هُناك :/
- أتأملُ ثلاث فتيات يصاحبهنّ ثلاثة فتيان .. فريقٌ لم يتجاوز الخامسة عشر .. يفترش كل "كابلز" جزءاً من الرصيف ، في مزيج من خجل وجرأة فاضحة!
يلكز أحدهم الآخر فينهض ليبتاع لهنّ شيئاً ما ، فتفوح رائحة المخبز المجاور بفطائر لابد أنها بالجبنة وحبّة البركة، لعلّ الله يبارك لهم تلك الجلسة! وأتيقن أن المخابز لعنة شوق تلاحقني أينما حللت..
ولاأدري إن كان هذا حُسنَ حظٍ أم سوءاً له ، إذ أشتهي خبزاً ساخناً ولاأستطيع جلبه لنفسي..
لاأستطيع لأنه مامن أحدٍ يشاركني الفطيرة ..
-تفدُ إلينا قريبتي من مدينةٍ بعيدة، وتنام كضيفة في غرفتي.. إلى هنا لامشكلة..
لكن أن تغلق بابها خلفها كأني من غير مطرود سأنام في أية زاوية! فستجدني أقتحمها بغلّ لأجلب عِطري أو انسيابي أو أبحث عن قلمي الذي أضعته منذ عام، إذ كيف أنام دون أن أجده! عالمةً أني لابد سأخرج وقد أيقظت أطفالها..
(أحسن مين قالها تنام بغرفتي.. وتسكر الباب كمان!)
-لم يأسرني في إجازتي سوى ليل حِمص البارد، وسماؤها الكحليّة الناعسة ، التي قد "يشطح" بي الخيال فتكون لحافاً كبيراً في أيّ لحظة.. وقطارها الذي لايستهويه الاحتكاك بسكة الحديد إلا ليلاً.. كأنه يحملُ عشاقاً أو روّاداً للمساءِ لا أكثر..
-يحلو لي الاستلقاء على صوفا البلكونة، والاستماع إلى أحاديث الذين لم يستلطفهم النوم مثلي..
تحلو لي الكتابة على ضوء عامود النور الذي لايصل، فتتعرج أحرفي كأمواج.. قد أنام ويسقط القلم ، ولايوقظني إلا أذان الفجر فأهرع لصلاتي قبل أن يلمحني أحد الجيران!
-أحبّ مرأى حبائل الغسيل المعلّق تتراقص في الشرفات.. كأن هناك إيقاعاً خفياً تحملهُ حبيبات مسحوق الغسيل!
-هناك سحب بيضاء تنذر بالبرد تأتي ولاأعلم من أين، وتمضي إلى حيث لاأدري.. كبيرة.. كبيرة.. توحي بأنها مزرعة قطن .. تناديني لأمشي عبرها ..
-هناك لاأملك سوى أن أسهر، رُغم أن لليل مذاقٌ موجع أتتبعه بحماقتي المعهودة..
أسهر.. لألتحف السماء وتوشوشني أشجار الياسمين، وتداعبني رائحتها ..
أسهر.. فينعكس في نصف وجهي النور وينغمس الظلام في نصفه الآخر..
أسهر.. لأنني في السهر أتجرد من أقنعتي ، وأظهر ..
أسهر وأحمد الله أن هناك من يقود سيارته ليلاً، ليسلّيني ، ويساعدني في عَدِّه كخروف!
إلى أن يأتيني النوم مع النسيم