في دراسة علمية حديثة عن العنف تجاه المسنين.. د.الجبرين يحذر:المسنون يبحثون عن التقدير..ولكنهم لا يجدونه!
أجرى الدكتور جبرين الجبرين الأستاذ في قسم الخدمة الاجتماعية في كلية الآداب في جامعة الملك سعود وأستاذ كرسي الأميرة صيتة للدراسات الأسرية.. أجرى دراسة عن العنف الأسري تجاه المسنين -حصلت (الدعوة) على الإذن بنشر هذا الجزء منها-.. تبدأ بالحديث عن مصطلح الضحية الصامتة فتبين أن هذا المصطلح يطلق على المسنين! كما يثبت ذلك فندلي (Findly,1999) حيث يعتقد أن المسنين الذين يعانون من العنف وسوء المعاملة والإهمال من قبل بعض أو كل أفراد أسرهم أكثر فئات المجتمع سلبية في التعامل مع هذا السلوك والكثير منهم لا يتحدثون مع الآخرين أو يلجؤون للشكوى والبعض منهم لا يستطيعون القيام بأي فعل لإيقاف العنف والإهمال الذي يتعرضون له إما لتقدمهم في السن وضعفهم في اتخاذ القرار وإما لاعتمادهم الكامل على أفراد أسرهم والخضوع والاستسلام للأمر الواقع وإما لاعتبارات أخرى ولهذا فهم يعتبرون الضحايا الصامتين للعنف الأسري.

إهمال المسنين
وتضيف الدراسة أن الحديث عن العنف الأسري والفئات التي تتعرض له لا بد وأن يقود إلى ذكر كبار السن إلا أنه ليس من المرجح استخدام مصطلح إساءة معاملة المسنين في مجتمع مسلم يدين كافة أفراده بالإسلام الذي يحث على حسن معاملة المسنين والرفق بهم وبرهم والإحسان إليهم {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } [لقمان: 14]، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } [الإسراء: 23 - 24].
ولذلك فإن استخدام مصطلح إهمال المسنين هو الأقرب عندما نتحدث عن هذه الشريحة من المجتمع وذلك على عكس الكثير من الدول التي يتم الحديث فيها علنا عن إساءة معاملة المسنين .Elder abuse

الحياة الفردية
وتشير الدراسة إلى تاريخ الإساءة إلى المسنين فتبين أن الحديث عن هذا النوع من الإساءة للمسنين بدأ في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وازداد الاهتمام به في الثمانينيات وذلك بسبب كثرة المسنين في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وتشير الدراسة إلى أن ضرورة الاهتمام بالمسنين تنبع من أن الإهمال ربما يؤدي إلى عواقب وخيمة قد تصل إلى وفاة المسنين أو تدهور صحتهم بشكل كبير (Wallace,2002:246).
وتضيف كذلك فتبين أنه قد ازداد الاهتمام بالمسنين والحديث عن إساءة معاملتهم بشكل ملحوظ في العشرين سنة الماضية وذلك بسبب صعوبة الحياة وزيادة تعقيداتها بشكل عام مما يقود إلى عدم تكيفهم مع المجتمع وعدم قدرتهم على خدمة ورعاية أنفسهم وتزايد هذه المشكلات في المجتمعات التي تعمها حياة الفردية التي تفرض على المسنين العيش بمفردهم أو مع شركاء حياتهم دون مساعدة من الأبناء والأحفاد والأقارب أما في المجتمع السعودي والإسلامي بشكل عام فإن حياة المسنين تختلف بشكل كامل عن المجتمعات الغربية وبعض المجتمعات الصناعية مما يفرض طابعا مختلفا لمناقشة هذا النوع من الإهمال الأسري.

الستون بداية
تعريف إهمال المسنين يجب أن يكون مرتبطاً بتعريف من هو المسن وذلك بسبب الاختلاف في العمر الذي يستخدم لتمييز المسن عن غيره ويمكن اعتبار سن الخامسة والستين بمثابة العمر الذي يفصل المسن عن غيره وتعد بعض المجتمعات سن الستين بمثابة بداية الشيخوخة كما هو الحال في المجتمع السعودي ولقد استثنى بعض الباحثين عامل السن من تعريف المسنين فليس بالضرورة أن يبلغ الشخص سناً معينة حتى يمكن اعتباره من المسنين (Wallace,2002).
وإضافة إلى ذلك فإن هناك من ينظر إلى تعريف إساءة معاملة المسنين بمنظور أكثر شمولاً حيث يدخل تحتها عدم رعاية المسنين وعدم الاهتمام بهم رغم أن هذه الأمور قد لا تكون بالضرورة من العنف الأسري ونشير إلى أن هذا المفهوم يختلف بشكل كبير في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بشكل عام عنه في المجتمع السعودي والمجتمعات الإسلامية ولذلك فإن استخدام مفهوم "إهمال" أو "إساءة معاملة" هو المصطلح الأقرب للواقع في المجتمع السعودي والمجتمعات الإسلامية بشكل عام

