" في عشيّة ليلة الميلاد , كنتُ في دبي , كلّ ماحولي يغنّي , ويرسلُ الأمنيات للسماء كطائراتٍ ورقيّة ,
وحدي في زاوية بعيدة كنتُ أجلسُ يحفّني الصمت , وأستمرّ في تناول أكواب من القهوة ,
كان في داخلي صراعٌ وتناقضاتُ الطفل القرويّ الذي ولد وعاش على مبادئ دينيّة , وشيء براغماتي ظلّ يرقص حتى احترقت السّماء مع برج خليفة , "
ماانفكّ الطّفل , يهمسُ لي أنّ الله قد يخسف بنا الأرض , أو ينزل عقابا من السماء _ هكذا تعلمنا جزاء المفسدين _
ومع كلّ همسة , يرتدّ الجواب بالأغنيات والصرخات التي ترحّب بالسنة الجديد ,
هكذا يحتفل الكون بدخول عامٍ جديد ,
بيد أنّ الأيام السعيدة , تحتفلُ بها السماء قبلنا ,
فمن كان يعتقد أنّ جازان سوف تُمطر في عشيّة رمضان ,
وهي التي ظلّت شهوراً تُكيلُ لنا التراب , دون نيةٍ للتوقّف ,
أكتبُ لكم الآن , وأنا أفتح النافذة على أرضٍ بكر , في قرية نائية , تنامُ على ملاءة من حرير أصفر , عبث المطر بلونه , فأحالهُ بنيّاً يسرّ الناظرين .
أكتبُ لكم والشمسُ لم ترحل بعد , في امتزاجٍ بديع لضوءها وحرارتها , مع قطرات المطر , ورائحته التي تنبعثُ من تحتنا ,
ويخيّل لي أنها رائحة القدماء , الذين اختلطت دماؤهم مع أرضهم , فانصهرا في نسيجٍ طينيّ , يعبقُ كلّ مطر .
أكتبُ لكم في عشيّة رمضان _ إن كان غداً _ وأنا أتحسّسُ قلبي ,
قلبي الذي مازال مكلوما حينما هاتفني أحدهم ليخبرني أنّ عليّ معتقل ,
هذا رمضانٌ آخر , لايحمل ابتسامتك أيّها التعيس , تباً لكلّ الأسوار , ولكلّ الأفكار , ولكلّ الظلم .
أكتبُ لكم , ولا أنتظرُ رسالة حبّ هذا المساء _ كالعادة _
كلّ شيء أنتظرهُ إلاّ أنتِ , رحيلكِ جعل الوجع يتفرّد بي , ويستبدّ ,
كلّ شيء مستعدٌ لهُ , إلاّ رائحتك , تأتي في رسالةٍ ما , تحملُ الأشواقَ والأمنيات , والدعوات بشهرٍ كريم .
أكتبُ للموتى , الذينَ سرقهم منّا الموت ,
وحال بيننا وبينهم ,
أفتح قصيدةً كتبتُها في رثاء أحدهم , وقلتُ فيها :
" والموت , ويح الموت , لولا أنّهُ
قدرُ الإلهِ , لما سبانا أجمعين "
بحقّ لو أنّ الموت رجلا لجالدتُه بالسيف , ولقتلني .
أكتبُ لكم ,
لا بل أرسمُ لكم ملامحا لم أعد أعرفها ,
والشيبُ يغزو عارضيّ ,
وجلّ ما أعرفه , أنّني أمرّرُ لكم مع كلماتي هذه رسالةً من قلبٍ يحبّكم جميعاً ,
ويتمنى لكم شهراً مباركا , وعبادات مقبولة , وأيام لنا لا علينا ,
وأبتهلُ للمولى , أن يجعل كلّ أيامكم أعياداً وكلّ أعوامكم بخير .