شباب "عدسة شاب حمصي" بين خياري القصف أو الإعدام
لا يتجاوز عمر أكبرهم 24 عاماً وأخذوا من المكان والذكريات هدفاً للتوثيق
![]()
السوق الأثري في حمص (خاصة للعربية.نت)
![]()
دمشق - جفرا بهاء يبدو السوريون محترفي إيجاد طرق جديدة للعيش، فللحياة في ظل القمع والحصار كالحالة التي تعيشها سوريا حالياً طقوس خاصة، تسري على كل مناحي الحياة.
وإن كان السوريون استطاعوا أن ينقلوا مجازر الأسد عن طريق "اليوتيوب" والفيديوهات التي سجلت الثورة السورية فيها الرقم الأكبر، فإن صفحات الصور التي باتت متخصصة أخذت دور الإعلام البديل الصادق لإيصال معلومات تفصيلية للناس حول أرزاقهم وبيوتهم وحاراتهم ومن ثم مدينتهم.
تحولت صفحة "عدسة شاب حمصي" مع أكثر من 58 ألف مشترك إلى ما يشبه تلفزيون الواقع، تنقل الأخبار إلى الحمصيين خارج حمص، و"عدسة شاب حمصي" هي الصفحة السباقة في استخدام التصوير لتوثق حمص وتصور الخراب، وترسم خارطة حمص الجديدة.
13 شاباً وثقوا حمص
![]()
الحميدية
أدمن صفحة "عدسة شاب حمصي" يعتبر نفسه واحداً من 13 شاباً يخاطرون بحياتهم يومياً وعلى مدار الساعة لتصوير مدينتهم، ولمحاولة إيصال المعلومة لأهل حمص ونازحيها.
يقول أحمد الحمصي (أدمن الصفحة): "الفكرة بدأت بنقل ما يجري بمدينة حمص بطريقة التصوير الفوتوغرافي، خصوصاً أنه ما من أحد اهتم بها، إذ إن كمية الفيديوهات الهائلة التي خرجت من سوريا وثقت للقتل والمجازر، ولكنها لا تستطيع توثيق الأماكن، فأخذنا نحن مهمة توثيق المكان والذكريات".
الصفحة انطلقت بالشهر الخامس من سنة 2012، وبجهد شخصي بحت بين أصدقاء بأعمار تتراوح بين 19 عاماً والـ24.
تحدث أحمد عن خفايا الصفحة، عن الكواليس التي تنتج صور بجودة عالية، وفنية لافتة للنظر، ولقطات تبكي يومياً الآلاف من السوريين فيقول: "ننشر صوراً من أحياء تحت سيطرة الجيش السوري الحر ومناطق تحت السيطرة الأمنية الكاملة، وعندما يتم التصوير في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر فإن القصف اليومي المستمر يجعلنا بصورة دائمة تحت النار، أي أن خوف الاعتقال غير موجود في هذه الحالة، ولكن عندما يكون المكان المراد تصويره في المناطق التي تقع تحت السيطرة الأمنية الأسدية، مثل الدبلان، الغوطة، الإنشاءات الحمراء، الملعب الوعر، فإن المصور في هذه الحالة يدرك تماماً أنه إن تم اعتقاله فإنه سيعدم ميدانياً، فالكاميرا في حمص تعد سلاحاً أفتك من الدبابة بالنسبة لرجال النظام وشبيحته، لأنها الأداة التي تفضحه وتعرّيه أمام الرأي العام، وإلى الآن لم يتعرض أحد منا إلى الاعتقال خصوصاً أن الجيش الحر يحمينا دائماً".
الخراب الذي غطى حمص حولها إلى ما يشبه الحياة التي بلا حياة، وحول الموت إلى الساكن الوحيد لما يسميها أهلها "حموصة"، وربما يكون ابتكار هؤلاء الشباب تلك الطريقة لتوثيق مدينتهم مهمة لغاية للناحية النفسية والمعنوية والواقعية للمهجرين الحمصيين، ولو على سبيل أن يدرك الشخص أنه ما من بيت ينتظره بعد الآن.
"لسنا محترفين وإنما سوريين فقط"
![]()
في حمص القديمة
يقول أحمد (أدمن الصفحة) إنهم لا يتبعون خطة مسبقة، وإنما كل يوم تتغير الخارطة حسب الوضع الأمني وحسب الطلبات التي تأتي إلى الإيميل بكثافة شديدة من الناس الذين يطلبون تصوير مناطق معينة لمعرفة أخبار مناطق تواجد أهلهم وعائلاتهم.
ويتابع "في بعض الأحيان تكون المنطقة المطلوب تصويرها خطرة جداً، ونحن وإن كنا نحاول التزام الحذر إلا أن بعض الرسائل تظهر مدى خوف مرسلها على أهله أقسى من أن نأجلها، فإن الشباب يبادرون بقبول المخاطرة لمحاولة تصوير المنطقة".
للثورة السورية نكهة مختلفة، لإبداع أبنائها رائحة الحياة التي لا تقهر، وإن كانت "عدسة شاب حمصي" اعتمدت وتعتمد على مجموعة أصدقاء لم يكن التصوير في يوم من الأيام مهنتهم، فإنهم اتخذوا قرار الاحتفاظ بأدلة همجية قصف النظام السوري وتدميره للمدينة لأجيال وأجيال سورية قادمة.
"عدسة شاب حمصي" تصور الإنسان والحجر، وتخلد الدمار ودموع الأطفال في حمص، وتجعل من رائحة الموت المختلطة مع عطر دم الضحايا السوريين كائناً قائماً وليس مجرد كلام أدبي.