أنواع إساءة معاملة المسنين
ويمكن تقسيم هذا النوع من إساءة المعاملة في عدد من الأشكال منها على سبيل المثال:
إساءة المعاملة البدنية: وتتمثل في إيذاء المسنين بدنياً بشكل مباشر من قبل أفراد الأسرة أو وضع المسن في مكان يقيد حريته الشخصية وقد تأخذ شكل الإهمال مثل عدم الاهتمام بتغذية المسن ونظافته الشخصية وعدم مساعدته في أخذ العلاج والتزام التعليمات الطبية.
وكذلك إساءة المعاملة النفسية، وهي كل ما من شأنه إلحاق الأذى والضرر النفسي أو العاطفي بالمسنين من قبل أفراد الأسرة.
ومنها إساءة المعاملة المادية، وتتضمن استغلال ممتلكاتهم أو مصادرهم المادية بشكل غير قانوني أو شرعي.
والإهمال الظاهر الذي يتمثل في رفض المسنين من قبل أفراد الأسرة وعدم تقديم الرعاية والاهتمام.
والإهمال السلبي غير المقصود وهو نقص الرعاية التي يحتاجها المسنون دون قصد وقد يكون ذلك راجعاً لأسباب مختلفة.
وكذلك عدم الاحترام والتقدير، فالمسن شخص قضى معظم وأجمل أوقات حياته في خدمة أسرته ومن الطبيعي أنه ينتظر رد الجميل لكنه يصاب بالإحباط وخيبة الأمل وتتعاظم هذا المشكلة عندما يفشل أفراد الأسرة بأداء توقعات المسن التي قد تكون مختلفة عما يعتقدونه فالمسن يفكر بطريقة غير الطريقة التي يفكر بها الأفراد الآخرون في الأسرة وخصوصاً الجيل الجديد وغالباً ما يكون المسن في أمس الحاجة إلى الاحترام والتقدير واعتبار الذات.

اعتقادات خاطئة
ومن أنواع الإهمال الهجر، ويتمثل في هجر المسن وعدم الاهتمام بحياته الاجتماعية وتركه في مكان معزول عن الأسرة وعدم الحديث معه وعدم تخصيص وقت لتفقد أحواله ومعرفة طلباته ويتضح ذلك من خلال ترك المسنين في المستشفيات وعدم زيارتهم أو هجرهم في مكان معزول عن بقية أفراد الأسرة.
الاعتقادات الخاطئة، هناك اعتقادات خاطئة تلازم المسنين وخصوصاً النساء المسنات تتمثل في قيامهن بالسحر والشعوذة والحسد وتكون مصدر عدم ارتياح لهؤلاء المسنات وربما تقود إلى إساءة المعاملة والتندر والسخرية وأحياناً اللجوء إلى العنف والتهديد وينتشر هذا النوع من المعتقدات في أفريقيا ويكون سبباً في إساءة معاملة المسنات حتى من قبل أفراد الأسر التي يعيشون فيها.
وانطلاقاً من جميع هذه العناصر فإن إساءة معاملة المسنين يمكن تعريفها باختصار على أنها "أية فعل ينتج عنه أذى أو إهمال بدني أو نفسي أو مادي للمسنين من قبل الأسرة التي يعيشون فيها" (Wallace,2002:247).

