تميزت منطقة جازان منذ زمن بعيد بثرائها الحياتي وتنوعها وتباين تضاريسها الطبيعية مما نتج عنه تنوع في النمط العمراني والشكل الهندسي السائد بالمنطقة بحسب ما تفرضه ظروف كل موقع وماتتوافر به من إمكانات وموارد طبيعية، فعرفت سهول تهامة جازان ومناطقها الساحلية نمطا عمرانيا فريدا اعتمده الأهالي منذ مئات السنين يتخذ من الطبيعة والمواد البسيطة المتوافرة بها مواد أساسية لبناء منازلهم بطريقة تنفرد بها عن جميع مناطق المملكة فيما يعرف باسم( العشة) ذلك البناء الفني البديع .
وصامطة إحدى محافظات منطقتنا الحبيبة التي كان في العقود الماضية يعتمد أهاليها في بناء هذه المساكن على أنواع عديدة من الأشجار المتوافرة ومنها شجر الأراك والأثل والشورى ( المانجروف) والمض والمرخ والحلفاء والثمام وجميعها معروف لدى سكان المحافظة على امتداد رقعتها من الموسم جنوباً الى القفل شرقاً والسهي غرباً وحدود صامطة شمالاً ، وتقام العشة التي كانت سائدة في السنوات الماضية وشهدت تطورا متزايدا في الأنماط المعمارية الحديثة على مساحة يصل طول قطرها غالبا إلى أكثر من ( 6 ) أمتار يراعى في بناء هذه الأكواخ الشعبية أن تكون على طراز هندسي مخروطي الشكل بما يتناسب مع مناخ المنطقة الحار والرطب حتى يسمح بدخول أكبر قدر من الهواء ويضمن لها الصمود أمام العوامل الجوية والظروف المناخية القاسية لفترة طويلة.
ويقوم المتخصص في بناء العشش بوضع خط دائري على الأرض بحسب المساحة المحددة للمبنى وحفرالعديد من الحفر على طول الخط فيما يعرف باسم العقيق مع مراعاة ترك فراغين بطول متر تقريبا لكل منهما ليكونا بمثابة بابين للعشة ويحدد موقع هذين البابين في ربع المساحة الإجمالية في أحد أجزاء المبنى ولذلك تسمى المساحة الواقعة بين البابين بالربع الذي يخصص لعمليات الطبخ وإعداد القهوة وحفظ أدواتها وبعد عملية الحفر يتم وضع الأخشاب في العقيق وتصف فيه بشكل متواز واحدة جوار الأخرى وتربط الأخشاب فيما بينها بواسطة عيدان ذات حجم صغير وسهلة الثني تسمى (الحرائج) وحبال مصنوعة من السعف مع مراعاة وضع مسافة ربع متر على أقل تقدير باتجاه رأسي بين الحريجة والأخرى وبذلك يكون قد تم بناء ما يعرف بالقامة من العشة وهو ما يزيد عن قامة الإنسان المعتدل ثم تبدأ المرحلة الثانية بوضع دائرة أخرى من العيدان الخشبية فوق الصف الدائري السابق (القامة) مع مراعاة تقريب الأطراف العلوية لهذه العيدان حتى تلتقي في أعلى المبنى في منطقة تعرف بالقرو ليظهر بذلك الشكل المخروطي الكامل للعشة الجازانية بعدها يتم وضع ( القرعينة) وهى عبارة عن سارية يزيد طولها على المترو النصف وبسمك مناسب ومهمتها تكمن في ربط جميع الحبال التي يتم من خلالها حفظ القش الذي يوضع على الجزء الخارجي من العشة بحيث تربط الحبال بشكل رأسي من أعلى إلى الأسفل وبذلك يكون قد اكتمل الدورالمناط بالرجل في هذا النوع من المساكن.
