حول كلمة الأديان السماوية


أيها المسلمون والمسلمات إن هذا الموضوع في غاية الخطورة وفي غاية الأهمية، والعنايةُ به وإصغاء السمع إلى كل طارق مخلص يطرق هذا الباب نصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم يجب الاستماع إليه والوعي لما يقوله ويلقيه.
واعلموا أيها المسلمون والمسلمات أنه منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل التوحيد والسنة في صراع مع أعداء التوحيد والسنة، ولا يخفى على كل ذي علم وبصيرة ومعرفة بالإسلام والسنة معرفةَ أهلِ العلم والفقه ما كان يعانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين بالمدينة.
فإذا كان الأمر كذلك، وقد عرفتم أن الصراع ليس وليد اليوم بل هو مع نشأة دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، مع ظهورها، فلابد أن أقدم بعض المقدمات قبل أن أذكر بعض الصوارف عن السنة، التي أردت بها التنبيه على غيرها.
ـ المقدمة الأولى:
لِيعلمْ كل مسلم ومسلمة أن الله سبحانه وتعالى ما رضي للعباد ولا للبلاد دينا غير دين الإسلام الخالص له سبحانه وتعالى.
وعلى هذا اتفق جميع النبيين والمرسلين، وإليه كانت دعوتهم، قال جل ثناؤه: [ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت] وقال جل ذكره: [وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون] وقال جل ثناؤه: [وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون]، فالناظر في هذه الآيات وما في معناها من كتاب الله الكريم - وهو فائق الحصر، أعني ما في معنى هذه الآيات- يجد أن الرب المعبود جل ثناؤه ما شرع للناس ديناً غير دين الإسلام الخالص، وأن هذا الدين يجب أن ينبني على أمرين:
الأمرِ الأول: الدعوة إلى إخلاص الدين لله سبحانه وتعالى، وألا يُعبدَ إلا الله وحده، والتحريض على ذلك والموالاة فيه، وتكفير من ترك ذلك.
والأمر الثاني: التحذير من الشرك بالله والتغليظُ في ذلك والمعاداة فيه، وتكفير من فعله.
ومن هنا يُعلمُ أن اليهودية والنصرانية ليست ديانات سماوية شرعها الله سبحانه وتعالى، ويدل على هذا أدلة كثيرة، منها:
قوله جل ثناؤه: [إن الدين عند الله الإسلام] وقوله: [ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين].
ولرُبَّ قائل يقول-بل ما أكثر من يقول- : الدين المراد في هاتين الآيتين وما في معناهما شريعةُ محمد صلى الله عليه وسلم فقط، هو الذي أُلزم الناس به وغيره من يهودية أو نصرانية أصبحت منسوخة.
وجوابا تدحض به هذه الشبهة الكاسدة، أقول:
ولرُبَّ قائل يقول-بل ما أكثر من يقول-: إن الشريعة، أو أن دين الإسلام هذا الذي تتحدثون عنه هو شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فقط، وبقية الشرائع تبقى أديانا سماوية.
والجواب على هذه الحجة الكاسدة والشبهة الفاسدة في أدلة كثيرة، منها:
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأُبيّ: يا أُبَيّ إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، قال أُبيّ: وسماني لك يارسول الله؟، قال: نعم، وقال وذُكرتُ عند رب العالمين؟، قال: نعم، فبكى أُبيّ -رضي الله عنه- فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين} السورة، وقرأ فيها: ( إن الدين عند الله الحنيفية المسلمة، لا اليهودية ولا النصرانية ولا المشركية ).
فهذا الحديث نص صريح في أن اليهودية والنصرنية ليست ديانات سماوية.
وإن قال قائل: إذًا ما اليهودية وما النصرانية؟، فالجواب:
اليهودية هم اليهود نسبة إلى جدهم الأعلى يهودا بن يعقوب عليه الصلاة والسلام، أو من قول موسى صلى الله عليه وسلم إنا هدنا إليك، أي رجعنا إليك.
وأصبحت اليهودية فيما بعد طائفة من بني إسرائيل أو علم على طائفة من بني إسرائيل هم محرفة التوراة الذي جاء به موسى عليه الصلاة والسلام من عند الله فيه هدىً ونور.
والنصرانية قيل نسبة إلى ناصرة أو الناصِرة، وهم سمَّوا أنفسهم ناصرى، كما قص الله علينا ذلك في مواضع من كتابه، ثم أصبحت من بعدُ النصرانية علما على طائفة من بني إسرائيل هم محرفة الإنجيل الذي جاء به عيسى صلى الله عليه وسلم.
فبان بهذا أنهما ليستا ديانتين سماويتين، وأن الدين الذي جاء به موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام هو دين الإسلام، والإسلام الذي جاء به جميع النبيين والمرسلين عام مشترك وخاص.
فالإسلام العام هو اتفاق جميع النبيين في أصل الدين الذي هو التوحيد، وكذلك الصلاة، كل نبي فرضت عليه الصلاة والزكاة والحج وصيام رمضان، هو اتفاقهم على الأصول.
وأما الإسلام الخاص فكل نبي له شرعة خاصة به، كما قال الله تعالى: [لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا]، روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سبيل وسنة.
وأخرج ابن جرير في تفسيره عند قوله تعالى: [فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله] عن قتادة قال: اليهودية بدعة والنصرانية بدعة والحرورية بدعة والسبئية بدعة، مانزل بهن كتاب ولا سنهن نبيّ.

منقول بتصرف بسيط