لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

النتائج 1 إلى 20 من 20

الموضوع: فتاة الدرجة الاولى والشاعر عبدالرحمن العشماوي

  1. #1

    فتاة الدرجة الاولى والشاعر عبدالرحمن العشماوي

    أعجبتني هذه القصيدة للشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي

    مع أمنيتي ان تفوز على رضاكم واعجابكم


    ضدَّان يا أختاه ....


    هــــــذي العيـــونُ ، وذلك القَـدُّ *** والشيحُ والريحـــان والنَّــــــــدُّ
    هــــــذي المفـاتنُ في تناسُقها *** ذكرى تلــوح ، وعِبْـــرَةٌ تبـــدو
    سبحانَ من أعطَى ، أرى جسداً *** إغــــراؤه للنـــفس يحـــــــتــدُّ
    عينــــانِ مـــا رَنَتا إلى رجـــــــــل *** إلا رأيـــــــتَ قُــــواه تَنْـــــــهَدُّ
    من أيــن أنتِ ، أأنجـــــبتْك رُبــــا *** خُضــرٌ ، فأنتِ الزَّهر والـــوردُ ؟
    من أيــنَ أنتِ ، فإنَّ بي شــــغفاً *** وإليك نفسي – لهفةً – تعدو
    قالــــتْ ، وفي أجفــــانها كَــحَـلٌ *** يُغْري ، وفي كلمــاتها جِــدُّ :
    عربــيــــةٌ ، حـــــرِّيَّتــــي جعــلتْ *** مني فتــــاةً مـــــالها نِـــــــدُّ
    أغشى بقــاعَ الأرض مـا سَنَحَتْ *** لي فرصةٌ ، بالنفس أعتــــدُّ
    عربيّـــــةٌ ، فســـألتُ : مسلمــةٌ *** قالتْ : نعم ، ولخالقي الحمــدُ
    فســـألْتُها ، والنــــفسُ حــــائرةٌ *** والنارُ في قلبي لها وَقْــــــدُ :
    من أيــنَ هـذا الزِّيُّ ؟ مـا عرفَتْ *** أرضُ الحجاز ، ولا رأتْ نجــــدُ
    هــــذا التبـــذُّلُ ، يـــا محـــدِّثتي *** سَـــهْمٌ من الإلحادِ مـــرتــــد
    فتـــنــمَّرتْ ثم انثـــنتْ صَــــلَـــفاً *** ولسانُـــها لِسِبَابـــــِهَا عَبْــــدُ
    قــــــالت : أنا بالنَّـــفسِ واثــــقةٌ *** حـــرِّيتي دون الهوى سَــــــدُّ
    فأجبـتـها _ والحـزن يعصفُ بي - : *** أخشى بأنْ يتنـاثـر العقـــــــدُ
    ضـــــــــدَّان يا أختــاه ما اجتمعا *** دينُ الهدى والفسقُ والصَّــــدُّ
    والله مـــــــــــا أَزْرَى بأمَّـــــــتــنَـا *** إلا ازدواجٌ مـــا لـــَهُ حــــــــــدُّ

  2. #2
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية MR_BigHeart
    مـسـتـشــار تـقـنـي
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    438