أنوع الإهمال التي يتعرض لها المسنون
الإهمال السلبي: ويمكن تحديده في عدم مقدرة الأسرة على إشباع احتياجات المسن الاجتماعية والصحية والاقتصادية والنفسية وقد يكون عدم المقدرة بسبب ظروف الأسرة الاقتصادية أو بسبب تركيبة الأسرة وذلك مثل وجود المسن في أسرة نواتيه مما يعني أن المسن سوف يقضي أوقاتاً طويلة وحده دون وجود من يساعده خصوصاً عند خروج المرأة للعمل.
الإهمال غير المقصود، وهو عندما يتعرض المسن لإهمال غير واضح في حالة عدم وجود من يعتني أو يهتم به وكثيراً ما يدعي أفراد الأسرة أنهم يقومون بكل احتياجات المسن إلا أن هذا الادعاء قد لا يكون صحيحاً من وجهة النظر العامة وفي بعض الأحيان نجد أن المسنين أنفسهم لا يشعرون بهذا الإهمال اعتقاداً منهم أنه ليس بالإمكان الحصول على عناية واهتمام أكثر.
الإهمال المقصود
الإهمال المقصود: ويتمثل في الإهمال العمدي لاحتياجات المسن داخل الأسرة وعدم الاهتمام به وذلك مثل عدم إتاحة الفرصة له للحصول على علاج والمداومة على المواعيد الطبية وتناول الأدوية أو عدم مساعدة المسن في قضاء حاجاته الأساسية وعدم الاهتمام بتغذيته ومسكنه وملبسه وكافة احتياجاته.
ومنها إهمال النفس، ويصدر مثل هذا النوع من المسن نفسه عندما يبدأ بعدم الاهتمام بنفسه ويجد عدم مبالاة من الأسرة يتمثل في عدم التدخل في حياة المسن وتركه يفعل ما يريد حتى لو كان هناك ضرر على نفسه.
الإهمال النفسي والعاطفي، وقد يكون هذا النوع هو الأكثر حدوثاً فغالباً ما يتعرض كبار السن إلى عدم مبالاة بحاجاتهم الأساسية مما يقود إلى تأثر حالتهم النفسية بشكل كبير ومن المؤكد أن المسن يكون في مرحلة حرجة من الحياة تتطلب اهتماماً مضاعفاً بكافة احتياجاته وضرورة مساعدته حتى لا يكون فريسة سهلة للوساوس والأوهام.
الإهمال البدني، ويمكن تحديده في عدم الاهتمام بالحاجات الأساسية للمسن أو عدم تمكينه أو مساعدته للحصول على علاج.

العوامل المؤثرة في الإهمال
هناك مجموعة عوامل تؤثر في الإهمال الأسري للمسنين، منها صعوبة تحديد مفهوم الإهمال الأسري للمسنين واستحالة إعطاء تعريف دقيق لهذا النوع من الإهمال أو حتى سوء المعاملة.
والخصوصية الأسرية التي تحيط بكل أشكال التعامل الأسري وتضفي عليه شيئاً من السرية وعدم الإفصاح عنه خارج حدود الأسرة.
3 ـ التحيز والوصم الاجتماعي الذي ربما تتعرض له الأسرة والمسن على حد سواء في حال الحديث عن إهمال أو عدم اهتمام من قبل أفراد الأسرة.
والتغيرات الاجتماعية السريعة لا بد أن تترك أثراً كبيراً على المسنين أكثر من غيرهم وذلك لصعوبة التكيف مع المستجدات والمبتكرات الحديثة وغالباً ما يلجأ المسنون إلى مقاومة التغيرات الجديدة وعدم الأخذ بها والتسليم بعدم فاعليتها وفائدتها وطبيعة تركيبة الأسرة السعودية.

إهمال المسنين في أمريكا
ـ تقريباً 33% من حالات القتل التي تحدث للمسنين فوق عمر 65 تم ارتكابها عن طريق أحد أفراد الأسرة التي يعيش فيها المسن.
ـ معظم إساءة المعاملة يأتي من الشخص الذي يعيش مع المسن وغالبيتهم من أولادهم في مرحلة المراهقة.
ـ النساء أكثر من يسيء معاملة المسنين وربما يكون ذلك بسبب أن النساء هن اللاتي يوكل إليهن عملية الاهتمام بالمسنين.
ـ المرتكبون للإساءة غالباً يكون لديهم تاريخ مرضي.
ـ المرتكب للعنف قد يكونون من المعتدين مالياً على المسن.
ـ الرجال المسنون عندما يسيئون معاملة زوجاتهم المسنات يكون لعدد من الأسباب مثل: استمرارا لإساءة المعاملة المعتادة في حياتهم، وقد يكون بسبب الاضطرابات العاطفية التي يصابون بها مع تقدم السن، وقد يكون بسبب اختلال وظيفي في العمليات العقلية.