^ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ^ تكرير للمبالغة في التحذير والزجر عما استحكم في الطباع من الافتخار بالآباء والاتكال عليهم قيل الخطاب فيما سبق لهم وفي هذه الآية لنا تحذيرا عن الاقتداء بهم وقيل المراد بالأمة في الأول الأنبياء وفي الثاني أسلاف اليهود والنصارى . ^ سيقول السفهاء من الناس ^ الذين خفت أحلامهم واستمهنوها بالتقليد والإعراض عن النظر يريد به المنكرين لتغيير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين وفائدة تقديم الإخبار به توطين النفس وإعداد الجواب وإظهار المعجزة ^ ما ولاهم ^ ما صرفهم ^ عن قبلتهم التي كانوا عليها ^ يعني بيت المقدس والقبلة في الأصل الحالة التي عليها الإنسان من الاستقبال فصارت عرفا للمكان المتوجه نحوه للصلاة ^ قل لله المشرق والمغرب ^ لا يختص به مكان دون مكان بخاصية ذاتية تمنع إقامة غيره مقامه وإنما العبرة بارتسام أمره لا بخصوص المكان ^ يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ^ وهو ما ترتضيه الحكمة وتقتضيه المصلحة من التوجه إلى بيت المقدس تارة والكعبة أخرى . وكذلك إشارة إلى مفهوم الآية المتقدمة أي كما جعلناكم مهديين إلى الصراط المستقيم أو جعلنا قبلتكم أفضل القبل ^ جعلناكم أمة وسطا ^ أي خيارا أو عدولا مزكين بالعلم والعمل وهو في الأصل اسم للمكان الذي تستوي إليه المساحة من
الجوانب ثم استعير للخصال المحمودة لوقوعها بين طرفي إفراط وتفريط كالجود بين الإسراف والبخل والشجاعة بين التهور والجبن ثمأطلق على المتصف بها مستويا فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث كسائر الأسماء التي وصف بها واستدل به على أن الإجماع حجة إذ لو كان فيما اتفقوا عليه باطل لانثلمت به عدالتهم ^ لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ^ علة للجعل أي لتعلموا بالتأمل فيما نصب لكم من الحجج وأنزل عليكم من الكتاب أنه تعالى ما بخل على أحد وما ظلم بل أوضح السبل وأرسل الرسل فبلغوا ونصحوا ولكن الذين كفروا حملهم الشقاء على اتباع الشهوات والإعراض عن الآيات فتشهدون بذلك على معاصريكم وعلى الذين من قبلكم أو بعدكم روي أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء فيطالبهم الله ببينة التبليغ وهو أعلم بهم إقامة للحجة على المنكرين فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون فتقول الأمم من أين عرفتم فيقولون علمنا ذلك بإخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق فيؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته فيشهد بعدالتهم وهذه الشهادة وإن كانت لهم لكن لما كان الرسول عليه السلام كالرقيب المهيمن على أمته عدى بعلى وقدمت الصلة للدلالة على اختصاصهم يكون الرسول شهيدا عليهم ^ وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ^
أي الجهة التي كنت عليها وهي الكعبة فإنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي إليها بمكة ثم لما هاجر أمر بالصلاة إلى الصخرة تألفا لليهود أو الصخرة لقول ابن عباس رضي الله عنهما كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينها فالمخبر به على الأول الجعل الناسخ وعلى الثاني المنسوخ والمعنى أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وما جعلنا قبلتك بيت المقدس . إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه إلا لنمتحن به الناس ونعلم من يتبعك في الصلاة إليها ممن يرتد عن دينك إلفا لقبلة آبائه أو لنعلم الآن من يتبع الرسول ممن لا يتبعه وما كان لعارض يزول بزواله وعلى الأول معناه ما رددناك إلى التي كنت عليها إلإ لنعلم الثابت على الإسلام ممن ينكص على عقبيه لقلقه وضعف إيمانه فإن قيل كيف يكون علمه تعالى غاية الجعل وهو لم يزل عالما قلت هذا وأشباهه باعتبار التعلق الحالي الذي هو مناط الجزاء والمعنى ليتعلق علمنا به موجودا وقيل ليعلم
رسوله والمؤمنون لكنه أسنده إلى نفسه لأنهم خواصه أو لتميز الثابت من المتزلزل كقوله تعالى ليميز الله الخبيث من الطيب فوضع العلم موضع التمييز المسبب عنه ويشهد له قراءة ليعلم على البناء للمفعول والعلم إما بمعنى المعرفة أو معلق لما في من من معنى الاستفهام أو مفعوله الثاني ممن ينقلب أي لنعلم من يتبع الرسول متميزا ممن ينقلب .
^ ^ وإن كانت لكبيرة إن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفاصلة وقال الكوفيون هي النافية واللام بمعنى إلا والضمير لما دل عليه قوله تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها من الجعلة أو الردة أو التولية أو التحويلة أو القبلة وقرىء لكبيرة بالرفع فتكون كان زائدة إلا على الذين هدى الله إلى حكمة الأحكام الثابتين على الإيمان والاتباع ^ وما كان الله ليضيع إيمانكم ^ أي ثباتكم على الإيمان وقيل إيمانكم بالقبلة المنسوخة أو صلاتكم إليها لماروي أنه عليه السلام لما وجه إلى الكعبة قالوا كيف بمن مات يا رسول الله قبل التحويل من إخواننا فنزلت ^ إن الله بالناس لرؤوف رحيم ^ فلا يضيع أجورهم ولا يدع صلاحهم ولعله قدم الرؤوف وهو أبلغ محافظة على الفواصل وقرأ الحرميان وابن عامر وحفص لرؤوف بالمد والباقون بالقصر .
^ قد نرى ^ ربما نرى ^ تقلب وجهك في السماء ^ تردد وجهك في جهة السماء تطلعا للوحي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع في روعه ويتوقع من ربه أن يحوله إلى الكعبة لأنها قبلة أبيه إبراهيم وأقدم القبلتين وأدعى للعرب إلى الإيمان ولمخالفة اليهود وذلك يدل على كمال أدبه حيث انتظر ولم يسأل ^ فلنولينك قبلة ^ فلنمكننك من استقبالها من قولك وليته كذا إذا صيرته واليا له أو فلنجعلنك تلي جهتها ترضاها تحبها وتتشوق إليها لمقاصد دينية وافقت مشيئة الله وحكمته ^ فول وجهك ^ اصرف وجهك ^ شطر المسجد الحرام ^ نحوه وقيل الشطر في الأصل لما انفصل عن الشيء إذا انفصل ودار شطور أي منفصلة عن الدور ثم استعمل لجانبه وإن لم ينفصل كالقطر والحرام المحرم أي محرم فيه القتال أو ممنوع من الظلمة أن يتعرضوه وإنما ذكر المسجد دون الكعبة لأن عليه الصلاة والسلام كان في المدينة والبعيد يكفيه مراعاة الجهة فإن استقبال عينها حرج
عليه بخلا القريب روي أنه عليه الصلاة والسلام قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس
ستة عشر شهرا ثم وجه إلى الكعبة في رجب بعد الزوال قبل قتال بدر بشهرين وقد صلى بأصحابه في مسجد بني سلمة ركعتين من الظهر فتحول في الصلاة واستقبل الميزاب وتبادل الرجال والنساء صفوفهم فسمي المسجد مسجد القبلتين ^ وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ^ خص الرسول بالخطاب تعظيما له وإيجابا لرغبته