    فتاة الدرجة الاولى والشاعر عبدالرحمن العشماوي

    فتاة الدرجة الاولى والشاعر عبدالرحمن العشماوي

    حينما جلست في المقعد المخصص لي في الدرجة الأول من الطائرة التي تنوي الإقلاع إلى عاصمة دولةٍ غربية ، كان المقعد المجاور لي من جهة اليمين ما يزال فارغاً ، بل إن وقت الإقلاع قد اقترب والمقعد المذكور ما يزال فرغاً ، قلت في نفسي : أرجو أن يظل هذا المقعد فارغاً ، أو أن ييسّر الله لي فيه جاراً طيباً يعينني على قطع الو! قت بالنافع المفيد ، نعم أن الرحلة طويلة سوف تستغرق ساعات يمكن أن تمضي سريعاً حينما يجاورك من ترتاح إليه نفسك ، ويمكن أن تتضاعف تلك الساعات حينما يكون الأمر على غير ما تريد!
    وقبيل الإقلاع جاء من شغل المقعد الفارغ ... فتاةُ في مَيْعة الصِّبا ، لم تستطيع العباءة الفضفاضة السوداء ذات الأطراف المزيَّنة أن تخفي ما تميزت به تلك الفتاة من الرِّقة والجمال .. كان العطر فوَّاحاً ، بل إن أعين الركاب في الدرجة الأولى قد اتجهت إلى مصدر الرائحة الزكيَّة ، لقد شعرت حينها أن مقعدي ومقعد مجاورتي أصبحا كصورتين يحيط بهما إطار منضود من نظرات الرُّكاب ، حينما وجهت نظري إلى أحدهم ... رأيتُه يحاصر المكان بعينيه ، ووجهه يكاد يقول لي : ليتني في مقعدك ؛ كنت في لحظتها أتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام فيما روي عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) (( ألا وإنَّ طيب الرجال ما ظهر ريحه ، ولم يظهر لونه ، ألا وإن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه )).
    ولا أدري كيف استطعت في تلك اللحظة أن أتأمل معاني هذا الحديث الشريف ، لقد تساءلت حينها (( لماذا يكون طيب المرأة بهذه الصفة ))؟
    كان الجواب واضحاً في ذهني من قبل : إن المرأة لزوجها ، ليست لغيره من الناس ، وما دامت له فإن طيبَها ورائحة عطرها لا يجوز أن يتجاوزه إلى غيره ، كان هذا الجواب واضحاً ، ولكن ما رأيته من نظرات ركاب الطائرة التي حاصرت مقعدي ومقعد الفتاه ، قد زاد الأمر وضوحاً في نفسي وسألت نفسي : يا ترى لو لم يَفُحْ طيب هذه الفتاة بهذه الصورة التي أفعمت جوَّ الدرجة الأولى من الطائرة ، أكانت الأنظار اللاَّهثة ستتجه إليها بهذه الصورة؟
    عندما جاءت ((خادمة الطائرة )) بالعصير ، أخذت الفتاة كأساً من عصير البرتقال ، وقدَّمته إليَّ ، تناولته شاكراً وقد فاجأني هذا الموقف ، وشربت العصير وأنا ساكتٌ ،ونظرات ذلك الشخص ما تزال تحاصرني ، وجَّهت إليه نظري ولم أصرفه عنه حتى صرف نظره حياءً - كما أظن - ، ثم اكتفى بعد ذالك باختلاس النظرات إلى الفتاة المجاورة ، ولما أصبح ذلك دَيْدَنَه ، كتبت قصاصة صغيرة (( ألم تتعب من الالتفات ؟ ))، فلم يلتفت بعدها .
    عندما غاصتْ الطائرة في السحاب الكثيف بعد الإقلاع بدقائق معدودات اتجه نظري إلى ذالك المنظر البديع ، سبحان الله العظيم ، قلتُها بصوت مرتفع وأنا أتأمل تلك الجبال الشاهقة من السحب المتراكمة التي أصبحنا ننظر إليها من مكان مرتفع ، قال! ت الفتاة التي كانت تجلس بجوار النافذة : إي والله سبحان الله العظيم ، ووجهتْ حديثها إليَّ قائلة ً إن هذا المنظر يثير الشاعرية الفذَّة ، ومن حسن حظي أنني أجاور شاعراً يمكن أن يرسم لوحة ًشعرية رائعة لهذا المنظر ...
    لم تكن الفتاة وهي تقول ل! ي هذا على حالتها التي دخلت بها إلى الطائرة ، كلا..لقد لملمت تلك العباءة الحريرية ، وذلك الغطاء الرقيق الذي كان مسدلاً على وجهها ووضعتهما داخل حقيبتها اليدوية الصغيرة ، لقد بدا وجهها ملوَّناً بألوان الطيف ، أما شعرها فيبدو أنها قد صفَّـفته بطريقة خاصة تعجب الناظرين ...
    قلت لها : سبحان من علَّم الإنسان ما لم يعلم ، فلولا ما أتاح الله للبشر من كنوز هذا الكون الفسيح لما أتيحت لنا رؤية هذه السحب بهذه الصورة الرائعة ..
    قالت: إنها تدلُّ على قدرة الله تعالى ..
    قلت: نعم تدل على قدرة مبدع هذا الكون و خالقه ،الذي أودع فيه أسراراً عظيمة ، وشرع فيه للناس مبادئ تحفظ حياتهم وتبلَّـغهم رضى ربهم ،وتنجيهم من عذابه يوم يقوم الأشهاد.
    قالت : إلا يمكن أن نسمع شيئاً من الشعر فإني أحب الشعر وإن هذه الرحلة ستكون تاريخية بالنسبة إليَّ ، ما كنت أحلم أن أسمع منك مباشرة ..
    لقد تمنَّيتُ من أعماق قلبي لو أنها لم تعرف مَنْ أنا لقد كان في ذهن أشياء كثيرة أريد أن أقولها لها .
    وسكتُّ قليلاً كنت أحاور نفسي حواراً داخلياً مُرْبكاً ، ماذا أفعل ، هل أبدأ بنصيحة هذه الفتاة وبيان حقيقة ما وقعت فيه من أخطاءٍ ظاهرة ، أم أترك ذلك إلى آخر المطاف ؟
    وبعد تردُّد قصير عزمت على النصيحة المباشرة السريعة لتكون خاتمة الحديث معها.
    وقبل أن أتحدث أخرجت من حقيبتها قصاصاتٍ ملوَّنة وقالت : هذه بعض أوراق أكتبها ، أنا أعلم أنها ليست على المستوى الذي يناسب ذوقك ، ولكنها خواطر عبرت بها عن نفسي ...
    وقرأت القصاصات بعناية كبيرة ، إني أبحث فيها عن مفتاح لشخصية الفتاة ..
    إنها خواطر حالمة ، هي فتاة رقيقة المشاعر جداً ، أحلامها تطغى على عقلها بشكل وا! ضح ، لفت نظري أنها تستشهد بأبيات من شعري ، قلت في نفسي هذا شيء جميل لعل ذلك يكون سبباً في أن ينشرح صدرها لما أريد أن أقول ، بعد أن قرأت القصاصات عزمت على تأخير النصيحة المباشرة وسمحت لنفسي أن تدخل في حوارٍ شامل مع الفتاة ..
    قلت لها : عباراتك جميلة منتقاة ، ولكنها لا تحمل معنىً ولا فكرة كما يبدو لي ، لم أفهم منها شيئاً ، فماذا أردتِ أن تقولي ...؟
    بعد صمتٍ قالت : لا أدري ماذا أردتُ أن أقول : إني أشعر بالضيق الشديد ، خاصة عندما يخيَّم عليَّ الليل ، أقرأ المجلات النسائية المختلفة ، أتأمَّل فيها صور الفنانات والفنانين ، يعجبني وجه فلانة ، وقامة فلانة ، وفستان علاَّنة ، بل تعجبني أحياناً ملامح أحد الفنانين فأتمنَّى لو أن ملامح زوجي كملامحه ، فإذا مللت من المجلات اتجهت إلى الأفلام ، أشاهد منها ما أستطيع وأحسّ! ُ بالرغبة في النوم ، بل إني أغفو وأنا في مكاني ، فأترك كل شيء وأتجه إلى فراشي ...، وهناك يحدث ما لا أستطيع تفسيره ، هناك يرتحل النوم ، فلا أعرف له مكاناً .
    عجباً ، أين ذلك النوم الذي كنت أشعر به وأنا جالسة ، وتبدأ رحلتي مع الأرق ، وفي تلك اللحظات أكتب هذه الخواطر التي تسألني عنها ...
    (( إنها مريضة )) قلتها في نفسي ، نعم إنها مريضة بداء العصر ؛ ا! لقلق الخطير ، إنها بحاجة إلى علاج .
    قلت لها : ولكنَّ خواطرك هذه لا تعبر عن شيء ٍ مما قلت إنها عبارات برَّاقة ، ! يبدو أنك تلتقطينها من بعض المقالات المتناثرة وتجمعينها في هذه الأوراق ...
    قالت : عجباً لك ، أنت الوحيد الذي تحد! َّثت بهذه الحقيقة ،كل صديقاتي يتحدثن عن روعة ما أكتب ، بل إن بعض هذه الخواطر قد نشرت في بعض صحفنا ، وبعثَ إلىَّ المحرِّر برسالة شكر على هذا الإبداع ، أنا معك أنه ليس لها معنى واضح ، ولكنها جميلة .
    وهنا سألتها مباشرة :
    هل لك هدفٌُ في ! هذه الحياة ؟!
    بدا على وجهها الارتباك ، لم تكن تتوقع السؤال ، وقبل أن تجيب قلت لها :
    هل لك عقل تفكرين به ، وهل لديك استقلال في التفكير ؟ أم أنك قد وضعت عقلك بين أوراق المجلات النسائية التي أشرت إليها ، وحلقات الأفلام التي ذكرت أنك تهرعين إليها عندما تشعرين بالملل .
    هل أنتِ مسلمة ؟!..
    هنا تغيَّر كل شيء ، أسلوبها في الحديث تغيَّر ، جلستها على المقعد تغيَّرت ، قالت :
    هل تشك في أنني مسلمة ؟ ! إني - بحمد الله - مسلمة ٌُ ومن أسرة مسلمة عريقة في الإسلام ، لماذا تسألني هذا السؤال ، إن عقلي حرٌّ ليس أسيراً لأحد ، إني أرفض أن تتحدَّث بهذه الصورة ..... وانصرفت إلى النافذة تنظر من خلالها إلى ملكوت الله العظيم ...
    لم أعلق على كلامها بشيء ، بل إنني أخذت الصحيفة التي كانت أمامي وانهمكت في قراءتها ، ورحلت مع مقال في الصحيفة يتحدث عن الإسلام والإرهاب (( كان مقالاً طويلاً مليئاً بالمغالطات والأباطيل ، يا ويلهم هؤلاء الذين يكذبون على الله , ولا أكتمكم أنني قد انصرفت إلى هذا الأمر كلياً حتى نسيت في لحظتها ما جرى من حوار بيني وبين مجاورتي في المقعد ، ولم أكن أشعر بنظراتها التي كانت تختلسها إلى الصحيفة لترى هذا الأمر الذي شغلني عن الحديث معها - ! كما أخبرتني فيما بعد-، ولم أعد من جولتي الذهنية مع مقال الصحيفة إلا على صوتها وهي تسألني :
    أتشك في إسلامي ؟!
    قلت لها : ما معنى الإسلام ؟! قالت : هل أنا طفلة حتى تسألني هذا السؤال ! قلت لها: معاذ الله بل أنت فتاة ناضجة تمتم النضج ، تُلوِّن وجهها بالأصباغ ، وتصفِّفُ شعرها بطريقة جيدة ، وتلبس عباءتها وحجابها في بلادها ، فإذا رحلت خلعتها وكأنهما لا يعنيان لها شيئاً ، نعم إنك فتاة كبيرة تحسن اختيار العطر الذي ينشر شذاه في كل مكان ..فمن قال إنك طفلة ... ؟!
    قالت : لماذا تقسو عليَّ بهذه الصورة ؟
    قلت لها : ما الإسلام ؟ ... قالت : الدين الذي أرسل الله به محمد صلى الله عليه وسلم ، قلت لها : وهو كما حفظنا ونحن صغار (( الاستسلام لله بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة ، و الخلوص من الشرك )) ، قالت : إي والله ذكرتني ، لقد كنت أحصل في مادة التوحيد على الدرجة الكاملة !
    قلت لها : ما معنى (( الانقياد له بالطاعة )) ؟
    سكتت قليلاً ثم قالت : أسألك بالله لماذا تتسلَّط عليَّ بهذه الصورة ، لماذا تسيء إليَّ وأنا لم أسئ إليك ؟
    قلت لها : عجباً لك ، لماذا تعدّين حواري معك إساءة ؟ أين موطن الإساءة فيما أقول؟
    قالت : أنا ذكية وأفهم ما تعني ، أنت تنتقدني وتؤنبني وتتهمني ، ولكن بطريقة غير مباشرة ..
    قلت لها :! ألست مسلمة ؟
    قالت : لماذا تسألني هذا السؤال ؟ إني مسلمة من قبل أن أعرفك ، وأرجوك ألا تتحدث معي مرة أخرى! .
    قلت لها : أنا متأسف جداً ، وأعدك بألا أتحدث إليك بعد هذا ...
    ورجعتُ إلى صفحات الصحيفة التي أمامي أكمل قراءة ذلك المقال الذي يتجنَّى فيه صاحبه على الإسلام ، ويقول : إنه دين الإرهاب ، وإن أهله يدعون إلى الإرهاب ، وقلت في نفسي : سبحان الله ، المسلمون يذبَّحون في كل مكان كما تذبح الشيِّاه ، ويقال عنهم أهل الإرهاب ...
    وقلبتُ صفحة أخرى فرأيت خبراً عن المسلمين في كشمير ، وصورة لامرأة مسلمة تحمل طفلاً ، وعبارة تحت صورتها تقول : إنهم يهتكون أعراضنا ينزعون الحجاب عنَّا بالقوة وأن الموت أهون عندنا من ذلك ، ونسيت أيضاً أن مجاورتي كانت تختلس نظرها إلى الجريدة ، وفوجئت بها تقول :
    ! ماذا تقرأ ؟ .. ولم أتحدث إليها ، بل أعطيتها الجريدة وأشرت بيدي إلى صورة المسلمة الكشميرية والعبارة التي نُقلت عنها ...ساد الصمت وقتاً ليس بالقصير ، ثم جاءت خادمة الطائرة بالطعام ... واستمر الصمت ...
    وبعد أن تجوَّلتُ في الطائرة قليلاً رجعت إلى مقعدي ، وما إن جلست حتى بادرتني مجاورتي قائلة ً :
    ما كنت أتوقع أن تعاملني بهذه القسوة !..
    قلت لها :
    لا أدري ما معنى القسوة عندكِ ، أنا لم أزد على أن وجهت إليك أسئلة ً كنت أتوقع أن أسمع منك إجابة ًعنها ، إ لم تقولي إنك واثقة بنفسك ثقة ً كبيرة ؟ فلماذا تزعجك أسئلتي ؟
    قالت : أشعر أنك تحتقرني ..
    قلت لها : من أين جاءك هذا الشعور ؟
    قالت لا أدري .
    قلت لها : ولكنني أدري .. لقد انطلق هذا الشعور من أعماق نفسك ، إنه الشعور بالذنب والوقوع في الخطأ ، أنت تعيشين ما يمكن أن أسمّيه بالازدواجية ، أنت تعيشين التأرجح بين حالتين ...
    وقاطعتني بحد! ّة قائلة : هل أنا مريضة نفسياً ؟ ما هذا الذي تقول ؟!
    قلت لها :! أرجو ألاَّ تغضبي ، دعيني أكمل ، أنت تعانين من ازدواجيةٍ مؤذية ، أنتِ مهزومة من الداخل ، لاشك عندي في ذلك ، وعندي أدلّة لا تستطيعين إنكارها .
    قالت مذعورة ً : ما هي ؟
    قلت : تقولين إنك مسلمة ، والإسلام قول وعمل ، وقد ذكرت لك في أول حوارنا أن من أهم أسس الإسلام (( الانقياد لله بالطاعة )) ، فهل أنت منقادة لله بالطاعة ؟
    وسكتُّ لحظة ً لأتيح لها التعليق على كلامي ، ولكنها سكتتْ ولم تنطق ببنتِ شفةٍ - كما يقولون - كما يقولون - وفهمت أنها تريد أن تسمع ، قلت لها :
    هذه العباءة ، وهذا الحجاب اللذان حُشرا - مظلومَيْن - في هذه الحقيبة الصغيرة دليل على ما أقول ....
    قالت بغضب واضح : هذه أشكال وأنت لا تهتم إلا بالشكل ، المهم الجوهر .
    قلت لها: أين الجوهر؟ ها أنت قد اضطربت في معرفة مدلولات كلمة (( الإسلام )) الذي تؤمنين به ، ثم إن للمظهر علاقة قوية بالجوهر ، إن أحدهما يدلُّ على الآخر ، وإذا اضطربت العلاقة بين المظهر والجوهر ، اضطربت حياة الإنسان ...
    قالت : هل يعني كلامك هذا أنَّ كل من تلبس عباءة ً وتضع على وجهها حجاباً صالحة نقية الجوهر ؟
    قلت لها : كلا ، لم أقصد هذا أبداً ، ولكنَّ من تلبس العباءة والحجاب تحقِّق مطلباً شرعياً ، فإن انسجم باطنها مع ظاهرها ، كانت مسلمة حقّة ، وإن حصل العكس وقع الاضطراب في شخصيتها ، فكان نزعُ هذا الحجاب - عندما تحين لها الفرصة هيِّناً ميسوراً ، إن الجوهر هو المهم ، وأذكِّرك الآن بتلك العبارة التي نقلتها الصحيفة عن تلك المرأة الكشميرية المسلمة ، ألم تقل : إن الموت أهون عليها من نزع حجابها ؟ لماذا كان الموت أهون ؟
    لأنها آمنت بالله إيماناً جعلها تنقاد له بالطاعة فتحقق معنى الإسلام تحقيقاً ينسجم فيه جوهرها مع مظهرها ، وهذا الانسجام هو الذي يجعل المسلم يحقق معنى قول الرسول عليه الصلاة السلام : (( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) ..
    إنَّ لبس العباءة والحجاب - عندك - لا يتجاوز حدود العادة والتقليد ، ولهذا كان هيّناً عليك أن تنزعيهما عنك دون تردُّد حينما ابتعدت بك الطائرة عن أجواء بلدك الذي استقيت منه العادات والتقاليد ، أما لو كان لبسك للحجاب منطلقاً من إيمانك بالله ، واعتقادك أن هذا أمر شرعي لا يفرّق بين مجتمع و! مجتمع ، ولا بلدٍ وبلدٍ لما كان هيّناً عليك إلى هذه الدرجة .
    الازدواجية في الشخصية - يا عزيزتي - هي المشكلة .. أتدرين ما سبب هذه الازدواجية ؟
    فظننت أنها ستجيب ولكنها كانت صامتةً ، وكأنها تنتظر أن أجيب أنا عن هذا السؤال..
    قلت: سبب هذه الازدواجية الاستسلام للعادات والتقاليد ، وعدم مراعاة أوامر الشرع ونواهيه ، إنها تعني ضعف الرقابة الداخلية عند ا! لإنسان ،ولهذا فإن من أسوأ نتائجها الانهزامية حيث ينهزم المسلم من الداخل ، فإذا انهزم تمكن منه هوى النفس ، وتلاعب به الشيطان ، وظلَّ كذلك حتى تنقلب في ذهنه الموازين ...
    لم تقل شيئاً ، بل لاذت بصمت عميق ، ثم حملت حقيبتها واتجهت إلى مؤخرة الطائرة ... وسألت نفسي تراها ضاقت ذرعاً بما قلت ، وتراني وُفَّقت فيما عرضت عليها ؟ لم أكن - في حقيقة الأمر - أعرف مدى التأثر بما قلت سلباً أو إيجاباً ، ولكنني كنت متأكداً من أنني قد كتمت مشاعر الغضب التي كنت أشعر بها حينما توجه إليَّ بعض العبارات الجارحة ، ودعوت لها بالهداية ، ولنفسي بالمغفرة والثبات على الحق .
    وعادت إلى مقعدها .. وكانت المفاجأة ، عادت وعليها عباءَتُها وحجابها ... ولا تسل عن فرحتي بما رأيت !
    قالت : إن رحمة الله بي هي التي هيأت لي الركوب في هذا المقعد ، صدقت - حينما وصفتني - بأنني أعاني من الهزيمة الداخلية ، إن الازدواجية التي أشرت إليها هي السمة الغالبة على كثير من نبات المسلمين وأبنائهم ، يا ويلنا من غفلتنا ! أنَّ مجتمعاتنا النسائية قد استسلمتْ للأوهام ، لا أكتمك أيها الأخ الكريم ، أن أحاديثنا في مجالسنا نحن النساء لا تكاد تتجاوز الأزياء والمجوهرات والعطورات ، والأفلام والأغاني والمجلات النسائية الهابطة ، لماذا نحن هكذا ؟
    هل نحن مسلمون حقاًً ؟
    هل أنا مسلمة ؟
    كان سؤالك جارحاً ، ولكني أعذرك ، لقد رأيتني على حقيقة أمري ، ركبت الطائرة بحجابي ، وعندما أقلعت خلعت عني الحجاب ، كنت مقتنعة بما صنعت ، أو هكذا خُيِّل إليَّ أني مقتنع! ة ، بينما هذا الذي صنعته يدلُّ حقاً على الانهزامية والازدواجية ، إني أشكرك بالرغم من أنك قد ضايقتني كثيراً ، ولكنك أرشدتني ، إني أتوب إلى الله وأستغفره .
    ولكن أريد أن أستشيرك .
    قلت وأنا في روضةٍ من السرور بما أسمع من حديثها : (( نعم ... تفضلي إني مصغ ٍ إليك )) ..
    قالت : زوجي ، أخاف من زوجي .
    قلت : لماذا تخافين منه ، وأين زوجك ؟
    قالت : سوف يستقبلني في المطار ، وسوف يراني بعباءتي وحجابي ..
    قلت لها : وهذا شيء سيسعده ...
    قالت : كلا ، لقد كانت آخر وصية له في مكالمته الهاتفية بالأمس : إياك أن تنزلي إلى المطار بعباءتك لا تحرجيني! أمام الناس ، إنه سيغضب بلا شك .
    قلت لها : إذا أرضيت الله فلا عليك أن يغضب زوجُك ، و بإمكانك أن تناقشيه هادئة ف! لعلَّه يستجيب ، إني أوصيك أن تعتني به عناية الذي يحب له النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة .
    وساد الصمت .... وشردت بذهني في صورة خيالية إلى ذلك الزوج يوصي زوجته بخلع حجابها ... أ هذا صحيح ؟!
    أيوجد رجل مسلم غيور كريم يفعل هذا ؟! لا حول ولا قوة إلا بالله ، إن مدنية هذا العصر تختلس أبناء المسلمين واحداً تلو الآخر ، ونحن عنهم غافلون ، بل ، نحن عن أنفسنا غافلون .
    وصلت الطائرة إلى ذلك المطار البعيد ، وانتهت مراسم هذه الرحلة الحافلة بالحوار الساخن بيني وبين جارة المقعد ، ولم أرها حين استقبلها زوجها ، بل إن صورتها وصوتها قد غاصا بعد ذلك في عالم النسيان ، كما يغوص سواها من آلاف الأشخاص والمواقف التي تمر بنا كلَّ يوم ...

