رد: هو وهي (الجزء الأول + الجزء الثاني )
الأسرة وأهمية دورها التربوي في إعداد الأجيال
مما لا شك فيه أن الدور التربوي الذي تؤديه الأسرة تجاه أبنائها يختلف من أسرة إلى أخرى تبعاً للحالة السائدة داخل الأسرة من حيث المستوى الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي، ومن حيث العلاقات السائدة بين الزوج والزوجة من جهة ، وأسلوب تعاملهما مع الأبناء من جهة أخرى.
فهناك أسرٌ يسودها الانسجام التام، والاحترام المتبادل بين الوالدين وسائر الأبناء، ولا يعانون من أية مشكلات سلوكية بين أعضائها الذين يشتركون جميعاً في الالتزام بالقيم السامية التي تحافظ على بناء وتماسك الأسرة، وتستطيع هذه الأسر تذليل جميع المشاكل والصعوبات والتوترات الداخلية التي تجابههم بالحكمة والتعقل وبالمحبة والتعاطف والاحترام العميق لمشاعر الجميع صغاراً وكباراً . ذلك إن الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة، وخاصة بين الوالدين هو من أهم مقومات الاستقرار والثبات في حياتها، ومتى ما كانت الأسرة يسودها الاستقرار والثبات فإن تأثير ذلك سينعكس بكل تأكيد بشكل إيجابي على تربية الأطفال ونشأتهم .
لكن هناك أسرٌ يسودها الانشقاق والتمزق والتناحر وعدم الانسجام، وتفتقد إلى الاحترام المتبادل بين الوالدين، ويمارس أحدهما سلوكاً لا يتناسب مع جنسه ولا يتلاءم معه، وغير مقبول اجتماعياً، وفي هذه الحال يفتقد الأطفال القدوة الضرورية التي يتعلم منها العادات والقيم والسلوكيات الحميدة، وقد يلجأ الأطفال إلى البحث عن قرين لهذه القدوة غير كفء من خارج الأسرة، غير أن هذه النماذج تفتقر إلى عمق الشخصية، ولا يمكن التعرف عليها بنفس الدرجة التي يتعرف بها الأبناء على الوالدين .
إن عدم الانسجام بين الوالدين يؤدي إلى صراع حاد داخل الأسرة، وقد يطفو هذا الصراع على السطح، وقد تشتعل حرب باردة بين الوالدين، وقد يترك الأب الضعيف الشخصية المسؤولية العائلية للأم، وقد تحاول الأم تشويه صورة زوجها أمام الأبناء وتستهزئ به، مما يؤدي إلى شعور الأبناء بعدم الاحترام لأبيهم الضعيف والمسلوب الإرادة .
وهناك الكثير من الآباء المتسلطين على بقية أفراد العائلة، ولجوئهم إلى أساليب العنف والقسوة في التعامل مع الزوجة ومع الأبناء، وخاصة المدمنين منهم على الكحول أو المخدرات ولعب القمار، مما يحوّل الحياة داخل الأسرة إلى جحيم لا يطاق، وقد يتوسع الصراع بين الوالدين ليشمل الأبناء، حيث يحاول كل طرف تجنيد الأبناء في صالحه، مما يسبب لهم عواقب وخيمة، حيث يصبحون كبش فداء لذلك الصراع ويتعرضون للتوتر الدائم والغضب والقلق ،والانطواء ، وحب والسيطرة ،والعدوانية، ويتفق علماء التربية على أن المشكلات الأخلاقية التي يتعرض لها الأبناء غالباً ما تكون لدى الأسر التي يسودها التوتر، وعدم الانسجام، والصراع .
ويعتقد الباحثون التربيون، نتيجة الدراسات التي أجروها، أن تأثيرات الصراع والشقاق الزوجي المستمر غالباً ما يكون أشد تأثيراً على تربية وتنشأة الأبناء من الانفصال أو الطلاق، على الرغم من أن الانفصال أو الطلاق ليس بالضرورة يمكن أن ينهي العداء والكراهية بين الوالدين، فقد ينتقل الصراع بينهما إلى مسألة حضانة الأطفال ،ونفقة معيشتهم. إن الأسر التي جرى فيها انفصال الوالدين عن بعضهما نتيجة للشقاق والصراع المستمر بينهما جعل استمرار الحياة المشتركة صعباً جداً، إن لم يكن مستحيلاً، ورغم أن الانفصال أو الطلاق قد يحل جانباً كبيراً من المشاكل التي تعاني منها الأسرة، إلا أن مشاكل أخرى تبرز على السطح من جديد تتعلق بحضانة الأطفال ونفقتهم، وقد يستطيع الوالدان المنفصلان التوصل إلى حل عن طريق التفاهم، وقد يتعذر ذلك، ويلجا الطرفان أو أحدهما إلى المحاكم للبت في ذلك، مما يزيد من حدة الصراع بينهما، والذي ينعكس سلباً على أبناهما.
http://img.tebyan.net/big/1386/09/15...9245143159.jpg
وفي الغالب قد تتولى الأم حضانة أطفالها، وقد يتولى الوالد الحضانة، وقد يتولى الاثنان الحضانة بالتناوب حرصاً على مصلحة الأبناء، وعدم انقطاع الصلة بين الوالدين وأبنائهما. لكن الآثار السلبية لانفصال الوالدين على الأبناء تبقى كبيرة خاصة مع استمرار الكراهية والعداء بين الزوجين المنفصلين، ونقل ذلك الصراع بينهما إلى الأبناء، وما يسببه ذلك من مشاكل واضطرابات نفسية لهم، فقد اعتبرت الباحثة المعروفة [مافيس هيرثنكتون] الطلاق بأنه مرحلة من التردي في حياة الأسرة، وليس مجرد حدث فردي قائم بذاته.
إن التأثير الناجم عن حضانة الأبناء من قبل أحد الطرفين يمكن أن يخلق مشاكل جديدة للأطفال، فقد تتزوج الأم التي تتولى حضانة أبنائها، ويعيش الأبناء في ظل زوج الأم، وقد يكون للزوج الجديد طفل أو أكثر، وقد يتزوج الأب الذي يتولى حضانة الأطفال الذين سيعيشون في ظل زوجة أبيهم، وقد يكون لزوجة الأب طفل أو أكثر، وفي كلتا الحالتين تستجد الكثير من المشاكل، فقد لا ينسجم الأطفال مع زوج الأم، وقد لا ينسجموا مع زوجة الأب، وقد لا ينسجموا مع أطفال زوجة الأب أو أطفال زوج الأم، وخاصة عندما يكون هناك تمييزاً في أسلوب التعامل مع الأطفال، مما ينعكس سلبياً على سلوكهم وتصرفاتهم، ونفسيتهم، وخاصة البنات وقد يؤدي بهم إلى الشعور بالضيق، والقلق والإحباط والخوف والشعور بالحرمان، والحنين والحزن، وهبوط المستوى الدراسي، والهروب من المدرسة، وربما من البيت كذلك، مما يهدد باكتساب الأطفال لسلوكيات ضارة كالتدخين والمخدرات والسرقة والكذب والعدوانية، وغيرها من السلوكيات المنحرفة والمخالفة للقانون. لكن الخطر الأكبر الذي يجابه الأطفال الذين يعيشون في كنف زوج الأم هو احتمال تعرضهم للاعتداء الجنسي من قبله، مما يتسبب في مشاكل نفسية معقدة وخطيرة للطفل تلازمه مدى الحياة.
إن من المؤسف جداً أن تتصاعد نسبة الأسر المطلقة بوتائر عالية، وخاصة في المجتمعات الغربية، حيث تشير الإحصاءات على سبيل المثال إلى أن نسبة الأسر المطلقة في السويد تصل إلى الثلث.
كما أن هناك أسر فقدت أحد الوالدين نتيجة الوفاة بسبب المرض، أو وقوع حادث، ومن الطبيعي إن فقدان أحد الوالدين يؤثر تأثيراً بالغاً على نفسية الأبناء، وخصوصاً إذا ما كانت العلاقة التي تسود الأسرة تتميز بالاستقرار والثبات، ويسودها الانسجام والمحبة والوئام والاحترام المتبادل، وقد يتزوج الطرف الباقي على قيد الحياة ليدخل حياة الأبناء زوج أم، أو زوجة أب، وما يمكن أن يحمله لهم ذلك من مشاكل نفسية يصعب تجاوزها، وخاصة إذا ما كان تعامل العضو الجديد في الأسرة مع الأطفال لا يتسم بالمحبة والعطف والحنان الذي كانوا يلقونه من الأم المفقودة، أو الأب المفقود .
و هناك أسر تعمل فيها الأم بالإضافة إلى الأب، ومن الطبيعي أن الأم العاملة تترك أطفالها في رعاية الآخرين، سواء أكان ذلك في دور الحضانة، ورياض الأطفال، أو تركهم لدى الأقارب مثل الجد والجدة، وحيث أن أكثر من نصف الأمهات قد دخلن سوق العمل، فإن النتيجة التي يمكن الخروج بها هي أن أكثر من 50% من الأطفال يقضون فترة زمنية طويلة من النهار في رعاية شخص آخر من غير الوالدين سواء داخل الأسرة أو خارجها .
ولقد أوضحت الإحصائيات التي أجراها مكتب الإحصاء المركزي في الولايات المتحدة أن 54% من الأطفال دون الثامنة عشرة من العمر ينتمون لأمهات عاملات، بينما تبلغ النسبة 45% بالنسبة للأطفال دون السادسة من العمر، وطبيعي أن هذا النموذج هو السائد في المجتمعات المتقدمة على وجه الخصوص كالمجتمع الأوربي .
