الأخ عبده حكمي
بما أنك شاعر فمن حقي أن أخصك بالنداء ..
وبما أنك شاعر فمن حقي أن أسألك عن أي شيء يختص بالشعر.
وقد قيل مايفك الحديد إلا الحديد.
وبما أنك شاعر أكيد أنك تفهم لغة الشعراء لأن الشعراء كمايقولون أفكارهم متقاربة كل واحد منهم يفهم المعنى الذي يقصده الآخر .
ياعزيزي:
لقد كنت أبحث عن زاد -تصلح كلمة"زاد "وإلا أعدلها إلى كلمة"غذاء"-لعقلي فطرأ على بالي بأن أتجه إلى الشعر لأنني أحب الشعر وأتذوق أعذبه فأول ماوقعت يدي على قصيدة للشاعر جريرمطلعها:
بَانَ الخَليطُ، وَلَوْ طُوِّعْتُ ما بَانَا، و قطعوا منْ حبالِ الوصلِ أقرانا
حَيِّ المَنَازِلَ إذْ لا نَبْتَغي بَدَلاً بِالدارِ داراً، وَلا الجِيرَانِ جِيرَانَا
قَدْ كنْتُ في أثَرِ الأظْعانِ ذا طَرَبٍ مروعاً منْ حذارِ البينِ محزانا
يا ربَّ مكتئبٍ لوْ قدْ نعيتُ لهُ بَاكٍ، وآخَرَ مَسْرُورٍ بِمَنْعَانَا
لوْ تعلمينَ الذي نلقى أويتِ لنا أوْ تَسْمَعِينَ إلى ذي العرْشِ شكوَانَا
كصاحبِ الموجِ إذْ مالتْ سفينتهُ يدعو إلى اللهِ أسراراً وإعلانا
يا أيّهَا الرّاكِبُ المُزْجي مَطيّتَهُ، بَلِّغْ تَحِيّتَنَا، لُقّيتَ حُمْلانَا
بلغْ رسائلَ عنا خفَّ محملها عَلى قَلائِصَ لمْ يَحْمِلْنَ حِيرَانَا
كيما نقولَ إذا بلغتَ حاجتا أنْتَ الأمِينُ، إذا مُستَأمَنٌ خَانَا
تُهدي السّلامَ لأهلِ الغَوْرِ من مَلَحٍ، هَيْهَاتَ مِنْ مَلَحٍ بالغَوْرِ مُهْدانَا
أحببْ إلى َّ بذاكَ الجزعِ منزلة ً بالطلحِ طلحاً وبالأعطانِ أعطانا
يا ليتَ ذا القلبَ لاقى منْ يعللهُ أو ساقياً فسقاهُ اليومَ سلوانا
أوْ لَيْتَهَا لمْ تُعَلِّقْنَا عُلاقَتَهَا؛ غدْرَ الخَلِيلِ إذا ماكانَ ألْوَانَا
هَلا تَحَرّجْتِ مِمّا تَفْعَلينَ بِنَا؛ يا أطيَبَ النّاسِ يَوْمَ الدَّجنِ أرَدَانَا
قالَتْ: ألِمّ بِنا إنْ كنتَ مُنْطَلِقاً، وَلا إخالُكَ، بَعدَ اليَوْمِ، تَلقانَا
يا طَيْبَ! هَل من مَتاعٍ تمتِعينَ به ضيفاً لكمْ باكراً يا طيبَ عجلانا
ما كنتُ أولَ مشتاقٍ أخي طربٍ هَاجَتْ لَهُ غَدَوَاتُ البَينِ أحْزَانَا
يا أمَّ عمرو جزاكَ اللهُ مغفرة ً رُدّي عَلَيّ فُؤادي كالّذي كانَا
ألستِ أحسنَ منْ يمشي على قدمٍ يا أملحَ الناسِ كلَّ الناسِ إنساناً
يلقى غريمكمُ منْ غيرِ عسرتكمْ بالبَذْلِ بُخْلاً وَبالإحْسَانِ حِرْمانَا
لا تأمننَّ فانيَّ غيرُ آمنهِ غدوَ الخليلِ إذا ما كانَ ألوانا
قد خنتِ منْ لمْ يكنْ يخشى خيانتكْ ما كنتِ أولَ موثوقٍ به خانا
لقدْ كتمتُ الهوى حتى تهيمنى لا أستطيعُ لهذا الحبَّ كتمانا
كادَ الهوى يومَ سلمانينَ يقتلني وَكَادَ يَقْتُلُني يَوْماً بِبَيْدَانَا
وَكَادَ يَوْمَ لِوَى حَوّاء يَقْتُلُني لوْ كُنتُ من زَفَرَاتِ البَينِ قُرْحانَا
لا بَارَكَ الله فيمَنْ كانَ يَحْسِبُكُمْ إلاّ عَلى العَهْدِ حتى كانَ مَا كانَا
من حُبّكُمْ؛ فاعلَمي للحبّ منزِلة ً، نَهْوَى أمِيرَكُمُ، لَوْ كَانَ يَهوَانَا