    كنت جالساً على مكتبي أقرأ كتاباً بعنوان (( المرأة العربية وذكورية الأصالة )) لكاتبته المسمَّاة ((منى غصوب )) وأعجبُ لهذا الخلط ، والسفسطة ، والعبث الفكري واللغوي الذي يتضمَّنه هذا الكتاب الصغير ، وأصابني - ساعتها - شعور عميق بالحزن والأسى على واقع هذه الأمة المؤلم ، وفي تلك اللحظة الكالحة جاءني أحدهم برسالة وتسلَّمتها منه بشغف ، لعلَّي كنت أودُّ - في تلك اللحظة - أن أهرب من الألم الذي أشعله في قلبي ذلك الكتاب المشؤوم الذي تريد صاحبته أن تجرد المرأة من أنوثتها تماماً ، وعندما فتحت الرسالة نظرت إلى اسم المرسل ، فقرأت : (( المرسلة أختك في الله أم محمد الداعية لك بالخير )) .
    أم محمد ؟ من تكون هذه ؟!
    وقرأت الرسالة ، وكانت المفاجأة بالنسبة إليَّ ، إنها تلك الفتاة التي دار الحوار بيني وبينها في الطائرة ، والتي غاصت قصتها في عالم النسيان !
    إن أهم عبارة قرأتها في الرسالة هي قولها : (( لعلَّك تذكر تلك الفتاة التي جاورتك في مقعد الطائرة ذات يوم ، إِني أبشِّرك ؛ لقد عرفت طريقي إلى الخير ، وأبشرك أن زوجي قد تأثر بموقفي فهداه الله ، وتاب من كثير من المعاصي التي كان يقع فيها ، وأقول لك ، ما أروع الالتزام الواعي القائم على الفهم الصحيح لديننا العظيم ، --لقد قرأت قصيدتك )) ضدَّان يا أختاه (( وفهمت ما تريد )) !
    لا أستطيع أن أصور الآن مدى الفرحة التي حملتني على جناحيها الخافقين حينما قرأت هذه الرسالة .... ما أعظمها من بشرى ..... حينما ، ألقيت بذلك الكتاب المتهافت الذي كنت أقرؤه (( المرأة العربية وذكورية الأصالة )) ، ألقيت به وأنا أردد قول الله تعالى : { يُرِيدُونَ أن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بَأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ } .....

