الحلقة الرابعة عشرة :
اليوم غيرت في تسلسل الحلقات التي كنت قد أعددتها قبل هذا الشهر الكريم 00 فهذه قدمتها ، وأخرت الأخرى 0
• معنى الصحة والمرض :
الصحة والمرض درجات متباينة تختلف في الدوام والشدة ، وتتباين من شخص لآخر ، والصحة هي إحدى متع الحياة ، بينما المرض من عوامل شقاء الحياة وقساوتها 0 وليس الصحة Health مجرد خلو الجسم من المرض والاضطراب ، ولكنها يتكامل فيها الشعور بالكفاية والسعادة الجسمية والنفسية والاجتماعية 0 إنها حالة من التوافق التام بين الوظائف البدنية والنفسية المختلفة ، والقدرة على مواجهة الصعوبات مع الإحساس الإيجابي بالنشاط والحيوية 0 والصحة باعتبارها الخلو من المرض مع السلامة من كل علة في شعور نفسي بالسعادة هي إحدى متع الحياة وأهدافها المرحلية المتجددة 0
تعريف منظمة الصحة العالمية ( World Health Organization ( WHO للصحة :
هي حالة State من الرفاهة والسعادة Well-being والكفاية الجسمية والنفسية والاجتماعية التامة ، وليست مجرد غياب المرض أو العجز أو الضعف 0
• معنى المرض :
المرض Disease هو عكس الصحة ، ويُعرف طبياً بأنه أي شرط أو وضع Position Condition جسمي غير سوي 0 إن الاضطراب Disorder هو خلو النظام أو تعطيل له يحدث حالا ، ويؤدي إلى خلل في النظام وسيره الطبيعي 0 إن المرض أو الاضطراب هو : مجموعة أعراض Symptoms وعلامات Signs ( كضغط الدم وارتفاع درجة الحرارة ، والغثيان ، الإقياء والدوخة ) تجتمع معا لتكون ما يُسمى متلازمة Syndrome أو تناذر ، هذه المتلازمة أو التناذر لاجتماع الأعراض معا نطلق عليها اسم مرض أو اضطراب بعد فحصها وتشخيصها 0
• الصحة والمرض على خط متصل :
إن الصحة والمرض ليست مفاهيم منفصلة ، ولكنها متداخلة بحيث نتحدث عن درجات متفاوتة من الصحة والمرض 0
ويرى أرون أنتو فسكي أن معظم الناس ينظرون إلى الصحة والمرض على أنهما نهايات وأطراف عبر متصل Continuum وأن الناس يقعون في درجات على هذين الطرفين وعبر هذا الخط المتصل 0 ويعني ذلك أن الصحة والمرض حالات نسبية تتوزع بشكل كمي على هذا المتصل ولكل فرد درجة ومركز عليه 0 إن الانتقال من المركز ( النقطة الحيادية ) إلى اليسار يعبر عن حالة متزايدة من تدهور الصحة وازدياد الأعراض والمرض 0 في حين التحرك باتجاه اليمين يعبر عن ازدياد درجة الصحة ويمكننا أن ندفع الشخص إلى مزيد من الصحة عن طريق برامج التوعية والتربية والوقاية والنمو المتكامل ( وهذا ما يركز عليه المنهج الوقائي Preventive والمنهج الإنمائي Devlopmental أما المنهج الذي نتبعه في تخفيف الأعراض عند الشخص والتخلص من المرض وإبعاده عن التوجه نحو اليسار فهو المنهج العلاجي Remedial 0
• الصحة الجسمية والصحة النفسية :
كل شخص منا قد عانى من الألم خلال حياته ، سواء آلام في الظهر أو صداع أو مغص أو أي ألم آخر ، وتعود الناس منذ القدم الاهتمام بصحة أبدانهم ، وهذا الاهتمام يتزايد يوما بعد يوم 0 وبالرغم من ذلك ولكن نلتقي ونواجه في حياتنا ، القلق ، والمنطوي ، والبائس ، والمتردد ، ونشكو مما يصدر من الأطفال والمراهقين من انحرافات وأنواع أخرى من السلوك ، ونسمع ونقرأ عن كثير من الاضطرابات النفسية 0 وأسباب الأمراض الجسمية يمكن اكتشافها