ورغم عدم توفر الأدلة على مدى التأثيرات السلبية والإيجابية على أبناء الأمهات العاملات، إلا أن مما لاشك فيه أن الكثير منهن يعانين نوعاً من الصراع، والشعور بالذنب بسبب العمل، وترك أطفالهن في رعاية الآخرين، وخاصة عند ما يتعرض الأطفال لمشكلات صحية أو انفعالية، وتحاول العديد من الأمهات التعويض عن ذلك بتدليل أطفالهن وتلبية مطالبهم. ورغم الجوانب السلبية لعمل الأم فإن هناك جانب إيجابي ومفيد للأطفال، حيث يوفر عمل الأم المناخ الذي يساعدهم على الاستقلالية، والاعتماد على النفس في كثير من الأمور .
وهناك أسر لديها طفل واحد يغمره الوالدان بالدلال المفرط ، والرعاية المبالغ فيها والحرص الشديد، مما يؤثر تأثيراً سلبياً على سلوكه وشخصيته. فالدلال الزائد للطفل يجعله غير مطيع لتوجيهات والديه، وتكثر مطالبه غير الواقعية، ويميل إلى الاستبداد في المنزل، والميل إلى الغضب والتمرد لأتفه الأسباب، وفي حالات كثيرة يتصف الطفل المدلل بالجبن والخوف والانطواء، سواء داخل المدرسة أو في أوقات اللعب، وبضعف الشخصية، أو قد يتسم في أحيان كثيرة بالعدوانية، والغرور والأنانية . إن المصلحة الحقيقة للطفل تتطلب من الوالدين أن يمنحاه الحب والعطف والرعاية اللازمة من دون مبالغة في ذلك، لكي يضمنا النمو الطبيعي له، والخالي من كل التأثيرات السلبية.
أما الأسر التي لديها أكثر من طفل واحد فإنها تجابه العديد من المشاكل والصعاب في تربية أبنائها، فقد يتعرض الأطفال إلى نوع من التمييز من قبل الوالدين ، فهناك أسر تميل إلى البنين وتحيطهم بالرعاية والاهتمام أكثر من البنات، وقد يحدث العكس، في بعض الأحيان. كما أن الطفل الأول يشعر بأن شقيقه الثاني قد أخذ منه جانبا كبيراً من الحنان والحب والرعاية، مما يسبب له الشعور بالغيرة وما تسببه من مشاكل تتطلب من الوالدين الحكمة والتبصر في معالجتها، فالغيرة هي أحد العوامل الهامة في كثير من المشاكل، والتي قد تدفع الطفل إلى التخريب، والغضب والنزعات العدوانية، والتبول اللاإرادي، وضعف الثقة بالنفس.
ومن المعلوم أن الغيرة ليست سلوكاً ظاهرياً، وإنما هي حالة انفعالية يشعر بها الطفل، ولها مظاهر خارجية يمكن الاستدلال منها أحياناً على الشعور الداخلي، لكن هذا ليس بالأمر السهل، حيث يحاول الطفل إخفاء الغيرة بإخفاء مظاهرها الخارجية قدر إمكانه.
ومن الجدير بالذكر أن الغيرة يمكن أن نراها مع الإنسان حتى في الكبر ، فقد يشعر الفرد بالغيرة من زميل له حصل على منصب أعلى منه، أو يتمتع بثروة أكثر منه، ولا يعترف الفرد عادة بالغيرة بسبب ما تتضمنه من الشعور بالنقص الناتج عن الإخفاق. إن الواجب يتطلب من الوالدين عدم إظهار العطف والحب والرعاية الزائدة للطفل الصغير أمام أخيه الكبير، ومحاولة خلق علاقة من المحبة والتعاطف والتعاون بينهما، والابتعاد عن التمييز في التعامل مع الأبناء. كما أن الطفل الأخير يحظى دائماً بنوع خاص من الرعاية والحب والحنان والعطف، من قبل الوالدين الذين يعاملانه لمدة أطول من المدة التي عومل فيها من سبقه من الأخوة والأخوات على أنه طفل وتحيطهم بالرعاية والاهتمام، وغالباً ما يشعر الطفل الأخير بأنه أقل قوة ونموا، واقل قدرة على التمتع بالحرية، والثقة من بقية إخوته الأكبر منه سناً، وعلى الوالدين الانتباه والحذر في أسلوب التعامل معه، وإشعاره بأنه لا يقل قدرة أو نضوجاً من سائر إخوانه.
رد: هو وهي (الجزء الأول + الجزء الثاني )
المحاضرة 1:دور الشيطان في تفتيت العش الزوجي- إن الذي لا يرتب علاقته بالمخلوقين ترتيباً إلهياً صحيحاً، فإنه سيعيش أزمة كبيرة حتى في علاقته وتقربه إلى الله سبحانه وتعالى.. فالمؤمن في حركته التكاملية، يحتاج إلى حالة من حالات الاستقرار الباطني.. فإذا كانت الصلاة الظاهرية لا تؤدى في مكانٍ متأرجح، فكيف بالصلاة الباطنية، وكيف بالحركة التكاملية؟.. وبالتالي، فإن الإنسان الذي لا استقرار له في الحياة: سواءً في الجانب المعيشي، أو في الجانب الاجتماعي.. هذا الإنسان لا يمكنه أن يكون مستقراً، أو دائباً في حركته مع رب العالمين.. قال الصادق (ع): قال سلمان (رض): (إنّ النفس قد تلتاث على صاحبها، إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه.. فإذا هي أحرزت معيشتها، اطمأنت).. إذا كان فقدان لقمة الخبز والمعاش الكافي، يوجب للإنسان فقدان الطمأنينة، فكيف بالاستقرار الزوجي؟..
- إن الزوجة التي ترجع إلى المنزل ويدها على قلبها، لأنها قد تواجه صفعة من زوجها، أو كلمة نابية، أو وضعاً يبعدها عن جوها الأسري.. والرجل الذي يأتي إلى السكن، وهو يتوقع في كل لحظة أن ينفجر في وجهه لغم من الألغام، أو يواجه وجهاً مكفهراً من الزوجة والأولاد، فإنه من الطبيعي أن هذا الإنسان لا سكن له.. فإذا فقد السكينة في المنزل، فإنه لم يعد مسكناً، بل يصبح بناءً من حجر ومن حديد، لا يأوي الوجود الإنساني.
- قلمّا يوجد حياة زوجية مستقرة متكافئة من جميع الجهات، حتى الذين يتزوجون، ويفترض أن يكون أحدهم في منتهى الأًنس والسعادة، لأنه في شهر العسل مثلاً، وإذا ببذور الخلاف تُستنبت في الليالي والأيام الأولى من اقتران الفتى بالفتاة.. ما هو السبب، وما هو السر في هذه الحالة؟.. وكلما تقدمنا في المدنية والحضارة، كلما رأينا الإحصائيات في هذا المجال، تزداد نسبتها.. وهذه الصحف ومصادر الإعلام، لا تكشف سِراً وإنما تبيّن نسبة مذهلة من نسب الطلاق والانفصال والخلاف، حتى في الأشهر الأولى من الاقتران.
- إن الإصلاح الزوجي يبدأ من الزوجة، لأن المرأة بطبيعتها، وتفرغها، وعدم تورطها بمشاكل الحياة اليومية.. يجعلها عنصر تأثير في المجتمع، وفي الحياة الزوجية أكثر من الرجل.. فالرجل في ذهنه عشرات الملفات الساخنة: من مشاكله في العمل، ومع من حوله، ومن همومه الذاتية، والحياة الأسرية ملف من ملفاته.. بينما الزوجة معظم اهتمامها، وجُل تركيزها في مسألة الحياة الزوجية؛ أي أن المرأة مساحتها الذهنية أفرغ بكثير من المساحة الذهنية للرجل.. وهذا يخولها لأن تقوم بدور فاعل في هذا المجال.. فالرجل محروم من بعض المنطلقات العاطفية، والمرأة بطبيعة تكوينها خُلقت مع العاطفة.. وفي القرآن الكريم عندما يصل الأمر إلى المرأة، يعبّر عن المرأة تعبيراً غريباً {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}؛ هذه الآية تُبين بأن المرأة ما خُلقت للخصومة.. فإذن، إن معنى ذلك أن المرأة بطبيعتها، وبتكونها العاطفي، من الممكن أن تكون عنصر امتصاص لكثير من الصدمات الاجتماعية.
ما هي أسباب المشاكل الأسرية؟..
قسم من هذه المشاكل أسباب مادية، وقسم منها أسباب متعلقة بما وراء الطبيعة.
أولا: واقع الشيطان ودوره في تفتيت العش الزوجي، وهذا هو العامل الأساسي.. ذلك الشيطان الذي ارتكب أول جريمة في إنزال وإهباط آدم من الجنة.. فالشيطان له تاريخ عريق في إغواء بني آدم، عندما جاء إلى أبينا آدم وأخرجه من الجنة، قاسماً أنه لهما من الناصحين.. هذا الشيطان الذي نجح في الحملة الأولى في حياته، فأول عملية إغرائية وإغوائية كانت مع آدم.. وإلا لعل في بعض النصوص أن الشيطان كان خطيباً للملائكة، وعبادته عبادة قليلة النظير في تاريخ الكون، فهو من أكبر العابدين، وكان يأخذ آلاف السنين في سجدة واحدة.. فهو من العُبّاد الأوائل، وفي أول خطوة شيطانية جهنمية، أمكنه أن يصطاد صيده.. وإذا بأبينا آدم يصبح من بكائي التاريخ؛ لأنه كان يبكي بكاءً مريراً، لِمَا أُخرج من جنة الخلد.