    ثم أمسكت بالقلم ... وكتَبْتُ رسالةََ ً إلى (( أم محمد )) عبَّرْتُ فيها عن فرحتي برسالتها ، وبما حملته من البشرى ، وضمَّنتها أبياتاً من القصيدة التي أشارت إليها في رسالتها ، منها :

    ضدان يا أختاه ما اجتمعا *** دين الهدى والفسق والصَّدُّ
    والله مـــــا أزرى بأمـــتنا *** إلا ازدواج مــــا لــه حَــدُّ

    وعندما هممت بإرسال رسالتي ، تبيَّن لي أنها لم تكتب عنوانها البريديَّ ، فطويتها بين أوراقي لعلّها تصل إليها ذات يوم .

    المصدر كتاب لا تغضب .. مناقشات هادئة
    للدكتور عبدالرحمن بن صالح العشماوي

  3. #3
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية نايف أزيبي
    إداري سـابـق
    تاريخ التسجيل
    04 2005
    الدولة
    ميلبورن - استراليا
    المشاركات
    3,146

    رد : فتاة الدرجة الاولى والشاعر عبدالرحمن العشماوي

    رائع هو الدكتور العشماوي

    ورائع جدا اختيارك للمواضيع

    بارك الله في جهودك

    ونفع بك

  4. #4
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية MR_BigHeart
    مـسـتـشــار تـقـنـي
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    438

    رد : فتاة الدرجة الاولى والشاعر عبدالرحمن العشماوي

    اخي الفاضل والمتميز نايف شكرا جزيلا اسال الله ان ينفع بهذة القصة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبو فهد
    صدى الوجدان
    تاريخ التسجيل
    06 2003
    الدولة
    في قلوب المحبين
    المشاركات
    9,020

    رد : فتاة الدرجة الاولى والشاعر عبدالرحمن العشماوي

    أخي / القلب الكبير

    أشكرك على روائعك التي تتحفنا بها

    ما أجمل ما تنقل

    وما أجمل ما تكتب

    فلك تحياتي

    ولك تقدير

    ودمت برعاية الله وحفظه

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية GREGORIAN
    تاريخ التسجيل
    11 2006
    الدولة
    Samtah
    المشاركات
    770

    ضِـدان يا أخـتاه !

    ضِـدَّان يا أختاه ..

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    د/ عبدالرحمن العشماوي





    هذي العيونُ ، وذلك القَدُّ
    والشيحُ والريحان والنَّدُّ

    هذي المفاتنُ في تناسُقها
    ذكرى تلوح ، وعِبْرَةٌ تبدو

    سبحانَ من أعطَى ، أرى جسداً
    إغراؤه للنفس يحتدُّ

    عينانِ مارَنَتا إلى رجل
    إلا رأيتَ قُواه تَنْهَدُّ

    من أين أنتِ ، أأنجبتْك رُبا
    خُضرٌ ، فأنتِ الزَّهر والوردُ ؟

    من أينَ أنتِ ، فإنَّ بي شغفاً
    وإليك نفسي – لهفةً – تعدو

    قالتْ ، وفي أجفانها كَحَلٌ
    يُغْري ، وفي كلماتها جِدُّ :

    عربيةٌ ، حرِّيَّتي جعلتْ
    مني فتاةً مالها نِـدُّ

    أغشى بقاعَ الأرض ما سَنَحَتْ
    لي فرصةٌ ، بالنفس أعتـدُّ

    عربيّةٌ ، فسألتُ : مسلمةٌ
    قالتْ : نعم ، ولخالقي الحمدُ

    فسألْتُها ، والنفسُ حائرةٌ
    والنارُ في قلبي لها وَقْدُ :

    من أينَ هذا الزِّيُّ ؟ ما عرفَتْ
    أرضُ الحجاز ، ولا رأتْ نجدُ

    هذا التبذُّلُ ، يا محدِّثتي
    سَهْمٌ من الإلحادِ مرتدُّ

    فتنمَّرتْ ثم انثنتْ صَلَفاً
    ولسانُها لِسِبَابِهَا عَبْدُ

    قالت : أنا بالنَّفسِ واثقةٌ
    حرِّيتي دون الهوى سَـدُّ

    فأجبتُها _ والعينُ باكية ٌ - :
    أخشى بأنْ يتناثر العقدُ

    ضدَّان يا أختاه ما اجتمعا
    دينُ الهدى والفسقُ والصَّدُّ

    والله ما أَزْرَى بأمَّتنَا
    إلا ازدواجٌ ما لَهُ حدُّ


    أرى أمـلي بعيدا ً
    خلفَ غيمة ..
    وأسمع ُ صوت َ
    أحلامي
    يُـناديني لأرحل !

    Dr. M. Al-Haddadi



  7. #7
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية GREGORIAN
    تاريخ التسجيل
    11 2006
    الدولة
    Samtah
    المشاركات
    770

    مشاركة: ضِـدان يا أخـتاه !

    " لا تغضب "

    كـُـتيب للأديب الدكتور عبدالرحمن صالح العشماوي

    وهو مؤلف من قصص واقعية حدثت للكاتب نفسه , عاش فيها مواقفاً
    أثارت غضبه لكنه ملك نفسه وكبح جماحها لتـنتهي تلك الحوادث
    إلى خير , ومن هنا جاء عنوان الكتيب " لا تـغضب "


    اخترت لكم من هذا الكتيب قصة بعنوان .. " ضدان يا أختاه "


    مُـقـتـبـسٌ مِـنْ أحدِ المُنتديات


    أرى أمـلي بعيدا ً
    خلفَ غيمة ..
    وأسمع ُ صوت َ
    أحلامي
    يُـناديني لأرحل !

    Dr. M. Al-Haddadi



  8. #8
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية GREGORIAN
    تاريخ التسجيل
    11 2006
    الدولة
    Samtah
    المشاركات
    770

    مشاركة: ضِـدان يا أخـتاه !

    ضدان يا أختاه .......... 3/9/1415 هـ


    حينما جلست في المقعد المخصص لي في الدرجة الأولى من الطائرة التي تنوي الإقلاع إلى دولة غربية , كان المقعد المجاور لي من جهة اليمين ما يزال فارغاً , بل إن وقت الإقلاع قد اقترب والمقعد المذكور ما يزال فارغاً ,
    قلت في نفسي : أرجو أن يظل هذا المقعد فارغاً أو أن يُيسر الله لي فيه جاراً طيباً يُـعينني على قطع الوقت بالنافع المفيد , نعم إن الرحلة طويلة تستغرق ساعات يمكن أن تمضي سريعاً حينما يجاورك من ترتاح إليه نفسك , ويمكن أن تتضاعف تلك الساعات حينما يكون الأمر على غير ما تريد !