وعلاجها ، وقد اهتم الناس منذ القدم بالجانب العضوي للصحة لأنه بالامكان قياسه واكتشافه والتعامل معه بدقة وموضوعية على العكس من الجانب النفسي للصحة ، حيث لا يخضع لمثل هذه الدقة في القياس 0 وبسبب ذلك حقق الطب تقدما كبيرا في فهم أسباب الأمراض الجسمية 0 إلا أن الصحة النفسية لم تلقى مثل هذا الاهتمام حتى وقت متأخر ، حين تطورت ميادين علم النفس واتبع المنهج العلمي والإحصائي ، والمقاييس النفسية لدراسة السلوك بأشكاله المختلفة وخاصة الاضطرابات النفسية وعلاجها 0
• معنى الصحة الجسمية : Physical Health
تُعرف الصحة الجسمية بأنها : التوافق التام بين الوظائف الجسمية المختلفة ، مع القدرة على مواجهة الصعوبات والتغيرات المحيطة بالإنسان ، والإحساس الإيجابي بالنشاط والقوة والحيوية 0 إذا حللنا هذا التعريف يتبين لنا أن الشخص الذي يتمتع بالصحة الجسمية لا بد أن تتوافر فيه السمات التالية :
1ـ السمة الأولى : التوافق التام بين الوظائف الجسمية المختلفة 0 أي أن يقوم كل عضو في الجسم بوظيفته بطريقة سليمة تخدم حاجة الأعضاء الأخرى دون زيادة أو نقصان 0 فعندما يقوم كل من الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي ، والبولي ، والقلب والدوراني بدوره بصوره سليمة في الجسم ، أدى هذا إلى صحة الجسم وقوته 0 وكل عضو من هذه الأعضاء يخدم العضو الآخر 0 وهذا هو المقصود بالتوافق بين الوظائف الجسمية 0 أما إذا قام أحد الأعضاء بنشاط أكبر أو أقل مما يتطلبه دوره 0 فسيؤدي هذا إلى المرض 0 فلو قام الجهاز البولي بنشاط أقل مثلا ، سيجعل الجسم غير متمكن من التخلص من الفضلات ، فيصاب بالمرض 0 ولو عجز الجهاز التنفسي عن القيام بدوره السوي ، أثر ذلك على نقاء الدم في الدورة الدموية ، ولو انخفض نشاط الغدة الدرقية أو زاد عن الحد الطبيعي الذي يحتاجه الجسم ، فإنه سيؤدي إلى اضطرابات متنوعة 0 وهكذا فإن التناسق الوظيفي والمتكامل Integration التام بين الوظائف الجسمية يعني أن تعمل جميعها متعاونة متفاعلة لصالح الجسم كله 0
2ـ السمة الثانية : هي قدرة الجسم على مواجهة الصعوبات العادية المحيطة به ، وقدرته على مقاومة التغيرات المألوفة مثل حرارة الجو مثلا ، مقاومة الأمراض ( المناعة ) 0 والتكيف مع أنواع الأغذية 0 إن أساليب التوافق الجسمي لهذه التغيرات كثيرة ومعروفة مثل : ارتفاع درجة حرارة الجسم حين المرض ( وهذا إنذار للفرد للإسراع بالمعالجة ) 0 أو هجوم كريات الدم البيضاء على جرثومة ما من أجل حماية الجسم ، وكثرة إفراز العرق عند ارتفاع درجة الحرارة لتعيد للجسم تنظيم درجة حرارته 0
3ـ السمة الثالثة للصحة البدنية : هي الشعور بالنشاط والقوة والحيوية ، وهذه السمة مرتبطة بدرجة وثيقة بالسمتين السابقتين 0 فلا يمكن للشخص أن يكون متمتعا بالصحة الجسمية إذا لم يكن هناك توافق بين وظائف أعضائه وأجهزته الجسمية ، ولم يكن قادرا على مواجهة التغيرات أو الصعوبات العادية التي يتعرض لها الجسم 0
• معنى الصحة النفسية :
