• الوساوس المتسلطة والأفعال القسرية Obsessive-Ompulsive Neurosis:
الوساوس من المشكلات العصيبة التي يتعرض لها عدد كبير من الناس ، وهي متفاوتة في خطورتها، فقد تبدأ بأمور بسيطة عارضة حتى تصل بصاحبها إلى قضايا خطيرة، كالوساوس القهرية وما تسببه من شكوك قد تتصل بمسلمات دينية وثوابت عقدية مثل الشك في وجود الله تعالى، وفي عقيدة القضاء والقدر، وفي أداء العبادات كالطهارة والصلاة وغيرها من العبادات 0 قال ابن منظور رحمه الله تعالى: "الوَسْوَسَة والوَسْواس: الصوت الخفي من ريح، والوَسْوسة والِوسْواس: حديث النفس، يقال: وَسْوَست إليه نفسه وَسْوَسَة وِوسْوَاساً، بكسر الواو المصدر، وبالفتح الاسم، مثل الزِّلزال والزَّلزال، والوَسْوَاس بالفتح هو الشيطان، وكل ما حدثك به ووَسْوَس إليك.. ورجل مُوَسوس إذا غلبت عليه الوَسْوَسة" وقد تناول قدماء الأطباء المسلمين موضوع الوساوس بشيء من التفصيل ، ومنهم أبو زيد البلخي الذي ذكر أنَّ : "المريض لا تزال تلمُّ به وساوس القلب التي قد تكون من جنس ما يحبُّ مثل عشقه شيئاً يهواه ، فيعلق قلبه به ويصرف فكره في كل الأوقات إليه ، ويخطر بباله كلَّ حين ، ويجعله نصب وهمه دائماً ، فيمنعه ذلك من التفكير فيما سواه ، ويشغله عن أكثر أعماله وعن قضاء أوطاره 0 وقد تكون الوساوس من جنس ما يخافه المريض ويخشاه من أمرٍ لعله يحلُّ به عن قريب ، وأشده ما يخشى أن يصيبه في أمر بدنه وحياته فإن هذا من أصعب المخاوف وأشدها تمكناً من القلب واستيلاءً عليه ، وهو أيضاً وسواس أصعب من الذي قبله، لأن انشغال الفكر بما يحبه الإنسان فيه حظ من اللذة ، فأما انشغاله بمكروه يتوقعه فهو مؤذٍ للنفس 0 وصاحب الوسواس في حال اليقظة شبيه بصاحب الأحلام المروعة في حال النوم 0 والوساوس أفكار غير منطقية تحدث بشكل متكرر وتسبب الكثير من القلق ولكن لا يمكن التحكم بها عبر التفكير بأفكار منطقية. وتشمل الوساوس القهرية الاهتمام الشديد بالأوساخ والجراثيم والشكوك المتكررة (على سبيل المثال في كون المرء قد أغلق الموقد أو الفرن)، والأفكار عن العنف أو إيذاء الآخرين، والحاجة لأن تكون الأشياء موضوعة في نظام معين. وعلى الرغم من أن الأشخاص المصابين بهذه الوساوس يدركون أن أفكارهم غير معقولة ولا تتعلق بمشكلات الحياة الحقيقية، إلا أن هذه المعرفة ليست كافية لجعل الأفكار الغير مرغوب فيها تذهب. وعلى العكس من ذلك، فأثناء محاولة التخلص من الأفكار الوسواسية، فإن الأشخاص المصابين بعرض الوسواس القهري يقومون بأعمال قهرية أو طقوس أو تصرفات متكررة لتقليل قلقهم. ومن أمثلة الأعمال القهرية غسل الأيدى المتكرر (لتجنب العدوى)، وتفقد الباب و إعادة تفقده مرارًا وتكرارا للتأكد من إغلاقه ومن أن الفرن مغلق (لتهدئة الشكوك وتجنب الخطر)، وإتباع قواعد صارمة من النظام (وضع الملابس في نفس الترتيب كل يوم). ويمكن أن تصبح الأعمال القهرية زائدة عن الحد ومزعجة لنظام الحياة اليومية وأن تستغرق الكثير من الوقت بحيث تأخذ أكثر من ساعة في اليوم وتتدخل بشكل كبير في النشاطات اليومية والعلاقات الاجتماعية 0 وعادة ما تبدأ الوساوس القهرية في مرحلة المراهقة أو بداية النضج، ولكن يمكن أن تحدث لأول مرة في مرحلة الطفولة وتؤثر في الرجال والسيدات بنفس الدرجة ويبدو أنها تنتشر في اسر بذاتها. و من الممكن أن يصاحب الوسواس القهري أعراض القلق المرضي الأخرى مثل الاكتئاب ومشكلات تناول الطعام أو الإدمان. ويعاني حوالي 2% من الشعب سنويًا من الوسواس القهري 0وكلمة الوسواس في الأدب العربي والكتابات القديمة عن الأمراض النفسية تعني الخوف من المرض أو القلق على المرض والانشغال الزائد بالصحة، وأحيانا توهم المرض والاعتقاد الجازم بوجوده برغم عدم وجود الدليل على ذلك. وقد وردت كلمة الوسواس في القاموس العربي الطبي الموحد كترجمة لكلمة ( Obsession ) الإنجليزية ، وهو عرض نفسي يحصل على شكل فكرة أو دافع ، أو تخيل متكرر برغم مقاومة المصاب له، ويكون محتواه عادة مزعجا 0 أما كلمة القهري فقد وردت كترجمة لكلمة (Compulsion) وتعني عرضاً نفسياً يتميز بالقيام بعمل أو طقوس وهي سلسة من الأعمال بصورة قهرية أي برغم مقاومة المصاب وأحيانا بصورة متكررة ، وغالباً ما تجتمع الوساوس والأعمال القهرية معاً ولذا سميت الحالة الوسواس القهري وبعض الكتب العربية تستعمل كلمة التسلطي بدل القهري 0
