وهي التي شرفنا بها سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الدنيا:
بشرى لنا معشر الإسلام أن لنا من العناية ركناً غير منهدم
لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأممِ
التحية في الجنة هي السلام
فتحية أهل الجنة السلام تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ [إبراهيم:23] وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]
وعند البخاري عن أبي هريرة : {أن الله لما خلق آدم، طوله ستون ذراعاً في السماء، قال: اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فسلم عليهم، فذهب فسلم، فقال: السلام عليكم، فقالوا: عليك السلام ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، قال الله له: هذه تحيتك وتحية ذريتك من المؤمنين } أو كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى،
فالتحية في الجنة سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.

ألا تريد أن يجمعك الله بأطفالك وبناتك وأهلك في الجنة؟ ألا تريد أن تسلم عليهم ويسلمون عليك؟ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21].
بعنا النفوس فلا خيار ببيعنـا أعظم بقومٍ بايعوا المختارا
فأعاضنا ثمناً ألذ من المنى جنات عدنٍ تتحف الأبرارا
من النعيم في الجنة سلامة الصدور

وقال سبحانه: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ [الحجر:46] ولو لم يكن بسلام لكانوا خائفين، ولو لم يكونوا آمنين ما تهنوا بالعيش، ولذلك العيش لا يسعد إلا بثلاثة أمور: إيمانٌ وأمنٌ وصحة، فمن جمع الله له الإيمان والصحة في البدن، والأمان في الأوطان، فقد أعطاه الله غاية ما تمنى، فلذلك قال سبحانه: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ [الحجر:46] ولذلك إنما سمي السلام سلاماً، لأنك تقول للمسلم: سوف تسلم مني، وفي الحديث الصحيح: {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده } أما سلامة صدورهم فهي من أعظم خصال أهل الجنة، ولا نعيم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بسلامة الصدور، والقلب إذا اشتعل بالحقد والحسد والبغضاء، والضغينة، فلا عيش له ولا هدوء.
ويقولون: لله الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله.
وإن الحسد والضغينة تقتل صاحبها في الدنيا، ولذلك جعل الله من نعيم أهل الجنة إذا دخلوا الجنة أن ينزع الغل من قلوبهم، والحسد قد يكون بين المؤمنين والمسلمين قال سبحانه: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47] وفيها نعيم.
أولاً: قال: ونزعنا، ولم يقل: نُزع، للاحتفاء بهم.
وقال: ما في صدورهم من غلٍ ليذهب كل حقدٍ وغيظ.
وقال: إخواناً، لأنه قد ينزع، ولا يكون بينهم معرفة، فزادهم أن تعارفوا في الجنة.
وقال: على سُررٍ، وهذا من النعيم، ولم يقل: على بسط، أي: رفعهم سبحانه، وقال: متقابلين، أي: لا يولي بعضهم بعضاً ظهره؛ لأن من النعيم أن تقابل أصحابك في جلسةٍ ندية،
قال أحد شعراء العرب في نعيم المجالس:
ولما جلسنا مجلساً طله الندى جميلاً وبستاناً من الروض ناديا
أثار لنا طيب المكان وحسنه منىً فتمنينا فكنت الأمانيا
لباس أهل الجنة
ما هو لباس أهل الجنة؟
أولاً: يا أيها الإخوة! تذكروا يوم العرض الأكبر أننا سوف نأتي عراة حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وأول من يكسى إبراهيم عليه السلام، والناس يحشرون حفاةً عراةً غرلاً بهماً، كما ولدتهم أمهاتهم،
حتى تقول عائشة وهي تتعجب: {يا رسول الله! عراة!! ألا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: الأمر أعظم من ذلك يا عائشة } يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37].
هل يتفكر الإنسان أو ينظر؟!! لا والله. الأمر أدهى وأعظم وأكبر من أن يتفكر الإنسان أو يوسوس في مثل هذه الأمور، فيكسى إبراهيم وليس بأفضلهم، بل أفضلهم محمد ثم إبراهيم، ثم يكسوهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الجنة،
أما أهل النار فتقطع لهم ثيابٌ من نار، يصبُ من فوق رءوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود، وفي بعض الروايات، يلبسون القطران ويلبسون الحديد المصفح الحامي،
أما أهل الجنة فاسمع إلى لباسهم! قال سبحانه: يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ [الدخان:53] قالوا: والسندس: ما غلظ من الديباج أو الحرير، وصح عند مسلم من حديث أنس {أن الرسول عليه الصلاة والسلام، أُهدي له جلبابٌ من سندس، فأخذ الصحابة يمسحون وينظرون، فيقول صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من ذلك؟! والذي نفسي بيده، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا }.
من هو سعد بن معاذ ؟
شهيد أصيب في الخندق بسهم، ومات بعدها بقليل، اهتز عرش الله -كما صح بذلك الحديث- لموته!! فقد مات شهيداً فاهتز له عرش الله، وشيعه سبعون ألف ملك.
قال حسان بن ثابت :
وما اهتز عرش الله من موت هالكٍ سمعنا به إلا لـسعدٍ أبي عمرو
ويخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مناديله- والمناديل إنما تعد للعرق ونحوه- أحسن من هذه الجبب التي هي من الحرير في الدنيا، فكيف بغيرها؟!!
وقال سبحانه في لباسهم: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً [الإنسان:21].
قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : {من يدخل الجنة، ينعم ولا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه } وصح في أحاديث أن ثياب أهل الجنة تخرج من ثمرات الأشجار، أي: أن كم الشجرة -وهو غصنها- يثمر فيأتي بأكمام، فتتفتق بثيابٍ مفصلة عليهم بكل لونٍ أرادوه، فينزعون الثياب ويلبسون!!
إنه نعيم لا يتصوره الإنسان، والذي لا يكتسي بلباس التقوى،
فوالله لو لبس ثياب الدنيا كلها ما ستره الله.