم في مختبرها لتظهير البشر إنهم أفلام محروقة أتلفتها فاجعة الضوء ، ولا جدوى من الاحتفاظ بهم .لقد ولدوا موتى.
أفكر في الحذاء المرصع بالياقوت الذي يعرض في أحد متاجر اليابان في انتظار أقدام نسائية غبية تنتعله مقابل مليون ونصف المليون دولار.أتساءل هل تضمن المراة التي ستشتريه أنها ستذهب به إلى موعد حب جميل؟
وهل خطاها المرصعة بالأحجار الكريمة لن تتعثر بحجارة الأقدار ؟فتحول دونها و الوصول إلى هدفها الأجمل؟
وماذا لو كانت السعادة في متناول الأحذية المهترئة والأقدام المشققة,والخطى اللهفى التي لا ينفع معها الكعب العالي وعليك أن تحمل فيها حذاءك في يدك كي تستطيع اللحاق بلهاث أحلامك؟
كان بيكاسو يقول: اذهب إلى الحب حافي كما يذهب مسلم إلى مسجد.ربما كان في انتعال حذاء بمليون ونصف المليون دولار كفرا بالحب وإهانة له لا بد أن يردها الحب بجعل من أقدم عليها منتعلا الملايين يعود بخفي حنين.
لي صديقات من الثراء بحيث يملكن في كل بلد وفي كل بيت غرفة كاملة من الأحذية الفاخرة المرصوصة على رفوف على مد النظر لا أظنهن انتعلها يوماً للذهاب إلى موعد عشقي يستحق الذكر فما رأيتهن إلا بائسات و كثيرا ما سألنني عن مقاسي و كنت بدءاً أحزن لعدم استطاعتي الإستفادة من فائض خطاهن الضائعة ثم وجدت في ذلك نعمة .ماذا لو انتقلت إلي لعنة أحذيتهن الأسيرة البائسة ونسيت قدماي الطريق إلى الحب؟
أفكر في شركة الموبايل التي طرحت في الأسواق جهازا مرصعا بالألماس بسعر 3400 دولار للفقراء المولعين بآخر صرعة للتليفونات .أما الأثرياء ففي وسعهم اقتناء جهاز يزن 213 غرام من البلاتين الصافي و ثمنه 37000 دولار فقط لا غير تراهن الشركة على بيع عشرات النسخ منه في العالم.
و في ما يخص الجوال بالذات في امكاني أن أقول أن قلبي أصيب بسكتة هاتفية مذ تلقيت قبل أشهر ,كهدية,هاتفاً نسائياً أنيقا مرصعاً بمربع من الأحجار الثمينة التي أصابتني بالنفور إلى حد تطيري عاطفياً منه فقد كنت أكثر سعادة بهاتفي البدائي البسيط في المظهر المتقشف الذي بتوقفه توقفت ذبذبات الحب.
كيف لم أحتط من السعادة الباذخة المفخخة بالحزن و بمكر الأشياء لحظة تبدأ في التنكيل بأصحابها عندما يقومون بتغيير دورها في الحياةفيحولون الحذاء إلى مصاغ تحرسه الكاميرات ينتعله لمرء لا برفقة حبيب بل مع بودي غارد يحرس خطاه و يتحول الهاتف من وسيلة تشاوف يشهر كإشاعة ثراء .
أعترف بأنه حدث أن حسدت نساء بسيطات المظهر يتحدثن بولع على جهاز هاتف بسيط مع حبيب في الطرف الآخر من الخط و كدت أعرض عليهن جهازي النقال الفاخر واثقة بأنهن إن قبلن صفقتي سيقمن باستثمار عاطفي سيء.
ملاحظة: ما زال هاتفي الأنيق معروض للمقايضة بهاتف بسيط لا يدق...بل يخفق
![]()
![]()
![]()
الأشغال المنزلية متعة ما، تخفف من طبعي العصبي الجزائري في التعامل مع الأشياء، قبل أن أعثر على طريقة أخوص بها المعارك القومية والأدبية، أثناء قيامي بمهامي اليومية.
وهكذا، كنت أتحارب مع الإسرائيليين، أثناء نفض السجاد وضربه، وأرش الإرهابيين بالمبيدات، أثناء رشي زجاج النوافذ بسائل التنظيف، وأمسح الأرض بناقد صحافي، أثناء مسحي أرض البيت وشطفها، وأتشاجر مع مزوري كتبي، ومع الناشرين والمحامين، أثناء غسل الطناجر وحكها بالليفة الحديدية، وأكوي "عذالي" وأكيد لهم أثناء كي قمصان زوجي، وأرفع الكراسي وأضعها مقلوبة على الطاولات، كما أرفع بائعا غشني من ربطة عنقه.