- إن هذا الشيطان له دوره في حياتنا اليومية، فهو يجري كالدم في العروق.. وخاصة عندما يرى عائلة سعيدة مستقرة: فالزوج وجود فاعل في المجتمع، ووجود معطاء، أو رجل دين، أو شاب رسالي، أو أستاذ في الجامعة؛ أي إنسان له خدماته في الدين والرسالة.. والزوجة أيضاً لها دور رسالي في جانب آخر: في حوزة علمية، أو في مجتمع ثقافي، أو في مؤسسة تبليغية إعلامية.. فهذه الأسرة تعتبر غاية المنى لدى إبليس وجنوده، في تحطيم هذا الكيان.. هذا الرجل أو عالم الدين الذي بيده تثقيف جماهير من الأمة، وهذه الأم أو هذه الزوجة التي لها دور فاعل في إنقاذ جمع من الفتيات والنساء في المجتمع.. يقول الشيطان: بدلاً من أن أشغل نفسي بإغواء هذه وهذا، فلأحطم هذه الرؤوس المسؤولة عن هداية المجتمع.. ولهذا نلاحظ أن الإنسان كلما ازداد إيماناً وتألقاً وثقافة وولوجاً في ميادين الثقافة والمعرفة، تكون الهجمة الشيطانية عليه أكبر، وذلك من خلال وسوسة، ومن خلال إيجاد بعض الموانع.. فالشيطان لا سلطان له على الجوارح، ولكنه يدخل في القلوب، وهو المهم!.. فالقلب أمير البدن، وإذا أمكن للشيطان أن يدخل في هذه الإمارة، وفي هذه المملكة، يكون قد وصل إلى بُغيته.
ثانيا: عدم استيعاب فلسفة الوجود، وفلسفة الحياة.. وهذا من موجبات الخلاف، أو عدم النجاح في الحياة الزوجية.. بعض الناس -شعروا أو لم يشعروا، اعترفوا أو لم يعترفوا- من الدواعي المهمة في الحياة بالنسبة لديهم، التمتع والالتذاذ، وأن يمضي حياته -كما يدعون- بحالة من حالات ما يسمى بالسعادة والاستمتاع والتلذذ بمباهج هذه الحياة: يأكل ليعيش، ويعيش ليأكل في هذه الدورة القاتلة، وبتعبير الروايات: (المؤمن يتزود، وغير المؤمن يتمتع).
- إن الذين فلسفتهم في هذه الحياة التلذذ، فإنه من الطبيعي دائماً أن تكون علاقته بالغير وبالبيئة وبالطبيعة وبعناصر الحياة، من أجل تحويل الأمر إلى متاع.. فالزوجة التي تنظر إلى الزوج على أنه ممول مالي، من أجل تحقيق رغباتها في الحياة.. والزوج الذي ينظر إلى الزوجة، على أنها أداة للاستمتاع فقط.. فإن الزوج عندما يتقدم العمر بالزوجة وتذهب مفاتنها، يرى بأن دورها قد انتهى في الحياة، وماتت وهي في سن الأربعين والخمسة وأربعين، ولا يراها إلا مربية للأولاد كباقي المربيات اللواتي يُجلبن من الخارج.. وذلك لأنه كان ينظر إلى الزوجة على أنها رفيقة أنس، لا رفيقة حياة.. وكذلك الزوجة إذا رأت الزوج مُفلساً، وفقد ذلك البريق الذي كان كهالة تحيط به، فإنه من الطبيعي أيضاً أن تُعرض عن مثل هذا الزوج.. بينما فلسفة الحياة ليست كذلك، بل ما جاء في القرآن الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}.
- هل تعلم بأنه عندما يقول العاقد: زوجت فلانة من فلان، أن هذا العقد يمتد أثره إلى أبد الآبدين؟.. فإذا دخل الرجل الجنة بحسن عمله، فإنه يفتقد زوجته ويقول: يا رب أين زوجتي، كنت في الدنيا معها، وكانت شريكة آمالي وأحلامي، وربت أولادي؟.. يقال له: زوجتك في الأعراف، أو محبوسة في طبق من أطباق الجحيم.. فإن هذا الرجل المؤمن، الذي يُعطى له مقام الشفاعة -كما نعلم الشفاعة الكبرى للنبي وآله، والشفاعة الصغرى للمؤمنين يشفعون كربيعة ومضر- يشفع لزوجته، وإذا بهذه الأسرة التي تفرقت في عرصات القيامة تجتمع مرة أخرى.. يقول القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}؛ أي أن الزوجة والذرية تلحق بالرجل، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما من أهل بيت يدخل واحد منهم الجنة، إلا دخلوا أجمعين الجنة.. قيل: وكيف ذلك؟.. قال: يشفع فيهم، فيشفع حتى يبقى الخادم فيقول: يا رب، خويدمتي قد كانت تقيني الحر والقر، فيشفع فيها أيضا) إذا كان الرجل في الحياة الأبدية لا يغفل عن خويدمته، فكيف بالزوجة؟..
- فإذن، إن هذه العلاقة علاقة مقدسة، يراد بها الحياة الأبدية.. وبالتالي، فإن الزوج والزوجة شركة، كلما ترقى أحدهما في الإيمان درجة، كلما ارتقت الحياة الخالدة في جنان الخلد.. وعليه، فما المانع أن يقول الزوجان في ليلة الزفاف: يا رب، اجعل نتاجنا في شركة واحدة، ويوم القيامة أعطنا في الجنة منزلة تساوي مجموع المنزلتين، فنحن شركة.. فيطلب الزوج من الله -سبحانه وتعالى- أن يجعل له في خزانة، كل ما يعمله في خدمة الناس من الكد، لأجل كسب المال.. وكذلك تطلب الزوجة من الله -سبحانه وتعالى- أن يجعل حسن تبعلها في خزانة؛ ليكون المجموع ثمناً لدرجات لا تدرك في الجنة.. فالزوج الذي يكفل يتيماً، ثمرته أن تكون الزوجة هي أيضاً مع النبي (كهاتين) لأنها زوجة لهذا الزوج.. ولكن بعض الأوقات -مع الأسف- نلاحظ أن الزوجة تغار من هذه الكفالة، لأن ذلك قد يؤثر في سير حياتها المالية.. والحال لو كشف لهم الغطاء، لكان للأمر مسار آخر.
ثالثا: الملل من الرتابة في الحياة.. وهذا أيضا من موجبات الخلاف الزوجي، إذ يصبح الإنسان ويُمسي بشكلٍ واحد متكرر صباحاً ومساءً.. فالمشكلة في كل متاع الدنيا أمران:
المشكلة الأولى: الفناء.. فكل شيء مصيره إلى الزوال، وكل شيء هالك إلا ذلك الوجه الكريم.. قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}.
المشكلة الثانية: لكل جديد بهجة.. فكل جمال يصبح مألوفاً.. والذي لا يجعل الإنسان يعيش هذه الرتابة، هو الانتقال إلى ما وراء الطبيعة.. هل هناك عارف يقول: مللت من الصلاة!.. إذا كان المقياس هو الجاذبية المادية، فما هي الجاذبية في الحج؟.. وما الذي يجعل البعض يحج أربعين، أو خمسين حجة متوالية، ويستقرض من هنا وهنالك، ليذهب إلى الحج؟.. لو التفتنا إلى حلاوة الحياة من هذا البعد، لما صار هنالك شيء رتيب في الحياة أبداً.. هنالك عبارة في كتب العرفان والأخلاق جميلة جداً تقول: (لا تكرار في التجلي)، فكما أن علمه غير متناهي، وقدرته غير متناهية، كذلك جماله المتجلي للعباد أيضاً غير متناهي.. ومن هنا النبي الأكرم (ص) كان يستمتع بهذا الجمال، ويقول: (إن لي مع الله حالات، لا يحتملها ملك مقرب ولا نبي مرسل).. ما الذي كان يذهل الزهراء (ع) عندما تقف في محراب العبادة، هذا الوقوف الذي كان يتحول على شكل نورٍ أزهري؟.. وقد سميت بالزهراء لأن نورها كان يزهر في عالم الوجود، حتى أن علي -عليه السلام- كان من صور أنسه وتلذذه في الحياة، أن ينظر إلى الجمال الفاطمي:
شعَّت فـلا الشمـس تحكيها ولا القمـرُ *** زهـراءُ من نورها الأكوانُ تزدهـرُ
حـوت خِلال رسـول الله أجمــعَها *** لولا الرسالـةُ ساوى أصلـه الثمرُ
- إن المرأة أسيرة خرجت من بيت أبيها وأمها، ولم يكن ينقصها الحنان، وكانت تعيش حياة مستقرة وجميلة.. فما الذي جعلها تخرج من بيئتها الجميلة، وقد تكون في بيئة مترفة بالترف الحلال.. هذه المرأة جاءت إلى البيت لتكون بين يدي الزوج أسيرة، بالمعنى الاختياري، فهي ليست أسيرة قسراً، هي بنفسها جعلت نفسها بيد الرجل.. فالزوج عندما يعيد التأطير، وينظر إلى الزوجة على أنها وديعة الله.. فإنه ينظر إليها على أنها ريحانة، كما في الحديث: (المرأة ريحانة وليست بقهرمانة).
- إن المرأة كالقارورة، فالقارورة توضع في مكان الزينة، ويُجعل فيها الورود، ويراعيها الإنسان لئلا يصيبها خدش، وخاصة إذا كانت القارورة مرصعة بالجواهر.. والمرأة قارورة، والمؤمنة قارورة مرصعة بالياقوت والزبرجد.. فأين توضع هذه القارورة؟.. إن القوارير التُحفية هذه الأيام، توضع في خزانات زجاجية في المتاحف، والذي يريد أن ينظر إليها، عليه أن يدفع مبلغاً من المال.. نعم هكذا القارورة، فـ(رفقاً بالقوارير)!..