لا بَارَكَ الله في الدّنْيَا إذا انقَطَعَتْ أسبابُ دنياكِ منْ أسبابِ دنيانا
يا أمَّ عثمانَ إنَّ الحبَّ عنْ عرضٍ يُصبي الحَليمَ ويُبكي العَينَ أحيانا
ضَنّتْ بِمَوْرِدَة ٍ كانَتْ لَنَا شَرَعاً، تَشفي صَدَى مُستَهامِ القلبِ صَديانَا
كيفَ التّلاقي وَلا بالقَيظِ مَحضَرُكُم مِنّا قَرِيبٌ، وَلا مَبْداكِ مَبْدَانَا؟
نَهوَى ثرَى العِرْقِ إذ لم نَلقَ بَعدَكُمُ كالعِرْقِ عِرْقاً وَلا السُّلاّنِ سُلاّنَا
ما أحْدَثَ الدّهْرُ ممّا تَعلَمينَ لكُمْ للحَبْلِ صُرْماً وَلا للعَهْدِ نِسْيَانَا
أبُدّلَ اللّيلُ، لا تسرِي كَوَاكبُهُ، أمْ طالَ حتى َّ حسبتُ النجمَ حيرانا
يا رُبّ عائِذَة ٍ بالغَوْرِ لَوْ شَهدَتْ عزّتْ عليها بِدَيْرِ اللُّجّ شَكْوَانَا
إنّ العُيُونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ، قتلننا ثمَّ لمْ يحيينَ قتلانا
يَصرَعنَ ذا اللُّبّ حتى لا حَرَاكَ بهِ، و هنَّ أضعفُ خلقْ اللهِ أركانا
يا رُبّ غابِطِنَا، لَوْ كانَ يطلُبُكُم، لا قَى مُباعَدَة ً مِنْكمْ وَحِرْمَانَا
أرَيْنَهُ المَوْتَ، حتى لا حَيَاة َ بِهِ؛ قَدْ كُنّ دِنّكَ قَبلَ اليَوْمِ أدْيَانَا
طارَ الفؤادُ معَ الخودِ التي طرقتْ في النومِ طيبة َ الأعطافِ مبدانا
مثلوجة َ الريقِ بعدَ النومِ واضعة ً عنْ ذي مثانٍ تمجُ المسكَ والبانا
قالتْ تعزفانَّ القومَ قدْ جعلوا دونَ الزيارة ِ أبواباً وخزانا
لَمّا تَبَيّنْتُ أنْ قَد حِيلَ دُونَهُمُ ظلتْ عساكرُ مثلُ الموتِ تغشانا
ماذا لقيتُ منَ الأظعانِ يومَ قنى ً يتبعنَ مغترباً بالبينِ ظعانا
أتبعتهمْ مقلة ٌ انسانها غرقٌ هلْ ما ترى تاركٌ للعينْ انسانا
كأنَّ أحداجهمْ تحدى مقفية ً نخْلٌ بمَلْهَمَ، أوْ نَخلٌ بقُرّانَا
يا أمَّ عثمانَ ما تلقى رواحلنا لو قستِ مصبحنا منْ حيثُ ممسانا
تخدي بنا نجبٌ مناسمها نَقْلُ الخرَابيُّ حِزّاناً، فَحِزّانَا
ترمي بأعينها نجداً وقدْ قطعتَ بينْ السلوطحِ والروحانِ صوانا
يا حبذا جبلُ الريانِ منْ جبلٍ وَحَبّذا ساكِنُ الرّيّانِ مَنْ كَانَا
وَحَبّذا نَفَحَاتٌ مِنْ يَمَانِية ٍ تأتيكَ من قبلَ الريانِ أحيانا
هبتْ شمالاً فذكرى ما ذكرتكمْ عندَ الصفاة ِ التي شرقيَّ حورانا
هلَ يرجعنَّ وليسَ الدهرُ مرتجعاً عيشٌ بها طالما احلولي وما لانا
أزْمانَ يَدعُونَني الشّيطانَ من غزَلي، و كنَّ يهوينني إذْ كنتُ شيطانا
منْ ذا الذي ظلَّ يغلي أنْ أزوركمْ أمْسَى عَلَيْهِ مَلِيكُ النّاسِ غَضْبانَا
ما يدري شعراءُ الناسِ ويلهمْ مِنْ صَوْلَة ِ المُخدِرِ العادي بخَفّانَا
جهلاً تمنى َّ حدائي منْ ضلالتهمْ فَقَدْ حَدَوْتُهُمُ مَثْنَى وَوُحْدَانَا
غادرتهمْ منْ حسيرٍ ماتَ في قرنٍ وَآخَرِينَ نَسُوا التَّهْدارَ خِصْيَانَا
ما زالَ حبلى في أعناقهمْ مرساً حتى اشتَفَيْتُ وَحتى دانَ مَنْ دانَا
منْ يدعني منهمْ يبغي محاربتي فَاسْتَيِقنَنّ أُجِبْهُ غَيرَ وَسْنَانَا
ما عضَّ نابي قوماً أوْ أقولَ لهمْ إياكمْ ثمَّ إياكمُ وإيانا
