مسافرون وأنت معهم ..



على غرار الماضيات من الأيام ، مضت هذه الأيام أيضاً،

وعادت مرة أخرى .. لكن في جلباب رائحتها .

فكأنّ الحياة تبتسم بعين ٍ، وكأنها بعين ٍ أخرى تقول لك وداعا ً ،

فلا أنتَ أدركتَ معنى ما تريد ، ولا هي عرفت ما في نفسك .


**



الراحلون مع الأيام لا يعودون ، و إن عادوا، عادوا خيالاً

أو أشباحاً مستخفيه في الأحلام .

كنت أسمع قديماً عن روابط قوية وصداقات لم تتصرّم

ولم تستطع الأيام أن تـفصمها،

وكنت أتخيل أن هذا العمر الهائل من سبعين وثمانين سنة

طودٌ عظيم لا يفك مصراعيه أبداً،

ولما استبصرته فاجأني هذا العمر أنه لمح بصر أو أقل من ذلك ،

ولا يزيد العابرون به إلا غروراً..


زرتُ أحدهم وهو في الثمانين من العمر ، لم أزل أزوره بين الحين والآخر،

أتعزى بحديثه عن نفسه وعن أمسه ، وأعزيه بحديثي عن شبابي وعن يومي،

فيسرني منه صدقه وصفاء سريرته ، ويسوؤني مني كذبي على نفسي

واختيالي بثوب عافيتي.

ومرّ بي سريـعاً على أطلال ماضيه وأصحابه وأقرانه ،

وقد أذهلني كثيراً أنه قال أنّ بعده عنهم وسفره في طلب الحياة

لم يعـطـل عليه تواصله بهم ولقاءه فيهم ،

كيف وهم على اتصال ببعضهم دائماً وأبداً كيف ما قـُـدّر لهم .

و لقد كنت أقول في ذاتي ليس هناك من أحد يستحق هذا العناء يا عم ،

وكنت أدمدم دائماً بعبارات هي من السوء بحيث لا يمكن ذكرها هنا ..

حتى ألمّ به ذات مرة عارضٌ و أطاح به مرضه في سريره ، وذهبتُ إليه لأطمئن عليه ..

وعندها عرفتُ معنى ما كان يحدثني عنه ..

لقد زاره أناسٌ من بعيد ومن قريب ، وظل هاتفه يرن حتى حل زمن مغادرتي .

هذا الأمر جرّ في قلبي أسِـنـَّـة ً كم كنت أخشاها ؛

الماضي من الأيام وَ غداً عندما أشيخ !


**

نفضت عن قلبي المتعب غـباره ، وتذكرت ما أسعدني وجعلت في صدري أردد..

أنّ قرينة عيني لم تـَزل على ضفاف قلبي المعشب بالحبّ

وأن أغصانها الوارفة من حولي تظلني بالحنان والهدوء

و أنّ ما من شيء إلا و عنه عادل ٌ و له نديم ..
...


مُـدنُ
23 / 4 / 1432هـ