- هنيئاً لمن كان لها زوج رسالي!.. إذا كان هذا الزوج يحمل هذا البعد الرسالي، على الزوجة أن تهيئ له الأجواء المناسبة، فتقول له: أنت اعمل لآخرتك، وأنا عون لك.. لا أن تجعل العمل الرسالي بمثابة الزوجة الثانية، فتغار من الدين والشريعة والعمل الرسالي، كما تغار من ضرة لها.. فالمرأة التي تنظر بهذا المقياس الرسالي، تختلف نظرتها إلى الوجود.
رابعا: القدوة الباطلة.. إن الإعلام المرئي والمسموع هذه الأيام -مع الأسف- يحول الأباطيل إلى حقائق.. فعندما تسأل أحد عن قدوته في الحياة، وإذا به يطرح ممثلاً راقصاً أو راقصة إلى آخره من الذين خرجوا عن زي الإنسانية!.. لماذا لا نقرأ سير الخالدات المؤمنات في التاريخ، فهنالك كتب مؤلفة في سير النساء المؤمنات؟.. لماذا لا ننظر إلى حياة آسية، التي كانت في بيت فرعون، ذلك الكافر الذي يدعي الربوبية، ويُذَبح الأبناء، ويستحي النساء.. فهذه الزوجة التي في قصر فرعون، لم تترك الحركة التكاملية، رغم أنها لم تلتق وليا ولا وصيا؛ لأنها كانت في القصر، والقصر مراقب.. وإذا بها بحركةٍ ذاتيةٍ عصامية، تصل إلى درجة تناجي ربها بمناجاةٍ وبدعاءٍ، ما ورد له نظير في القرآن الكريم.. فمريم -عليها السلام- تنزل عليها المائدة اللدنية، كلما دخلت المحراب، بينما آسيا تطلب من الله الجنة اللدنية بما فيها {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} هذا البيت المبني لها في الجنة، لا كباقي البيوت.. فإذن، على النساء الإقتداء والتأسي بالصالحات القانتات طوال التاريخ، وهن لسن بالقليل.
رد: هو وهي (الجزء الأول + الجزء الثاني )
المحاضرة 2:الذرية ومسيرة الإنسان الأبدية- إن الأولاد ليسوا مصدر أنس في الحياة الدنيا فقط، فبعض الفتيات غير المتزوجات، تنظر إلى صور الأطفال في التلفاز، أو في الجرائد مثلاً.. فتتمنى أن تحمل طفلاً وليداً جميلاً كهذا الطفل، من باب التسلية.. وأن تملأ فراغها بإطعام الطفل، وباللعب معه، إلى آخره.. وفي بعض المجتمعات، يتحول الولد إلى أداة اقتصادية: فالأب الفلاح يريد أن يوفر على نفسه أجور الفلاحين، فيكثر من الذرية والنسل، حتى تكثر عنده الأيدي العاملة الرخيصة.. ولكن بالمنظار الإسلامي، الولد الصالح ذخيرة الآخرة، ورأس مال الإنسان في حياته البرزخية، عندما يكون أحوج ما يكون إلى صدقة جارية له بعد موته.. قال الصادق (ع): (إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له).
- إنأعظم مكافأة كافأ الله -عز وجل- بها نبيه إبراهيم (ع) عندما همّ بذبح ولده إسماعيل -عطايا رب العالمين، من سنخ العمل، ومن سنخ المجاهدة- وقدمه بين يدي الله -عز وجل- ذبيحاً، وفي بعض الروايات: عندما حاول أن يذبح ولده إسماعيل، رأى السكين لا تعمل في رقبته، فرمى السكين غاضباً: كيف هذه السكينة، لا تمتثل أوامره في الذبح؟.. ويقولون: السكينة تكلمت -ولا مانع من ذلك-: الخليل يأمرني، والجليل ينهاني.. فرب العالمين عوض ذلك بأن جعل من نسله، نبينا الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
- إن الأبوين عندما يعملان على تربية جيل صالح، قد لا تتجلى الثمرة في الحياة الدنيا.. قد يصبح الولد فتىً رسالياً مؤمناً، ويموت بعد بلوغه بسنة أو سنتين.. هما لم يخسرا شيئاً، سيرجع وسيتم جمع الشمل في عالم البرزخ، والقيامة بأفضل ما يكون الجمع.
أهم النقاط من أجل تربية ذرية مباركة:
- الإنسان مكلف بالتربية، لا مكلف بالنتيجة.. إن الإنسان لا يعلم كيف خلق الله -عز وجل- الأرواح، وما هي حقيقة عالم الذر، وما هي حقيقة الأنفس السعيدة، والشقية؟.. فالأمر عند المسلم (لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين).. ولكن بعض الأوقات، قد يبتلى الإنسان بذرية فاسدة، وفي هذه الحالة من الممكن أن يصاب بشيء من الإحباط، وقد يترك الحبل على غاربه، ويقول: ما دام الشاب انحرف عن طاعة الله -عز وجل- فليزدد انحرافاً.. والحال أن الإنسان مكلف بالتربية، لا مكلف بالنتيجة، قال تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}.. فنوح (ع) من أنبياء الله أولي العزم، وقد حاول أن يستنقذ ولده من الغرق، وإذا بهذا الولد يتكلم بكلام أقرب ما يكون إلى السخف والجنون، حيث كان يقول: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء}.. نعم، نبي الله ابتلي بهذه الذرية غير الصالحة.. وأئمة أهل البيت (ع) أيضاً ابتلوا بذرية غير صالحة، وهناك أمثلة في التاريخ لانحراف أولاد الأئمة.. لذا علينا أن نتشبه بالمربين والمصلحين، وباقي الأمور على رب العالمين، هو الأدرى بطِين عباده!..
- الدمج بين المعرفة النظرية والمحبة القلبية.. إن هذه أيضا من النقاط المهمة، من أجل تربية جيل وذرية مباركة، إذ يجب الدمج بين المعرفة النظرية والمحبة القلبية في التعامل مع الأولاد.. تارة في معرفة علم النفس التعليمي المدرسي، وتارة في فهم ملابسات حياة المراهقة.. لو أن الأمهات يقتنين موسوعات لتربية الأولاد، وفلذة الأكباد، كي تعلم متى تبدأ سن المراهقة؟.. فالبلوغ في تمام الخامسة عشر مثلاً، ولكن الصبي قبل البلوغ هنالك مرحلة من مراحل المراهقة، حيث يعيش الشاب طوفان لا يعلم مداه إلا الله عز وجل.. وبإمكان الإنسان من خلال محركات البحث في المواقع، أن يحصل على عشرات المقالات النافعة، في مجالات المعرفة المختلفة، من أسس التربية الناجحة والصالحة للأولاد.
- الدخول إلى قلب الأولاد بالأساليب المحببة إليهم.. إن الإنسان عندما يذهب إلى البنوك، حيث توضع المبالغ النقدية في خزانة حديدية بحجم إنسان.. ولكن لا تفتح إلا بمفتاح صغير خاص بها، وإذا بهذا المفتاح الصغير يفتح الخزائن الكبيرة، ليست كل المفاتيح كمفاتيح قارون، كما في القرآن الكريم {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ}.. وللدخول إلى قلب الولد أو الفتاة، فإن لكل إنسانٍ مفتاحه.. إذا تعرفنا على هذا المفتاح، لاستطعنا أن نفتح قلبه على الهدى الإلهي، الذي يراد إدخاله في قلب الطرف المقابل.. مع الأسف علاقة معظم الآباء والأمهات بالأولاد، علاقة غير نموذجية: علاقة رئيس المعسكر بالعساكر، فالعلاقة ليست علاقة حميمة.. وقلما تكون علاقة الأب بالأولاد، علاقة صداقة.. بحيث يترصدون الفرص لسفر أبيهم إلى دولة بعيدة، ليختلوا مع ما يريدون الاختلاء به.. ومن صور الحرام أن بعض الأولاد، لو فتحت سويداء قلوبهم، لوجدتهم يتمنون موت الآباء حتى يرثونهم.. لأن العلاقة علاقة غير مبنية على عنصر الصداقة، وهذا الحديث المعروف عن جابر قال: (دخلت على النبي والحسن والحسين على ظهره، وهو يجثو بهما، ويقول: نعم الجمل جملكما!.. ونعم العدلان أنتما)!.. يراد من هذه الحركة تأصيل مفهوم (من كان عنده صبي، فليتصابى له).. أما إذا صار مراهقاً، فليعامله معاملة المراهقين؛ أي يتكلم بلغته، ويدخل إلى قلبه بالأساليب المحببة إليه.
- مراقبة الحلية في المأكل والمشرب.. هنالك بعض الحركات الخارجية هذه الأيام، انتشر الحرام في المأكل والمشرب.. فالإنسان قد يأكل طعاماً، ويكتشف بعد فترة أنه كان يحتوي على بعض مستخلصات دهن أو شحم الخنزير مثلاً، أو بعض المسكرات.. كما في بلاد الغرب، أحدنا يشتري خبزاً، ليكتشف أن العجينة عُجنت بالمسكرات.. نحن لسنا من دعاة إدعاء الأثر الوضعي بقول مطلق، فهنالك ثلاثة آراء في هذا المجال:
الرأي الأول: يقول: الطعام لا أثر له في الروح أبداً، هنالك عقوبة إلهية فقط.. أما الروح ما شأنها بالطعام الذي دخل المعدة، فالمعدة في عالم والروح في عالم.. لو ملأت المعدة من لحم الخنزير، وبشراب من الشراب المعتق، فهذا لا يؤثر في الروح أبداً.. هذا رأي.
