الساعه تقترب وتشير ... الى التاسعه صباحا
وأنا اقطع الشارع المقابل لمحطة سكة الحديد المدينه
بعد أن أخذت من أنفاس الرباط الصباحيه مايكفي لتجديد
أوكسجين الشوق في جسدي وقلبي لحبي الخفي
والغير معلومه اسبابه لهذه المدينه والممتد منذ أن ذاكرتها
جيدا ذات مساء قبل إمتحان الجغرافيا في مرحلة المتوسطه


ولولا أنني كنت قد قررت إكتشاف الشمال لمكثت في الرباط يوم أو اثنين أو حتى ثلاثه

كانت المحطه تمر بمرحلة تجديد وإصلاح وكان هذا واضح
من تغيير مدخل الولوج الى السكه الى طريق آخر جانبي
غير الذي أعرفه ..


الصباح جميل
والمعنويات هائله ...وكل شي جميل
ولاغرابه .....أنا في الرباط
.

الساعات تقترب من العاشره والمسافرون يتجمعون
حول نقطة توقف القطار ..وصوت المذيعه الداخليه يفيد ان القطار سيدخل
المحطه بعد قليل
لا أنسى أن أقول أن التوقف لمدة دقيقه مده زمنيه غير كافيه
كادت أن تجعلني اعود ادراجي للفندق لولا ان احدهم اشار علي
بالركوب والقطار يتحرك من أقرب باب

.
كانت تذكرتي درجه اولى ..
وكنت اقف في نقطة توقف مقدمة القطار
و مقصورة الدرجه الاولى للأسف ..في ذيل القطار
..
دقيقه واحده لاتكفي يا آنسه للوصول إلى آخر القطار
.
لست وحدي

هناك فتاه مغربيه تحمل شنطه اكبر من شنطتي

ورجل أربعيني مغربي وبصحبته امرأه امريكيه أكبر منه سناً.. بقليل


كلنا نملك تذاكر درجه أولى ..
..
وكلنا نقف عند راس القطار

وكلنا لايعلم ان كانت الرحله ستفوت ام لا
.

تحرك القطار ....

واشار لنا احدهم بالركوب مع أي باب

ركبت انا أولاً ...

ومن ثم الامريكيه

ولحق بنا الرجل

وكاد القطار ان يذهب ويترك الفتاه
لولا ان موظف الممر ساعدها في الركوب
.
.
أنا أول من تنفس الصعداء منهم
وأنا ...اول من سال عن كيفية الخروج من الثانيه للاولى
.
.
وقد كان الامر اسهل مما اتوقع
..

قالها لي ...بائع الوجبات

الباب قدامك ياصاحبي سير سير
للدرجه الاولى اخر القطار
من محاسن الصدف
اننا الاربعه في كبينه واحده
ومن أجملها أن لنا نفس الوجهه ...
طنجه
والمثير جدا ... أننا نختلف جذريا
من حيث الثقافات ووجهات النظر
في أمور كثيره
.

كنا أربعه ..جمعتنا الصدف

.

جازانى من العربيه السعوديه
يعشق الجمل والصحراء ..
وسافر كثيرا .. وقرأ أكثر وجرب الكثر الكثير

.رجل أستطيع أن أقول عنه ..(متفتح بلا ذوبان ومتمسك بلا انغلاق....)
.


الرجل الاخر ..
مغربي اربعيني ...غادر المغرب منذ ان كان يافع
وعاش كل حياته متنقل بين اوروبا وامريكا
.
.
الامريكيه تقول ان عمرها 45 سنه ..
بلا ديانه أو معتقد
نصف عزباء ميسوره ماديا حيث ان لها مصدر دخل من مشروع
في فلوريدا .يدر عليها بمايكفي لان تتجول في اوروبا
والمغرب وافريقيا وشرق آسيا مره كل ثلاث شهور
الفتاه المغربيه
من الارياف ....القريبه من الرباط من قريه اسمها(..........)

متعلمه ...
تجيد الانجليزيه بشكل جيد والفرنسيه بامتياز ممايعني انها تستخدمها
اكثر من أي لغه اخرى

موظفه في طنجه
عزباء يتيمه ..جميله

مؤدبه رغم تبرجها الظاهر جدا.
اتضح لي فيما بعد ان علاقة زواج على الطرق الاجنبيه
تربط صاحبنا العربي بتلك السيده الشقراء الشرقاء
التي لم يلفت انتباهي فيها سوى طقم اسنانها الجميل
الخالي من أي تسوس او اعوجاج
وحتى المارلبورو الذي تدمنه لم تظهر اثاره على اسنانها
وشفتيها رغم كبر سنها
. امسكوا الخشب.
كنت قد جلبت معي ثلاث جرايد من البائع المجاور للمحطه
قبل ان اتشعبط بالقطار لكي اشعر أن لي اصحاب في رحلتي
قد ألجأ لهم متى ماكانت الرحله ممله أو طويله
الفتاه تقرأ وكما هي عادة فتيات المغرب (وهذه ظاهره)
مجلة زهرة الخليج أو سيدتي الخليجيتين
الامريكيه تقرا في كتاب ...وصاحبنا يلعب الشطرنج مع نفسه
ساعه او ساعتين ...ومل كل منا ممافي يده
وخرجنا من جلباب السكوت وقبة الصمت
تحدثنا سويا كما لو اننا اربعه اصحاب يربطهم رابط قديم
لاحظت ان السيده العجوز ...ارعبها ان اكون من العربيه السعوديه
ولم تطمئن الا بعد أن رأتني في خلفية القطار اشعل سيجاره
وانا اراقب الخضره والأجواء الجميله خارج القطار
سالتني عن الملك عبدالله كثيرا
ولم تكن مفاجأه لها أن يكون هذا الملك محبوب الشعب دون إستثناء
بطريقه يستحال ان تكون .. في أي بلد يحكمه ملوك
قالت اعرف ..
وأكملت ..لي سنوات ..وانا اقرا عن عادات الشعوب العربيه والافريقيه
وقد خصصت من وقتي الكثير للقراءه عن العربيه السعوديه بالذات
واليمن والعراق ومصر والمغرب
واتمنى زيارة الرياض
(ناس تقرأ ...ماهو مثلنا)


في المقصوره كنت أنا وصاحبي العربي اكثر الاطراف حديثا
عن النساء والجمال ومواطنه في بلدان العالم ..
وكانت الامريكيه العجوز اكثرنا في الحديث عن علاقات الشعوب
بجغرافية الاراضي التي يسكنونها ..
اما الفتاه فلم تكن تتحدث كثيرا باستثناء موضوعنا عن الهجره الى الولايات
المتحده الامريكيه ..وموضوع امكانية السفر الى دبي او جده او قطر
أحاديث كثيره دارت بيننا..واشياء كثيره حدثت ..بعضها نسيته
والبعض الآخر سـ أتناساه عمدا ..واتجاهله عن قصد:.
وللأسف لم يشغلنا موضوع سبته ومليله اكثر مما اشغلنا البوم الصور
الذي يخص العجوز (داني) والذي يحتوي صورها في فلوريدا منذ ان كانت
في الجامعه حتى اصبحت على مشارف الخمسين
للأسف ..
كل هذا رغم أننا ثلاثه عرب ...

ورغم أن الصحف الثلاث التي ابتعتها من المحطه تحمل عناوين
عريضه عن الزياره المعتبطه والعبيطه من ملك اسبانيا لارض عربيه عربيه
مغربيه
تقول الفتاه بهذا الخصوص

بصراحه ..
لو كنت أنا من أهل سبته او مليله لفضلت الحكومه الاسبانيه على الحكومه المغربيه
لاسباب اقتصاديه ومعيشيه وامنيه ايضا
.
(لاتعليق)
اما الرجل فقد بدا لي عدم اهتمامه بالموضوع نهائي
محطات كثيره توقف بها قطارنا في الطريق الى طين جا

فكرت أن اغير الكبينه بعد ان شعرت بحاجتي للنوم
ولحسن حظي كانت هناك كبينه فارغه الا من رجل عجوز نائم
.
قاسمته الكبينه واخذت الجهه المقابله له وبدات مشروع
نوم فاشل جدا لم يرقى حتى لتغطية تكاليف اتعابي وانا
اتقلب من جنب لآخر على مقعد الكبينه
اقتربنا من الطين جاء
وبدأت اشعر بالصحوان يدب في جسمي
وقلبي بدا يتحرك للاعلى لمشاهدة هذه المدينه
التي لم اعرف عنها شي سوى انها مدينه
كنا نكتبها في لعبة (مدينه ,أنسان,حيوان,جماد)
عندما يكون الحرف المطلوب .. هو الطاء
لم أكن أعرف أن سبب تسميتها كما تحكي الاسطوره
المغربيه أن سفينة سيدنا نوح كانت تلاطم الامواج
بعد أن ارسل سيدنا نوح طائره الذي غاب لايام قبل أن يعود
وفي منقاره طين(تراب)
..
هذا الطين .. جعل اهل السفينه يصرخون بفرحه
طين جاء دلاله على ان هناك يابسه قريبه
ونجاه مأموله
.
وكانت هذه اليابسه حسب الاسطوره
هي طنجه..أو طين جا
وصلنا إلى طنجه ....
وتوقفت عجلات الحديد حيث هي
وتبادلت الصور التذكاريه مع السيده الاجنبيه وزوجها
وفي الطريق الى خارج المحطه
بدا لي كما لو أننا لم نتحدث مع بعض ساعات طويله

وهذا هو حال المسافرين دائما ..
قبل الوصول تشعر كما لو انه صديقك
وعند الوصول ترى كل علامات التجاهل والجحود في عينيه وتصرفاته
..

كذلك أنا أفعل ..مثلهم بالضبط

في طنجه ... (tangier)
حدثوني عن تطوان (tetouan) التي انوي زيارتها في الغد
وقالوا لي عن المارتيل
ونثروا أمامي عقد سبحات تطوان الجميله

.
يتبع
في القادم سوف احدثكم عن طنجه بـ إختصار
.
هذه المدينه التي تحدثت لغات ولهجات كثيره على مدار تاريخها
طين جاء المدينه التي نامت يوما في التاريخ على قرع خيول فينقيه وقرطاجيه
وصحت يوما آخر وفي التاريخ ايضا على اصوات الرومان ..ونامت مساء ليس ببعيد
على قعقعة سيوف الفاتحين ...وصحت مبكرا على صوت الأذان
ورددت جبالها .. ووديانها ... الله اكبر .... الله اكبر
.


وهي كذلك حتى الان