إنيَّ امرؤٌ لمْ أردْ فيمنْ أناوئهُ للناسِ ظلماً ولا للحربِ إدهانا
قالَ الخليفة ُ والخنزيرُ منهزمٌ ما كنتَ أولَ عبدٍ محلبٍ خانا
لاقَى الأخَيْطِلُ بالجَوْلانِ فاقِرَة ً، مثلَ اجتِداعِ القَوَافي وَبْرَ هِزّانَا
يا خزرَ تغلبَ ماذا بالُ نسوتكمْ لا يستفقنَ إلى َ الديرينِ تحناتا
لنْ تدركوا المجدَ أو تشروا باءكمُ بالخزَّ أوْ تجعلوا التنومَ ضمرانا
يا خزرَ تغلبَ ماذا بالُ نسوتكمْ لا يستفقنَ إلى َ الديرينِ تحناتا
لنْ تدركوا المجدَ أو تشروا باءكمُ بالخزَّ أوْ تجعلوا التنومَ ضمرانا
ثم انتقلت إلى قصيدة أخرى للشاعر بشاربن برد مطلع القصيدة:
وذات دل كـــأن الـبــدر صـورتـهــا
باتـت تغنـي عمـيـد القـلـب سكـرانـا
ان العيـون التـي فـي طرفهـا حـور
قتلـنـنـا ثـــم لــــم يـحـيـيـن قـتـلانــا
قلـت احسنـت يـا سؤلـي ويـا املـي
فاسمـعـيـنـي جــــزاك الله احـسـانــا
يـا حـبـذا جـبـل الـريـان مــن جـبـل
وحـبـذا سـاكـن الـريـان مــن كـانــا
قالت فهلا فدتك النفس احسـن مـن
هذا لمـن كـان صـب القلـب حيرانـا
يا قوم اذنـى لبعـض الحـي عاشقـة
والأذن تعشـق قـبـل العـيـن احيـانـا
فقلت احسنت انـت الشمـس طالعـة
اضرمت في القلب والاحشاء نيرانا
فاسمعيـنـي صـوتـا مطـربـا هـزجـا
يـزيـد صـبـا مـحـبـا فـيــك اشـجـانـا
يـــا ليـتـنـي كـنــت تـفـاحـا مفـلـجـة
او كنت من قضب الريحـان ريحانـا
حتـى اذا وجـدت ريـحـي فأعجبـهـا
ونـحـن فــي خـلـوة مثـلـت انـسـانـا
فحركـت عودهـا ثــم انثـنـت طـربـا
تـشـدو بــه ثــم لا تخـفـيـه كتـمـانـا
اصبـحـت اطــوع خـلــق الله كـلـهـم
لاكثر الخلق لي في الحـب عصيانـا
قـلـت اطربيـنـا يــا زيـــن مجلـسـنـا
فـهــات انـــك بـالاحـســان اولانــــا
لـو كـنـت اعـلـم أن الـحـب يقتلـنـي
اعـددت لـي قـبـل ان الـقـاك اكفـانـا
فغنـت الشـرب صوتـا مؤنقـا رمــلا
يذكي السرور ويبكـي العيـن الوانـا
لا يـقـتـل الله مـــن دامـــت مـودتــه
والله يـقـتـل اهـــل الـغــدر احـيـانــا
وهنا وأقف حائرا أمام هذاالبيت :
ان العيـون التـي فـي طرفهـا حـور*قتلـنـنـا ثـــم لــــم يـحـيـيـن قـتـلانــا
حيث ورد البيت في قصيدتي الشاعرين "جرير"و"بشار"بنفس الصيغة دون زيادة حرف أونقص حرف من البيت فتعجبت من هذا الأسلوب الذي حصل من شاعرين كبيرين في شعرهما حتى تولدت في ذهني بعض الأسئلة:
لمن من الشاعرين يعود نظم البيت؟
وكيف تسنى للشاعر بشار بن برد أن يصف جمال العيون وهو أعمى ؟
ومارأيك في بيت بشار بن برد الذي يقول:يا قوم اذنـى لبعـض الحـي عاشقـة *والأذن تعشـق قـبـل العـيـن احيـانـا
وهل تحقق ماكان يدعو إليه الشاعر بشاربن برد في بيته السابق.. يا قوم اذنـى لبعـض الحـي عاشقـة *والأذن تعشـق قـبـل العـيـن احيـانـا.. في وقتنا الحاضر؟ وكيف ذلك؟
دمت بخير أخي عبده حكمي ..ولايكن في نفسك شيء من أخيك عقش عندما أفردك بالخصوصية فوالله الذي لاإله إلا هو أن عقش يحبك في الله .