الرأي الثاني: يقول: بأن أثر الحرام في الروح، كأثر السم في البدن.. فالذي يشرب السم، وهو جاهل، ولا يعلم.. ويشربه على أنه ماء زمزم، هذا الإنسان يموت، حتى لو كان يعتقد بأنه شراب محلل.
الرأي الثالث: وهو رأي وسطي، هذا الرأي يقول: بأن الأمر ليس كذلك، فالذي يحتاط في طعامه وشرابه، ثم يتفاجأ بعد ذلك بأن الطعام كان حراماً، هذا لا يؤثر في روحه.. لأنه كان بانياً على الاحتياط: سأل، وتحرى، وحكم عليه بأحكام سوق المسلمين، ثم تبين بأن الطعام حرام.. ورب العالمين أجّل من أن يعاقب مثل هذا الإنسان.. وعليه، إن على المؤمن أن يدقق قبل أن يعطي أطفاله الحلوى والمأكولات المنتشرة في الأسواق هذه الأيام.
- الالتزام بالآداب الشرعية أثناء الحمل: فالحمل تسعة أشهر، ولكنه يحدد مسيرة تسعين سنة، أو ما يعادل حياة الإنسان.. مع الأسف، أحيانا لا يكون للأب والأم برنامج في الفترة التي تنفخ فيها الروح في الجنين، وهي فترة تَشَكُل السلسلة العصبية والروحية وما شابه ذلك، وتشكل الجينات الوراثية.. لماذا لا يكون لنا برنامج في هذه الفترة؟.. فهنالك آداب شرعية واردة: أن تسميه باسم النبي (ص) وتقول: اللهم إني سميته باسم نبيك، ثم تدعو لهذا الحمل.. هو لا زال مضغة، لا زال جنينا، لم يتشكل بعد.. وأنت تدعو الله -عز وجل- له.
إحدى المؤمنات رزقت بمولود، كان متميزاً في ذكائه، وفي نظراته، وفي جماله.. تبين أن الأم في مجالس عزاء أهل البيت -عليهم السلام- كانت تأخذ دمعتها، وسراً تمسح بها بطنها، لتقول: يا رب ببركة هذه الدمعة الساكبة على مصيبة أهل البيت، بارك في هذا الجنين الذي في بطني.. نعم الإنسان بإمكانه أن يقوم بحركات كثيرة في هذا المجال، رحِم الله شيخنا الأنصاري، هذا الشيخ العظيم الذي هو أستاذ المجتهدين، عندما قيل لأمه: هذا الشيخ أصبح عالماً كبيراً، وإذا بها تقول: وما العجب في ذلك، توقعت أن يكون نبياً لا عالماً كبيراً، لما كنت أهتم به عند إرضاعه، لا أرضعه إلا وأنا على طهور ووضوء!.
- إن الذرية الصالحة، لا تبدأ من سن العاشرة وخمسة عشر، بعد أن تشكل الصبي.. بل منذ انعقاد النطفة، لا بد من برمجة في هذا المجال: طعاماً محللاً، ودعاءً بين يدي الله عز وجل، وغير ذلك من الآداب الشرعية في هذا المجال.. هناك اختراع جميل (مخدة شرعية)، هنالك سماعة خفيفة داخل هذه المخدة، متصلة بجهاز يبث القرآن للطفل الرضيع، فينام على صوت القرآن، يُبث له صباحاً ومساءً، إنها حركة جميلة!.. يقول والد الطفل المعجزة الطبطبائي: اكتشفت أن ابني يتمتم بشيء، وهو في السنتين من عمره، دققت في شفتيه.. وإذا به يقرأ سورة {تبارك الذي بيده الملك}.. قال: في أول أيام زواجي من أم الصبي، كنا نجمع الأولاد الصغار ونعلمهم القرآن، وطلبنا من الله -عز وجل- كمكافأة على هذا العمل التبرعي، شيئا متميزا في هذا المجال.. وبالفعل الآن هو في الرابعة عشر، وإذا هو الآن مشغول بقراءة السطوح العالية من الرسائل، وغيره.. هذا الكتاب الذي يُقرأ في سن الخامسة والعشرين تقريباً، وإذا بهذا الصبي يتقن العلم هذا الإتقان.
فإذن، إن الدعاء أيضاً من العناصر المهمة.. فالمرأة عندما تتزوج، عليها أن تلهج بهذه الآية: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.. ليس فقط قرة أعين، ليس فقط مؤمن متقي {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، والذي يُكثر من الدعاء صباحاً ومساءً: في تقلباته، في قنوته، في سجوده.. فإن رب العالمين ليس ببخيل، وأنت تطلب طلباً راجحاً لا تطلب مالاً، تطلب من الله -عز وجل- أن يُمد وليه المهدي -صلوات الله وسلامه عليه- بمن يكون له عضداً وناصراً.. دعاء مستجاب، ولكن يحتاج إلى دعوة في هذا المجال.. علمائنا السلف ولدوا ببركات أدعية آبائهم في هذا المجال.
- مراعاة سن التكليف والبلوغ.. وهي من المبادئ التي لا بُد أن نُراعيها بشدة، مع الأسف لاحظنا أن الأم تتفاجأ ببنت بلغت التسع سنوات، وهي متمردة على الحجاب، في كل لحظة تتحين الفرصة لتخلع الحجاب، بدعوى أنها حديدة على رأسها.. فهذا شيء طبيعي، لأنها قبل يومين من البلوغ قبل إكمال التاسعة، يأتي القرار بإلباسها الحجاب، وهي قبل أشهر وهي في أحضان الرجال، يقبلونها كما يقبلون الطفل الرضيع.. فمن الطبيعي أن البنت التي تعيش في هكذا جو غير محافظ، أن لا تستسلم للحجاب.
إن من مسؤوليات الأمهات والآباء عدم إلقاء فلذات أكبادهم في غيابات الجب.. كيف يمكن للأب والأم أن يقوما بإرسال ابنتهما التي في عنفوان سن المراهقة، إلى دولة أجنبية كافرة، بلا رقيب ولا حسيب، ثم يأتيان بعد فترة ويعتبران أن البنت في حكم الميتة، ويقولان: يا ليتها لم تولد، لما أورثتنا من الفضيحة والعار!.. عن أبي عبد الله (ع): (الكبائر سبعة: منها:.... والتعرب بعد الهجرة)، التعرب بعد الهجرة اصطلاح فقهي، في أيام الرسول الأكرم (ص) كان الذهاب للبادية لمنطقة الإعراب، ولهذا سمي التعرب، واليوم نسميها التعرب بعد الهجرة، الذهاب إلى بيئ الفساد وإلى بيئة لا يؤمن عليه الإنسان.. رحم الله الشهيد الصدر الأول، مرجع كبير ومتفتح ويعلم الأمور جيداً.. عندما يُستفتى عن سفر الفتاة لوحدها إلى بلاد أجنبية، وهذا قبل عشرين، أو ثلاثين سنة، حيث الفساد لم يكن بهذا المد الهائل، وإذا بهذا المرجع يقول: (نعم مع الأمن يجوز، ولكن أنى لها أن تُؤمَن)!.. تعقيبة جميلة: مع الأمن يجوز، ولكن لماذا نكون بُلهاء أو سُذج في هذا المجال:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء!..
الذي يريد ذرية صالحة، عليه أن يكون بهذا المستوى من المراقبة الدقيقة، في كل المراحل.
- المراقبة الذكية.. إحدى الأمهات كانت في الحج، وكانت لها ابنة في درجة عالية من درجات الالتزام، كانت تعيش حالات الهيمان في اللقاء الإلهي والعرفان وما شابه؟.. -إن بعض الحركات الروحانية والعرفانية، هي عبارة عن سحابة صيف وتنقشع، أو مزاج، أو هوى، أو استذواق، أو تجربة.. فالبعض يجرب: يصلي الليل، فلا يرى مالاً في النهار، فيترك ذلك.. أو كي يصبح الزوج إنسان مؤدب معها، فلا يتغير الزوج، فتقول: ما لي والطريق إلى الله عز وجل؟.. وذلك لأن الغرض من الطريق إلى الله -عز وجل- بالنسبة لهم هو الوصول إلى المخلوقين-.. رجعت هذه الأم من الحج، وإذا بها وكأنها نادمة على سفرها للحج، لأن صويحبات السوء أحطن بها، أثناء غياب الأم، وتبدلت هذه الفتاة من فتاة عارفة، إلى فتاة يخشى منها على أوليات الدين.
