ومن أمثلة هذه الوساوس :
1ـ الاجترار الوسواسي : وهو الوقوع في شراك مجموعة من الأفكار متعلقة بموضوع معين بحيثُ لا يستطيع المريضُ التوقف عنها وعادةً ما يكونُ الموضوعُ نفسه من المواضيع التي لا معنى للتفكير فيها ، أو من المواضيع المحرم شرعًا بالنسبة للشخص أن يخوضَ فيها مثلَ : منْ خلقَ الله ؟ أو كيفَ يستطيعُ الله أن يراقبَ كل هذا الكم الهائل من البشر...إلى آخره0
2ـ استحواذ فكرة الوسخ والتنجيس : وتشمل مخاوف بلا أساس من التقاط مرض خطير ، أو الخوف المبالغ من الوسخ أو النجاسة أو الجراثيم (أو حتى الخوف من نقلها إلى الآخرين أو البيئة أو المنزل ) ، أو كراهية شديدة للإخراجات الشخصية ، أو الاهتمام الزائد عن الحد بطهارة ونظافة الجسم 0
3ـ شكوك غير طبيعية : وتتمثل في شكوك لا أساس لها من أن الشخص لم يقوم بالشيء على وجهه الصحيح ، مثل إغلاق أجهزة أو إتمام الوضوء أو الصلاة على وجهها الأكمل0
4ـ أفكار دينية مستحوذة : مثل: الخوف المبالغ فيه من الموت ، أو الاهتمام غير الطبيعي بالحلال والحرام ، والخوف الزائد من ارتكاب الذنوب والمعاصي ، وأفكار ووساوس مزعجة بانتهاك الحرمات والأعراض والوقوع في الكفر، ضغط عصبي شديد بسب الدين والله تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم مع العجز عن وقف هذا السباب 0
5ـ أفكار تطيرية أو خيالية : الاعتقاد أن بعض الأرقام أو الألوان أو ما أشبهها هي محظوظة أو غير محظوظة 0
6ـ أفكار تسلطية : وغالباً ما تكون دون سلوك قهري ، أي أنها أفكار فقط دون استجابة عملية وهو نوع مزعج جداً من الأفكار ، لأن صورها غالباً ما تكون صوراً أو أفكاراً جنسية أو غير أخلاقية مع الأقارب أو الأطفال أو مع الناس المقدسين كالأنبياء ، أو تكون على شكل رغبة عدوانية لإيذاء الآخرين 0 وغالباً ما يشعر المريض معها بالذنب وتأنيب الضمير ويصاحبها الشعور بالدونية والكآبة ، وبالذات لو أصابت رجال الدين أو المتدينين عموماً 0
أمّا الفعل القسري Compuksion : فهو فعل أو سلوك حركي يتسلط على الفرد ويلح عليه ، ولا يستطيع التخلص منه رغم محاولاته في ذلك 0 وإذا حاول التغلب عليها ومقاومتها فإنه يعاني الضيق والقلق الحاد 0
• العادات والسلوكيات :

المصابون بالوساوس القهرية يحاولون التخلص من الأفكار المتكررة، عن طريق القيام بعادات اضطرارية، والقيام بهذه العادات لا يعني أن القائم بها مرتاح من قيامه بها، ولكن العمل بهذه العادات هي لمجرد الحصول على راحة مؤقتة من تكرار الوسواس، ومن هذه العادات والسلوكيات :
1ـ التنظيف والتغسيل الكثير : التكرار الروتيني المبالغ فيه للغسيل أو دخول الحمام أو تغسيل الأسنان ، أو الشعور الذي لا يمكن التخلص منه بأن الأواني المنزلية مثلاً نجسة ، وأنه لابد من غسلها بما فيه الكفاية حتى تكون نظيفة بالفعل 0 ويعرف هذا السلوك عند الأطباء المختصين باسم : ( البطء الوسواسي القهري ) ، حيث يقضي أصحابه فترات مفرطة في الطول "ساعات" لقضاء أفعال يفعلها معظم الناس خلال دقائق ، ومن الأمثلة المستمدة من تراثنا على ( البطء الوسواسي ) ما ذكرهُ عبد الوهاب الشعراني إذ يقول : " وَشهدتُ أنا بعينيَّ موسوساً دخلَ ميضَأةً ليتوضأ قبل الفجر من ليلة الجمعة فلا زال يتوضأ للصبح حتى طلعت الشمسُ ، ثم جاءَ إلى باب المسجد فوقفَ ساعةً يتفكر ، ثم رجعَ إلى الميضأةِ ، فلا زال يتوضأ ويكررُ غسلَ العضو إلى الغاية ، وينسى الغسل الأول ، ولم يزل حتى خطبَ الخطيبُ الخطبةَ الأولى ، ثم جاءَ إلى باب المسجد فوقفَ ساعةً ورجعَ ، فلا زالَ يتوضأ حتى سلمَ الإمامُ من صلاة الجمعة ، وأنا أنظرُ من شُبَّاكِ المسجد ، ففاتته صلاةُ الصبح والجمعة !!! 0
2ـ الشك في عدم طهارة الماء المتوضأ به ونجاسته ، وعدم التيقن من نزول الماء على كل مكان في العضو بنفس قوة جريانه على باقي الأعضاء ، والوسوسة الشديدة في انتقاض الوضوء سواء بخروج ريح أو نزول نقطة مَذْي أو بول أو لمس القدم للأرض أو رذاذ الماء، والشك المستمر في نجاسة الملابس والمياه المكشوفة ، والشك في النية في العبادات كالوضوء والصلاة 0
3ـ الوسوسة في مخارج الحروف وعدم نطق الكلمة بالصورة الصحيحة والتكلف فيها بكثرة تكرارها 0 الوسوسة في التكبير والفاتحة وغيرها من أركان الصلوات المنطوقة ، والوسوسة في ضبط اتجاه القبلة ، والوسوسة في الطعام هل تم ذبحه بالطريقة الشرعية ؟ وهل الذي ذبحه مسلم أم لا ؟ 0
4ـ الاضطرار لعمل شيء معين إلى أن يصبح صحيحاً : مثل تكرار العبادات خشية القيام بها بصورة خاطئة ، وكذا تكرار الأذكار 0
5ـ الإحساسُ المتضخمُ بالمسؤولية ، مثل : استعادة الحديث الذي تم إجراؤه مع الناس للتأكد من عدم الكذب فيه أو مخالفة الحقيقة 0
6ـ سلوكيات تعتمد على اعتقادات تطيرية، مثل : النوم في وقت معين حتى يبعد الشر0
والمصاب بالوساوس القهرية يتمنى لو أنه تخلص من الأفكار الشنيعة أو الأفعال المتكررة، ولكنه لا يقدر، وربما يكون من الصعب جداً على المريض علاج نفسه ، وخصوصاً أن العلاج السلوكي يحتاج إلى مواجهة المرض ، وقد لا يعرف مدى شدة الألم الذي يصيب المريض بمرض الوساوس القهرية سوى الشخص المصاب به ، ولكن هذا الألم لا يمكن الهروب منه، لذلك نقول للمريض إن المرض لن يختفي إن تُرك للوقت ، فالعلاج الدوائي والسلوكي (وهو الأهم) وإن كان مؤلماً في البداية ولكنه بعد مدة من الزمن سيذهب ، وهذه الأفكار التي تزعج وتقلق المريض ستزول وتضعف تدريجياً إن شاء الله تعالى ، حتى تصبح بلا قيمة 0