1


سلام من صبا بردى أرق *** وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ


2


وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي *** جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ


3


وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي *** إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَدًا وَخَفقُ


4


وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي *** جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ


5


دَخَلتُكِ وَالأَصيلُ لَهُ اِئتِلاقٌ *** وَوَجهُكِ ضاحِكُ القَسَماتِ طَلقُ


6


وَتَحتَ جِنانِكِ الأَنهارُ تَجري *** وَمِلءُ رُباكِ أَوراقٌ وَوُرْقُ


7


وَحَولي فِتيَةٌ غُرٌّ صِباحٌ *** لَهُم في الفَضلِ غاياتٌ وَسَبقُ


8


عَلى لَهَواتِهِم شُعَراءُ لُسنٌ *** وَفي أَعطافِهِم خُطَباءُ شُدقُ


9


رُواةُ قَصائِدي فَاعجَب لِشِعرٍ *** بِكُلِّ مَحَلَّةٍ يَرويهِ خَلقُ


10


غَمَزتُ إِباءَهُمْ حَتّى تَلَظَّتْ *** أُنوفُ الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّ


11


وَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ *** أَبِيٍّ مِن أُمَيَّةَ فيهِ عِتقُ


12


لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ *** عَلى سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ


13


يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ *** وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ


14


تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها *** تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ


15


وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ *** وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ


16


أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا *** وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ


17


صَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ *** وَلَمْ يوسَمْ بِأَزيَنَ مِنهُ فَرقُ


18


وَكُلُّ حَضارَةٍ في الأَرضِ طالَتْ *** لَها مِن سَرحِكِ العُلوِيِّ عِرقُ


19


سَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ *** وَأَرضُكِ مِن حُلى التاريخِ رَقُّ


20


بَنَيتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكًا *** غُبارُ حَضارَتَيهِ لا يُشَقُّ


21


لَهُ بِالشامِ أَعلامٌ وَعُرسٌ *** بَشائِرُهُ بِأَندَلُسٍ تَدُقُّ


22


رُباعُ الخلدِ وَيحَكِ ما دَهاها *** أَحَقٌّ أَنَّها دَرَسَت أَحَقُّ


23


وَهَل غُرَفُ الجِنانِ مُنَضَّداتٌ *** وَهَل لِنَعيمِهِنَّ كَأَمسِ نَسقُ


24


وَأَينَ دُمى المَقاصِرِ مِن حِجالٍ *** مُهَتَّكَةٍ وَأَستارٍ تُشَقُّ


25


بَرَزنَ وَفي نَواحي الأَيكِ نارٌ *** وَخَلفَ الأَيكِ أَفراخٌ تُزَقُّ


26


إِذا رُمنَ السَلامَةَ مِن طَريقٍ *** أَتَت مِن دونِهِ لِلمَوتِ طُرقُ


27


بِلَيلٍ لِلقَذائِفِ وَالمَنايا *** وَراءَ سَمائِهِ خَطفٌ وَصَعقُ


28


إِذا عَصَفَ الحَديدُ احمَرَّ أُفقٌ *** عَلى جَنَباتِهِ وَاسوَدَّ أُفقُ


29


سَلي مَن راعَ غيدَكِ بَعدَ وَهنٍ *** أَبَينَ فُؤادِهِ وَالصَخرِ فَرقُ


30


وَلِلمُستَعمِرينَ وَإِن أَلانوا *** قُلوبٌ كَالحِجارَةِ لا تَرِقُّ


31


رَماكِ بِطَيشِهِ وَرَمى فَرَنسا *** أَخو حَربٍ بِهِ صَلَفٌ وَحُمقُ


32


إِذاما جاءَهُ طُلّابُ حَقٍّ *** يَقولُ عِصابَةٌ خَرَجوا وَشَقّوا


33


دَمُ الثُوّارِ تَعرِفُهُ فَرَنسا *** وَتَعلَمُ أَنَّهُ نورٌ وَحَقُّ


34


جَرى في أَرضِها فيهِ حَياةٌ *** كَمُنهَلِّ السَماءِ وَفيهِ رِزقُ


35


بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا *** وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا


36


وَحُرِّرَتِ الشُعوبُ عَلى قَناها *** فَكَيفَ عَلى قَناها تُستَرَقُّ


37


بَني سورِيَّةَ اطَّرِحوا الأَماني *** وَأَلقوا عَنكُمُ الأَحلامَ أَلقوا


38


فَمِن خِدَعِ السِياسَةِ أَن تُغَرّوا *** بِأَلقابِ الإِمارَةِ وَهيَ رِقُّ


39


وَكَمْ صَيَدٍ بَدا لَكَ مِن ذَليلٍ *** كَما مالَتْ مِنَ المَصلوبِ عُنقُ


40


فُتوقُ المُلكِ تَحدُثُ ثُمَّ تَمضي *** وَلا يَمضي لِمُختَلِفينَ فَتقُ


41


نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا *** وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ


42


وَيَجمَعُنا إِذا اختَلَفَت بِلادٌ *** بَيانٌ غَيرُ مُختَلِفٍ وَنُطقُ


43


وَقَفتُمْ بَينَ مَوتٍ أَو حَياةٍ *** فَإِن رُمتُمْ نَعيمَ الدَهرِ فَاشْقَوا


44


وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ *** يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ


45


وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا *** إِذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا


46


وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا *** وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ


47


فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ *** وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ


48


وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ *** بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ


49


جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ *** وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ


50


نَصَرتُمْ يَومَ مِحنَتِهِ أَخاكُمْ *** وَكُلُّ أَخٍ بِنَصرِ أَخيهِ حَقُّ


51


وَما كانَ الدُروزُ قَبيلَ شَرٍّ *** وَإِن أُخِذوا بِما لَم يَستَحِقّوا


52


وَلَكِن ذادَةٌ وَقُراةُ ضَيفٍ *** كَيَنبوعِ الصَفا خَشُنوا وَرَقُّوا


53


لَهُم جَبَلٌ أَشَمُّ لَهُ شَعافٌ *** مَوارِدُ في السَحابِ الجُونِ بُلقُ


54


لِكُلِّ لَبوءَةٍ وَلِكُلِّ شِبلٍ *** نِضالٌ دونَ غايَتِهِ وَرَشقُ


55


كَأَنَّ مِنَ السَمَوأَلِ فيهِ شَيئًا *** فَكُلُّ جِهاتِهِ شَرَفٌ وَخَلقُ


من أجمل قصائد الشاعر أحمد شوقي