صديقتي فــُلانة , ذاتَ ليلة وقعتِ فوقَ غـُصني الأمـتـَن الذي ما أسمح لأحدٍ غير خاصٍ بالهبوطِ عليه لما أُنعـِم عليه من زينة ورعاية , فكـُل من جاؤوني من قـَبل أعطيتهم فروعي الكثيرة التي تـُعطيهم مايحتاجون فقــَط بينما غـُصني الأمتـَن هذا يعطي بلا توقُّف . صديقــَتي رعيتُ أمـْرَكِ عــُمْراً ثمّ انصرَفتِ عنــّي بلا وداعْ ! ,
لقــَد أحببتـُكِ حقــاً , كـُنتِ مثل أختي الأقرَبَ لي سناً , أقول لها مالا أقولُه لأحد وتوجّهني لأموري وتشاورني في أمورها , أمــّا اليوم فقــَد مر الأسبوعُ والأسبوعان والثلاثة وماخبـَر منك وصـَل وكـُل يومٍ أضــَعُ لائحــَةَ الموسيقى التي جمــّعتها من مـُرسلاتـِك منذ أوّلِ لقاءٍ إلى الآن و سميتُ اللائحة " موسيقى فــُلانة " موسيقى رائعـَة جداً وكـُل مقطوعة منها تــُذكّرني بك يافلانة .
اليوم هو آخـِر يومٍ من شهر الله ( كانون الثاني ) ولم أعــُد احتمــِل أن أبقى صامتاً هكذا , أشعــُر أن شيئاً ربــّما حدَث لك , أو رُبــّما آثرتِ المسير بعيداً لألا أأسى على فراقـك , أنتِ كــُنتُ زهرةً و حمامة وقمراً وبحراً و مقطوعة موسيقية ونهراً و واحة , في كل حالةٍ تكونين وفي كل الفصُول تغنين وتنثرين العـِطر وفي كل ليلةٍ تـُنيرين وفي كل صباحٍ تغرّدين وفي كـُل الأمصار و الأصقاعِ تحـُلّين معي أنا وحدي ولي أنا وحدي ولا أحد سوايَ يستطيع أن يكون صديق القمـَر, لمْ أندَم على لحظةٍ قضيتِها في رحابي ولا لحظة قضيتُها وأنا أتحدّثُ إليك .
أنا أعيشُ على ذكرى صديقةٍ عزيزةٍ جداً , كانت دائماً تساعـِدني لأجد طريقة أتواصـَلُ بها مع حبيبتي التي وئِدَت هـُناك بعيداً عني بفـِعلة العـُرف , حبيبتي التي كـُنتُ أخطـّطُ أن أجمعها بها لتكونا صديقتين فنصبـِح نحن الثلاثة أصدقاءَ لا تـُفـَرّقنا أي من الظروف , لكـِنّ الظروف ربـّما قد فعـَلت قبل أن يتـِمّ أي من مخططاتنا , لم يكــُن فارق المكان مشكـِلةً بالنــّسبةٍ لنا فقــَد كــُنت ألقاكِ أكثر مما ألقى نفسي , تسهرينَ معي و تنامين حين نومـِي بالرغـْم من هذا كــُلــّه فقد كـُنتِ دائماً نشيطةً في صباحـِك مثل نشاطِ الفــَراشة , كـُنتِ دائماً تنعتينني بالكسول لأني إذا نـِمتُ فإن استيقاظي يكونُ كارثة على من يوقـِظني . كــانت فــُلانة مثل الطير تسبــِّح وتذكــّرني بالصلاة , وكـُنتُ أصلـّي لربــّي و أدعواْ لها , كانت لا تدعـُني حتى أُنهي الصلاة مثل أمــّي التي غـِبتُ عنها طويلاً ولم أرها منذُ آخـِر غياب .
فــُلانة كانت مثالاً يـــُحتذى بــِهِ في الطهارة و العفــّة والخــُلق , دعوْتــُها ذات مرّة إلى منتديات صامطة حينَ كان الجميعُ يعــُدّني معجـِزة المنتدى , فجاءت للمنتدى وهي خجــْلى , سألتها عن سببِ هذا الخجـل فقالتْ لي : أنتـُم تتكلمون بالفــُصحى و بالعامـّية المحليّـة و أنا لا أتـقـِن أياً منها , كانــَت تـُحـدّثني بعربية عامّـية تخلــِطُ فيها بينَ لهجتها العربية و اللهجات الجاثمة على قنوات التلفزيون كالمـِصرية والشامية , وكانـَت تفرَح حين أعلــّمها الفــُصحى و تقولُ لي أنها حينَ تقرأ خواطـِري و كتاباتي , تتذكـّر أبا القاسم الشــّابي , هكذا كانت تقول , وحينما علمـَت عن الجفاء الذي حصــَل بيني وبين صامطة أقسمـَت ألا تدخـُله حتى قارئة , لكـِني آمــُل أن تأتي في يومٍ من الأيامْ فلربما تشتاقُ لي وتقرأ كلامي هذا فتعرِف أنها المقصودة .
كانــَت دائماً تقولُ لي أنني شابٌ " مليح " كما في لهجتها . تــُرى أينَ أنتِ يافــُلانة ؟ , هل حصــَل لكِ مكروه ؟ , أم أنــّك بخير لكنك آثرتِ البـِعاد ؟, هل تزوّجت ؟ رُبــّما أنــّكِ تعرّفتِ على شابٍ " مليحٍ " كما كـُنتُ تتمنين , " مليح " وقوي البـُنية وهادئاً ومؤدّبا يــُعطيك قـِيمتك كامرأة ولا يغفـَل عن حـُبـّك طرفة عين , آمــُل أن تكوني قد التقيتِ به فشغلـَك عنــّي , أو ربـّّما قدّرتِِ غيرتـَهُ فآثــَرتِ عدم الحديث إليّ , ألم يكــُن من الأفضــَل أن تقولي لي : في أمان الله ياحـُذيفة العــَربي ؟
لا عليك ياصديقتي .لن أغضــَبَ منكِ , وسأبقى أذكـُرك وطيبتك و أخلاقــَكِ ماحييت , كلّ ما آمـلَهُ هو أن تكوني بخيــر , و السلام عليكِ أينما حللتِ يافــُلانة .