أما أبطال رواياتي، فيحدث أن أفكر في مصيرهم وأدير شؤونهم، أثناء قيامي بتلك الأعمال البسيطة التي تسرق وقتك، دون أن تسرق جهدك، والتي في إمكانك أن تسهو وأنت تقوم بها، من نوع تنظيف اللوبياء، وحفر الكوسا، وتنقية العدس من الحصى، أو غسل الملوخية وتجفيفها. حتى إنني بعد عشرين سنة من الكتابة المسروقة من الشؤون البيت أصبحت لدي قناعة، أنه لا يمكن لامرأة عربية أن تدعي أنها كاتبة إن لم تكن قد أهدرت نصف عمرها في القيام بالأشغال المنزلية، وتربية الأولاد، وتهريب أوراقها في الأكياس كسارق، من غرفة إلى أخرى، ولا أن تدعي أنها مناضلة، إن لم تكن حاربت أعداء الأمة العربية بكل ما وقعت عليه يدها من لوازم المطبخ، كما في نداء كليمنصو، وزير دفاع فرنسا، أثناء الحرب العالمية الأولى، عندما صاح: "سندافع عن فرنسا، وندافع عن شرفها، بأدوات المطبخ والسكاكين.. والشوك.. والطناجر إذا لزم الأمر".
وإذا كان كليمنصو هو الرجل الوحيد في العالم الذي دفن واقفا حسب وصيته، لا أدري إذا كان يجب أن أجاريه في هذه الوصية لأثبت أنني عشت ومت واقفة خلف المجلى وخلف الفرن، بسبب "الزائدة القومية" التي لم أستطع استئصالها يوما، ولا زائدة الأمومة التي عانيت منها.
يشهد الله، أنني دافعت عن هذه الأمة بكل طنجرة ضغط، وكل مقلاة، وكل مشواة، وكل تشكيلة سكاكين اشتريتها في حياتي، دون أن يقدم الأمر شيئا في قضية الشرق الأوسط.
وكنت قبل اليوم استحي أن أقول لسيدات المجتمع اللائي يستقبلنني في كل أناقتهن ووجاهتهن، إنني أعمل بين كتابين شغالة.. وصانعة، كي استعيد "الشعور بالعبودية"، الذي عرفته في فرنسا أيام "التعتير" والذي بسببه كنت أنفجر على الورق، حتى قرأت أن سفيرا تشيكيا في بريطانيا (وهو محاضر جامعي سابق) قدم طلبا لعمل إضافي، وهو تنظيف النوافذ الخارجية في برج "كاناري وورف" المعروف شرق لندن، لا كسبا للنقود، وإنما لأنه عمل في هذه المهنة في الستينات، ويريد أن يستعيد "الشعور بالحرية" الذي كان يحس به وهو متدل خارج النوافذ، معلقا في الهواء يحمل دلوا واسفنجة.
غير أن خبرا في ممجلة "فاكس" السويسرية أفسد علي فرحتي بتلك المعارك المنزلية التي كنت استمد منها قوتي. فقد نجحت سيدة سويسرية في تحويل المكنسة ودلو التنظيف إلى أدوات فرح، بعد أن تحولت هي نفسها من منظفة بيوت إلى سيدة أعمال، تعطي دروسا في سويسرا والنمسا وألمانيا، حول أساليب التمتع بالتنظيف من خلال الموسيقى والغناء، ودروس الرقص الشرقي وتنظيم التنفس.
أما وقد أصبح الجلي والتكنيس والتشطيف يعلم في دروس خصوصية في جنيف وبرلين وفيينا على وقع موسيقى الرقص الشرقي، فأتوقع أن أجد بعد الآن في مجالس النساء في بيروت من ستسرق مني حتى زهوي باحتراف هذه المهنة.
ثمّة كتب عليك أن تقرأها قراءة حذرة ..
أفي ذلك الكتاب اكتشفت مسدّسها مخبّأ بين ثنايا ثيابها النسائية و جملها المواربة القصيرة ؟
لكأنّها كانت تكتب لتردي أحدا قتيلا ، شخصا وحدها تعرفه و لكن يحدث أن تطلق النار عليه
فتصيبك ؟ كانت تملك تلك القدرة النادرة على تدبير جريمة حبر بين جملتين و على دفن
قارئ أوجده فضوله في جنازة غيره ، كل ذلك يحدث أثناء انشغالها بتنظيف سلاح الكلمات .
عابر سرير ...
كنت أراها تكفن جثّة حبيب في رواية بذلك القدر من العناية كما تلفلف الأم رضيعا بعد
حمامه الأول .
عندما تقول امرأة عاقر : (( في حياة الكاتب تتناسل الكتب )) هي حتما تعني تناسل الجثث
و أنا كنت أريدها أن تحبل منّي أن أقيم في أحشائها خشية أن أنتهي جثّة في كتاب .
عابر سرير ...
... و كنت قرأت أنّ الغوليين سكان فرنسا الأوائل يرمون إلى النار الرسائل التي يريدون
إرسالها إلى موتاهم ، و كان مأتم النار يدوم لعدّة أيام ، يلقون إليه بأشياء فقيدهم و بمكاتيب
محمّلة بسلاماتهم و أشواقهم و فجيعتهم .
وحدها النار تصلح ساعي بريد ، وحدها بإمكانها إنقاذ الحريق ...
أكلّ ذلك الرماد الذي كان نارا من أجل صنع كتاب جميل ؟؟
يتبع ...