وتختلف هذه الأعمال الو سواسية من مريض إلى آخر ، وتأخذ أشكالاً عدة ، إلا أن أكثرها انتشاراً هو ( وسواس التلوث ) حيث يشعر المصاب بأنه قد تلوث بشيء ما من أوساخ وجراثيم وربما بنجاسة ، ولذلك فإننا نراه يغسل ، ويغسل ، ويكرر ذلك كثيراً ، حتى لربما أصيب بحالة من التهابات الجلد ..!! وقد يسيطر على المريض هوس النظافة للمنزل أو للمتعلقات الأخرى ، فتراه لا يهدأ حتى يبدأ بتنظيفها وترتيبها ولا يكاد ينتهي حتى يبدأ من جديد ، وهكذا . وقد تكون الوساوس القهرية مرتبطة بالحاجة للأمن ، والخوف من المجهول ، بشكل يتعدى المألوف 0 فترى المصاب يكرر قفل الأبواب والنوافذ ، ويتأكد من ذلك مرات ومرات في الليلة الواحدة ، وينظر لمصادر الكهرباء أو الغاز أو غيرها ، ويعيد النظر عشرات المرات بشكل مزعج له ولمن معه .
ويقسم الأطباء الوساوس القهرية إلى قسمين وهما :
1ـ الوساوس والشكوك الفكرية أو الأفكار الو سواسية القهرية : وهي الأفكار التي تتكرر على ذهن المصاب ، ولا يستطيع دفعها رغم غرابتها أحياناً ، ومع ذلك فإنها تفرض نفسها عليه وعلى تفكيره رغماً عنه ، ودون إرادته 0 وترتبط كثيراً بأمور الإيمان أو الاعتقاد أو الخلق وكثير من المسلمات البديهية في حياة المرء ، وغيرها 0 وهي الخلل في الفكرة ( وسواس ) 0
2ـ الأعمال الو سواسية القهرية أو العادات والسلوكيات : حيث يشعر المصاب برغبة ملحة للقيام ببعض الأعمال أو اللزمات السخيفة أحياناً وغير المنطقية ، بل ويكررها بشكل غريب، وربما شعر بالرغبة الملحة في تكرار أعمال يكفيه منها إجراءها أول مرة .. كتكرار غسل اليدين أو الوجه أو الوضوء أو إغلاق الأبواب والتأكد منه أكثر من مرة ، وغيرها الكثير وتتباين الدرجة بين المصابين بذلك بين مقل ومكثر إلا أن الجدير ذكره هنا ، هو أن هذا الأمر إن لم يعالج ويوقف عند حد معين ، فإنه يزداد مع الوقت شيئاً فشيئاً ، ونستطيع أن نقول أنها الخلل فقط في العمل (القهر) 0
و قد يكون المرض مركباً من الوسواس والقهر ( الاثنين معا ً) والأكثر شيوعاً هو الوسواس القهري 0
• تعريف الوساوس المتسلطة والأفعال القسرية :
1ـ يعرف الوسواس المتسلط Obsession : بأنه فكرة أو صور أو اندفاعات ، تتسلط على الفرد وتلح عليه بالرغم من شعوره بسخافتها وعرقلتها لسير تفكيره 0 وإذا رغب في التخلص منها واجهته بمقارنة ، وإذا أراد الانشغال عنها عاودت الظهور والإلحاح ، وإذا اشتد سعيه للتخلص منها فإنه يعاني قلقا حادا 0
2ـ ويعرف أيضا بأنه : نوع من تسلط فكرة محددة وكريهة ومرفوضة على ذهن الإنسان، وتأتي هذه الفكرة بشكل متكرر جدّا، وتقتحم على الإنسان حياته لتفسدها تماما، وهذا النوع لا يمكن التحكم فيه أو السيطرة عليه مهما بذل الإنسان من جهد في الاستعاذة أو محاولة صرف التركيز الذهني عنه 0
3ـ ويعرف أيضا بأنه : أفكار أو صور ذهنية أو نزعات تتكرر وتتطفل على العقل بحيث يحس الشخص أنها خارجة عن سيطرته، وتكون هذه الأفكار بدرجة من الإزعاج بحيث يتمنى صاحبها مغادرتها من رأسه ، وفي نفس الوقت يعرف صاحب الأفكار أن هذه الأفكار ليست إلا تفاهات أو خرافات 0 ويصاحب هذه الأفكار عدم الارتياح ، والشعور بالخوف أو الكراهية ، أو الشك أو النقصان 0
4ـ ويعرفها البعض بأنها : تسلط فكرة أو مجموعة أفكار معينة بشكل مبالغ فيه على ذهن الفرد باستمرار على الرغم من أنه يدرك عدم منطقية هذه الفكرة وسخفها وغير فائدتها إلا أنه لا يستطيع أن يخلص نفسه منها ، ويشعر بالقلق والتوتر إذا قاوم ما توسوس به نفسه ، يشعر أيضا بإلحاح داخلي للقيام بهذه الفكرة 0