    وقُـبيل الإقلاع جاء من شغل المقعد الفارغ , فتاةٌ في ميعة الصبا , لم تستطع العباءة الفضفاضة السوداء ذات الأطراف المزينة أن تخفي ما تميزت به تلك الفــتاة من الرقة والجمال .. كان العطر فواحاً بل أنَّ أعين الركاب في الدرجة الأولى قد اتجهت إلى مصدر هذه الرائحة الزكية , لقد شعرت حينها أنّ مقعدي ومقعد مجاورتي أصبحا كصورتين يحيط بهما إطار منضود من نظرات الركاب , حينما وجهت نظري على أحدهم ..... رأيتهُ يحاصر المكان بعينيه , ووجهه يكاد يقول لي : ليتـني في مقعدك ,
    كنت في لحظتها أتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( ألا وإن طيب الرجال ماظهر ريحه ولم يظهر لونه , ألا وإن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه )

    ولم أدري كيف استطعت في تلك اللحظة أن أتأمل معاني هذا الحديث الشريف , لقد تساءلت حينها لماذا يكون طيب المرأة بهذه الصفة ؟

    كان الجواب واضحاً في ذهني من قبل : إن المرأة لزوجها , ليست لغيره من الناس , ومادامت له فإن طيبها ورائحة عطرها لايجوز أن تتجاوزه إلى غيره , كان هذا الجواب واضحاً , ولكن ما رأيتهُ من نظرات ركاب الطائرة التي حاصرت مقعدي ومقعد الفتاة قد زاد الأمر وضوحاً في نفسي وسألت نفسي : ياتـُـرى لو لم يفح طيب هذه الفتاة بهذه الصورة التي أفعمت جوَّ الدرجة الأولى من الطائرة , أكانت الأنظار اللاهثة ستـتجه إليها بهذه الصورة ؟

    عندما جاءت " خادمة الطائرة " بالعصير أخذت الفتاة كأساً من عصير البرتقال وقدمتهُ إلي , تـناولته شاكراً وقد فاجأني هذا الموقف وشربت العصير وأنا ساكت , ونظرات ذلك الشخص ماتزال تحاصرني , وجهت إليه نظري ولم أصرفه عنه حتى صرف نظرهُ حياءً – كما أظن – ثم اكتفى بعد ذلك باختلاس النظرات إلى الفتاة المجاورة , ولما أصبح ذلك ديدنه كتبت قصاصة قصيرة :
    " ألم تتعب من الالتفات ؟ " فلم يلتفت بعدها .

    عندما غاصت الطائرة في السحاب الكثيف بعد الإقلاع بدقائق معدودات اتجه نظري إلى ذلك المنظر البديع , سبحان الله العظيم , قلتها بصوت مرتفع ,
    قالت الفتاة التي كانت تجلس بجوار النافذة : إي والله سبحان الله العظيم ووجهت حديثها إليَّ قائلةً إن هذا المنظر يثير الشاعرية الفذة ومن حسن حظي أنـني أجاور شاعراً يمكن أن يرسم لوحةً شعريةً رائعةً لهذا المنظر .

    لم تكن الفتاة وهي تقول لي هذا على حالتها التي دخلت بها إلى الطائرة , كلا ... لقد لملت تلك العباءة الحريرية وذلك الغطاء الرقيق الذي كان مسدلاً على وجهها ووضعتهما داخل حقيبتها اليدوية الصغيرة , لقد بدا وجهها ملوناً بألوان الطيف أما شعرها فيبدو أنها قد صففـته بطريقة خاصة تـُـعجب الناظرين ...

    قلت لها : سبحان من علم الإنسان ما لم يعلم , فلولا ما أتاح الله للبشر من كنوز هذا الكون الفسيح لما أتيحت لنا رؤية هذه السحب بهذه الصورة الرائعة ..

    قالت : إنها تدل على قدرة الله تعالى ....

    قلت : نعم تدل على قدرة مبدع هذا الكون وخالقه الذي أودع فيه أسراراً عظيمة وشرع فيه للناس مباديء تحفظ حياتهم وتبلغهم رضا ربهم , وتـنجيهم من عذابهم يوم يقوم الأشهاد .

    قالت : ألا يمكن أن نسمع شيئا من الشعر فإني أحب الشعر وإن هذه المرحلة ستكون تاريخية بالنسبة إلي , ما كنتُ أحلم أن اسمع منك مباشرة ..

    لقد تمنيت من أعماق قلبي لو أنها لم تعرف من أنا , لقد كان ففي الذهن أشياء كثيرة أريد أن أقولها لها .

    وسكتُّ قليلاً كنتُ أحاور نفسي حواراً داخلياً مربكاً , ماذا أفعل , هل أبدأ بنصيحة هذه الفتاة وبيان حقيقة ما وقعت فيه من أخطاءٍ ظاهرة أم أترك ذلك إلى آخر المطاف؟


    أرى أمـلي بعيدا ً
    خلفَ غيمة ..
    وأسمع ُ صوت َ
    أحلامي
    يُـناديني لأرحل !

    Dr. M. Al-Haddadi



  9. #9
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية GREGORIAN
    تاريخ التسجيل
    11 2006
    الدولة
    Samtah
    المشاركات
    770

    مشاركة: ضِـدان يا أخـتاه !

    وبعد تردد قصير عزمت على النصيحة المباشرة السريعة لتكون خاتمة الحديث معها.

    وقبل أن أتحدث أخرَجَـت من حقيبتها قصاصات ملونة وقالت : هذه بعض أوراق أكتبها , أنا أعلم أنها ليست على المستوى الذي يناسب ذوقك ولكنها خواطر عبرتُ بها عن نفسي ....

    وقرأتُ القصاصات بعنايةٍ كبيرة , إني ابحثُ فيها عن مفتاح لشخصية الفتاة ...

    إنها خواطر حالمة , هي فتاةٌ رقيقة المشاعر جداً أحلامها تطغى على عقلها بشكل واضح , لفتَ نظري أنها تستشهدُ بأبياتٍ من شعري , قلتُ في نفسي هذا شيء جميل لعل ذلك يكون سبباً في أن ينشرح صدرها لما أريد أن أقول , بعد أن قرأت القصاصات عزمتُ على تأخير النصيحة المباشرة وسمحتُ لنفسي أن تدخل في حوارٍ شاملٍ مع الفتاة ..

    قلتُ لها : عباراتك جميلة مُنـتـقاة ولكنها لا تحمل معنىً ولافكرة كما يبدو لي , لم أفهم منها شيئاً , فماذا أردتِ أن تقولي ... ؟

    بعد صمتٍ قالت : لا أدري ماذا أرتُ أن أقول : إني أشعرُ بالضيق الشديد , خاصةً عندما يخيم عليَّ الليل , أقرأ المجلات النسائية المختلفة , أتأملُ فيها صور الفنانات والفنانين , يعجبني وجه فلانة وقامة فلانة وفستان علانة , بل تعجبني أحياناً ملامح أحد الفنانين فأتمنى لو أنَّ ملامح زوجي كملامحه , فإذا مللتُ من المجلات اتجهتُ إلى الأفلام , أشاهد منها ما أستطيع وأحسُّ بالرغبة في النوم بل إني أغفو وأنا في مكاني فأترك كل شيء واتجه إلى فراشي ...... وهناك يحدث ما لا أستطيع تفسيره , هناك يرتحل النوم فلا أعرف لهُ مكاناً .

    عجباً أين ذلك النوم الذي كنتُ أشعر به وأنا جالسة , وتبدأ رحلتي مع الأرق وفي تلك اللحظات أكتب هذه الخواطر التي تسألني عنها ..


    " إنها مريضة " قلتها في نفسي , نعم إنها مريضة بداء العصر , القلق الخطير , إنها بحاجة إلى علاج .

    قلتُ لها : ولكنَّ خواطرك هذه لا تـُـعبر عن شيٍ مما قلت إنها عبارات براقة , يبدو أنك تلتقطينها من بعض المقالات المتـناثرة وتجمعينها في هذه الأوراق .

    قالت : عجباً لك , أنت الوحيد الذي تحدثت بهذه الحقيقة , كل صديقاتي يتحدثن عن روعة ما أكتب , بل إن بعض هذه الخواطر قد نُـشرت في بعض صحفنا , وبعث إلي المحرر برسالة شكر على هذا الإبداع , أنا معك أنهُ ليس لها معنىً واضح ولكنها جميلة .

    وهنا سألتها مباشرة :

    هل لك هدفٌ في هذه الحياة ؟!



    بدا على وجهها الارتباك , لم تكن تتوقع السؤال , وقبل أن تجيب قلت لها :

    هل لك عقلٌ تفكرين به , وهل لديك استقلال في التفكير ؟ أم أنكِ قد وضعتِ عقلك بين أوراق المجلات النسائية التي أشرت إليها وحلقات الأفلام التي ذكرتِ أنكِ تهرعين إليها عندما تشعرين بالملل .

    هل أنتِ مسلمة ؟!

    هنا تغير كل شيء , أسلوبها في الحديث تغير , جلستها على المقعد تغيرت , قالت :

    هل تشك في أنني مسلمة ؟! إني – بحمد الله – مسلمة ومن أسرة مسلمة عريقة في الإسلام , لماذا تسألني هذا السؤال ؟ إن عقلي حرٌ ليس أسيراً لأحد , إني أرفض أن تتحدث بهذه الصورة ... وانصرفت إلى النافذة تـنظرُ من خلالها إلى ملكوت الله العظيم ...

    لم أعلق على كلامها بشيء , بل إنني أخذتُ الصحيفة التي أمامي وانهمكتُ في قراءتها , ورحلتُ مع مقالٍ في الصحيفة يتحدث عن الإسلام والإرهاب , كان مقالاً طويلاً مليئاً بالمغالطات والأباطيل , يا ويلهم هؤلاء الذين يكذبون على الله , ولا أكتمكم أنني قد انصرفت إلى هذا الأمر كلياً حتى نسيت في لحظتها ما جرى من الحوار بيني وبين مجاورتي في المقعد , ولم أكن أشعر بنظراتها التي كانت تختلسها إلى الصحيفة لترى هذا الأمر الذي شغلني عن الحديث معها – كما أخبرتني فيما بعد – ولم أعد من جولتي الذهنية مع مقال الصحيفة إلا على صوتها وهي تسألني :

    أتشكُ في إسلامي ؟!

    قلتُ لها مامعنى الإسلام ؟!

    قالت : هل أنا طفلة حتى تسألني هذا السؤال !

    قلت لها : معاذ الله بل أنتِ فتاةٌ ناضجةٌ تمام النضج , تـُـلون وجهها بالأصباغ وتصفف شعرها بطريقةٍ جيدة وتلبسُ عباءتها وحجابها في بلادها فإذا رحلت خلعتهما وكأنهما لا يعنيان لها شيئاً ... نعم إنك فتاةٌ كبيرة تـُـحسن اختيار العطر الذي ينشرُ شذاه في كل مكان ... فمن قال إنك طفلة ؟!

    قالت : لماذا تقسو عليَّ بهذه الصورة ؟

    قلت لها : ما الإسلام ؟ ... قالت : الدين الذي أرسل الله به محمداً ص , قلت لها : وهو كما حفظنا ونحن صغار " الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك " قالت : إي والله ذكرتني , لقد كنت أحصل في مادة التوحيد على الدرجة الكاملة !

    قلت لها : ما معنى " الانقياد له بالطاعة " ؟

    سكتت قليلاً ثم قالت : أسألك بالله لماذا تتسلط علي بهذه الصورة , لماذا تسيء إلي وأنا لم أسيء إليك ؟

    قلت لها : عجباً لماذا تعدين حواري معك إساءة ؟ أين موطن الإساءة فيما أقول ؟.

    قالت : أنا ذكية وافهم ما تعني , أنت تـنـتقدني وتؤنبني وتـتهمني , ولكن بطريقة غير مباشرة ....

    قلت لها : ألست مسلمة ؟

    قالت : لماذا تسألني هذا السؤال ؟ إني مسلمة من قبل أن أعرفك , وأرجوك ألا تتحدث معي مرةً أخرى .

    قلت لها : أنا متأسف جداً وأعدك بألا اتحدث إليك بعد هذا ...


    أرى أمـلي بعيدا ً
    خلفَ غيمة ..
    وأسمع ُ صوت َ
    أحلامي
    يُـناديني لأرحل !

    Dr. M. Al-Haddadi



  10. #10
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية GREGORIAN
    تاريخ التسجيل
    11 2006
    الدولة
    Samtah
    المشاركات
    770

    مشاركة: ضِـدان يا أخـتاه !

    ورجعتُ إلى صفحات الصحيفة التي أمامي أكمل قراءة ذلك المقال الذي يتجنى فيه صاحبه على الإسلام ويقول : إنه دين الإرهاب وإن أهله يدعون إلى الإرهاب , وقلت في نفسي : سبحان الله المسلمون يُـذبحون في كل مكان كما تـُـذبح الشياه ويُقال عنهم أنهم أهل الإرهاب !

    وقلبتُ صفحةً أخرى فرأيت خبراً عن المسلمين في كشمير وصورة لامرأة مسلمة تحملُ طفلاً وعبارة تحت صورتها تقول : إنهم يهتكون أعراضنا , ينزعون الحجاب عنا بالقوة وإن الموت أهون عندنا من ذلك , ونسيتُ أيضاً مجاورتي كانت تختلس نظرها إلى الجريدة وفوجئت بها تقول :

    ماذا تقرأ ؟ ... ولم أتحدث إليها بل أعطيتها الجريدة وأشرت بيدي إلى صورة المسلمة الكشميرية والعبارة التي نُـقلت عنها ...

    سادَ الصمت وقتاً ليس بالقصير ثم جاءت خادمة الطائرة بالطعام ... واستمر الصمت ...

    وبعد أن تجولت في الطائرة قليلاً رجعتُ إلى مقعدي , وما إن جلست حتى بادرتني مجاورتي قائلةً :

    ما كنتُ أتوقع أن تعاملني بهذه القسوة !

    قلت لها : لا أدري ما معنى القسوة عندكِ , أنا لم أزد على أن وجهت إليك أسئلةً كنت أتوقع أن أسمع منكِ إجابةً عنها , ألم تقولي أنكِ واثقة بنفسك ثقة كبيرة ؟ فلماذا تزعجك أسئلتي ؟

    قالت أشعر أنكَ تحتقرني ....

    قلت لها : من أين جاءك هذا الشعور ؟

    قالت : لا أدري

    قلت لها : ولكنني أدري ... لقد انطلق هذا الشعور من أعماق نفسك , إنه الشعور بالذنب والوقوع في الخطأ , أنتِ تعيشين ما يمكن أن نسميه بالازدواجية , أنتِ تعيشين التأرجح بين حالتين ...

    وقاطعتني بحدة قائلة : هل أنا مريضة نفسياً ؟ ما هذا الذي تقول ؟!

    قلت لها : أرجوك لا تغضبي , دعيني أكمل , أنتِ تعانين من ازدواجية مؤذية , أنتِ مهزومة من الداخل , لاشك عندي في ذلك , وعندي أدلة لا تستطيعين إنكارها .

    قالت مذعورة : ما هي ؟!

    قلت : تقولين أنكِ مسلمة والإسلام قولٌ وعمل , وقد ذكرتُ لك في أول حوارنا أنَّ من أهم أسس الإسلام " الانقياد لله بالطاعة " فهل أنتِ منقادةٌ له بالطاعة ؟

    وسكتُّ لحظةً لأتيح لها التعليق على كلامي , ولكنها سكتت ولم تنطق ببنت شفة – كما يقولون – وفهمتُ أنها تريد أن تسمع , قلت لها :

    هذه العباءة وهذه الحجاب اللذين حُــشِـرا - مظلمومين – في هذه الحقيبة الصغيرة دليلٌ على ما أقول ....

    قالت بغضبٍ واضح : هذه أشكال وأنت لا تهتم إلا بالشكل , المهم الجوهر .

    قلت لها : أين الجوهر ؟ ها أنت قد اضطربت في معرفة مدلولات كلمة " الإسلام " الذي تؤمنين به ثم إن للمظهر علاقة قوية بالجوهر , إن أحدهما يدل على الآخر وإذا اضطربت العلاقة بين المظهر والجوهر اضطربت حياة الإنسان ...

    قالت : هل يعني كلامك هذا أنَّ كل من تلبس عباءة وتضع على وجهها حجاباً صالحة نقية الجوهر ؟

    قلت لها : كلا , لم أقصد هذا أبداً , ولكن من تلبس العباءة والحجاب تحقق مطلباً شرعياً فإن انسجم باطنها مع ظاهرها كانت مسلمة حقـَّـه , وإن حصل العكس وقع الاضطراب في شخصيتها , فكان نزع هذا الحجاب عندما تحين لها الفرصة هيـِّناً ميسوراً , إن الجوهر هو المهم , واذكرك بتلك العبارة التي نقلتها الصحيفة عن تلك المرأة الكشميرية المسلمة , ألم تقل : إن الموت أهون عليها من نزع حجابها ؟ لماذا كان الموت أهون ؟

    لأنها آمنت بالله إيماناً جعلها تنقاد له بالطاعة فتحقق معنى الإسلام تحقيقاً ينسجم فيه جوهرها مع مظهرها , وهذا الانسجام هو الذي يجعل المسلم يحقق معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام : " والذي نفسي بيده لايؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به "

    إن لبس العباءة والحجاب – عندك – لا يتجاوز حدود العادة والتقليد , ولهذا كان هيناً عليك أن تنزعيهما عنك دون تردد حينما ابتعدت بك الطائرة عن أجواء بلدك الذي استقيت منه العادات والتقاليد , أما لو كان لبسك للحجاب منطلقا من إيمانك بالله واعتقادك أن هذا أمر شرعي لا يفرق بين مجتمع ومجتمع ولا بلد وبلد , لما كان هيناً عليك إلى هذه الدرجة .

    الازدواجية في الشخصية – يا عزيزتي – هي المشكلة ...

    أتدرين ما سبب هذه الازدواجية ؟

    فظننتُ أنها ستجيب ولكنها ظلت صامتة , وكأنها تـنـتظر أن أجيب أنا على هذا السؤال ...

    قلت : سبب هذه الازدواجية الاستسلام للعادات والتقاليد , وعدم مراعاة أوامر الشرع ونواهيه , أنها تعني ضعف الرقابة الداخلية عند الإنسان , ولهذا فإن من أسوأ نتائجها الانهزامية حيث ينهزم المسلم من الداخل فإذا انهزم تمكن منه هوى النفس وتلاعب به الشيطان وظل كذلك حتى تنقلب في ذهنه الموازين ....

    لم تقل شيئاً بل لاذت بصمتٍ عميق , ثم حملت حقيبتها واتجهت إلى مؤخرة الطائرة ... وسألتُ نفسي تـُـراها ضاقت ذرعاً بما قلت , وتـُـراني وُفقت فيما عرضتُ عليها ؟
    لم أكن في حقيقة الأمر اعرف مدى التأثر بما قلت سلباً أو إيجاباً ولكنن كنتُ متأكداً من أنني قد كتمت مشاعر الغضب التي كنت أشعر بها حينما تـُوجه إلي بعض العبارات الجارحة , ودعوتُ لها بالهداية ولنفسي بالمغفرة والثبات على الحق .

    وعادت إلى مقعدها .... وكانت المفاجأة ...


    أرى أمـلي بعيدا ً
    خلفَ غيمة ..
    وأسمع ُ صوت َ
    أحلامي
    يُـناديني لأرحل !

    Dr. M. Al-Haddadi



  11. #11
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية GREGORIAN
    تاريخ التسجيل
    11 2006
    الدولة
    Samtah
    المشاركات
    770

    مشاركة: ضِـدان يا أخـتاه !

    عادت وعليها عباءتها وحجابها ... ولاتسل عن فرحتي بما رأيت !

    قالت : إن رحمة الله بي هي التي هيأت لي الركوب في هذا المقعد , صدقت – حينما وصفتني – بأنني أعاني من الهزيمة الداخلية , إن الازدواجية التي أشرتُ إليها هي السمة الغالبة على كثير من بنات المسلمين وأبنائهم , يا ويلنا من غفلتنا !
    إن مجتمعاتنا النسائية قد استسلمت للأوهام , لا أكتمك أيها الأخ الكريم أن أحاديثنا في مجالسنا نحن النساء لا تكاد تتجاوز الأزياء والمجوهرات والعطور والأفلام والأغاني والمجلات النسائية الهابطة , لماذا نحن هكذا ؟

    هل نحن مسلمون حقاً ؟

    هل أنا مسلمة ؟

    كان سؤالك جارحاً ولكني أعذرك , لقد رأيتني على حقيقة أمري , ركبتُ الطائرة بحجابي وعندما أقلعت خلعتُ عني الحجاب , كنت مقتنعة بما صنعت , أو هكذا خُـيِّـل إليَّ أني مقتنعة , بينما هذا الذي صنعته يدل حقاً على الانهزامية والازدواجية , إني أشكرك بالرغم من أنك قد ضايقتني كثيراً ولكنك أرشدتني , إني أتوبُ إلى الله واستغفره

    ولكن أريد أن أستشيرك

    قلت وأنا في روضةٍ من السرور بما أسمع من حديثها : " نعم .. تفضلي إني مُـصغٍ إليك "

    قالت : زوجي , أخافُ من زوجي .

    قلت : لماذا تخافين منه ؟

    قالت :سوف يستقبلني زوجي في المطار , وسوف يراني بعباءتي وحجابي ..

    قلت لها : وهذا شيٍ سيسعده ..

    قالت : كلا , لقد كانت آخر وصية له في مكالمته الهاتفية بالأمس : إياكِ أن تنزلي إلى المطار بعباءتك , لا تـُـحرجيني أمام الناس ... إنهُ سيغضب بلا شك

    قلتُ لها : إذا أرضيتِ الله فلا عليكِ أن يغضب زوجك , وبإمكانك أن تناقشيه مناقشة هادئة فلعله سيستجيب , إني أوصيكِ أن تعتني به عناية الذي يحب له النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة

    وساد الصمت ..... وشردت بذهني في صورةٍ خيالية إلى ذلك الزوج الذي يوصي زوجته بخلع حجابها ..... أهذا صحيح ؟!

    أيوجد رجل مسلم غيور كريم يفعل هذا ؟!

    لا حولَ ولاقوةَ إلا بالله , إن مدنية هذا العصر تختلس أبناء المسلمين واحداً تلو الآخر ونحن عنهم غافلون , بل نحنُ عن أنفسنا غافلون .


    وصلت الطائرة إلى ذلك المطار البعيد , وانتهت مراسم هذه الرحلة الحافلة بالحوار الساخن بيني وين جارة المقعد , ولم أرها حين استقبلها زوجها , بل أن صورتها وصوتها قد غاصا بعد ذلك في عالم النسيان كما يغوص سواها من آلاف الأشخاص والمواقف التي تمر بنا كل يوم ........

    ولكن ... وبعد فترة ...


    أرى أمـلي بعيدا ً
    خلفَ غيمة ..
    وأسمع ُ صوت َ
    أحلامي
    يُـناديني لأرحل !

    Dr. M. Al-Haddadi



  12. #12
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية GREGORIAN
    تاريخ التسجيل
    11 2006
    الدولة
    Samtah
    المشاركات
    770

    مشاركة: ضِـدان يا أخـتاه !

    وبعد فترة ...

    كنتُ جالساً على مكتبي أقرأ كتاباً " المرأة العربية وذكورية الأصالة " لكاتبته المسماة " منى غصوب " وأعجَـبُ لهذا الخلط والسفسطة والعبث الفكري واللغوي الذي يتضمنهُ هذا الكتاب الصغير , وأصابني – ساعتها – شعورٌ عميق بالحزن والأسى على واقع هذه الأمة المؤلم , وفي تلك اللحظة الكالحة جائني أحدهم برسالة , وتسلمتها منهُ بشغف , لعلي كنتُ أود – في تلك اللحظة – أن أهرب من الألم الذي أشعلهُ في قلبي ذلك الكتاب المشؤوم الذي تريد صاحبته أن تـُـجرد المرأة من أنوثتها تماماً , وعندما فتحت الرسالة نظرت إلى اسم المرسل , فقرأت :

    " المرسلة أختك في الله أم محمد الداعية لك بالخير "

    أم محمد ؟! من تكون هذه ؟!

    وقرأت الرسالة وكانت المفاجأة بالنسبة إلي إنها تلك الفتاة التي دار الحوار بيني وبينها في الطائرة , والتي غاصت قصتها في عالم النسيان !

    إن أهم عبارة قرأتها في الرسالة هي قولها :

    لعلك تذكر تلك الفتاة التي جاورتك في مقعد الطائرة ذات يوم , إني أبشرك , لقد عرفت طريقي إلى الخير وأبشرك إن زوجي قد تأثر بموقفي فهداه الله وتاب من الكثير من المعاصي التي كان يقع فيها وأقول لك ما أروع الالتزام الواعي القائم على الفهم الصحيح لديننا العظيم , لقد قرأت قصيدتك " ضدان يا أختاه " وفهمتُ ماتريد !

    لا أستطيع أن أصور الآن مدى الفرحة التي حملتني على جناحيها الخافقين حينما قرأتُ هذه الرسالة ..... ما أعظمها من بشرى ........ حينها ألقيت بذلك الكتاب المتهافت الذي كنتُ أقرؤه " المرأة العربية وذكورية الأصالة " ألقيت به وأنا أردد قول الله تعالى :
    " يريدون أن يُـطفئوا نور الله بأفواهم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون "

    ثم أمسكت بالقلم ..... وكتبت رسالة إلى أم محمد عبرتُ فيها عن فرحتي برسالتها , وبما حملتهُ من البشرى , وضمنتها أبياتاً من القصيدة التي أشارت إليها في رسالتها , منها :

    ضدان يا أختاهُ ما اجتمعا ......... دين الهدى والفسق والصد
    واللهِ ما أزرى بأمتــــنا .......... إلا ازدواجٌ مالهُ حــــــــــدُ

    وعندما هممتُ بإرسال رسالتي تبين لي أنها لم تكتب عنوانها البريدي , فطويتها بين أوراقي لعلها تصل إليها ذات يوم ,,,,




    النهايــــــــــــــــــــــــــــــــــة


    أرى أمـلي بعيدا ً
    خلفَ غيمة ..
    وأسمع ُ صوت َ
    أحلامي
    يُـناديني لأرحل !

    Dr. M. Al-Haddadi



  13. #13
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية GREGORIAN
    تاريخ التسجيل
    11 2006
    الدولة
    Samtah
    المشاركات
    770

    مشاركة: ضِـدان يا أخـتاه !

    الكتاب ... لا تغضب
    المؤلف ... د. عبد الرحمن صالح العشماوي

    الطبعة الأولى 1423 هـ / 2002 م

    الناشر
    مكتبة العبيكان

    القصة بعنوان :
    ضدّان يا أختاه

    تاريخ القصة : 1415هـ


    أرى أمـلي بعيدا ً
    خلفَ غيمة ..
    وأسمع ُ صوت َ
    أحلامي
    يُـناديني لأرحل !

    Dr. M. Al-Haddadi



  14. #14
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبوإسماعيل
    المشرف العام
    تاريخ التسجيل
    06 2003
    الدولة
    صامطة
    المشاركات
    28,312

    رد: ضِـدان يا أخـتاه !

    يا سبحان الله

    سبحانك يا رب

    قصيدة رائعة وقمة في الواقعية والمصداقية والوصف والبلاغة

    وقصة الشاعر مع هذه الفتاة مشهد من مشاهد العقل وحسن الحوار

    والتناصح وقوة المعنى والحجة .

