التمهيد
هذه جازان ، أرض خصب، وماء عذب، وجبال شموخ، سهول طموح، شطئانها كجزرها، وجزرها كمدنها، ومدنها تاريخ، وتاريخها حضارة ، فكيف لا تكون بآدابها وفنونها للثقافة منارة ؟!!! .. وهذه هي جازان مليئة بآدابها وفنونها الشعبية ، فنونها جميلة، كجمال جبالها وشطئانها، متعددة في كمها وكيفها، كتنوع خصوبة وجدان إنسانها، إيقاعاتها متنوعة ،كتنوع شذا نسمات حقولها ، ... وقد عرفت ـــــ جازان ـــــ بخصبها وخيراتها الزراعية التي أهلتها لأن تكون ذات حضارة عظيمة في جنوب جزيرة العرب ــــ وهذا أمر معروف ــــــ ، وهذا الجو الحضاري المستقر المسترخي أدى لوجود ونشوء مثل تلك الفنون المتنوعة في إيقاعاتها الشعرية ، والرقصية ..... ولأن جازان كانت ولا زالت كل أرضها خصبة ، فقد استدعى ذلك لأن تسكن كل أرضها ، وشمولية الإسكان ، أدت أيضاً لتنوع ساكنيها ؛ ذوقاً وطبيعة، تبعاً لاختلاف طبائع أماكن السكنى ، فالطبيعة الجبلية تختلف عن طبائع الحزون ، كما أن السهول ليست كطبائع الجزر ، .... وهذا ما جعل جازان تختلف عن بقية مناطق المملكة ، في تعدد إيقاعاتها ، وتنوع نغماتها، تبعاً لاختلاف تأثير تنوع تضاريسها وبيئاتها المتمايزة سهلاً وساحلاً وجبلاً..... وهذا التمايز أدى لأن يكون هناك ما يشبه التخصص المكاني ، بالنسبة لتنوع فنون المنطقة ورقصاتها جبلاً وسهلاً ، وكماً وكيفاً، بل تجد التخصص في مسمى الإيقاع نفسه ، فلمسمى كل إيقاع شعري إيقاع رقصي خاص به ...، نوعاً وأداءً ومكاناً ، وإن كانت لها عموميتها في المنطقة، إلا أن خصوصيتها المكانية تبقى لاصقة بها ، مرتبطة بإنسان مكانها ...... فمثلاً : رقصة العزاوي والشامية، هي وإن .... كانت متداولة في عموم المنطقة ، إلا أن خصوصيتها تبقى مرتبطة بجهة الشقيق، وحلي بن يعقوب ، ومحايل ، لكونها أكثر الأماكن تخصصاً فيها ، وهناك رقصة السيفي والزيفة ، وإن كانت هي أكثر خصوصية بمدينة جازان ، إلا أنك تجدها تتداول في عموم المنطقة ،.... أما الدانة والزامل، .. والسيفي أيضاً .... فخصوصيتها فرسانية وإن كانت قد تتداول في بعض الأماكن الأخرى، أما المعشى فمكانه الأصيل وتربة منبته القفل وأبو حجر وصامطة وما حولها ، كما أن رقصة الجحلي مقرها البيض والمجصص وما حولها،... أما الدلع فهو حمار الرقص الشعبي، كما كان الرجز حمار الشعراء قديماً؛لأنه بإيقاعه الرقصي والشعري، موجود في كل مدن المنطقة وقراها وجزرها جبلاً وسهلاً وبحراً، ومثله الزامل وإن اختلف في بعض شكلياته الأدائية وما يصاحبها في الجهات الجبلية فكالدلع من حيث تواجده في كل أجزاء المنطقة، أعود لأركز على قضية التخصص المكاني في الفنون الشعبية في المنطقة؛ لأن ماسبق سرده من أسماء إيقاعات فنون الرقص الشعبي هي وإن كانت متخصصة مكانياً إلا أنها لا تتعدى أماكنها السهول والشواطئ والجزر، بدليل أنك إذا اتجهت صوب المواقع الجبلية ـ وإن اشتركت مع السهول والشواطئ في بعض ما سبق كالدلع والزامل ـ .... إلا أن لها مسمياتها النابعة من طبيعة بيئتها الجبلية كالهصعة، والمغرد ،والمرعة ، والدورية ، والمثلوث وغيرها مما سيأتي الحديث عنه في مكانه بإذن الله تعالى .... وهذا التنوع والشمول في فنون هذه المنطقة ، يخرجها من التخصص الجزئي ـــــ تعريفاً ـــــ ويدخلها في عموم مدلول الأدب الشعبي؛ لأن إيقاعاتها الرقصية لا تقتصر على دلالة الرقص فحسب ، بل ـ كما رأيت ـ أن كل إيقاع رقصي يدخل تحت مسماه إيقاع آخر شعري بنفس التسمية فالدلع له إيقاع شعري يسمى الدلع والزامل والدانة والزيفة والعزاوي إلخ.......، وارتياط الإيقاع الرقصي بالإيقاع الشعري، أدخل فنون المنطقة جميعاً في مدلول عموم الأدب الشعبي، بل ولكونه ـ أيضاً ـ نوعاً من العادات والتقاليد، إذن فما هو الأدب الشعبي كي يتضح رؤيا ماسبق قوله؟.......
يتبع في الحلقة القادمة.........
تحياتي