و مرت دقائق و كلانا صامت حائر مفكر يترقب الآخر ليبدأ بالكلام . و لكن هل هو الكلام الذي يحدث التفاهم بين الأرواح المتحابة ؟
هل هي الأصوات و المقاطع الخارجة من الشفاه و الألسنة التي تقرب بين القلوب و العقول ؟
أفلا يوجد شيء أسمى مما تلده الأفواه و أطهر مما تهتز به أوتار الحناجر ؟ أليست هي السكينة التي تحمل شعاع النفس إلى النفس ,
و تنقل همس القلب إلى القلب ؟ أليست هي السكينة التي تفصلنا عن ذواتنا فنسبح في فضاء الروح غير المحدود ,
مقتربين من الملأ الأعلى , شاعرين بأن أجسادنا لا تفوق السجون الضيقة , و هذا العالم لا يمتاز عن المنفى البعيد ؟
*************************
إن قلب المرأة لا يتغير مع الزمن ولا يتحول مع الفصول . قلب المرأة ينازع طويلا و لكنه لا يموت .
قلب المرأة يشابه البرية التي يتخذها الإنسان ساحة لحروبه ومذابحه , فهو يقتلع أشجارها و يحرق أعشابها و يلطخ صخورها بالدماء
و يغرس تربتها بالعظام و الجماجم , و لكنها تبقى هادئة ساكنة مطمئنة و يظل فيها الربيع ربيعا و الخريف خريفا إلى نهاية الدهور ...
***************************
كانت المرأة بالأمس خادمة سعيدة فصارت اليوم سيدة تعسة . كانت بالأمس عمياء تسير في نور النهار فأصبحت مبصرة تسير في ظلمة الليل .
كانت جميلة بجهلها فاضلة ببساطتها قوية بضعفها فصارت قبيحة بتفننها سطحية بمداركها بعيدة عن القلب بمعارفها . فهل يجيء يوم يجتمع في المرأة الجمال بالمعرفة ,
و التفنن بالفضيلة , و ضعف الجسد بقوة النفس ؟ أنا من القائلين إن الارتقاء الروحي سنة في البشر , و التقرب من الكمال شريعة بطيئة لكنها فعالة ....
******************************
مقطوعات نثرية للأديب / جبران خليل جبران