وبعد هذه المرحلة تستهل النسوة الدور المناط بهن في إكمال البناء فتقوم ربة المنزل وجاراتها بعملية حشو للفراغ الواقع بين الأخشاب وتلييس جميع أجزاء العشة من الداخل مستخدمين معجونا خاصا من الطين ومواد أخرى من البيئة شديدة التماسك مع الأخشاب وتوفرلها الحماية اللازمة من الظروف الطبيعية التي قد تؤثر عليها، ثم يطلى الجزء الداخلي بالنورة وتقوم المتخصصة في تزيين البيوت ورسمها وتجميلها بأشكال ورسوم تبرز مدى الإحساس المرهف والتذوق الفني لدى نساء منطقة جازان في أوقات لم تعرف فيها القراءة والكتابة وكذا اختيارالأماكن المناسبة للأرفف والطاقات التي تحفظ فيها الأدوات والأواني المنزلية التي عادة ماتكون مرتفعة عن أيدي الأطفال، ومن الأشكال الجمالية التي تضاف للمحيط الداخلي للعشة(القصبة) وهي عبارة عن حبلين تم ربطها في أعلى نقطة للمبنى من الداخل ويصل ارتفاعها أحيانا إلى (7) أمتار تقريبا تدلى للأسفل ويربط بكل منهما طرف عصا يزيد طولها على مترين وتستخدم لوضع الملابس عليها خصوصا في المناسبات مثل الزواج .
وتفاصيل المباني داخل البيت الجازاني في محافظة صامطة ومراكزها وقراها وهجرها تبدأ مع بوابة المنزل وهي ما يسمى بـ ( المصراف ) الذي كان يصنع من الخشب المنجور من شجر الأثل والسدر ويتفنن فيه أهل المنزل على قدر وضعهم المعيشي وعلى يمين المتأمل لتفاصيل المنزل يأتي المنزل الأول وهو ما يسمى بـ ( العريش ) وهو بمثابة بناء مستطيل الشكل مثلث السطح في مبني من الخشب ونبات (المرخ) يتسع على الأقل 7-9 كراسي خشبية وملحق به ( المُطْهُر ) وهو ما يسمى في البناء الحديث بـ (دورة المياه / الحمّام ) والى جواره من الجهة اليمنى يأتي ( العَقَاب ) وهي ساحة الفناء الداخلية للمنزل الآخر المعروف بـ ( الخدروش ) وهو بيت يشبه في الشكل (العشة) التي سبق الحديث عنها كونها الرمز للبناء والمسكن في صامطه ويتسع الى أربعة أسرة أو ( قُعُدْ ) جمع قعادة وهي كراسي خشبية .
ولا يخلو المنزل الجازاني من نباتات أصلية ثابتة مثل ( الحناية ، والرديمة ، والعرج ، والريحانه ، والوزاب ، والدوش ) هذه كأساسيات ويمكن وجود نباتات أخرى ولكن هذه تعد من الأساسيات لدى منزل المرأة الجازانية . ويكون في المقابل ثلاثة مباني أخرى وهي ( المدمك ) وهو بناء مربع الشكل يقرب للمستطيل في بعض الأحيان وهو من أمتنها وأقواها في البناء والتشييد حيث تكون جدرانه من الطين المبطن بالحجارة وسقفه من أشجار (الدوم) ويكون في واجهته في أعلى الباب بروز الى الخارج بمساحة عرضها مترين وارتفاعها ثلاثة أمتار وتكون لها فتحة من الداخل في أعلى الباب يستخدم هذا البروز كمستودع لحفظ الأشياء المهمة بالمنزل والى جوار المدمك تأتي ( العشه ) ذلك الرمز المعماري الذي يعبر عن منطقة جازان وتراثها القديم والأصيل بشكلها المخروطي المجوف من الأسفل ويعد بمثابة بيت العائلة الذي يتم في التواجد باستمرار واستقبال المقربين من الأهل والأصدقاء ومن ملحقاته
العرسه :وهي أرضية البيت من الداخل . المركب :موقد صغير داخل العشه لإعداد القهوة .المردم :وهي زلفت الباب السقاطي :حبل يتدلى من سقف العشه يثبت في أسفله صحن أو مجول لحفظ الطعام .الطراحه :وهي المساحة الموجودة أمام باب البيتالأبواب: يوجد للبيت التهامي بابان وفي النادر باب واحد يسمى الباب الرئيسي كابهوالباب الثاني عقاب .داعر :وهو جدار يفصل الجهة الجنوبية والجهة الغربية .سجف :هو السور الخارجي للمنزل .قرعينه :وهي ما يثبت في رأس البيت التهامي .
