لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: لوحــات قيمـــة

  1. #1
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية المنسي
    تاريخ التسجيل
    08 2004
    المشاركات
    291

    لوحــات قيمـــة



    موضوع ولوحة .. سهروني ..
    اللي يسحر أكثر ..قراءة اللوحات .. ممتعة مثل قراءة العقل الحر وعلي الزيبق ..

    هنا قراءة للوحة " الأمهات ، الأخوات " لـ لفنان الروسي
    " يفسيي افسيفتش مايسنكا" ..


    "الامهات, الأخوات" وجها لوجه مع التاريخ

    لـ يحيى الشيخ

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    الأمهات, الأخوات – الصيغة الرابعة والأخيرة -227/200 سم 1967



    " الامهات, الأخوات" لوحة بألوان الزيت للفنان الروسي" يفسيي افسيفتش مايسنكا", استغرق في الاعداد لها ورسمها عشرين عاما, قضاها يعد الدراسات الأولية والتخطيطات.., ومن أجلها عقد عشرات العلاقات مع الناس والطبيعة. رسم الكثير من المناظر ومئات التخطيطات لنماذج حية. وبفعلها ايضا شرد ذهنه لوقت طويل.

    في عام 1966 رسم الموضوعة بثلاث طرق مختلفة, ثلاث صيغ, كل واحدة منها لوحة منجزة ذات خصائص فنية لعمل ابداعي متكامل:

    الاولى سماها: "عند بوابة الكلخوز" قياس 257×200 سم, زيت على القماش. الثانية: "الامهات, الأخوات" 220×150سم, زيت على قماش.

    الثالثة: "الامهات, الاخوات" 220×150سم, زيت على قماش. وهي من مقتنيات كالري تريتيكوف في موسكو.

    في عام 1967 أنجز الفنان الموضمع بشكل نهائي وبصيغة رابعة, هي خلاصة لما

    توصل اليه من بناء تشكيلي وفلسفي دام الخوض فيه سنين طويلة.سماها أيضا " الأمهات,

    الأخوات" وعرضت لأول مرة الى جانب أعظم اللوحات السوفيتية المكرسة لثورة

    اكتوبر, ومنح " مايسنكا" من أجلها وسام اتحاد الفنانين اللينينغراديين, ومدالية أفضل

    لوحة لعام 1967 اقتناها المتحف الحكومي الروسي في لينينغراد. قياسها 257×200

    زيت على قماش .

    دخل فنان الشعب " مايسنكا " تاريخ الفن السوفيتي والعالمي كرسام متعدد الأساليب التعبيرية, ومبدع لسلسلة عظيمة من الأعمال التاريخية, فهو يتميز بتجربة ابداعية غنية ومتعددة الأشكال. لوحاته, مفرحة كانت أم مقلقة, تثير تداعيات شتى وتخلق انطباعا خاصا بها, بفعله يدخل المشاهد مشاركا مرسوما في لوحة الأحداث. بكلمات اخرى, أن رؤية الفنان المستندة الى المعرفة العميقة بالحياة, والطباع البشرية, والأحداث التاريخية, تصبح رؤية للمشاهد نفسه بفعل وضوحها العالي وصراحتها.

    ان الانطباعات المركبة لمايسنكا , المترجمة بخامات حية في لوحاته, تحفظ دائما شعورا بواقعية اللحظة, بواقعية الأحداث الخالدة التي تصدى لها في رسمه والعواطف الحية للانسان والانفعالات المأساوية العميقة. لوحاته التي يكتسي فيها الأبطال قوة معنوية مؤثرة, تظل في ذاكرة المشاهد ,فرحا كانت أم مأساة, لكنها دائما تظل ذاكرة سامية لا تغرق في مجرى الأحداث اليومية.

    أسس مايسنكا فنه على قاعدة صلدة قوامها تقاليد الواقعية الروسية الاولى قبل الثورة البلشفية وتقاليد الفن السوفييتي بعدها, وما توصلت اليه التكعيبية والتعبيرية الأوربية من قدرة على التعامل مع الأشكال, وشيد وعيه مسلحا بقناعات الواقعية حتى غدا واحدا من عمالقتها الكبار وحجة من حججها.

    غطت أعماله بقدراتها التعبيرية العالية وبأدواتها الفنية الثرة مساحات شاسعة من الحياة الاجتماعية في روسيا وصنع من الذكريات ما يكفي لآلاف البشر. فهو مبدع للوحات التذكارية ( المختصة بتسجيل الأحداث التاريخية) ورسام لأعداد كبيرة من اللوحات الزيتية ومناظر الطبيعة والبورترية والطبيعة الصامتة. انه ذو تعدد مذهل في تجسيد مواضيع الحياة وتصوير الوقائع. الوطن, الانسان في أرضه, هي الموضوعة الرئيسة لأبداعه. ولهذا ركز الفنان جل اهتمامه على اللوحات ذات الشخوص العديدة (الملحمية) لتجسيد الأفكار الاجتماعية للأحداث المرسومة.

