تسَارعت الخُطواتُ.. وتَلاحقَت الأنفَاس.. ولهثَت الأقدَام
صَاح الجَميع: أفسِحوا المَمر.. وأعدُّوا غُرفةَ الإنعاش إنّ مَريضَنا اليَوم في غايةِ الأهمية، وغايةِ الإنهاك.
إرتَبكَ الطبيبُ العَجوز.. وزفَـرَ في عُمقٍ.. واقتَربَ في تؤدةٍ مِنَ السرير الأبيضِ الكَئيب.. وراحَ ينظُرُ في خوفٍ وترقُّبٍ إلى الملاءَةِ النـّقية التي تُغطِّى الضَّحية.. مَنْ يا تُرى يكونُ المَريض؟؟؟.
إرتجَفتْ يَداهُ المعرُوقَتان.. حاولَ أَنْ يُزيحَ الملاءةَ.. لكنه فَشلَ.. فالرَّعشةُ قَد سكَنتْ جَسدهُ..
شيءٌ ما يضطَرِبُ في أعماقِهِ.. سأفشلُ بالتأكيد.. لطالما أجرَيتُ المئاتَ مِنَ عملياتِ الإنعاش.. ولكن هذهِ المرةُ سَأفشَلْ..
لا تسألني لماذا.. فالأمرُ غَريب.. ولكن.. مَنْ يا تُرى يكونُ المريض؟؟؟
صاحَ الفريقُ الطبِّيُ بالطبيب.. أسرِعْ.. فالوقتُ يَمُــرّ.. والمريضُ سيَرحلُ مِنْ بينِ أيدينا.. لا يوجدُ مَفَر
أُسقِطَ في يدِ الطَبيب.. فاشتَملَ بالعَزمِ والإرادةِ.. وسَحبَ الملاءةَ ببطء.. ويا لها مِنْ مفاجأة!!!
فتاةٌ في غايةِ الجَمال.. حُوريّةٌ هَبطَتْ مِنْ عالمِ الأثِير.. فَشلَتْ أمامَها كلُّ مُعادلاتِ الجَمال.. وباتَ الحُسن عندها كالمارِدِ الأسـير
كانت تَتنفَّسُ بصعوبة.. وعيناها مُغلقتان.. شَعرُها الأسودُ الفاحِمُ مُتناثرٌ.. وشَفتاها تَرتجِفان..
يا إله السَماء.. ساعِدني كي أُنقذَ هذه الحُوريّة.. وأُعيدُها بسلامٍ.. إلى عَالَمِ الجَمال
قامَ الطبيبُ بتوصِيلِ الأجهزةِ الطبـّيةِ إلى جَسدِها المُتهالك، ونظر إلى معدّل خفقان القلب.. كانَ ضئيلاً وبطيئاً..
أيتها الفاتِنةُ المسكِينة.. ما بالُ قلبُكِ الصغير؟؟.. هل فارقتِ عزيزاً ما؟؟.. أم ودّعتِ حبيباً ما؟؟.. أم هالَ قلبُكِ البريء قسوةَ الأيام.. وسطـوَةَ الأحـلام؟؟
إنهمَكَ (طبيبنا العجوز) يُسابقُ الزمن... سَتعيشِينَ يا بُنيّتي الِمسكينة.. ستَعيشين بأيِّ ثمن..
الدقائِقُ تمرّ.. والأجهزة تئـنّ.. والصغيرةُ ترتَجف.. كأنما إلى الحياة تحنّ.. ستعِيشِينَ يا بنيتي (المسكينة) بأي ثمن
صاحَ الطبيبُ المرافق.. قلبُها يضعفُ.. إنها تموت.. التفَتَ العجوز إلى مرافِقِه المبهوت.. وصاحَ في جَزَع: أعِـدُّوا جهازَ الصدمة الكهربائية.. لابُدّ مِنْ إنقاذِ هذه الحوريّة
إنتفَضَ جسدُها الصغير تحتَ وطأةِ الصدمة.. كّرروا العملية.. وتكرّرت الصدمة.. بينما الأجهـزةُ تئن..
ستعِيشينَ يا فتاتي الجَميلة.. ستعيشين بأي ثمن.......
تووووووووووووووووووووووت.....توووووووووووووووووووو ووووت
إنتفضَ الطبيب العجوز كالملسُـوع.. إنه يعرفُ هذا الصوت.. كلا كلااااااا.. لا يمكن أن تكون قد.....(ماتت).....
كلا اااا.... أرجوكِ يا فتاتي أجيبيني.. أرجوكِ يا فتاتى لا تترُكيني
آسف يا طبيبنا.. لقد ماتتْ الفتاة.. لقد فارقتْ حوريتنا الحياة.. قالها الجميع (للطبيب للعجوز)
قبـّل (الطبيب) جبينها الناصع.. وبللّه بدمعةٍ دافئة.. وخرجَ في تثاقلٍ مِنْ غرفةِ الإنعاش.. وفجأة.. راودهُ سؤالٌ مُهم.. مَنْ يا تُرى تكونُ تِلك الحسناء....؟؟؟
أسرعَ راجِعاً باتجاهِ الغرفة.. أخذَ ملفَّ الفتاة بينَ يديه.. وحانتْ مِنهُ نظرةٌ إلى إسمها
نعم.. نعم.. نعم.. لقد عرفتها.. بل توقعتها.. لقد كُتِـب بخطٍ عريض أمام خانة الاسم
المريضة هــــي
ذكريـــــات الماضي الجميــــل
طأطأ العجوزُ رأسه في حزنٍ.. وغمغمَ لمرافقهِ في أسىً: لا تستدعوني أبداً مرة أخرى لمثلِ هذه الحالات.. واتركوها لصاحبها.. علـّهُ ينجحُ يوماً ما.. في زيارة
مقـــبرة الذكريـــــات
منقوووووووووووووول