وقد يسألني البعض: لماذا كل هذا الاهتمام بالثقافة الرياضية؟ وأقول لهم: إن ثقافة كرة القدم وثقافة الحوار الاجتماعي يلتقيان في نقاط كثيرة، بالرغم من أن كرة القدم لها طابعها الخاص، ألا وهو الطابع التنافسي الذي يسيطر على اللعبة ويخضعها لأنظمة تحكم نتائجها (فائز ـــ مهزوم ـــ متعادل)، لكنها تبقى مجالا خصبا لتذكية روح التعايش والسلم الاجتماعي بين الشعوب، وشكلا من أشكال الحوار بين الثقافات والشعوب ويحتاج إليها اللاعب حتى في حياته الشخصية.

فقد حقق كأس العالم ما لم تحققه السياسة؛ فقد اجتمع ملايين البشر في لقاءات رائعة جدا بمختلف أشكالهم وألوانهم وانتماءاتهم العرقية والدينية واللغوية؛ فكان اللقاء رائعا وتعارفا بين الشعوب وإطلاع على ثقافتهم بأسلوب التشجيع الفلكلوري الذي تقدمه وطريقة ملابسهم وألوان أعلام بلادهم.. أشياء لا يمكن أن تقدم إلا عبر كرة القدم بسحرها الأخاذ.

وعلماء الاجتماع، وكذلك الأنثربولوجيون و''الأنثربولوجيا هي العلم بالإنسان.. ويتألف من قسمين: فيزيائي ومعنوي''. يعتبرون أن مناسبات كرة القدم بحشودها الكثيرة تمثل مساحة شاسعة تظهر فيها وبكل وضوح القيم الثقافية والضوابط التي تحكم بشكل غير معلن العديد من المجتمعات، خاصة أن كرة القدم تمثل جزءا من السلوك اليومي وتعبيرا عن المفاهيم الشائعة لهذه المجتمعات التي سحقت المستحيل وألغته من قاموس وعيها وسبل نظرها ومعايير رؤيتها.

ويمكن للاعبين والمدربين، أو بالأصح الرياضيون بصفة عامة، التوفيق بين عالم كرة القدم وعالم الدراسة والفن.. والتزود بالثقافة العامة التي تسهل عليهم ترتيب أمور حياتهم الصحية والاجتماعية والمهنية وغيرها من ممارساتهم لحياتهم اليومية وفق أوضاعهم كأشخاص مشهورين في المجتمع، أو ربما تعوّل عليهم أنديتهم ومنتخبات بلادهم في تحقيق انتصارات.. ولترفع أعلام بلادهم في المحافل الدولية، خاصة أن كرة القدم أصبحت تمثل الدبلوماسية الثانية، إن لم تكن الأولى، ولا تحول شهرة اللاعب ولا الرياضي بصفة عامة في أن يتزود بالعلوم والمعارف ويكتسب رصيدا كبيرا من الثقافة الرياضية الواسعة، وهناك النماذج الفريدة التي زاوجت بين التألق داخل ملاعب الساحرة المستديرة والنجاح في مجالات أكاديمية أخرى على حد سواء والتمتع بالثقافة الرياضية، وقد تحدث من قبل مقالات أخرى عن كيفية الوصول إلى العالمية عبر منتخباتنا الوطنية وأنديتنا وذكرت، إن أردنا ذلك، يجب أن نبني الفرد، وبناء الفرد يتم عبر مراحل كثيرة، منها إكسابه ثقافة خاصة تحفظ القيم والمفاهيم والتقاليد والعادات، ومن خلال ثقافة الفرد نجد أن المورثات والقيم التي بداخله هي جزء من الثقافة العامة للمجتمع، وهي إحدى الأسس التي تعتمدها المجتمعات الإنسانية في التعبير عن تراثها وتاريخها، واللاعب أيضا حينما يهتم بالثقافة يستطيع التعبير عن أفكاره وصياغتها وشرحها وتوضيحها لتفيده وتفيد الجهات التي تتعامل معه بفهم لما يريد فعلا، ويستطيع أن يصون نفسه وروحه وبدنه، وكما قلت من قبل يجب ألا يكون اللاعب أداة لركل الكرة وضربها، بل هو إنسان له شخصيته الاعتبارية قابل للتطور الفكري والروحي؛ حتى يستطيع أن يقدم العطاء المطلوب منه في كل مرحلة من مراحل حياته الرياضية.