    في ابداع مايسنكا, وفي هذه اللوحة بالذات, وحدة متينة بين التاريخ والحاضر... لذلك تنزاح عن كاهلنا السنين وتخلي مكانها للمحنة التاريخية لتحيا متمددة حتى لحظتنا الراهنة. انها لا تعيدك الى الماضي, انما تستدعيه اليك بأيامه الهرمة, وروائحه, وحنينه.

    في عام 1967 أنهى مايسنكا لوحته " الامهات, الأخوات " وخلفها تراصفت عشرون سنة معفرة بالضنى, وامامها يقف مئات الزوار كل يوم, وكنت محظوظا أن أكون واحدا منهم....اختارت اللوحة لغتها التشكيلية الخاصة, لغة ذات مذاق حاد تخمرت طويلا في أعماق روح الفنان وفي عقله. في دنان فخرتها الحقائق الملتهبه. الأحداث المعاصرة لحربين, الأهلية والحرب الوطنية, عيّنت العديد من الموضوعات الابداعية لمايسنكا. فمنذ السنين الاولى بعد الحرب طوت أعماله قدرا عاليا من مأساوية التاريخ وهي تطفح بعواطف انسانية رفيعة. في أعمال السنوات العشر الاولى لابداعه "الحرب الوطنية-1956" , "الحصان الأول- 1957" صور فيها الفنان العصر ببراعة فذة كما لو أن الأحداث الاسطورية ذاتها قد أعيد بعثها في انطباعات الوجوه وشخصيات الأبطال وديناميكية الانشاء


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    دراسة بالحبر الأبيض

    ايقاع الألون والخطوط, ديناميكيتها, توترها, وتناغمها, شكل الطابع العام لأعماله المخصصة لحياة ومآثر" الجيش الأحمر, ونافخي البوق, والمحرضين الثوريين", لكنه في النصف الأول من الستينات تحول الى معالجة رمزية للموضوعات تنطوي على أفكار فلسفية: تأمل في مصير الانسان, في الصداقة, وفي العلاقة الاولى بين الانسان وأرضه الام. الأمثلة على ذلك كثيرة في ابداعه.."يسينن والبيت – 1964 ", "الرفيق", "الأرض" 1965 .

    في الرسم وقف الفنان على طريق الاكتشاف الصعب/ طريق البحث الجمالي,

    فالصياغات التشكيلية , وحدها, تذكر الفنان بالصلات الوثيقة بين شخصيات الموضوع

    وبالمحتوى التأثيري للعمل الفني. الأفكار, الانفعالات, الذاكرة, الاحساس بالحياة نفسه

    يضيف ويوسع البدايات الاولى لتصورات الفنان عن الأغوار العميقة لأبطاله وعن بناء

    لوحة المستقبل. يقول مايسنكا : " العمل في نهاية المطاف ليس في اختيار الحدث,

    المسألة أوسع من هذا بكثير, وهي : أي البواعث تحملت الفنان على اختيار هذه

    الموضوعة بالذات؟ ..هناك أمر شخصي ينمو الحدث بسببه الى مشكلة, وثمة مشكلة

    لا ترتفع أعلى من حدث عابر ..كل هذا مرتبط بالفنان, باهتماماته, بحميته, وبالتأكيد

  2. #2
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية المنسي
    تاريخ التسجيل
    08 2004
    المشاركات
    291

    مشاركة: لوحــات قيمـــة

    بأدواته الحرفية ".

    رسمت لوحة " الامهات, الأخوات " على مدى خمسة شهور, في النصف الأول من عام 1967 , لكن العمل التحضيري لها كلف الفنان عشرون عاما من عمره تشربت بقلق الابداع ومراقبة نمو الأفكار والشخوص. في فهم الفنان أن حياة كل انسان تبدا بالفتح الامومي للعالم. الفراق عن الام هو أول اختبار لصلابة الانسان ووداع الام لابنها هو أصعب امتحان لمرؤتها. موضوعة وداع الابن / المجند كثيرة التكرار في ابداع مايسنكا في نهاية الستينات, ولكن من الواضح أن الاقتراب من معالجاتها النهائية قد جاء عبر نضج الفنان ذاته ونضج لغته التشكيلية.

    قضى الفنان أعوام الصبا قريبا من الأرض مما حدد في حياته الاحقة مجموعة مواضيع لأعمال كثيرة : " أتذكر نفسي طفلا في قرية بيلاروسية نائية – أوفارافيتش - واقفا خلف سور خشبي, وبابتهاج شاهدت قربي فرسان الجيش الأحمر على خيول كساها العرق. لقد بدوا لي كالجبابرة.."

    ولد مايسنكا في عام 1916 في قرية " اورافيتش " وهو يكتب عن ذلك اليوم قائلا : "ليلا, وصراخ خشن لطيور قلقة, سماء عظيمة مزدانة بالنجوم, خفيضة, رائحة الأرض, العشب, الصمت, تلك كانت لي اولى دروس الفن.." نشأ الطفل في أحضان أمه – مارينا سرغيفنا – وخاله بروكوفي ناومافيتش.. وبالرغم من الصعاب والبلايا ,كانت طفولته الفلاحية مزدانة. حياة عجيبة وعلاقات سرية مع الطبيعة وأفراح العمل والتربية الجماعية من لدن الناس... راح يعمل في الأرض, استمع الى حكايات خاله عن الحياة, وعرض أولى رسوماته على أمه.

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    دراسة بالحبر

    يقول عن طفولته: " لدى الناس من جيلي .. سيرة غنية ومشبعة بالأحداث. منذ الصبا سمعت في العائلة من خالي بروكوفيتش, حكايات ساطعة عن الحرب الأهلية, عن المشاهد القتالية لذلك الزمن. كنت شاهد عيان على اشاعة التعاونيات في الزراعة. شاهدت في الريف ولادة نظام مجتمع جديد. أما الحرب الوطنية فهي متاع الانطباعات التي لا تنسى والذي يرافقني دائما. من الذاكرة, من الماضي تأتي الموضوعات المحددة وتنشأ رؤيتي للعالم الراهن والماضي.."

    في الرابعة عشر من عمره قدم يفسي مايسنكا الى موسكو, وبعزم ثابت, لدراسة الرسم. أول خبرة تلقاها في المدرسة الفنية- الصناعية السماة "كالينين", وبعدها في أكاديمية الفنون لعموم روسيا, وفي مرسم الفنان والمعلم " اوسيركين"

    يوم الأحد, الثاني عشر من حزيران 1941 حين كان طالبا في الصف الخامس بلغته أخبار الحرب وأجبرته على العودة الى قريته في بيلاروسيا :

    " كان يوما مشمسا, الكولخوزيون عادوا لتوهم من السوق, تعالت أنغام الهرمونيكا, وغنيت التشاستوشكا..." وذكر مايسنكا كيف غيّرت الحرب نساء القرية فجأة. على نداء الوطن وفي اليوم الثاني ذهب الى الجبهة ..واليها ودعته امه وأخواته.

    مرت السنين, ومرة بعد اخرى, تطفو على ذاكرته تلك الطريق الترابية والدموع الحارة للنسوة. " الجنرال دفاتور, عام 1947, لوحة التخرج" كانت اولى لوحاته عن الحرب الوطنية. فيها تسبح ذكرياته عن ذلك الزمان المعفّر بالبارود ونكران الذات والفداء السامي. التقشف اللوني الصارم, الملامح الواضحة للأحداث, البناء النفسي للأبطال ونصبتهم هي الخصائص الداخلية التي وحدت أعماله, والتي استمرت وتطورت في أعماله الاحقة. يقول مايسنكا : " في ظروف الحرب حيث كل شيء قصيّ, متوتر, حيث لا يبقى مكان للتفاهات, للمنافع, يتجلى جوهر الانسان, طباعه, وأخلاقيته ورغباته الروحية, وباختصار كل الانسانية تتفتح في الانسان وبامتلاء تام.."

    في لوحاته عن الحرب يكشف الفنان حالات وأحاسيس الأبطال الواقفين في الطليعة بمواجه الموت عندما يسيطر على الانسان ادراك حاد لحياته, وهي محاطة بالخطر بعيدا عن الأهل. " ألأرض..ومرة اخرى, ألأرض التي يعيشون عليها والتي تمدهم بالقوة.." هكذا يصف الفنان عظمة أبطاله وأسرار شموخهم.



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تخطيط – حبر -

    من أجل لوحة " المهات, الأخوات " أنجز الفنان مجموعة كبيرة من دراسة الوجوه "البورتريت" للنساء زمن الحرب, جاعلا منها رموزا للوفاء وموحدا تصوراته عن المرأة والوطن. التجربة الصيفية قبل التخرج قضاها الفنان في قريته. في يوم صيفي بدا فيه بهيأة مهيبة, انه يوما للزفاف. الأنباء عن الحرب كأنها رعود في سماء القرية فجعت كل الناس. يتذكر مايسنكا الوجوه المضطربة لأخيه وخطيبته, الفتيات والممرضات. وجوه مخطوفة, لكنها قادرة أن تضيء الذاكرة من مسافاتها البعيدة. يتذكر شهر العسل الذي قضاه وحيدا في الملابس العسكرية.

    في تلك الأيام انبثقت الأفكار الاولى للوحة, وحفرت الأحداث خطوطها الخشنة في قلب الفنان, ولكن ما تحقق في تلك اللحظات استغرق عشرين عاما كي يولد. كانت الدراسات الاولى تدور حول سوق الكلخوز: لوحة متوسطة الحجم تعطي مسحة عامة لحياة السوق. لقاء سكان القرية في بداية الحرب بسحنة رمادية. فيها نساء مع أزواجهن, وصيادو أسماك, وفتيات بملابس العرس البيضاء. لوحة مرقشة لحشد طويل متعدد الألوان يحيط بأحد الباعة....هناك ما يجمع الناس الى بعضهم !!

    لقد غدا هذا المناخ شرطا لانشاء اللوحات اللاحقة , و فكرتها المركزية. تميزت التخطيطات الاولى باسترسال لا تقطعه الا حدود اللوحة, بالكاد, فيما أمست في الدراسات المتقدمة أكثر دقة و ملموسية. بدأت تظهر النماذج بخصائصها المتميزة من وسط هذا الحشد الهائل من الشخصيات, الممرضة في الوشاح والملابس البيضاء ذراعاها مسبلتان بارتباك , استقطبت لدى الفنان كل وجدانه الابداعي .

    لقد شغل مايسنكا كيف يمكنه اعطاء اللحظة المرة لوقوع الحرب في قريته ؟ وكيف يمكنه استعادتها بعد عشرون عاما ؟ لهذا وجد في شخصية الممرضة, الوجوه الفلاحية, أشكال النسوة القرويات التي تعج في ذاكرته, في فجيعتها وصمتها الدرامي المحكم عثر على خزين لا ينضب لعكس أفكار وأمزجة مئات الناس من ذلك الزمان.

    كشف الانفعالات الانسانية العميقة في أوقات الهلع الكبير والمحنة, أصبح هدف الفنان.

    ظهرت أولى صيغ " الأمهات, الأخوات " في لوحته الكبيرة ألأولى " عند بوابة الكولخوز " المرسومة في عام 1966, وهي محصلة الدراسات الملونة ألأولى في سوق القرية. احتفظ التكوين وخارطة ألألوان بخصائصها وتغير مبدأ البناء. تغير مكان المركز ففيه بدلا منه حلت مجموعة النساء وهن يسمعن الأنباء من مكبر صوت شد الى عمود كهرباء.

    تفترض اللوحة تأملا طويلا, هو انعكاس مباشر لحالة التأمل التي غرقت فيه الشخصيات, فالكل ينصت لخطوات الحرب. اللوحة , ومنذ اللحظة ألأولى, لا تتأخر عن المشاهد في تعريف نفسها : طريق ترابية واسعة, رياح جافة, ومجموعة من النسوة محكمة الرص تقف حول عمود كهرباء يظهرن على خط واحد. أنظارهن تحوم حول جندي ولى ظهره للمشاهد. في الأفق البعيد, على التراب خلفت العجلات آثار واضحة وأكثر وضوحا منها انفعالات الوداع الحية, فعلى الوجوه تعبير لم يفقد طراوته بعد, نظرات غائبة تخفي دموعا, وتبرر حيرة العجائز, أمهات الفلاحين/ الجنود وأخواتهم وزوجاتهم.

    يكتب مايسنكا .." أتذكر كيف ودعتني أمي الى الجبهة كجندي عتيد, ورغبت في حينها لو يتجمد كل شيء...في البداية كل شيء كان كبيرا, ومن ثم أخذ يصغر رويدا, رويدا حتى تلاشى. خلف الأفق اختفت النسوة...ومثلما تستوطن ذكراهن في روح الجند, يستوطن الحزن والشجن والآمال.."


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    عند بوابة الكولخوز – الصيغة الأولى -257/200 سم - المقطع الوسط-

    من اجل استعادة تلك اللحظات كرس مايسنكا نفسه. في الطريقة ألأولى " عند بوابة الكولخوز " الشخوص النسائية تطفوا على ذاكرة الفنان وتملأ فضاء اللوحة. تظهر في الخلف قطعة صغيرة من السماء ضبابية اللون تلوذ تحتها مجموعة من البيوت الخشية على أرض مظلمة. على يمين اللوحة, في زاويتها العليا, مجموعة من الخيول الضامرة. أجساد النسوة لا تكاد تتمايز الا ببعض الاشارات اللونية. الأيدي التي لوحتها الشمس, وأطراف المناديل الأرجوانية, والملابس الغامقة المبقعة تستكمل المعالجة اللونية والفكرية لأهم أجزاء اللوحة..بل موضوعها الأساس.

    العجوز النحيفة الطويلة ظلت واحدة من الشخصيات المهمة وذات حضوة, فقد استأثرت باهتمام خاص, وجاءت بدون تغيرات في الطرائق الثلاث الأخيرة.

    الشيخ الطاعن في السن, في مركز اللوحة, مرسوم من الخلف يحمل غدارته. انه الرجل الوحيد فيها, ربما كان الوحيد في القرية كلها !!.يبدو غريبا بهيأته العسكرية التي تحمل بعض عناصر التمدن. انه اختصار وحل مقتضب لاحدى معضلات اللوحة الفكرية, ولهذا السبب, على ما يبدو, تخلى عنه الفنان في الطرائق الاحقة.

    النساء فقط ... وحدهن, موضوع البحث النفسي والجمالي!!

    استغرق العمل في الصيغة الأولى " عند بوابة الكلخوز " أكثر من عام, في ثناياها ولدت الحلول التشكيلية التي حكمت اللوحات الثلاث الأخرى..." اللوحة لا تولد كما يجب مباشرة, بل تأتي حلولها التشكيلية تدريجيا بعد عناء طويل يرهق الفنان.." هكذا يرصد مايسنكا نفسه أمام لوحته.

    عشرات الدراسات التمهيدية التي كرسها الفنان للموضوعة, والتي احتوت على مئات التخطيطات بالحبر والقلم للشخوص والتفاصيل ودرجات اللون...تكشف جغرافية البحث المترامي الأطراف, بحثا عن امكانات الشكل الانساني على التعبير. يقول الفنان : " في عملي الابداعي ليست هناك أية دراسة تمهيدية يمكن الاعتماد عليها لتكون وحدها صورة.." لكل شخصية من شخوص اللوحة بناؤها الخاص, خصائصها التشكيلية وعالمها الروحي. كل واحدة منهن تحمل مبررات وجودها.. في هذا المكان وبهذا الحجم على سطح اللوحة, وفيهن من الضرورات ما يلجم التاريخ. انه نظام معقد , ولا ريب, محكوم بشروط فلسفية مترابطة تهدي الفنان في نهاية المطاف الى بناء فكري وجمالي لمجموع اللوحة.

  3. #3
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية المنسي
    تاريخ التسجيل
    08 2004
    المشاركات
    291

    مشاركة: لوحــات قيمـــة

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    أم الفنان – تخطيط بالقلم -

    نتيجة التحضيرات الطويلة لسلسلة الدراسات ألأولية, استقر خيار الفنان على ألأكبر قدرة فيها لتجسيد فكرة العمل وفلسفته, لكنه في نفس الوقت لم يهدف من ورائها الا الى بناء الهيكل العام/ الانشاء التصويري فقط, ففي مجرى العمل على قماش اللوحة, هناك, يثبت مايسنكا الملامح التشكيلية للشخوص.

    "..بعد الحرب, عندما وصلت الى القرية, خيل لي أن النساء في كل مكان. النساء والأرض والحقول والطرقات والرياح الجافة, كل ذلك أصبح شيئا واحدا, فوقع الخيار العصب من نصيبهن. لقد عزمت على اعطاء فكرتي عن الحياة في الطرائق المختلفة للوحة, وطريقتها الأخيرة بالذات, أعطي احساس بالزمن والأمومة.." هكذا وبالتدريج أقبل الفنان على دراسة مصائر النساء أنفسهن, فظهرت طائفة الدراسات الأولية ليس لفلاحات عاديات, انما لامهات وأخوات الجنود في الواقع, مصائر حقيقية في مواجهة المشاهد.

    قريته التي هدمتها الحرب رسمها عام 1965, وقد اختارها هدفا لدراساته: أفق عال يعطي حرية كبيرة لكشف أكبر مساحة من الأرض. الشخوص في هيئتها تشبه تماثيل تذكارية نحتت بازميل الحرب, أو صبت من خامة الفجيعة الخالصة. لقد استهدف الفنان في لوحته عظمة النساء وحيوية وصدق العواطف وطبيعيتها. لقد كانت دراساته تنطوي على ألوان الصيف المشعة وضيائه الحاد, لكنه اختار في لحظة تنفيذ اللوحة مناخ الخريف : رمادي رطب, وريح تجرجر أذيال الثياب الصوفية الخشنة, وأطراف المناديل. في الطريقة الأولى اختار مبدأ التجزئة في التكوين, فقد وزع مكونات اللوحة على القماش اذ كثف النسوة في مكان, والبنايات والأخشاب في مكان آخر خلفها . الخيول في كتلة يقابلها بيوت القرية في الزاوية اليسرى.

    في الصيغتين الثانية والثالثة المرسومتين عام 1966 غيّر الفنان مبدأ التكوين وتخلص من تقسيم اللوحة الى مجموعات, ووحد أجزاءها بخلفية واحدة اختفى فيهما الأفق, وتقلصت المسافات بين الأشكال وضاقت المساحة.

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    الأمهات الأخوات – الصيغة الثانية - 220/150 سم

    في الصيغة الأولى كان الفضاء أرحب خلاف ما كان عليه في الأولى والثانية, وعاد أكثر رحابة في اللوحة/ الصيغة الأخيرة. عبر ذلك كله , كان الفنان يبحث عن الطاقة الكامنة خلف مخلوقاته. أن صعوبة الألوان ودرجاتها أفضت الى اكتمال فلسفة الموضوع. ليس لدى مايسنكا حدود للّون, فلونه يعبر مسافات بعيدة ويخترق الأشكال ويوحدها, أو يقطّعها. في الصيغة الرابعة, والتي هي موضوع البحث, يعبر لون الأرض الطباشيرية حدود الأجساد ويغطي مساحات منها, حتى يخيل للمشاهد أن هذه الأجساد ما هي الا درجات لونية من الأرضية نفسها . من الأرض الطباشيرية تتشكل ملامح البشر جراء التعتيم المفاجئ لبعض المساحات, هي في الواقع تفاصيل القدم, الأصابع أو الكاحل.

    مايسنكا يلون بحرية كبيرة وبيقين مثل البديهة. الاضاءات والظلال تتبادل مواقعها, وتخلي كل منهما مكانها للأخرى وبشكل مفاجئ. يجتاز لون الأرض رداء العجوز, "ماترينا سرغيفنا " أم الفنان في الواقع, والتي تلوح بيدها كما يفصل الأقدام عن الجسد لتعود تظهر معتمة مرة اخرى.. لقد قلب مايسنكا قانون التلوين الطبيعي متلاعبا بالضوء بحرية تفوق حرية الضوء ذاته. الحيوات التي تابع نموها, والمصائر التي شهد ولادتها في الواقع , قد كشفت عن حالها وقدمت كل طاقتها على التعبير, وكل ما لديها من احتياطي الانفعالات في حياة اللوحة ذات العشرين عاما.

    " الأمهات, الأخوات " حالة على حافة الأرق. حالة ما بعد الدموع, أو قبلها بقليل. لقد أراد لهل الفنان أن تقول شيئا واحدا فقط...لقد نزلت الفجيعة ..يا للهول !! لقد سقطت الأنظار الى الأعماق السحيقة للنسوة. العجوز التي ظلت طيلة الأعمال الأربعة بين النظر الى النسوة الأصغر منها, وبين رحيل الرجال, الصغار في ذاكرتها, ظلت مع حوارها الداخلي وراحت أبعد مما راحت شاحنة الجنود. ليس هناك أحداث في اللوحة !! أمامنا سحنة لاحساس يحدث مرة واحدة في العمر. أمامنا نساء منكوبات وحياة تقدم احدى

    نتائجها. أمامنا توزيع صارم لمعايير دقيقة في الرسم ... بلاغة ملونة لاعادة ادراك الحياة.

    جسدت اللوحة نموذجا مركبا للمروءة والحب اللامتناهي للمرأة, فعبر عشرين عاما من البحث, وصل الفنان الى نموذجية نادرة حملت في تكوينها حلولا لونية شديدة الانتباه لضرورات الشخوص. بهذا شحذ مايسنكا كل انتباه المشاهد في هيئة النسوة الخارجية وبنائهن الداخلي. فمن حالة الاستماع الى أخبار الحرب المشوبة بالخوف والترقب, في الصيغة الأولى للوحة , الى حالة الفراق في الصيغة الثانية , تتصاعد مناسيب الحزن وتتوتر أبعاد الجسد الذي يستجيب لفرشاة الفنان الى حدود قصوى. في كل مرة وعبر الصيغ الأربع, عالج الفنان الموضوعة نفسها, وفي كل طريقة من الطرائق ثمة جديد.

    لقد نقل موضع العجوز من مكان الى آخر, في الأولى كانت على اليمين تنظر الى حزن الأخريات سارحة, على عادتها, بحوارها الداخلي مسبلة الذراعين. في الثانية رسمها على اليسار وقد ولت ظهرها كمن لا يجرؤ على المواجهة. في الثالثة زجها في وسط المحنة. في الأخيرة يعيدها الى مكانها الأول, على اليسار, وقد أتعبها الحزن مطوية الذراعين, محنية الظهر أكثر مما كانت. أن صياغة الشكل واللغة الجمالية بالنسبة للفنان مايسنكا هو عمل قبل كل شيء على محتوى وفلسفة العمل الابداعي ذاته.

    ترتبط الأشكال والتفاصيل في لوحاته بتخطيط واضح عن مقارناتها اللونية وتبادل شفافيتها. اذا استطعنا أن نقاوم استلاب الحزن الذي تشيعه اللوحة نجد أن الوحدة العميقة لا تكمن في وحدة الشعور العام الذي تتبادله الشخوص, انما في التبادلات اللونية غير المحدودة والاضاءات المجهولة المصادر التي تجول بين الشخوص, في الزوايا, بين الأصابع تقطع العتمة بدون اعارة اهتمام الى منطق الطبيعة... هنا منطق واحد يسود اللوحة ..انه تتابع الضوء والظل وتبادلهما للأماكن.لا يمكن للمشاهد الاستقرار على شخصية واحدة فهي تحيله الى جارتها باسترسال أحيانا, وفجأة أحيانا أخرى, كمن يتابع طائرا ضوئيا لا يني يتجول مذعورا, وبسبب تنقله هذا بلغ التضاد بين سحن الألوان الى أقصاه. لقد وسم مايسنكا أشكاله الصلبة بالقلق.

    لوحة " الأمهات, الأخوات " تستوقف المشاهد بعيدا عنها وتبدأ هي بالاقتراب منه مثل موكب اسطوري لمأساة تاريخية تفيض هما وأسى. حالتها تخترق النفس الى جهة شفافة فيها, الى ضمير جديدا يتشكل في ذات المشاهد منذ اللحظة الأولى .. ضمير كبير يشبه التاريخ . بنيت اللوحة على مبدأ المساحات اللونية المفتوحة التي تمنح الموضوعة تعددا لونيا متناغما ومعقدا في نفس الوقت بفعل تداخلاتها. أكبر شخوصها وأصغرهم يردد لحنا أساسيا واحدا.

