الرجل السليم في الكرسي السليم
قبل وقتٍ من الزمن يعدّ الحديث عن الفساد أمرًا محرمـًا ذكره , لما قد يترتب على ذلك المساس بشخصيّات ذات نفوذ ورجال – في نظر العامة – مقدّسين عن الخطأ , بل ويعدّ من نواقض الوضوء والحياة , فـهم أنقى من يلطّخوا ثوب يوسف بدمٍ فاسد .
وفي جازان بدأت نهضة الحديث عن الفساد تزدهر , وستتسع نهضة العمران فيها بقدر ما اتسعت نهضة الحديث عن الفساد , بيد أن المواطن في أرض جازان ينقصه اتباع الطريق الصحيح للشكوى والخوف من عاقبة ذلك , وينقصه فهم حقوقه التي يتستر عليها المسئولين .
لا شك أن حجم البطالة الهائل والفراغ القاتل الذي نجده في شبابنا اليوم هو نتيجة لتراكمات الفساد والمحسوبيّة , حتى التوعية التي هي أقلّ ما يجب أن نقدمه للشباب تقاسموا أموالها من وراء جدر , وقد أدّى ذلك بالشباب لكسب المال عبر طرقٍ غير شرعية , فالتهريب مثلاً هو الفعل الذي ينخر في همم شبابنا والداء الذي يستفحل في طرف مهمٍ من الوطن , نرى كثيرًا من شبابنا منغمسين في ترف الشهوة , مستنزفين عمرهم في أعوادٍ تـُرمى في الصباح .
ما من أمة تستقيم على السويّة وتنهض بالرعيّة إلا ووضعت الشباب في أوائل خططها , فهم الجيل القوي والصاروخ النووي الذي إنْ وُجّه إلى الصحيح وجدتَ الحضارة تنداح كالريح وإنْ وُجّه للخطأ سقطت كما الجريح .
إنّ الفساد الحقيقي ليس في سرقة مال ولا في خلسة مختلس ولا في استحداث وظائف لذوي القربى , إن الفساد الحقيقي هو ما يتلقاه الشباب من تهميش وتعطيل وضربٍ غير معلن حتى أصيبوا بهوس الفراغ وسُكر الجـِده , مصداقــًا لقول أبي العتاهية ( إن الشباب والفراغ والجده ... مفسدة للمرء أيّ مفسدة ) وقبل ذلك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ( نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس , الصحة والفراغ ) .
إنّ ما يحدث للشباب اليوم هو أكبر فساد يتلقاه على مدى طويل , فالمقاهي أصبحت ملاذًا للعاطل بحكم ما يغمر أوقات الشباب من ضلال الباطل , وبرغم أننا في ثغرٍ من ثغور بلادنا الحبيب لم نجد ما يسدّ رمق البطالة ويدفع بالشباب للحفاظ على الحدود , غير أن بودار أملٍ لحظته في القرار الذي تولاه أمير جازان المحبوب بدراسة مراكز الأحياء وما تقدمه للشباب , وفي ذلك بداية لسدّ الفراغ الموجود لدى شبابنا بهمّة صحيحة تقودنا للمضيّ قدمــًا للنهوض بهذا الوطن .
أولى خطوات التغيير يجب أن تبدأ بالمسئول , فلا يمكن بسيدٍ في مكتبهِ همّه إكمال فنجانه قبل الظهر أن يهتم بوطنه , ولا يمكن لمن اتخذ من كرسيّه عرش بلقيس أن يتخذ شباب الوطن سندًا له , فالأولى ممن يملك سلطة التغيير أن يأخذ بأيدي هؤلاء الذين أفسدوا تلك الكراسي المستوردة , وأكاد أجزم أن أكثر وارداتنا – إن وجدت احصائية – هي في الكراسي المريحة التي تأتينا من دول الغرب , وقد ( ريّحت ) المسئولين المعظّمين الذين تفننوا في عملية الجلوس فيها حتى صارت لديهم موهبة تستحق أن نشارك بها في الأولمبياد المقبل .
موهبة الجلوس أحبتي القرّاء هي أكثر موهبة يتقنها مسئولين الشرق , والسبب في نظري هي تلك اللعبة القديمة التي كنا نمارسها في الصغر , بحيث يجتمع خمسة على أربعة كراسٍ ويقومون بالدوران حولها لحين سماع الصافرة , هذه اللعبة هي التي سببت آفة الكراسي التي نشاهدها في الوسط الإداري , وأدعو من هذا المنبر بقمع كل من يلعب تلك اللعبة القديمة حتى لانفسد عقول الناشئة , وتوجيه حملة بعنوان ( الرجل السليم في الكرسي السليم ) , وتأكدوا أننا سنرى بعد تطبيق هذه الحملة بيئة ناجحة ومتطلعة ووطن منشود .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .