والإنسان منذ قدم التاريخ وأطواره كان له تقييمٌ ثابت وواضح من بعضِ الصفات؛ مثل الكذب والنفاق، والسرقة والغش، وما إلى ذلك من صفاتٍ رفضها الإنسانُ بفطرته السليمة، وهذا يوضِّح أن للإنسان نزعةً أخلاقية؛ فُطِر عليها لا تتغير ولا تتبدل بمرور الزمن، فموقفُ النَّاس من الشجاعة والصبر والأمانة والعفة في القديم هو نفس موقفها الآن، وسيبقى كما هو مستقبلاً.
والمجتمعاتُ الإنسانية على مرِّ العصور قامت بحماية نفسها،
والحفاظ على كيانها ممن يحاولون المساسَ بالمجتمع وكيانه،
وذلك عن طريقِ وضع قوانين صارمة يسيرُ عليها النَّاس داخل المجتمع؛
لتكون هذه القوانين معيارًا أخلاقيًّا لهم في تصرفاتِهم وأفعالهم.
ولعلَّ قوانين"حمورابي"
تُعد من أقدمِ القوانين الأخلاقية الوضعية، بل وأشهرها على الإطلاق،
مما يؤكِّدُ نزعةَ الإنسان دائمًا وأبدًا نحو الأخلاقِ والحفاظ عليها والدفاع عنها،
كما أدرك الإنسانُ أيضًا أنَّ أي مجتمع يقام لا بد له من قوانينَ تضعُ ضوابطَ له وتحكمه،
وبغيرها لا يوجد مجتمع ولا صفة له، حتى إن أكثرَ القبائل بدائيةً لها من الضوابطِ والقوانين ما يكفي لحفظ النِّظام والأمن فيها.
ولعل المتأمل قولَه - تعالى -: ﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾
[طه : 121]
يجد أنه منذ بدايةِ الخلق قد فُطر الإنسان على ما يجوز وما لا يجوز،
فكان سترُ العورةِ أول ما فكَّر فيه أبونا آدم -- وزوجه.
والنزعة الأخلاقية شديدةُ الارتباط بالنزعةِ الدينية عند الإنسان،
فلا دينَ بدون أخلاق، ولا أخلاقَ بدون دين،
فالتلازم بينهما ضروري؛ لأنَّ كلاًّ منهما يكمِّل الآخر؛
لقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما بُعثتُ لأتممَ مكارم الأخلاق))،
فكأنما الدين الأخلاق.
وعن النواس بن سمعان --
قال: سألت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
عن البرِّ والإثم، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((البرُّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرِك وكرهتَ أن يطلعَ النَّاس عليه)).
ولقد كان الإيمانُ مرتبطًا بالأخلاقِ ارتباطًا وثيقًا؛
فالمؤمن حسن الخلق؛ لقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
: ((ليس المؤمنُ بطعَّانٍ ولا لعَّان، ولا فاحشٍ ولا بذيء))؛
رواه الترمذي والحاكم.
وروى الترمذي عن أبي الدرداء --
أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
((ما من شيء أثقل في ميزانِ المؤمن يومَ القيامة من حسنِ الخلق، وإنَّ الله ليبغض الفاحشَ البذيء))،
وقد امتدح الله نبيَّه الكريم بحسنِ خلقه؛
فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
[القلم : 4].