    غلب على اللوحة لون التراب البني المحروق والرمادي الرطب . حتى الأحمر الذي


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    الأمهات , الأخوات - الصيغة الثالثة – 220/150 سم- مقطع -

    ترتديه احدى الفتيات لم يعد أحمرا. الأفق العالي فيها يحجب السماء الا في زاوتها اليسرى, وتبدو رصاصية باردة فيها بعض من زرقة فارقتها منذ الحرب. المنظر في عمق اللوحة مرسوم بعمومية بعيدة عن التفصيل, انه خلفية للموضوع, لكنها ليست مجرد ألوان لحل معضلة الفضاء, بل بيوت فلاحين خشبية متناثرة في أرض تزداد عتمة كلما دنت من أفقها. في الأرض على اليمين حفر قنابل مثل وجه مجدور. وحدت الأرض الترابية أشكال النسوة وعفرت بغبارها أقدامهن العارية, وامتزجت بالثياب, وتقاطعت مع الأجساد, وشكلت ظلالا هنا وهناك أو تجسدت أقداما بلون باهت ( قدمي الفتاة ذات الرداء الأبيض في أقصى اليسار ), أو بلون الفحم كما أقدام العجوزين في المقدمة.

    مايسنكا فنان ثر الألوان, مفرط الحساسية يلون الضياء بالضياء, والعتمة بالعتمة !! لقد اغترف من تجربة الرسم السوفيتية الرائدة, في العشرينات من القرن الماضي, أنقى تقاليدها الجمالية, والتي تمثلت في ابداع عملاق الفن الروسي " ديينيكا 1899- 1969" المتميز بانشاءاته اللونية المركبة, وغنائيتة الروسية الساحرة.

    جمع مايسنكا في حدود العمل فيالق من الخطوط موحدا بها أقسام اللوحة بفعل سجيتها العفوية, وهي خاصية فرشاته طويلة الأثر. يتمدد أثرها أحيانا على طول الجسد, لا حدود لحركتها. لونها غير صريح, فهو ما أن يتشكل حتى تغيب حافته في اللون المجاور. حافة اللون : شريط من النقاط والخطوط التي يخلفها شفر الفرشاة الخشنة. فرشاة مشبعة بالزيت الناشف مثل الكلس, لكنها لا تهمل التفاصيل الرقيقة بل تتوقف عند أكثرها تعقيدا وتعتني بالملامح بل تبحث عنها في الأماكن المزدحمة بالألوان. فرشاة ايمائية تعول على فطنة المشاهد في التعرف على الشكل الانساني من ملمح بسيط.

    لا يفطن المشاهد على الحرفية العالية في رسم مايسنكا من الوهلة الأولى لأنه يغرق في الاحساس العام ويجرفه سيل الأجوبة التي تلقيها اللوحة عند وجدانه. أن عظمتها ليس فقط في بنائها وتلوينها , انما في معناها الحياتي, وفي قوة البرهان على عظمة الأمومة.

    من هؤلاء النسوة ؟؟

    العجوز الطويلة..تلك الشخصية النموذجية الرئيسية في اللوحة, هي أمه. تودع الجنود بيد يابسة خشنة لا أحد غيرها يجرأ أن يرفع يدا, وحدها لم يأخذ الفراق كياستها فهي ما زالت تحتفظ بأطراف أمل خاص طرزته أعوامها مثلما طرزت جبينها بالتجاعيد. تذهب الناقدة السوفييتية " كيكوشيفا " الى اعتبارها رمزا للوطن : ثابتا, شامخا, متماسكا في محنته !! ليكن للناقدة ما تريده فالشخصية, فعلا, ذات جلال يثير الاعتزاز, ولكن من منهن لا تشبه الوطن ؟؟

    الملابس الغامقة للنسوة في مقدمة اللوحة, قوية كامدة تحبس النفس. في قيافتهن أصالة روسية, وفي وجوههن عيون تتوقد من الغيض. ابداع مايسنكا مليء بالمألوف الحياتي, ففي هيئة النسوة قدم اكتشافاته لذوات معنوية مألوفة سلك اليها أقصر الطرق وأعقدها وأكثرها مشقة : طريق التجربة المباشرة, ومعايشة الأحداث. أن الشخصيات التي رسمها ليست من صنعه, بل مواطنون عايشوا المصيبة, وشهدوا عليها : ناستاسيا ديمتروفنا, فيرا, لوبا, وأم الفنان نفسه.


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    العجوز والممرضة – الصيغة الرابعة - مقطع

    الشخصية المعبرة للمرأة الشابة في أقصى اليمين, سحقتها المصيبة, يدها السميكة المعتمة تفصد لحمها عند الزند بفعل أكمامها الضيقة, توحي بقوة الصمت الذي يملؤها, تضغط بين أصابعها منديلا, في ملابسها كل الظلال الخفيفة للأزرق والبني ودرجات الأخضر الترابي ...وبمجموعها مثل بحيرة راكدة المياه يعوم فوقها ضباب صباح خريفي. لقد تفردت وحدها بكل هذا التلوين ذي الانسجام الساحر, وبحزن يخسف الأرض من تحتها.

