أودعهُ وقدْ أزف الرحيلُ
وحانَ البعدُ والسفرُ الطويلُ
ومن عينيهِ دمعاتٌ تسيلُ
على الخدينِ يتبعُها العويلُ

فأنظرُ نحوه وأقولُ : يا منْ
بنيتُ له بوسْطِ القلبِ مسكنْ
أنا أجوكَ لا تبكي وتحزنْ
فدمعكَ من كنوزِ الكونِ أثمنْ

فيسكتُ ثم يغشاهُ الذهولُ
وعيناهُ تناظرني تقولُ :
أتنساني إذا البعدُ يطولُ ؟
أمِ النسيانُ أمرٌ مستحيلُ ؟

أقولُ لهُ : صحيحٌ يا صديقي
بأنَّ فراقنا اليومَ حقيقي
وأني سوف أمضي في طريقي
وأرحلُ عنكَ والحزنُ رفيقي

صحيحٌ أنَّ نارَ الاشتياقِ
ستكوي القلبَ منْ بعدِ الفراقِ
ولكنْ أنتَ في الأعماقِ باقي
وفي قلبي إذا صعبَ التلاقي

صحيحٌ أنّ عالمنا كبيرُ
وأشغالُ الحياةِ به كثيرُ
ولكنْ إنْ يطلْ هذا المسيرُ
تأكدْ ليسَ ينساكَ الضميرُ

سأنساك إذا الليلُ البهيمُ
ستنساهُ الكواكبُ والنجومُ
إذا الأمطارُ تنساها الغيومُ
أوِ الصبحُ سينساهُ النسيمُ

سأنساكَ إذا تنسى الزهورُ
روائحها وتنساها العطورُ
إذا الأشجارُ تنساها الجذورُ
أوِ الأعشاشُ تنساها الطيورُ

لقدْ حان الفراقُ فلا تلمني
لأني سوف أرحلُ رغمَ عني
فلا تبكي فداك الروحُ مني
فداك العمرُ أنتَ ضياءُ عيني