فإذن، من الضروري جداً أن يراقب الأهل معشر أولادهم، مثلما يراقبوا صحتهم!.. فعندما يروا بثوراً، أو طفحا جلديا في أبدان أولادهم، فإنهم يأخذونهم إلى أقصى بلاد الأرض؛ خوفاً على صحتهم.. بينما عندما يرون فيهم بوادر المحرمات الكبرى، فكأن لا شيء في البيت.. لا بد من إيجاد هذه الحراسة المشددة والمراقبة الذكية، لا على نحو الاستنطاق.. أما أن يأتي الأب أمام الولد، ويفتح له الجهاز، ليبحث أمامه عن المواقع التي دخلها في هذا اليوم.. فبهذا الأسلوب السافر، من الطبيعي أن تكون الآثار عكسية.. ولكن يكون بأسلوبٍ ذكي، ولبق.. تأسيا بالإمامين الحسنين -صلوات الله عليهما- عندما رأيا شيخا يتوضأ –وكانا غلامين- فلم يريدا جرح مشاعره، بأن يقولا له: أنه لا يحسن الوضوء، فقالا له: يا عماه، لقد اختلفت وأخي فيمن يحسن الوضوء منا، فهلا حكمت بيننا؟.. وأرياه كيف الوضوء الصحيح.. جاء شاب إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم يسأله: (يا رسول الله، أتأذن لي بالزنا؟!.. نظر إليه -صلى الله عليه وآله وسلم- وقال: آدن!.. ثم قال: أترضاه لأمك؟.. قال: لا والله، جعلني الله فداك!.. قال: فكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لأختك؟.. قال: لا والله، جعلني الله فداك!.. قال: وكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم، أتحبه لابنتك؟.. قال: لا والله، جعلني الله فداك!.. قال: وكذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، وكذلك لعماتهم وخالاتهم). ثم بعد هذا كله مد الحبيب يده ووضعها على صدر هذا الشاب، وقال: (اللهم اشرح صدره، واغفر ذنبه، وحصن فرجه).. هذه هي الأساليب التربوية الناجحة في تربية الأولاد.
رد: هو وهي (الجزء الأول + الجزء الثاني )
المحاضرة 3:التعامل بين الجنسين- إن عصرنا هذا أسوأ عصر في تاريخ البشرية، من حيث الإغراءات والسهام الشيطانية.. وعليه، لا بد من أن نقف موقفاً متأملا في هذا العصر، وما فيه من صور الإغراء.
- الانحرافات في التعامل مع الجنس الآخر: إن المرأة التي لا تريد أن تكون مقاومة في حركة الحياة، وكذلك الرجل؛ هما أضعف ما يكون في مقابل موجة الشهوات العارمة.. فمسألة الشهوات ليست قضية أخلاقية محضة، وهذه الأيام تُصنف الشهوات المعاصرة في خانة الإدمان.. فدولياً وعالمياً صنفوا الجلوس أمام التلفاز، وأمام الإنترنت لفترات غير متعارفة، بأنه داء ويحتاج إلى علاج نفسي.. وكذلك الذين يدمنون الجلوس على الجهاز، فكيف إذا كان الجلوس محرماً؟!..
- إن هذه الانحرافات النظرية والصورية والسمعية، تُغير من تركيبة الإنسان الباطنية.. فالإنسان الذي لا يُراقب نظره، ولا يُراقب سمعه، ولا يُراقب خياله.. هذا الإنسان له حالة من حالات الانقلاب في الذات، وحالة من حالات الخروج عن الحالة السوية.. والفرد الذي لا يُراعي الحدود الإلهية في هذا المجال، يصل إلى درجة أنه عندما يُؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر، يقول: بأن الأمر ليس بيدي.
منافذ الشيطان إلى قلب بني آدم:
أولا: مسألة النظر: لقد صنف القرآن الكريم مسألة النظر إلى شعب: هنالك نظرة للحقيقة الخارجية: كنظرة الرجل بريبة إلى امرأة لا تحل له.. وهنالك نظرة إلى الصور المنعكسة: سواء في الفضائيات، أو في الأقراص المُدمجة، أو على صفحات الإنترنت.
- إنالنظرة ليست عملية كاميرا تلتقط الصور فحسب!.. فالبعض يعتقد أن النظر إلى هذه الصور المحرمة لإنسان متزوج ومتحصن، وخاصة إذا كان مع وجود الزوجة، ليس جريمة، فهو معه زوجته ولا يُخاف عليه من الحرام؛ لأنه ليس شاباً مراهقاً أعزباً.. ولكن القضية أعمق من هذه النظرة الساذجة البسيطة:
- النظرة هي صور في الخلايا الحساسة في المخ.. إنهنالك -حسب التحقيقات الطبية- خلايا في الذهن البشري، وهذه الخلايا مسؤوليتها الاهتمام بالملفات الساخنة.. فالشاب الذي يتابع المباريات –مثلا- هذا الإنسان شاب، ذهنه متأقلم مع هذا الأمر الشاغل له.. وبالتالي، فإنه يبدع في التكهن والمتابعة، ويذهب للنوادي؛ لأن الملف الحاكم على ذهنه هو الرياضة مثلاً.. والإنسان الشهواني الذي ينظر إلى هذه الصور المحرمة -فالقضية ليست قضية صور في شبكية العين، إنما هي صور في هذه الخلايا الحساسة في المخ- فهذا الرجل يتحول إلى موجود بهيمي، ينظر إلى نساء الغير، وهو يعتقد بأن له مجوزا شرعيا، وأنه في أمنٍ من الانحراف.. وينظر إلى النساء في الشارع وكأنهن عاريات، وينظر إلى زوجة الصديق فيتمناها لنفسه، فيصلي بين يدي الله -عز وجل- وهو يفكر في خطة من الخطط، للوصول إلى مآربه.
- النظرة تغير التكوين الباطني للفرد.. إن المرأة التي تجد زوجها عاكفاً على هذا الحرام، لابد وأن تلتفت إلى أن هذه النار سوف تصل إلى عشها الزوجي.. فالذي يفكر بهذه الطريقة، والذي ينظر إلى أجمل الوجوه في الأرض، وإلى هذا الكم الهائل من الصور المحرمة -فالذهن البشري هبة إلهية فالذي يكثر من النظر، هنالك ألبوم في داخل وجوده، يُسجل هذه الصور أولا- وبعد ذلك ينظر إلى زوجته، فيجعلها صورة من هذه الصور، وإذا به يراها باهتة جداً، عندما يقيس هذه الزوجة المؤمنة العادية، إلى ملكات جمال العالم التي رآها بأية كيفية من خلال المواقع والفضائيات.. وبالتالي، فإنه من الطبيعي أن هذا الإنسان، سوف لن ينظر إلى هذه الزوجة بوصفها الإيماني، بل بوصفها المادي والجسدي، والتي لا يمكن أن تدخل في سباق مع هذه الوجوه.
- إن الخطوة الأولى في هذا المجال، هو أن نقطع الفساد من مادته.. فهذا الجدول من الحبر الأسود، عندما صب في حوض النفس، هذا الحوض الزُلال البرئ الهادئ النقي، من الصعب جداً إرجاع ماء الحوض إلى الماء المطلق، بعد أن تكدر بكل أجزائه.. فزجاجة صغيرة من الحبر الأسود، بإمكانها أن تلوث حوض سباحة كبير، والتنقية بعد ذلك تكون صعبة.. وإذا تلوث الذهن بهذه الصور، فإنها تغير التركيبة الفسيولوجية والسيكولوجية لهذا الإنسان.. ورب العالمين له عقوبات في هذا المجال.. ففي القرآن الكريم وروايات أهل البيت -عليهم السلام- هنالك تشبيه جميل للدنيا.. فهناك دنيا مذمومة، هنالك دنيا محمودة، فالقرآن الكريم يقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}، وكذلك قال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ}.. وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): (مثل الدنيا مثل ماء البحر، كلما شرب منه العطشان؛ ازداد عطشا حتى يقتله).. فالذين يدمنون النظر إلى الحرام، ينتقلون من حرامٍ إلى حرام، ويصلون إلى مرحلة لا يجدون لذة في الحرام أبداً.
- إن الآباء والأمهات -هذه الأيام- يقتلون بأيديهم فلذات أكبادهم، ويلقونهم في غيابات الجب.. وذلك عندما يقومون بشراء أجهزة الاتصالات الحديثة والسريعة، والقنوات الفضائية.. وبما أن الوالدين ليسا في المنزل دائماً، والأحداث هذه الأيام تعلموا طرقاً لتجاوز الشفرة أيضاً.. وإذا في جوف الليل، والأبوان نائمان، وقد يكون الأب مشغولا في صلاة الليل.. وإذا بهذا الشاب المراهق، يتسلل من فراشه كاللصوص، ليفتح الجهاز إلى ما يشيب الرأس من الصور، التي لم تكن تخطر على بال أحد قبل سنوات ماضية.
ثانيا: مسألة الهروب: إن قضايا الهروب من المنزل، والعقد خارج البلاد، ثم الرجوع بالعريس رغم أنف الأبوين.. هذه قضايا متكررة.. وقد يكون للأب عنوان اجتماعي رسالي، وله تاريخ في خدمة الدين والشريعة، وقد تكون الأم ممن تقيم عزاء أهل البيت.. وإذا بهما في ليلة واحدة، يسقطا في المجتمع، ويقول الناس: لو كانت هذه الأم مربية، ولو كان الرجل مربياً، لما خرجت ابنته بهذه الكيفية.. إنه سقوط في الدنيا، وسقوط في الآخرة.. والشيطان شيطان بكل معنى الكلمة، إذا أراد أن يوقع الإنسان في الرذيلة الكبرى، فإنه من الطبيعي أن لا يأتيه بعنوان تلك الرذيلة، وإنما هنالك المراحل المتدرجة في هذا المجال.
- إن على الزوجة أن تكون واقعية، فتتدارك البقية الباقية في العش الزوجي.. هب أن الزوج لا أمل فيه، وأنه بنى على أن يستمر في طريق المنكر.. فإن على الأخت أن تُبقي البقية الباقية من أولادها من هذا العش الزوجي، الذي انهار نصفه.. مثلا: لو أن هنالك زلزالا ضرب البيت، وانهارت بعض غرف المنزل، فإذا كان هناك بديل، فإن المرأة تنتقل إلى منزل آخر.. وإذا لم يكن هناك بديل، تلملم أثاثها وأولادها للسكن في الجانب المبني من المنزل.. وكذلك فلو أن الرجل انهار وانجرف، فلتعتبره مات وهو حي.. وبالتالي، عليها أن تعتبر نفسها أرملة هذا الرجل، وعليها أن ترضى بالأمر الواقع (إذا لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون)!..