هناك علاقة بين الصحة الجسمية والصحة النفسية وهي علاقة وثيقة ، فتعريف الصحة النفسية هو تعريف الصحة الجسمية نفسه ، مع إبدال كلمة ( نفسية ) بكلمة ( جسمية ) ، فالصحة النفسية هي : التوافق التام بين الوظائف النفسية المختلفة ، مع القدرة على مواجهة الأزمات والصعوبات العادية المحيطة بالإنسان ، والإحساس الإيجابي بالنشاط والسعادة والرضا 0 وهذا يعني أن الشخص الذي يتمتع بالصحة النفسية لا بد من توافر السمات التالية فيه :
1ـ التوافق التام بين وظائفه الجسمية المختلفة : أي أن يكون هناك انسجام وتوافق بين كل وظيفة نفسية والوظائف الأخرى بحيث تخدم عملها دون زيادة أو نقصان 0 والوظائف النفسية هي : المقومات المعرفية العقلية ( إدراك ـ انتباه ـ تجريد ـ تخيل ـ تفكير ) والانفعالية ( سلوك اجتماعي وصداقات ، وتعاون ، واتجاهات ) 0 فالانسجام إذا يكون بين هذه المكونات جميعها في شخصيته ، بين ذاته المثالية وذاته الواقعية ، بين قدراته أو إمكاناته ، ومستوى طموحه ، بين حاجاته أو رغبته واتجاهاته 0 فإذا كان مستوى طموحه أعلى من قدرته أو كانت الفجوة كبيرة بين ذاته المثالية ( التي يرغب أن يكون ) وذاته الواقعية ، أو كان خوفا من مثير ما زائد أو أقل عن الحد الطبيعي الذي يتطلبه المثير أو الموقف ، أو كانت ذاكرته أقل أو أكثر من المعتاد عند الإنسان السوي 0 فإن هذه الحالات تؤدي إلى خلل في الصحة النفسية وتزيد من الاضطرابات النفسية 0
2ـ قدرة الفرد على مواجهة الأزمات والصعوبات العادية المختلفة التي يمر بها : وهي كثيرة جدا هذه الأزمات والضغوطات التي يمر بها الإنسان وخاصة في هذا العصر الذي سُمي ( عصر القلق ) فالشخص المتمتع بالصحة النفسية هو القادر على مواجهة ضغوطات الحياة وأزماتها وحلها بصورة واقعية مثمرة ، وليس أن يتهرب منها 0
3ـ الإحساس بالسعادة والرضا والحيوية : والمقصود بذلك : أن يكون الفرد متمتعا بعلاقاته مع الآخرين ، راضيا عن نفسه ، وسعيدا وليس متذمرا كارها لها 0 ويرتبط هذا الشعور بالسمتين السابقتين 0 فلا يمكن للفرد أن يكون سعيدا وراضيا ، إلاّ إذا كان هناك توافق بين وظائفه النفسية ، وقادرا على مواجهة الأزمات والصعوبات التي يمر بها 0
• تعريف الصحة النفسية :
1ـ تعني أن يكون الإنسان سعيد ، وعلى علاقة طيبة بأسرته ، ومحبوبا من المحيطين به ، وناجحا في عمله ومتفائلا بمستقبله 0 وهذا ما يصعب الوصول إليه 0 فمن الناس من يقترب إلى تمام الصحة النفسية ، ومنهم من يصل إلى درجات قليلة أو كثيرة 0 والعكس من ذلك يكون المرض النفسي 0 ( خليل ، 1982) 0
2ـ حين نسعى وراء تحديد لمفهوم الصحة النفسية نجد أنفسنا أمام أكثر من تعريف واحد ، وتجاه أكثر من تحفظ ، ولكن نستطيع القول أنها : حالة إيجابية توجد عند الفرد ، وتكون في مستوى قيامه 0 ( الرفاعي ، 1987 ) 0
3ـ الصحة النفسية : هي حالة دائمة نسبيا يكون فيها الفرد متوافقا نفسيا ( شخصيا وانفعاليا واجتماعيا ، أي مع نفسه ومع بيئته ) ويشعر فيها بالسعادة مع نفسه ومع الآخرين ، ويكون قادرا على تحقيق ذاته واستغلال قدراته وامكاناته إلى أقصى حد ممكن ، ويكون قادرا على مواجهة مطالب الحياة وتكون شخصيته متكاملة سوية ، ويكون سلوكه عاديا بحيث يعيش في سلامة وسلام 0 ( زهران ، 1988 ) 0
