موضوع ولوحة .. سهروني ..
اللي يسحر أكثر ..قراءة اللوحات .. ممتعة مثل قراءة العقل الحر وعلي الزيبق ..
هنا قراءة للوحة " الأمهات ، الأخوات " لـ لفنان الروسي
" يفسيي افسيفتش مايسنكا" ..
"الامهات, الأخوات" وجها لوجه مع التاريخ
لـ يحيى الشيخ
الأمهات, الأخوات – الصيغة الرابعة والأخيرة -227/200 سم 1967
" الامهات, الأخوات" لوحة بألوان الزيت للفنان الروسي" يفسيي افسيفتش مايسنكا", استغرق في الاعداد لها ورسمها عشرين عاما, قضاها يعد الدراسات الأولية والتخطيطات.., ومن أجلها عقد عشرات العلاقات مع الناس والطبيعة. رسم الكثير من المناظر ومئات التخطيطات لنماذج حية. وبفعلها ايضا شرد ذهنه لوقت طويل.
في عام 1966 رسم الموضوعة بثلاث طرق مختلفة, ثلاث صيغ, كل واحدة منها لوحة منجزة ذات خصائص فنية لعمل ابداعي متكامل:
الاولى سماها: "عند بوابة الكلخوز" قياس 257×200 سم, زيت على القماش. الثانية: "الامهات, الأخوات" 220×150سم, زيت على قماش.
الثالثة: "الامهات, الاخوات" 220×150سم, زيت على قماش. وهي من مقتنيات كالري تريتيكوف في موسكو.
في عام 1967 أنجز الفنان الموضمع بشكل نهائي وبصيغة رابعة, هي خلاصة لما
توصل اليه من بناء تشكيلي وفلسفي دام الخوض فيه سنين طويلة.سماها أيضا " الأمهات,
الأخوات" وعرضت لأول مرة الى جانب أعظم اللوحات السوفيتية المكرسة لثورة
اكتوبر, ومنح " مايسنكا" من أجلها وسام اتحاد الفنانين اللينينغراديين, ومدالية أفضل
لوحة لعام 1967 اقتناها المتحف الحكومي الروسي في لينينغراد. قياسها 257×200
زيت على قماش .
دخل فنان الشعب " مايسنكا " تاريخ الفن السوفيتي والعالمي كرسام متعدد الأساليب التعبيرية, ومبدع لسلسلة عظيمة من الأعمال التاريخية, فهو يتميز بتجربة ابداعية غنية ومتعددة الأشكال. لوحاته, مفرحة كانت أم مقلقة, تثير تداعيات شتى وتخلق انطباعا خاصا بها, بفعله يدخل المشاهد مشاركا مرسوما في لوحة الأحداث. بكلمات اخرى, أن رؤية الفنان المستندة الى المعرفة العميقة بالحياة, والطباع البشرية, والأحداث التاريخية, تصبح رؤية للمشاهد نفسه بفعل وضوحها العالي وصراحتها.
ان الانطباعات المركبة لمايسنكا , المترجمة بخامات حية في لوحاته, تحفظ دائما شعورا بواقعية اللحظة, بواقعية الأحداث الخالدة التي تصدى لها في رسمه والعواطف الحية للانسان والانفعالات المأساوية العميقة. لوحاته التي يكتسي فيها الأبطال قوة معنوية مؤثرة, تظل في ذاكرة المشاهد ,فرحا كانت أم مأساة, لكنها دائما تظل ذاكرة سامية لا تغرق في مجرى الأحداث اليومية.
أسس مايسنكا فنه على قاعدة صلدة قوامها تقاليد الواقعية الروسية الاولى قبل الثورة البلشفية وتقاليد الفن السوفييتي بعدها, وما توصلت اليه التكعيبية والتعبيرية الأوربية من قدرة على التعامل مع الأشكال, وشيد وعيه مسلحا بقناعات الواقعية حتى غدا واحدا من عمالقتها الكبار وحجة من حججها.
