اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم أي بالتفكر فيها والقيام بشكرها وتقييد النعمة بهم لأن الإنسان غيور حسود بالطبع فإذا نظر إلى ما أنعم الله على غيره حمله الغيرة والحسد على الكفران والسخط وإن نظر إلى ما أنعم الله به عليه حمله حب النعمة على الرضى والشكر وقيل أراد بها ما أنعم الله به على آبائهم من الإنجاء من فرعون والغرق ومن العفو عن اتخاذ العجل وعليهم من إدراك زمن محمد صلى الله عليه وسلم وقرىء اذكروا والأصل إذتكروا ونعمتي بإسكان الياء وقفا وإسقاطها درجا هو مذهب من لا يحرك الياء المكسور ما قبلها . وأوفوا بعهدي بالإيمان والطاعة . أوف بعهدكم بحسن الإثابة والعهد يضاف إلى المعاهد والمعاهد ولعل الأول مضاف إلى الفاعل والثاني إلى المفعول فإنه تعالى عهد إليهم بالإيمان والعمل الصالح بنصب الدلائل وإنزال الكتب ووعد لهم بالثواب على حسناتهم وللوفاء بهما عرض عريض فأول مراتب الوفاء منا هو الإتيان بكلمتي الشهادة ومن الله تعالى حقن الدم والمال وآخرها منا الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلا عن غيره ومن
الله تعالى الفوز باللقاء الدائم وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أوفوا بعهدي في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم أوف بعهدكم في رفع الأنصار والإغلال وعن غيره أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر أوف بالمغفرة والثواب أو أوفوابالاستقامة على الطريق المستقيم أوف بالكرامة والنعيم المقيم فبالنظر إلى الوسائط وقيل كلاهما مضاف إلى المفعول والمعنى أوفوا بما عاهدتموني من الإيمان والتزام الطاعة أوف بما عاهدتكم من حسن الإثابة وتفصيل العهدين في سورة المائدة في قوله تعالى ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل إلى قوله ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار وقرىء أوف بالتشديد للمبالغة .
^ ^ وإياي فارهبون فيما تأتون وتذرون وخصوصا في نقض العهد وهو آكد في إفادة التخصيص من إياك نعبد لما فيه مع التقديم من تكرير المفعول والفاء الجزائية الدالة على تضمن الكلام معنى الشرط كأنه قيل إن كنتم راهبين شيئا فارهبون والرهبة خوف مع تحرز والأية متضمنة للوعد والوعيد دالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد وأن المؤمن ينبغي أن لا يخاف أحدا إلا الله تعالى . وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم إفراد للإيمان بالأمر به والحث عليه لأنه المقصود والعمدة للوفاء بالعهود وتقييد المنزل بأنه مصدق لما معهم من الكتب الإلهية من حيث إنه نازل حسبما نعت فيها أو مطابق لها في القصص والمواعيد والدعاء إلى التوحيد والأمر بالعبادة والعدل بين الناس والنهي عن المعاصي والفواحش وفيما يخالفها من جزئيات الأحكام بسبب تفاوت الأعصار في المصالح من حيث إن كل واحدة منها حق
بالإضافة إلى زمانها مراعى فيها صلاح من خوطب بها حتى لو نزل المتقدم في أيام المتأخر لنزل على وفقه ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي /ح/ تنبيه على أن اتباعها لا ينافي الإيمان به بل يوجبه ولذلك عرض بقوله ولا تكونوا أول كافر به بأن الواجب أن يكونوا أول من آمن به ولأنهم كانوا أهل النظر في معجزاته والعلم بشأنه والمستفتحين به والمبشرين بزمانه و أول كافر به وقع خبرا عن ضمير الجمع بتقدير أول فريق أو فوج أو بتأويل لا يكن كل واحد منكم أول كافر به كقولك كسانا حلة فإن قيل كيف نهوا عن التقدم في الكفر وقد سبقهم مشركو
العرب قلت المراد به التعريض لا الدلالة على ما نطق به الظاهر كقولك أما أنا فلست بجاهل أو لا تكونوا أول كافر به من أهل الكتاب أو ممن كفر بما معه فإن من كفر بالقرآن فقد كفر بما يصدقه أو مثل من كفر من مشركي مكة و أول أفعل لا فعل له وقيل أصله أو أل من وأل فأبدلت همزته واوا تخفيفا غير قياسي أو أأول من آل فقلبت همزته واوا وأدغمت . ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ولا تستبدلوا بالإيمان بها والاتباع لها حظوظ الدنيا فإنها وإن جلت قليلة مسترذلة بالإضافة إلى ما يفوت عنكم من حظوظ الآخرة بترك الإيمان قيل كان لهم رياسة في قومهم ورسوم وهدايا منهم فخافوا عليها لو اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختاروها عليه وقيل كانوا يأخذون الرشى فيحرفون الحق ويكتمونه . وإياي فاتقون بالإيمان واتباع الحق والإعراض عن الدنيا ولما كانت الآية السابقة مشتملة على ما هو كالمبادي لما في الآية الثانية فصلت بالرهبة التي هي مبدأ السلوك والخطاب بالثانية لما خص أهل العلم أمرهم بالتقوى التي هي منتهاه .
^ ^