هذه قصيدة الدكتور غازي القصيبي في رثاء أخيه عادل
التي نشرت في جريدة الجزيرة بتاريخ 10 ذو الحجة عام 1426 هـ عدد 12157
أخي! رُبَّ جُرحٍ في الأَضَالعِ لا يهْدا =أعانقهُ... والليلُ يُمطِرُني سُهدا
وأستصرخُ الذِكرى فتسكبُ صَابَها = ويا طالما استسقيتُ من نبعِها الشهدا
أخي! لستُ أدري أيّ سهميَّ قاتلي = غيابُك؟ أمْ أنّي بقيتُ هنا فردا؟
تفرّق أصحابُ الطريقِ... فلا أرى = أمامي سوى اللحدِ الذي يحضنُ اللحدا
على كل قبرٍ من دموعيَ قطرةٌ = وقافيةٌ تفدي المودِّعَ... لو يُفدى!
أصون عن الأنظار ضعفي... ورُبّما = تماسك مَنْ هَدّتْ قواعده هدّا
أعادل! هل حقاً تركتك في الثرى = وأهديتُ هذا القبر أنفَس ما يُهدى؟!
وهل عدتُ حقاً للديار التي خَلَتْ = وفيّاً لدُنيايَ التي تخفرُ العهدا؟!
مضيْتَ... كأنّا ما قضيْنا حياتنا = معاً... ولبسنا العمر بُرْداً طوى بُرْدا
كأنَّ الشبابَ الحُلوَ ما كان حوْلنا = يهبُّ كأنفاسِ الخمائلِ... أو أندى
كأنَّ المُنى ما سلّمتنا قيادها = فهِمنا على الآفاقِ نفرشُها ورْدا
كأنَّ الرؤى ما غَازَلَتْنا حِسانُها = وما زيّنتْ صعباً... ولا قرّبتْ بُعدا
كأنَّ الصِبا ما كان يغوي بنا الصبا = فلا فِتنة نادتْ... ولا شادِنٌ ندَّا
كأنّا خُلِقْنا في المشيب... يسومنا = من العقل... ما كنا نضيقُ به مُرْدا
يقول سهيلٌ: «ما لِعيْنِكَ لم تَفِضْ؟!» = فقلتُ له: «أكدتْ... وقلبيَ ما أكدى»
بكيتُ أخي حتّى ثوى الدمعُ في الحشا = وأجهش صدرٌ أصطلي نَوْحه وَجدا
فمن أجلِه الدّمعُ الذي سدَّ محجري = ومن أجلِهِ الدمعُ الذي استوطن الكِبْدا
إلى الله أشكو... لا إلى الناس... أنني = أكابد من عيشى العقاربَ... والرُبْدا
وأنّي إذا ما غَابَ خِلٌ... حسبتني = فقدتُ حُسامي... والعزيمةَ... والزندا
ويا ربّ! هذا راحلٌ كان صاحبي = وكان أخي... أُصفي ويُصفي ليَ الوِدّا
وكان صديقي... والشبابُ صَديقنا = وصادَقَني... والشّيبُ يحصُدنا حصْدا
وما فرَّ... والأعداءُ حولي كتائبٌ = وما خاف... والظلماءُ صاخبةٌ رعْدا
فيا ربُّ! نوِّر بالقُبول ضَريحه = وأسكنْهُ روضاً في جنانك مُمتدا
ويا ربُّ! هل للعبدِ إلاك ملجأ = ويا ربُّ! هل إلاّكَ من يرحمُ العبْدا؟
وهذه قصيدتي التي تعبر عن إعجابي بقصائد الدكتور غازي فأنا من المعجبين الكثر بقصائده
وقد نشرت هذه القصيدة في جريدة الرياض عدد 13787 في 24 صفر عام 1427 هـ وقد نشرتها سابقاً في المنتدى إلا أنها كانت ناقصة بيتاً ولكني عدلت ذلك هنا
هوى في الهوى من لم يكن يعرف الوجدا = و لم يستطع صبراً فأبدى الذي أبدى
بكى من عذاب العشق ..حتى بكى له الـ = ـعذول و حتى فارق العقل و الرُّشْدا
و حتى غدا في الناس للناس قصة = و حتى قواه هدَّها وجده هدَّا
فيالفؤادي ! و الهوى يستبيحه = و يا لعيوني ! تشتكي الدمع و السُّهْدا
جنود الهوى كُثْرٌ و قلبيَ واحد = وهل واحد يقوى إذا واجه الجندا
و إني إذا لم يرحموني لثالث الـ = ـقيسين من قبلي بموتهما وجدا
أعَيْنيَّ هل أوثقتماني بنظرة = ِلعينَيْ مهاةٍ تستبي الحجر الصلدا ؟
أرتني بياض الوجه و الشعر حوله = كبدر تمام حاطه الليلُ مسودّا
وخدين حمراوين ! ما الروض مُزهراً = بأجمل من خد لها جاور الخدا
و خالاً يَزينُ الخد من فوق ثغرها = كقطرة مسك فوق ورد علا وردا
(( إذا احتجبت لم يَكْفِكَ البدر ضوءها = و تكفيكَ ضوء البدر )) لو كشفت يدّا
كأنَّ صفات الحسن فيها سواحراً = قوافي القصيبي إذْ تَشُدُّ الفتى شدَّا
تصاحب غازي و القوافي فحَلَّقا = و أورث كُلاًّ ذكرُ صاحبه حمدا
كأن معاني الشعر في حسن لفظه = قوالبُ من تِبْرٍ و قد مُلئتُ شهدا
إذا ما أتاني شعر غازي حسبتني = وَصَلْتُ حبيباً كان عذبني صدَّا
و إني ليدعوني و إن حلَّ شاغلٌ = إليه دواعٍ لا أطيق لها ردّا
فظاهره سهل على أنَّ سهله = نديُّ المعاني كالنسائم أو أندى
و قد نظمت أبياته كلآلئ = قد انتظمت في جيد فاتنة عِقدا
و ما اختلفت أبياته في جمالها = ترى كل بيت للذي قبله نِدّا
ألا يا أبا يارا زمانك يشتكي = دواوينَ شعر تلفح القلب والكبدا !
دواوين لو تُتلى على سمع ناقد = لخرَّ صريع (( الضغط )) أجهده جهدا
و لو أنها تْتلى على غير ناقد = لأضحى أديباً ثم قَوّضَها نقدا
فلو أنني حُكِّمْتُ فيمن يقولها = لأوسعته جلداً و ناشرها جلدا
إذا وقعت عيني عليها حسبتني = من الغيظ أصلى النار تلفحني وقدا
كأني ابنُ عشرينٍ تغازله التي = تجاوزت التسعين من عمرها عدّا !
فلا تحرِمَنّي من قصائدك التي = لِعصْرِيَ أضحت كالهواطل للبَيْدا
فقد هِجْتني بقصيدة كان بدءها = (( أخي ! رب جرح في الأضالع لا يهدا ))
مع شكري وتقديري لكل من قرأ وأدرج تعليقاً ... نقداً كان أو مدحاً ...