( ابي )

عندما كنت صغيرة تصورت ان الاب مثل جهاز التلفزيون ففي كل بيت واحدا منه لكن احدا لايعرف كيف يصلحه عندما يتعطل . كان ابي يغادر المنزل كل صباح ويبدو سعيدا برؤيتنا ثانية حين يعود في المساء .

كان يفتح علب المخللات التي يعجز الجميع عن فتحها , كان الوحيد في البيت الذي لايخشى النزول بمفرده الى القبو
كان يجرح وجهه وهو يحلق ذقنه لكن احدا لم يتقدم ليسعفه او يهتم بما حدث , وكان هو الوحيد الذي يقبل الخروج في المطر ليحضر لنا ما نحتاج اليه , وحين يمرض احدنا هو الذي يذهب لاحضار الدواء.

كان دائما مشغولا , يعد مصائد الفئران , ويشذب اغصان الورد حتى لاتصيبنا اشواكها ونحن نسير بجوارها .
وهو الذي يصلح عجلتي وحين اشترى لي دراجة هوائية جرى بجانبي مئات الكيلو مترات قبل ان اسيطر عليها بمفردي .
هو الذي كان يوقع على بياناتي المدرسية وقد اخذ لي الاف الصور دون ان يظهر في واحدة منها , هو الذي كان يصلح لامي كل الاعطال التي تحدث في الاجهزة المنزلية . كنت اخاف من اباء كل الاولاد الا ابي.

اعددت له الشاي ذات مرة وكان عبارة عن ماء فيه سكر فقد نسيت ان اضع الشاي ومع ذلك قال لي انه لذيذ جدا .
عندما احضر لي عروسة كبيرة كرمز للام ومعها زوجها كرمز للأب كنت العب بالعروسة الام والقي بزوجها تحت السرير.

وذات صباح حين كنت في التاسعة من عمري لم ينهض ابي ليذهب الى العمل وذهب الى المستشفى وتوفي هناك في اليوم التالي , وجاء الى منزلنا اعداد كثيرة من الناس واحضروا معهم انواع كثيرة من الطعام والحلوى .
ذهبت الى حجرتي واخذت افتش عن اللعبة الاب تحت السرير وحين وجدته ازحت عنه الغبار ووضعته على الفراش لم يكن يفعل شيئا على الاطلاق . ولم اكن اتصور ان ذهابه سيؤلمني الى هذا الحد انه لايزال يؤلمني حتى الان ,,,,,,,,
( من كتاب ابي للكاتبة الامريكية جوليا كروسمان )