السلام عليكم مرّة أخرى !
الحديثُ عن العنوسة , يقودنا بالطبع للحديث عن مسبباتها , لذا فمن الظلم بمكان أن نحجّم ونختصر المشكلة في قضية شائكة , ظلت حتى يومنا هذا تمثّل صورة من صور الجور في التعامل مع الفتيات , اللاتي ينتمينَ لأُسرٍ _ من آل البيت _ أو حتى للفتيات الأخريات اللاتي يُمارسُ عليهنّ هذا الظلم والاستبداد _ وهُنّ كثيرٌ في وطني _ ,
التركيبة الإجتماعيّة في مجتمعنا هي من أفرزت لنا هذه الظاهرة , ويُضاف إلى ذلك , العنصريّة والطبقيّة , والنظرة للآخر بأنه لايشاركنا ذات الدماء المقدّسة , التي لن تكون ذات يوم إحدى أسباب دخولنا الجنّة أو النار .
وماهو حريُّ بالدراسة , _ وأحبّ أن أمررهُ لمن تسائلوا عن أهم الأسباب التي أدّت لظهور فكرة منع الزواج لمن هو خارج نطاق آل البيت _ هو مايحدث تماما من الأُسر المالكة الآن في مختلف البلدان , فالأشراف إلى عهدٍ قريب , وهم ملوك وأمراء وطبقات حاكمة في مختلف أرجاء الوطن , حتى دخولنا جميعاً تحت راية التوحيد وحكم آل سعود _ حفظهم الله ورعاهم _ . لذا انتشرت هذه الظاهرة حتى كانت في فترة ما مألوفة , ويحترمها الجميع , ومع ذلك كان حينما يتقدّم شابٌ ما من أسرةٍ لها ثقلها ومكانتها الإجتماعيّة , _ وليس لهم جذور هاشميّة _ فإنه يلاقي كلّ ترحيب وتقدير , لظروف سياسيّة بحته ,
أضف كذلك إلى هذا السبب الرئيسي , سبب آخر , وهو أنّ السواد الأعظم من الأسر الهاشميّة تتزواج وتتصاهر فيما بينهم , ويجدون في ذلك كفاءة في النسب , وحفاظا على الترابط الأسري , وتآصراً فيما بينهم , ولطالما توثّقت العرى بين أبناء الأسر الهاشميّة في الحجاز أو المخلاف بتصاهر وتراحم .
توارث القومُ هذه العادة , وانقسمَ الأتباع مابين مخالف ومؤيد , ولكلّ منهم وجهاتُ نظرٍ نحترمها ونقدّرها , وهي ليست بالضرورة أن تكون في الجانب الإيجابي ,
ولكن انتقلنا جميعاً من زمن الإمارة , والقرية , وحكم القاضي , إلى زمن المدنيّة والتعايش والتزواج والانصهار في بوتقة وطنيّة واحدة , ولحمة انسانيّة متكاتفة , وجسدٌ يتساوى فيه الجميع اجتماعيا , ويظلّ _ لعقلاء وأخيارِ _ آل البيت بالطبع كلّ تقدير واحترام ومحبّة تقرباً وتوددا للمصطفى عليه وعلى آله أفضل صلاة وأجلّ تسليم .
وفي ظلّ المدنيّة التي نحياها كان علينا لزاما , أن نخرج من ثوب القبيلة , وعمامة الشيخ , إلى سقفٍ ليس لهُ حدود يتجسّدُ في الثورة على التقاليد البائدة , والانسلاخ من العنصريّة المقيتة , والتمرّد على من عبث الماضي بتفاصيل عقولهم , حتى أصبحوا صورةً كئيبة , تنشرُ الفرقة والتباعد , وتؤسس للقبليّة والجاهليّة ,
* إنّ الحلّ أيّها السيدات والسادة , لن يلدَ بين عشيّة وضحاها , ولن يكون بالدعاء على الآباء والأجداد , ولن يحدثَ باللجوء للقضاء أو حقوق الإنسان , بل بعشراتٍ من العانسات صبروا وكانوا كالبيادق على رقعة الشطرنج , والجنود في أرض المعركة , جعلت الغالبيّة يُفيقون من سباتهم , ليجدوا أنّ بين ظهرانيهم نساء أكلَ الدّهر زهرة شبابهم , وسرق الظلم بديع ملامحهم ,
* الحلّ الأنجع لهذه الظاهرة , هو مانراه يحدثُ من حولنا كلّ يوم , حينما يتمرّد وليّ من هذه الأسر , ويزوّج ابنته _ لمن يرضى دينه وخلقه _
ومع ازديادهم كلّ يوم , ومع غروب شمس _ بعض _ كبار السنّ والشيوخ الذين يتبنون هذه الظاهرة , سنجد وقتذاك , أنّ الأمر أصبح في طيّ الماضي , ومن القصص التي تروى للأطفال .
* وبما أنّ الحديث عن الحلول , فالأمر لايقتصرُ على انتظار الزمن فحسب ,
بل من الواجب بمكان , على مؤسسات الدولة , التي تشعرُ بحجم المسؤولية أن تتشارك جميعها في بثّ رسالة واحدة عبر كلّ المنابر الإعلاميّة والدينية والتعليمية والفكريّة والأدبيّة , بأنّ هذا الظلم والاستبداد والحرمان , ما أنزلَ الله بهِ من سلطان ,
ويجبُ على كلّ مؤسسة أن تستشعر دورها في العمليّة التثقيفيّة , ومراعاة الجانب النفسي لدى هذه الأسر .
* كذلك هو نداء لكلّ شاب يرغب في التقدّم لفتاة من قبائلنا ,
صدقوني أن أبوابنا مفتوحة , وقبائل الأشراف ليست كما يصورها البعض ويراها , بأنهم يعيشون في عنصريّة وعزلة وابتعاد ,
بل على العكس تماما أصبح الكثير يضرب بهذه الأفكار عرض الحائط , ويقبل بمن تجتمع فيه صفات الزوج المناسب .
ورسالتي الأخيرة _ ربما _ هي للفتيات الشريفات اللاتي يحملنَ هذا الدم النبويّ الطاهر ,
صدّقنني مهما كان الظلم , ومهما عانيتنّ من الإستبداد , فهي أقلّ وطأة من أن نقرأ عبارات البؤس وقصص الظلم ,
وأخفّ حدّةً من أن تقمن بالحوقلة والحسبلة , على الآباء والأجداد ,
فالله لن ينسى أحد من كرمه وعطاياه التي لاتتنقطع , وصبركنّ والتجلّد في مواجهة الواقع , هو خيرُ زاد تحمللنهُ في هذا الطريق الطويل , وهذا الصراع المرير .
لذا أسألكم وأنا أخوكم وابنكم , كفّوا عن الأمر , ووكلوا من لاتنام عينه _ في الخفاء _ ولاتجعلوا الأمر فرصة سائغة , لمن يمرروا السمّ في العسل .
هذا واللهُ وليّ التوفيق , والسداد .