غطت أعماله بقدراتها التعبيرية العالية وبأدواتها الفنية الثرة مساحات شاسعة من الحياة الاجتماعية في روسيا وصنع من الذكريات ما يكفي لآلاف البشر. فهو مبدع للوحات التذكارية ( المختصة بتسجيل الأحداث التاريخية) ورسام لأعداد كبيرة من اللوحات الزيتية ومناظر الطبيعة والبورترية والطبيعة الصامتة. انه ذو تعدد مذهل في تجسيد مواضيع الحياة وتصوير الوقائع. الوطن, الانسان في أرضه, هي الموضوعة الرئيسة لأبداعه. ولهذا ركز الفنان جل اهتمامه على اللوحات ذات الشخوص العديدة (الملحمية) لتجسيد الأفكار الاجتماعية للأحداث المرسومة.
في ابداع مايسنكا, وفي هذه اللوحة بالذات, وحدة متينة بين التاريخ والحاضر... لذلك تنزاح عن كاهلنا السنين وتخلي مكانها للمحنة التاريخية لتحيا متمددة حتى لحظتنا الراهنة. انها لا تعيدك الى الماضي, انما تستدعيه اليك بأيامه الهرمة, وروائحه, وحنينه.
في عام 1967 أنهى مايسنكا لوحته " الامهات, الأخوات " وخلفها تراصفت عشرون سنة معفرة بالضنى, وامامها يقف مئات الزوار كل يوم, وكنت محظوظا أن أكون واحدا منهم....اختارت اللوحة لغتها التشكيلية الخاصة, لغة ذات مذاق حاد تخمرت طويلا في أعماق روح الفنان وفي عقله. في دنان فخرتها الحقائق الملتهبه. الأحداث المعاصرة لحربين, الأهلية والحرب الوطنية, عيّنت العديد من الموضوعات الابداعية لمايسنكا. فمنذ السنين الاولى بعد الحرب طوت أعماله قدرا عاليا من مأساوية التاريخ وهي تطفح بعواطف انسانية رفيعة. في أعمال السنوات العشر الاولى لابداعه "الحرب الوطنية-1956" , "الحصان الأول- 1957" صور فيها الفنان العصر ببراعة فذة كما لو أن الأحداث الاسطورية ذاتها قد أعيد بعثها في انطباعات الوجوه وشخصيات الأبطال وديناميكية الانشاء
دراسة بالحبر الأبيض
ايقاع الألون والخطوط, ديناميكيتها, توترها, وتناغمها, شكل الطابع العام لأعماله المخصصة لحياة ومآثر" الجيش الأحمر, ونافخي البوق, والمحرضين الثوريين", لكنه في النصف الأول من الستينات تحول الى معالجة رمزية للموضوعات تنطوي على أفكار فلسفية: تأمل في مصير الانسان, في الصداقة, وفي العلاقة الاولى بين الانسان وأرضه الام. الأمثلة على ذلك كثيرة في ابداعه.."يسينن والبيت – 1964 ", "الرفيق", "الأرض" 1965 .
في الرسم وقف الفنان على طريق الاكتشاف الصعب/ طريق البحث الجمالي,
فالصياغات التشكيلية , وحدها, تذكر الفنان بالصلات الوثيقة بين شخصيات الموضوع
وبالمحتوى التأثيري للعمل الفني. الأفكار, الانفعالات, الذاكرة, الاحساس بالحياة نفسه
يضيف ويوسع البدايات الاولى لتصورات الفنان عن الأغوار العميقة لأبطاله وعن بناء
لوحة المستقبل. يقول مايسنكا : " العمل في نهاية المطاف ليس في اختيار الحدث,
المسألة أوسع من هذا بكثير, وهي : أي البواعث تحملت الفنان على اختيار هذه
الموضوعة بالذات؟ ..هناك أمر شخصي ينمو الحدث بسببه الى مشكلة, وثمة مشكلة
لا ترتفع أعلى من حدث عابر ..كل هذا مرتبط بالفنان, باهتماماته, بحميته, وبالتأكيد