4ـ الصحة النفسية عموما هي : حالة السلامة المتكاملة في النواحي الجسمية والذهنية والانفعالية والاجتماعية ـ فالصحة ليست مجرد الخلو من الأمراض والانحرافات والتشوهات ، كما أنها ليست مجرد الخلو من الأمراض الجسمية وحدها ـ بل هي صحة في جميع جوانب التكوين الإنساني خلوا من مرض مع اللياقة البدنية والقدرات النفسية والذهنية المتوافقة والنشيطة في حياة اجتماعية سليمة منتجة ، ( هذه الصحة عموما ) 0
أمّا الصحة النفسية فإنها حالة دائمة نسبيا يكون معها الفرد الإنساني متوافقا نفسيا في قرارة ذاته ويشعر معها بالسعادة مع نفسه ومع الآخرين بحيث يكون قادرا على مواجهة مطالب الحياة ومشكلاتها في سلوك عادي 0 ( الهاشمي ، 1986 )
5ـ الصحة النفسية هي : أعلى مستوى من التكيف السلوكي والانفعالي ، وليس مجرد الخلو من المرض أو الاضطراب 0 ( ( Reben ,19850
6ـ الصحة النفسية : هي حالة ـ عقلية انفعالية سلوكية ـ إيجابية ، وليست مجرد الخلو من الاضطراب النفسي ، دائمة نسبيا ، تبدو في أعلى مستوى من التكيف النفسي والاجتماعي والبيولوجي حين تفاعل الفرد مع محيطه الداخلي ( ذاته ) ومحيطه الخارجي ( الاجتماعي والفيزيقي الطبيعي ) وحين تقوم وظائفه النفسية بمهماتها بشكل متناسق ومتكامل ضمن وحدة الشخصية 0 ( عبد الله ، 2001 ) 0
وأرى أن الصحة النفسية هي : قدرة الإنسان على التكيف و التوافق مع المجتمع الذي يعيش فيه وعدم الشذوذ عنه وعدم مخالفته ، مع قدرته على التطور ، وقدرته على الحب وعلى العمل أي ( حب الفرد لنفسه وللآخرين على أن يعمل عملا بناء يستمد منه البقاء لنفسه وللآخرين ) 0
الإسلام والمرض النفسي :
سؤال : هل يمرض المسلم ؟
جواب : نعم المسلم يمرض بالمرض النفسي كغيره من البشر وذلك لجملة أسباب: أ ـ أنه إنسان ، والإنسان معرض للمرض الجسمي والنفسي لأن المرض أحد مخلوقات الله وأسبابه سبحانه وتعالى في تكييف هذا الكون وضبطه 0 فكم خلال المرض يموت بعض البشر ، ومن خلال وجود المرض يرتزق بعض البشر ومن خلال وجود المرض يتعب بعض الأفراد سواء كانوا مرضى أو من أهل المرضى 0 ب ـ أن المرض النفسي كغيره من الأمراض له أسبابه الجسمية البيولوجية وأسبابه النفسية وأسبابه الاجتماعية ويتعرض المسلم لهذه الأسباب كغيره من البشر0 ج ـ أن الوسائل الدفاعية التي تقي من المرض ومن بينها الإيمان بالله لا تكفي وحدها للوقاية تماما من المرض النفسي ولذلك يحدث المرض النفسي للمسلم- فلو نجحت وسائل الوقاية تماما لاختفى المرض من الحياة ولتغير قاموس الكون 0 د ـ أن كثير من الأمراض النفسية في المرض النفسي تتعرض للوظائف النفسية المعرفية والوجدانية والسلوكية وهي في هذا تختلط بالعمليات الإيمانية التي تتعرض لنفس الوظائف وعندما تحدث الأعراض النفسية للمؤمن يتصور أنها نتاج العملية الإيمانية ويصعب على الطيب النفسي أن يحكم في مثل هذه المواقف المتداخلة 0 غير أنه من الممكن أن يعتمد على المؤشرات الآتية للحكم بوجود المرض :
أـ عدم الرضا عن الظاهرة من الفرد نفسه 0
ب ـ عدم رضا المجتمع وعدم تقبله لهذه الظاهرة 0
ج ـ تأثر إنتاجية الفرد تتجه لحدوث الظاهرة 0
د ـ إن الإيمان عملية قلبية غيبية بالدرجة الأولى ، قال تعالى : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } 0
وباعتباره عملية قلبية غيبية فإنه لا يمكن قياسها أو الحكم على حقيقتها وبالتالي يصعب تحديد ما إذا كان الإيمان كافيا لدفع المرض على أساس واقعي أو تجريبي 0