    " نساء " مايسنكا لا ينظرن للمشاهد انما الى ما وراءه. انهن وجها لوجه مع التاريخ يقرأن أيامه بضجيج داخلي عالي النبرة. من المميز أن بعض النساء لهن مكانتهن الأثيرة في نفس الفنان !! وحافظن عليها في أغلب الصيغ . الفتاة النحيفة / الممرضة, ظهرت في الصيغة الأولى, والثالثة, وفي الرابعة حافظت على مكانها الأول : في خلفية الصورة آخر الناس. واحدة فقط ظل حضورها أساسيا في كل اللّوحات : المرأة العجوز , في أقصى اليسار, التي نمت شخصيتها دون تغيّر يلمس في هيئتها. ظلت ترتدي ملابسها الصوفية الغامقة , حافية القدمين. في هيئتها المتجهمة تركيز شديد وصحو يليق بعمرها. خلف ظهرها تلوح الممرضة مثل شراع لملمته الريح, ذراعاها طويلان, جسدها منبعج على جنب, فيها شبه كبير من شخوص مودلياني. يقول عنها الفنان المولدافي م. كريكو "..أنا أشعر بنزعة الفنانين وحاجتهم لاعطاء الحركة والتكنيك أهمية بقدر ما يعطون التجديد من أهمية, وأضرب مثلا على ذلك لوحة " الأمهات , الأخوات " في جانبها الأيسر شكل فتاة مرسومة ليس بالشكل الطبيعي , ولكني عندما أشاهد اللوحة أشعر أن فيها كل ما هو ضروري للانسان... كل رقة الكائن الحي . بأية وسائل جسدها مايسنكا ؟؟ من المستحيل أنه مدها أو يكون قد ضيقها الى هذا الحد الذي غدت فيه قصبة رقيقة. هيئتها الى جانب النساء الحزينات اكتسبت بصورة غير عادية رنينا مثيرا للعواطف.." خلف الممرضة, على مساحة مضيئة من الأرض, عادت بعض الأمهات مع أطفالهن للعمل بعد الوداع .. انها الأبعاد التي يشرف عليها مايسنكا : حياة واسعة ومتجددة, لكنها تبدو في ظرف مثل هذا صغيرة وبعيدة, لكنها ومع ذلك مرئية هناك, قريبة من الأفق وما عليك الا أن تنظر بعيدا خلف المحنة. أضفت هذه الموضوعة الصغيرة احساسا جديدا على العمل, ووسعت صدر المحنة قليلا.

    الشخصية النموذجية الأخرى هي شخصية الفلاحة في منتصف العمر, في وسط المجموعة, بين العجوزين, تشكل تصعيدا رأسيا لمناسيب الغضب. نظرتها تخترق الرصاص. هيئتها الريفية ذات قدر عال من التعبيرية, لها كفان سوداوان متقرنان, تشد


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    الفلاحة – مقطع – الصيغة الرابعة

    بحرقة الى صدرها صرة متاع تأخر عن صاحبه, تلف رأسها بوشاح صوفي سميك يغطي فمها المزموم بشدة الا من زاويته اليمنى. عيناها حجريتان. وحدها تنتعل حذاءا تعظم جلده, معطفها طويل اسود يغطي ثلثي جسمها, تحته ثوب رمادي أخذت الريح بأذياله جانبا. ..لقد حظيت بتلوين غني ذو سحن حساسة كشفت عن تفاصيل ملابسها ووجدانها. وراؤها, في الصف الثاني من المجموعة, تقف شابة أصغر عمرا منها تلبس قميص رياضة أحمر, طويلة ومتينة البنيان, تسحب ذراعها الأيسر الى وسطها بكفها اليمنى. كف قوية وكبيرة. لها وجه صارم لا يجرحه السيف.

    " الأمهات, الأخوات " واحدة من القمم الابداعية التي بلغها الفن الروسي في الفترة السوفييتية, والتي تنتمي بجدارة الى قمم الفن العالمي ذو النزعة الانسانية, وهي تقف شاهدا تاريخيا الى جوار اللوحات العظيمة " الدفاع عن بتروغراد " للفنان ديينيكا, ولوحة " قرار القوميسير " للفنان شموخين, ولوحة " موت القوميسير " للفنان بتروف فدكين... والتي يقول عنها مايسنكا .."هذه الأعمال لا تتزحزح من مكانها التاريخي, انها حية, تقلقنا ليس على مواطنتنا فحسب, انما على حداثة لغتنا الفنية " . والأمر يعني " الأمهات, الأخوات " تماما.



    المصادر

    1. مايسنكا, كتلوك المعرض الخاص, لينينغراد 1982

    2. كيلكوشيفا, مايسنكا, لينينغراد 1977

    3. كورين, ملامح الفن السوفييتي المعاصر, موسكو1975

  4. #4
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية المنسي
    تاريخ التسجيل
    08 2004
    المشاركات
    291

    مشاركة: لوحــات قيمـــة

    لتنوية الموضوع منقول من منتدى جسد لثقافة للعضو نوار

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •