سايكس بيكو جديدة للعراق وسوريا
عصام عبدالله - واشنطن
أوضح الباحث في شؤون الشرق الأوسط، فريدريك هوف، أن حدود سايكس - بيكو التي فرضتها بريطانيا وفرنسا (في بلاد الشام وما بين النهرين) بعد الحرب العالمية الأولى، سيعاد ترسيمها من جديد لتتوافق والانقسامات العرقية والطائفية هناك، أو قل لتصبح أفضل في التعامل مع الواقع مما فرضه الحلفاء المنتصرون في الحرب.
وأضاف في مقال نشره موقع المجلس الأطلنطي أمس الأول: الفكرة حول ترسيم حدود جديدة هي فكرة رائعة، وأن احتمالات تنفيذها على الأرض حسب المتغيرات المحلية الجديدة هي أمر لا مفر منه وإلا فستفرض فرضا من الخارج.
نهاية سوريا والعراق في سايكس بيكو جديدة
ما يجتاح سوريا والعراق اليوم دفع العديد من المحللين إلى ترديد الحجة القائلة بأن “حدود سايكس ـ بيكو” التي فرضتها بريطانيا وفرنسا (في بلاد الشام وما بين النهرين) بعد الحرب العالمية الأولى، سيعاد ترسيمها من جديد لتتوافق والانقسامات العرقية والطائفية هناك، أو قل لتصبح أفضل في التعامل مع الواقع مما فرضه الحلفاء المنتصرون في الحرب العظمى.
فكرة رائعة
الفكرة حول ترسيم حدود جديدة فكرة رائعة، واحتمالات تنفيذها على الأرض بحسب المتغيرات المحلية الجديدة أمر لا مفر منه، وإلا ستفرض فرضا من الخارج.
اتفاقية سايكس بيكو 1916 شاركت فيها بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا، وكان الغرض من صياغة حدود المنطقة أساسا هو الاتفاق على تحديد حصة كل من الدول الغربية من أراضي الإمبراطورية العثمانية بمباركة روسيا. فرنسا طالبت بالشريط الساحلي من سوريا العثمانية وقسم كبير من الأناضول في الشمال والشرق. أما بريطانيا فأرادت جنوب بلاد ما بين النهرين (بما في ذلك بغداد) وموانئ عكا وحيفا في فلسطين (العثمانية).
لكن فرنسا منحت منطقة نفوذ تمتد من سوريا إلى الموصل، بينما عبرت بريطانيا عن رغبتها في السيطرة على الموصل في 1918 وأن يمتد نفوذها لفلسطين وإيران، ووفقا لذلك تمت تسمية الدول الجديدة أو بالأحرى رسم الحدود الوطنية حسب رغبة الغرب!
ملامح التقسيم
حتى 1920 لم تكن عمليات ترسيم الحدود بدأت بعد، فقد منحت اتفاقية “سان ريمو” فرنسا ولاية سوريا ولبنان، وأعطت بريطانيا ولاية فلسطين (امتدت في نهاية المطاف إلى شرق الأردن) والعراق. وفي معاهدة لاحقة (المبرمة مع تركيا) ستتحدد بلاد ما بين النهرين العراق وسوريا كدولتين مستقلتين. ومع ذلك فإنه حتى معاهدة “لوزان” في يوليو 1923 لم يتأكد الانفصال الكامل للأراضي العربية عن الدولة العثمانية، حيث تركت العديد من العرقيات ومنهم الأكراد داخل الدولة التركية الجديدة.
لذلك فإن استخدام مصطلح سايكس بيكو في إشارة للتقسيم كما نعرفه اليوم هو تسمية غير صحيحة، لأنه في الاتفاق السري لم تحدد بالضبط هذه الحدود في الشرق الأوسط وهو ما أدى بعد 1920 لظهور دول جديدة مثل العراق وسوريا ولبنان وشرق الأردن وفلسطين وغيرها، وبين كل هذه الدول التي استقلت فيما بعد، كان العراق يجمع ويتداخل مع مناطق الإمبراطورية العثمانية الأخرى ومنها “سوريا الكبرى”.
الوضع السوري
ورغم أن “القومية العربية” كانت قوة سياسية مهمة في هذه البلاد بعد الاستقلال لاستمرار الدول التي خطت حدودها وأنشأتها بريطانيا وفرنسا، الافتراض السائد اليوم أن اثنتين من هذه الدول على الأقل (استنفذت أغراضها) هما العراق وسوريا، وهو ما كشف عنه ظهور العداوات القديمة على السطح مرة أخرى والنعرات العرقية والطائفية التي تنادي بالانفصال أو حسب ما يرى البعض، إعادة دمجها في كيانات سياسية جديدة!
بالنسبة لسوريا فإن الافتراض بنهاية سايكس بيكو يعتمد على نسب السكان بالبلاد، وهو ما قاد للحرب الأهلية الطائفية، وأن الطائفية والانقسامات العرقية حلت محل الشعور القومي السوري والمواطنة.
لكن الواقع يشير إلى أن بقاء استراتيجية النظام الطائفي في سوريا قاصرة على الطائفة العلوية وحدها ليس بالضرورة حبا لعشيرة الحاكم، فقد استخدم النظام الطائفة العلوية والقوات العسكرية والاستخبارات شبه العسكرية في قتل المتظاهرين العرب السنة بشكل رئيس. أنصار التقسيم في سوريا يرون أن سوريا في نهاية المطاف تتألف من كيان كردي يرتبط أو لا يرتبط بأكراد العراق إقليميا، ودولة للعلويين في غرب سوريا ودولة عربية ذات أغلبية سنية (ربما ترتبط بالسنة في العراق) ودويلة للدروز.
يناريو العراق
سيناريوهات التقسيم في العراق هي: الأكراد بالشمال، ودولة سنة في وسط العراق، ربما ترتبط بالأجزاء العربية ذات الأغلبية السنية في سوريا، ودولة شيعية كبرى وعاصمتها بغداد.
إن تفكك سوريا والعراق من المرجح أن يحدث نتيجة الحروب الأهلية وغياب الدبلوماسية.
ومن يدري، ربما طرحت فكرة تغيير الحدود أو سايكس بيكو جديد كاقتراح غير مباشر حتى يبلور المتنافسون مواقفهم في النظام العالمي الجديد!. فإن بقاء نظام الأسد القاتل بسوريا لا يتوافق مع ما يجري والواقع الذي يجب أن تتصرف أمريكا وفقا له، لا العكس.
أما في العراق فهناك ما يجب على الولايات المتحدة عمله أكثر من مجرد “حث المالكي”، من خلف الستار.
فريدريك هوف - أقدم الخبراء في شؤون الشرق الأوسط في مركز رفيق الحريري بالمجلس الأطلسي