ثم يأتي المنزل الجازاني التهامي الذي يبنيه سكان السهل بالمنطقة وهي (السهوة ) وتختلف من عائلة الى أخرى في بنائها فمنهم من يبنيها مربعة الجوانب وآخرون يجعلونها بشكل دائري ولكن الشيئ المشترك هو مادة البناء المستمدة من جذوع أشجار الأثل والسدر(العرج) وأحياناً الدوم .ويغطى سقفها بالقش ( المرخ ) وهي بمثابة المنزل الصيفي الذي تسكنه العائلة في فصل الصيف لبرودته ودخول الهواء له من كل جانب لعدو غلق نوافذه أو بابه .وتستخدمها الدجاجات للمبيت عليها كمكان آمن لها من الكلاب والقطط. على عكس المدمك والعريش التي تسكن من قبل العائلة في فضل الشتاء والإحتماء من الأمطار .
ربة المنزل لها قسمين في المنزل وهي من تدير شؤونها أولها ( البنايه ) وهي ما يسمى اليوم بالمطبخ وهي عبارة عن بناء مربع لاتتجاوز جدرانه طول 2-3 متر مكشوف السقف ويشتمل على تنانير ( جمع تنور أو ميفى باللهجة الدراجة في المنطقة ) يخبز فيه جميع أنواع العيش والدقيق والحنيذ والمغش والدباء والسمك وغيرها فهو بمثابة الفرن الحديث اليوم متعدد الإستعمالات يوجد بها أيضاً ( الملحة ) وهي مختصة بصنع اللحوح وهو خبز رقيق لذيذ الطعم تتفنن فيه المرأة الجازانية وبها أيضاً ( المركب / الثاثي ) ويأتي على هيئة حفرة مليئة بالفحم المستخرج من التنور يستخدم لإعداد القهوة والشاي وتحميص البن وتسخين الماء والى جانبه عمود تعلق عليه ربة البيت أدوات حفظ الذرة المطحونة وحفظ الحليب والسمن مثل ( المركن والدبية والقشبة والدبع ) وغيرها من الأواني الحجرية او الفخارية أو الخشبية أو النباتيةويكون القسم الآخر الذي تختص به المرأة الجازانية قديماً هو مايفصله عن السكن جدار طيني ويكون خلفه ( ماوى الأغنام ) المعروف بالوجرة أو الزربه و( المَدْرَسْ ) وهو المكان الذي تربط فيه ( الركوبه ) الحمار الذي يقضي عليه رب الأسرة أعماله وتنقلاته ونقل أحماله من الحقل والمعروف بـ ( المعمال أو الزهب ) إضافة الى (دارة القصب) وهي مكان أكثر مساحة تجمع فيه عيدان قصب الذرة الحضراء أو اليابسة بعد أخذ السنابل منها المعروفة بـ (العذقة) جمع عذق والى جوارها يكون مأوى الجمال والنوق وفي أقصى الزاوية تبنى أربعة أعمدة مسقوفة لتقي الأبقار والثيران من الحر وهي بمتابة المكان المخصص لربة المنزل لحلب البقرة تحت ظلها والى جوار الجدار الفاصل عن السكن وضع ( الرَسْ ) وهو يشبه في الهيئة السرير ولكنه مثبت في الأرض توضع عليه أكياس الحب ( الذرة ) بجميع أنواعها وبجوارة ( العجرة ) وهي أيضاً مخصصة لحفظ الحب ولكن للإستخدام اليومي بدلاً من فتح الأكياس .
يحيط بالمنزل الجازاني قديماً ويدخل في تقسيمات مبانيه ثلاثة أنواع من الحوئط وهي ( السجف ) وعوعبارة عن سور مبني من عيدان نبات ( المض والقضب ) وغالباً ما يكون في التقسيمات الداخية للمنزل والواجهة الأمامية لفناء المنزل والنوع الآخر من الطين وهو (الجدار الطين ) ويستخدم لفصل نوع عن الأخر من المنازل داخل الفناء والنوع الثالث وهو ( الزرب ) وهو عبارة عن حاجز شوكي من أشواك نبات الطلح والسدر والسلام وغالباً ما يكون من الجانب الخلفي للمنزل ويحيط بالقسم المخصص للماشية بالمنزل لحمايتها من اللصوص لعدم مقدرتهم من الدخول لكثرة الأشواك بها.
ويجمع البيت الجازاني ليلاً ساحة المنزل وفناؤه وهي المنطقة الترابية التي تتوسط المباني ويعرف بـ ( القَبَل ) لأنه واجهة المنزل ومقتبله ويكون على نهايته أدوات الزراعة والحصاد وأدوات إستخراج المياه من الآبار والأواني الفخارية التي تجمع فيها المياه للشرب والاغتسال والطبخ والغسيل .