ثالثا: مسألة الحجاب: إن هنالك انحسارا تدريجيا لأجل نزع حجابية الحجاب.. إذ ليس المراد من الحجاب وضع ساتر على البدن فقط، بل المراد هو وضع الساتر الذي يجعل المرأة في أمن من النظر المريب.. وإلا فما الفائدة من وضع الحجاب، إذا تحول الحجاب إلى زينة في حد نفسه.. أو أن الحجاب الذي يراد منه أن يكون حائلاً، وإذا بالحائل يكون جاذباً؟!.. وهذه الأيام المحلات والشركات تتفنن في هذا المجال، والحجاب الذي يفصل الجسم تفصيلاً، لا يعد حجاباً بكل معنى الكلمة.. والمرأة السافرة هل تريد أن تعرض هذا الجمال في الأسواق؟.. فإذا كانت متزوجة، فإن هذا الجمال وهذه المفاتن خاصة للمحرم (للزوج)، وإلا فإنه ينطبق عليه مبدأ الاشتراكية والشيوعية لكل أحد.. فإذن، ما وزن الزوج، وما قيمة محرميته، إذا كان لكل الناس؟.. فالبنت التي تبرز للشارع بهذا الشكل الفاتن، كأنها تريد أن تقول للمؤمنين بلسان الحال: أنا لست كفؤاً لكم.. ويا فسقة الناس!.. هلموا إلي أنا الذي أصلح لكم!.. والمرأة التي تخرج إلى بعض الأماكن المشبوهة، وأماكن تواجد الشباب المعاكسين، فهذه المرأة بلسان الحال تقول: أنني أنا صيد لكم، هلموا إلي!.. والمرأة ضعيفة جداً أمام الكلام المعسول.
- إن الإنسان عليه أن يكون هادفاً في حجابه، لا إرضاءً: للناس، وللأبوين، ولإمام المسجد، أو لعرف اجتماعي.. فالحجاب يجب أن يكون كاملا، والاختلاف فقط في الوجه والكفين: بين مانع، ومجيز.. أما الرجل فإنها تُستر بشكل كامل، وكشفها يكون في الصلاة فقط.. لذا على المرأة أن لا تستهين بخصلة من شعرها، فالذي يتعدى حدود الدولة، ويخطو خطوة واحدة خلاف الخطوط المرسومة، فإنه يُرمى ويُقتل بعنوان المتسلل.. والمرأة التي تكشف عن قسم من صدرها، أو من شعرها، أو من يديها؛ تكون قد تعدت الحدود الإلهية وانتهكت الحكم.. وبذلك يكون الحُكم اُنتهك جزئياً في الحجاب غير الشرعي، أو اُنتهك كُلياً في مسألة السفور.. (لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت)!..
رابعا: مسألة المحادثة عبر الإنترنت:
أولاً: إن المؤمن إذا أراد أن يُراسل، أو أن يكتب، أو أن يتكلم، لا بد أن يُعين الهدف من ذلك، فنحن عبيد لله عز وجل.. انظر إلى التكليف الشرعي، إذا كنت لست مأموراً، بل منهياً في هذا الأمر.. فلماذا الدخول في هذا المجال؟..
ثانياً: إن طبيعة المرأة عندما تُعجب برجل عبر الأثير من خلال: شعره، ومن خلال كتاباته الأدبية، ومن خلال نصائحه.. فإن الخطوة الأولى أنها تحب أن ترى هذا الرجل الذي أُعجبت به، وهي لن تكتفي بهذا المقدار من المشاعر، التي قد تكتمها عن البشر، ولكن الله -عز وجل- مطلع على السرائر.. بعد ذلك وبالتدريج، يتم اللقاء وتقع فريسة لهذا المحتال.. وأغلب الزواجات التي تتم عبر هذه المحادثات، هي في معرض الانهدام.. لأن الرجل يبقى شاكاً في هذه الزوجة التي راسلته، ولعلها راسلت الكثيرين غيره، وبعد أن شبعت من هذا الرجل من الممكن أن تعيد الاتصالات القديمة التي لديها.. وعليه، فلنذكر أنفسنا بمسألة الفضيحة الإلهية، فرب العالمين يمهل ولا يهمل!.. كم قرأنا في أدعية أهل البيت (ع): (اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم)!.. فرب العالمين رؤوف بعبده، لا يهتك عصمته، ويبقيه في غلاف بينه وبين الناس، ولكن عند التمادي بالمنكر، فإن رب العالمين يعرف كيف يهتك هذه العصمة (إلهي!.. قد سترت علي ذنوباً في الدنيا، وأنا أحوج إلى سترها علي منك في الأخرى..).. فسياسة الدفع أولى من سياسة الرفع، وسياسة الوقاية خير من سياسة العلاج.. ومن نوت بينها وبين ربها أن تكون مستقيمة في سلوكها، ينطبق عليها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ}.
- إن على الزوجة أن لا تصلح نفسها بنحو المقايضة والمبادلة.. أي تصلح نفسها كي يصلح الزوج نفسه، فإذا ما أصلح نفسه، ترجع إلى ما كانت عليه من العصبية والمواجهة وطلب الانفصال.. بل ليكن التغيير لوجه الله عز وجل؛ أي عليها أن تكون أمة لله، وليكن الرجل عاصياً ليس عبداً!.. فإذا كانت أمة، فإن رب العالمين سيحول الرجل في يوم من الأيام إلى خاتم في أصبعها.. وهذا هو المجرب وليس شعاراً، فالقرآن الكريم في آية صريحة، يعد بأن يجعل في قلوب الناس الود لهذا الإنسان {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُداًًّ}.. ولليائسات من حياتهن الزوجية نقول: بأن الله -عز وجل- {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا}.. وفي الحديث الشريف: (أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن)، فهو تعالى يحيي العظام وهي رميم.
رد: هو وهي (الجزء الأول + الجزء الثاني )
خطبة الجمعة للشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - المسجد النبوي
الأسرة أساس المجتمع، منها تفترق الأمم وتنتشر الشعوب. نواةُ بنائها الزوجان، يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ [الحجرات:13]. والأسرة هي المأوى الذي هيأه الله للبشر يستقر فيه ويسكن إليه. وفي الزواج معمار الكون وسكن النفس ومتاع الحياة، بقيامه تنتظم الحياة ويتحقق العفاف والإحصان، يجمع الله بالنكاح الأرحام المتباعدة والأنساب المتفرقة. وعد الله فيه بالغنى والسعة في الرزق ولا خُلف لوعد الله: إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النور:32].
ما تتمناه الزوجة:
وفي اختيار لبنة النكاح تتسع الآفاق، فيقرب البعيد ويُبَرّ القريب. وهموم الزوجين عديدة ومتشعبة، ولكن حسن العشرة وطيب المودة يبددها، وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19]. وفي الأسرة عتاب ومودة، سخط ورضا، والرجل يرفعه الأدب ويزكيه العقل، يضع من المودة أعلاها ومن المحبة أسماها، يعفو عن الخطأ ويتجاوز عن الزلل، والمرأة خلقت من ضلع أعوج، وبمداراتها والصبر على ما يكرهه منها تستقيم الأمور، يقول المصطفى : (استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً) متفق عليه.
ومن كرُم أصله لان قلبه، وزوجتك هي حاملة أولادك، وراعية أموالك، وحافظة أسرارك. اخفض الجناح معها، وأظهر البشاشة لها، فالابتسامة تحيي النفوس وتمحو ضغائن الصدور، والثناء على الزوجات في الملبس والمأكل والزينة جاذب لأفئدتهن، وقد أباح الإسلام الكذب مع الزوجة لزيادة المودة لها. والهدية بين الزوجين مفتاح للقلوب، تنبئ عن محبة وسرور، والتبسط معها ونبذ الغموض والكبرياء من سيما الحياة السعيدة، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي ـ أي في الأنس والسهولة ـ فإن كان في القوم كان رجلاً).
المعصية في بيت الزوجية:
وكن زوجاً مستقيماً في حياتك تكن هي بإذن الله أقوم، ولا تمدن عينيك إلى ما لا يحل لك، فالمعصية شؤم في بيت الزوجية، ومشاهدة الفضائيات يقبّح جمال الزوجة عند زوجها، وينقص قدر زوجها عندها، فتتباعد القلوب، وتنقص المحبة، وتضمحل المودة، ويبدأ الشقاق، ولا أسلم من الخلاص منها.
الزوج الذكي :
وكن لزوجتك كما تحب أن تكون هي لك في كل ميادين الحياة، فإنها تحب منك كما تحب منها، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي). واستمع إلى نقد زوجتك بصدر رحب وبشاشة خلق، فقد كان نساء النبي يراجعنه في الرأي فلا يغضب منهن، ومن علو النفس أن لا يأخذ الزوج من مال زوجته شيئاً إلا برضاها، فمالها ملك لها، وأحسن إليها بالنفقة بالمعروف ولا تبخل عليها، وتذكر أن زوجتك تود الحديث معك في جميع شؤونها فأرعِ لها سمعك، فهذا من كمال الأدب، ولا تعُد إلى دارك كالح الوجه عابس المحيّا، فأولادك بحاجة إلى عطفك وقربك وحديثك، فألن لهم جانبك، وانشر بين يديهم أبوتك، ودعهم يفرحون بتوجيهك وحسن إنصاتك، فقد كان النبي إذا رأى ابنته فاطمة قال لها: (مرحباً بابنتي)، ثم يجلسها عن يمينه أو شماله. رواه مسلم.
شهامة الزوج:
والحنوُّ على أهل البيت شموخ في الرجولة، يقول البراء رضي الله عنه: دخلت مع أبي بكر رضي الله عنه على أهله فإذا ابنته عائشة مضجعة قد أصابتها حمى، فرأيت أباها أبا بكر يقبل خدها ويقول: كيف أنت يا بنية؟ رواه البخاري.
والقيام بأعباء المنزل من شيم الأوفياء، قيل لعائشة رضي الله عنها: ماذا كان يعمل رسول الله في بيته؟ قالت: كان بشراً من البشر، في ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه. رواه أحمد.
والكرم بالنفقة على أهل بيتك أفضل البذل، ولا يطغى بقاؤك عند أصحابك على حقوق أولادك، فأهلك أحق بك، ولا تذكِّر زوجتك بعيوب بدرت منها، ولا تلمزها بتلك الزلات والمعايب، واخف مشاكل الزوجين عن الأبناء، ففي إظهارها تأثير على التربية واحترام الوالدين، والغضب أساس الشحناء، وما بينك وبين زوجتك أسمى أن تدنسه لحظه غضب عارمة. وآثر السكوت على سخط المقال، والعفو عن الزلات أقرب إلى العقل والتقوى، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (النساء عورة، فاستروهن بالبيوت، ودَاووا ضعفهن بالسكوت).
إن حق الزوجة على الزوج عظيم، أُسرت بالعقود وأوثِقت بالعهود. الزوجات يكرمهن الكريم، ويعلي شأنهن العظيم، تقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي يكثر ذكر خديجة رضي الله عنها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاءً، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة!! (رواه البخاري).
الزوجة الحاذقة :
والزوجة الحاذقة تجعل قلبها لزوجها سكناً، وتجعل في نفسها له طمأنينة، وفي حديثها معه ابتهاجاً وزينة، تصحبه بالقناعة وطيب المعاشرة بحسن السمع والطاعة في غير معصية، تعترف بجميل الزوج وفضله، وتقوم بحقوقه، تؤمن بعلوِّ منزلته وعظيم مكانته، يقول عليه الصلاة والســلام (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها) ، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج" (مجموع الفتاوى ).
المرأة الصالحة إن رأت زوجها جنح ذكرته بالله، وإن رأته يكدح للفانية ذكرته بالآخرة الباقية، تعينه على نوائب الدهر، لا تفشي له سراً، ولا تعصي له أمراً في غير معصية الله، تعين زوجها على بر والديه، فمن تحت يديهما نشأ، وعلى أنظارهما ترعرع، تطلب رضا ربها برضا زوجها، لا تتتبّع هفواته، ولا تظهر زلاته، حافظة له في الغيب والشهادة، إن حضر أكرمته، وإن غاب صانته، لا تثقل على زوجها في النفقة، همُّها طاعة ربها برضا زوجها، وتنشئة أولادها على الصلاح والاستقامة، لا ترفع عليه صوتاً، ولا تخالف له رأيا.
جزاء الزوجة المؤدبة:
بشَّر النبي خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة من قصب اللؤلؤ لا صخب فيه ولا نصب قال ابن كثير: "لا صخب فيه ولا نصب لأنها لم ترفع صوتها على النبي ، ولم تتعبه يوماً من الدهر، فلم تسخط عليه يوماً، ولا آذته أبداً". وقد أوصت حكيمة من العرب ابنتها عند زواجها بقولها: "يا بنية، إنك لن تصلي إلى ما تحبين منه حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببت وكرهت".
أمنية الأزواج :
والعفة محور الحياة الكريمة، وزينة الزوجة قرارُها في دارها، تقول عائشة رضي الله عنها: (إن خيراً للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يروها).
ذات الدين مطيعة لربها ثم لزوجها، لا تتعالى عليه، ولا تتمرد على قوامته، ولا تسعى إلى منازعته، تراها ساعية في راحة زوجها، قائمة على خدمته، راغبة في رضاه، حافظة لنفسها، يدها في يد زوجها، لا تنام إذا غضب عليها زوجها حتى يرضى، كل ذلك ليقينها بأن فوزها بالجنة معلق بطاعة زوجها مع قيامها بما فرض الله عليها.
ليلة الزفاف :
النعمة لا تذكر بالخطيئة، وليلة زفاف الزوجة إلى زوجها من آلاء الله العظيمة، والابتهاج بها لا يكون بنزع الحياء فيها، فيحرم على النساء الملبس المتعري ليلة النكاح ولو بين النساء، لما فيه من الفتنة ومجانبة الستر والعفة، والمرأة مستضعفة، إن لم تؤخذ بيد وليها جنحت مع نفسها لهواها، والغناء والمعازف في ليالي الأفراح وغيرها محرمة، وفي الضرب بالدف ليلة النكاح للنساء سنة شرعها الإسلام، وفيه غنية عن الحرام من المعازف والغناء. والتصوير من كبائر الذنوب، متوعدٌ صاحبه باللعنة وولوج النار، يقول عليه الصلاة والسلام: (كل مصور في النار)، وقد تسري صور النساء إلى غير المحارم من الرجال، فتنهار بذلك البيوت، وقد أفتى أهل العلم بحرمة إجابة دعوة فيها منكر لا قدرة على تغييره. وإن التبذير والمخيلة في الاحتفالات أثرة على الزوج وركضة من الشيطان، ولو جمع ما بُذخ من المال للزوج لبناء مسكن له أو قضاء دينه لكان خيراً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً [الفرقان:54].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
المرأة المكلومة :
في النساء فئة أخرس الحياءُ لسانها عن الشكوى، صرخاتها مكتومة في أعماق جروح قلبها، تعيش صراعاً نفسياً في مجتمعها، تبيت مع القلق والحزن، يؤرقها الهم والفكر، أيامها غالية، وشهورها أغلى، كل يوم تغرب فيه الشمس تتبدّد أحلامها بحياة سعيدة، وتتألم خوفاً من دخول بوابة العنوسة، لم تنعم بالأمومة والزوجية، بددت حياتها بشروط وهمية في اختيار زوجها، وأخرى آثرت التعليم على بناء الأسرة، ففُجئت بإعراض الأزواج عنها لتقدم سنها، وما قيمة الشهادة مع الحرمان من الزوج والأبناء، وفي الآباء من ظلم بنته وأذاقها ألماً وحسرة بتأخير زواجها، جشعاً في وظيفتها ومالها، ومنهم من ظلمها بتزويجها ابن عمها قصراً جرياً وراء التقاليد والأعراف المخالفة للشرع.
أماني الشباب والفتيات :
والزواج المبكر إغلاق لتلك البوابة الحزينة، وقد تزوج النبي عائشة رضي الله عنها وهي تلعب في أرجوحة لها، وهي بنت تسع سنين، وصغر سنها لم يحجزها عن الزواج بأعظم الرجال، وتحمل مهام بيت النبوة وواجباته وحقوقه، بل كانت تلك الصغيرة هي أحب نسائه إليه عليه الصلاة والسلام.
فلنتخذ من شريعتنا واقعاً لنا، ليسعد الفتيان والفتيات بزواجهم في سن مبكرة، وتيسير أموره لينهض المجتمع ويسلم من الانحراف، ومع بزوغ الفتن وتجددها يكون الأمر ألزم والحكم آكد.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
رد: هو وهي (الجزء الأول + الجزء الثاني )
ابحرنا معك ومع نقلك الرااائع اختنا الكريمة ,,,, الله يسعدك
يزدان الموضوع لو كان هناك حوار متداول بينكما ,,,,
رد: هو وهي (الجزء الأول + الجزء الثاني )
حي الراحة ,,,,
ابحر بافكاري ,,,
يعطيكم العافية وشاكر مشاركتكما ,,,,
الاسبوع القادم نبغى جبلين اشمين ولانرضى بغير ذلك ...
فمن ترشحووووووون ....
رد: هو وهي (الجزء الأول + الجزء الثاني )
رد: هو وهي (الجزء الأول + الجزء الثاني )
او حياة ودكتور حب او ابو راما ودلال
رد: هو وهي (الجزء الأول + الجزء الثاني )
أرشح Fifi Maria والأستاذ بن ثابت
رد: هو وهي (الجزء الأول + الجزء الثاني )
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نسايم ليل
أرشح Fifi Maria والأستاذ بن ثابت
:thumb:
أحسنتِ نسائم وإن اعتذرت (هي) فــ هي إذن شذا الورد
غبتُ عن متابعة موضوع حيوي رائع كمثله موضوع
واليوم قدمت له اعتذارًا لائقًا فعدت الى 12 صفحة للوراء لقراءتها بتأنيwr
ولا يزال الاعتذار مستمرًا...
والصدق أني مضيت وبي عطش شديد فما وصلت الى هناااا إلا وقد ارويت تمامًا من فيض تلك الأقلام فلا عدمتكما { هو وهي} ولا بكتكما عيني.
شكرًا لهذا الجنون هنا أحبتي
موضوع ..
شدّ الرحال إليه كثير :smile:وشدّ الرحال منه كثير:frown:
وحق للاثنين معًا شد الرحال::d::
الله يلوم اللي يلومكم
ابن أبيه شكرًا تليق بمثلك أخي الفاضل.
رد: هو وهي (الجزء الأول + الجزء الثاني )
كم يسعدنا هذا التواجد وهذه الإطروحات من الجميع
الشكر لكم ,,,
انفاس ,,,,,,فاح العود وتضوع وازداد أَلَقاً وتأنقا ...
شكرا اُخيتي ,,,,هذا الاطراء .....