    كم أمتعتنا بهذا يا جريجوري

    رعاك الله أيها المبدع
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  15. #15
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية damri
    تاريخ التسجيل
    08 2006
    المشاركات
    307

    مشاركة: ضِـدان يا أخـتاه !

    شكرا لك أخي

    GREGORIAN

    على هذا الطرح الجميل

    الذي يدرك به القاريء

    مدى غيرة المسلم على أخيه المسلم

    ولكم فائق إحترامي

    ودمتم بخير

  16. #16
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية GREGORIAN
    تاريخ التسجيل
    11 2006
    الدولة
    Samtah
    المشاركات
    770

    مشاركة: رد: ضِـدان يا أخـتاه !

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوإسماعيل مشاهدة المشاركة
    يا سبحان الله

    سبحانك يا رب

    قصيدة رائعة وقمة في الواقعية
    والمصداقية والوصف والبلاغة

    وقصة الشاعر مع هذه الفتاة
    مشهد من مشاهد العقل وحسن الحوار
    والتناصح وقوة المعنى والحجة .

    كم أمتعتنا بهذا يا جريجوري

    رعاك الله أيها المبدع

    أبا إسماعيل


    شكرا ً لزيارتِـكَ الكريمـة ..

    وبالفعل ، قامـَ الشاعرُ بدور ٍ رائد ٍ وجميل ٍ
    في حِـواره ِ معَ تلكَ الفتاة ِ التي كانت
    في حاجة ٍ مَـاسّـةٍ إلى التوجيه .. وقدْ وُفقَ
    في توجيهها إلى طريق ٍ أخضر ٍ وآمِــن ..

    سعيدٌ بإطلالتِـكَ السّـامية
    مشرفنا العَـــــــامـ

    كل عامـ ٍ وأنتَ بألفِ خير

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    أرى أمـلي بعيدا ً
    خلفَ غيمة ..
    وأسمع ُ صوت َ
    أحلامي
    يُـناديني لأرحل !

    Dr. M. Al-Haddadi



  17. #17
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية GREGORIAN
    تاريخ التسجيل
    11 2006
    الدولة
    Samtah
    المشاركات
    770

    مشاركة: ضِـدان يا أخـتاه !

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة damri مشاهدة المشاركة
    شكرا لك أخي

    GREGORIAN

    على هذا الطرح الجميل

    الذي يدرك به القاريء

    مدى غيرة المسلم على أخيه المسلم

    ولكم فائق إحترامي

    ودمتم بخير


    أبا فيصل ..

    مُـمتنٌ لِـحُضوركَ إلى أروقةِ مُتصفحي
    ولتعريجــِـكَ الرائع على المُشاركة ..

    أدامَـكَ اللهُ أخا ً عزيزا ً
    وكل عامـ ٍ وأنتَ في
    ثوب ِ الصحةِ تــَـرفـُـل .

    تحية وود

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



    أرى أمـلي بعيدا ً
    خلفَ غيمة ..
    وأسمع ُ صوت َ
    أحلامي
    يُـناديني لأرحل !

    Dr. M. Al-Haddadi



  18. #18
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية سالم فلوس
    تاريخ التسجيل
    01 2008
    المشاركات
    676

    قصةالعشماوي وفتاة الطائرة

    العشماوي وفتاة الطائرة

    القصة يحكيها الدكتور عبدالرحمن العشماوي ويقول:

    حينما جلست في المقعد المخصص لي في الدرجة الأول من الطائرة التي تنوي الإقلاع إلى عاصمة دولةٍ غربية ، كان المقعد المجاور لي من جهة اليمين ما يزال فارغاً ، بل إن وقت الإقلاع قد اقترب والمقعد المذكور ما يزال فرغاً ، قلت في نفسي : أرجو أن يظل هذا المقعد فارغاً ، أو أن ييسّر الله لي فيه جاراً طيباً يعينني على قطع الوقت بالنافع المفيد ، نعم أن الرحلة طويلة سوف تستغرق ساعات يمكن أن تمضي سريعاً حينما يجاورك من ترتاح إليه نفسك ، ويمكن أن تتضاعف تلك الساعات حينما يكون الأمر على غير ما تريد!
    وقبيل الإقلاع جاء من شغل المقعد الفارغ ... فتاةُ في مَيْعة الصِّبا ، لم تستطيع العباءة الفضفاضة السوداء ذات الأطراف المزيَّنة أن تخفي ما تميزت به تلك الفتاة من الرِّقة والجمال .. كان العطر فوَّاحاً ، بل إن أعين الركاب في الدرجة الأولى قد اتجهت إلى مصدر الرائحة الزكيَّة ، لقد شعرت حينها أن مقعدي ومقعد مجاورتي أصبحا كصورتين يحيط بهما إطار منضود من نظرات الرُّكاب ، حينما وجهت نظري إلى أحدهم ... رأيتُه يحاصر المكان بعينيه ، ووجهه يكاد يقول لي : ليتني في مقعدك ؛ كنت في لحظتها أتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام فيما روي عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) (( ألا وإنَّ طيب الرجال ما ظهر ريحه ، ولم يظهر لونه ، ألا وإن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه )).
    ولا أدري كيف استطعت في تلك اللحظة أن أتأمل معاني هذا الحديث الشريف ، لقد تساءلت حينها (( لماذا يكون طيب المرأة بهذه الصفة ))؟
    كان الجواب واضحاً في ذهني من قبل : إن المرأة لزوجها ، ليست لغيره من الناس ، وما دامت له فإن طيبَها ورائحة عطرها لا يجوز أن يتجاوزه إلى غيره ، كان هذا الجواب واضحاً ، ولكن ما رأيته من نظرات ركاب الطائرة التي حاصرت مقعدي ومقعد الفتاه ، قد زاد الأمر وضوحاً في نفسي وسألت نفسي : يا ترى لو لم يَفُحْ طيب هذه الفتاة بهذه الصورة التي أفعمت جوَّ الدرجة الأولى من الطائرة ، أكانت الأنظار اللاَّهثة ستتجه إليها بهذه الصورة؟ عندما جاءت ((خادمة الطائرة )) بالعصير ، أخذت الفتاة كأساً من عصير البرتقال ، وقدَّمته إليَّ ، تناولته شاكراً وقد فاجأني هذا الموقف ، وشربت العصير وأنا ساكتٌ ،ونظرات ذلك الشخص ما تزال تحاصرني ، وجَّهت إليه نظري ولم أصرفه عنه حتى صرف نظره حياءً - كما أظن - ، ثم اكتفى بعد ذالك باختلاس النظرات إلى الفتاة المجاورة ، ولما أصبح ذلك دَيْدَنَه ، كتبت قصاصة صغيرة (( ألم تتعب من الالتفات ؟ ))، فلم يلتفت بعدها .
    عندما غاصتْ الطائرة في السحاب الكثيف بعد الإقلاع بدقائق معدودات اتجه نظري إلى ذالك المنظر البديع ، سبحان الله العظيم ، قلتُها بصوت مرتفع وأنا أتأمل تلك الجبال الشاهقة من السحب المتراكمة التي أصبحنا ننظر إليها من مكان مرتفع ، قالت الفتاة التي كانت تجلس بجوار النافذة : إي والله سبحان الله العظيم ، ووجهتْ حديثها إليَّ قائلة ً إن هذا المنظر يثير الشاعرية الفذَّة ، ومن حسن حظي أنني أجاور شاعراً يمكن أن يرسم لوحة ًشعرية رائعة لهذا المنظر ...
    لم تكن الفتاة وهي تقول لي هذا على حالتها التي دخلت بها إلى الطائرة ، كلا..لقد لملمت تلك العباءة الحريرية ، وذلك الغطاء الرقيق الذي كان مسدلاً على وجهها ووضعتهما داخل حقيبتها اليدوية الصغيرة ، لقد بدا وجهها ملوَّناً بألوان الطيف ، أما شعرها فيبدو أنها قد صفَّـفته بطريقة خاصة تعجب الناظرين ...
    قلت لها : سبحان من علَّم الإنسان ما لم يعلم ، فلولا ما أتاح الله للبشر من كنوز هذا الكون الفسيح لما أتيحت لنا رؤية هذه السحب بهذه الصورة الرائعة ..
    قالت: إنها تدلُّ على قدرة الله تعالى ..
    قلت: نعم تدل على قدرة مبدع هذا الكون و خالقه ،الذي أودع فيه أسراراً عظيمة ، وشرع فيه للناس مبادئ تحفظ حياتهم وتبلَّـغهم رضى ربهم ،وتنجيهم من عذابه يوم يقوم الأشهاد.
    قالت : إلا يمكن أن نسمع شيئاً من الشعر فإني أحب الشعر وإن هذه الرحلة ستكون تاريخية بالنسبة إليَّ ، ما كنت أحلم أن أسمع منك مباشرة ..
    لقد تمنَّيتُ من أعماق قلبي لو أنها لم تعرف مَنْ أنا لقد كان في ذهن أشياء كثيرة أريد أن أقولها لها . وسكتُّ قليلاً كنت أحاور نفسي حواراً داخلياً مُرْبكاً ، ماذا أفعل ، هل أبدأ بنصيحة هذه الفتاة وبيان حقيقة ما وقعت فيه من أخطاءٍ ظاهرة ، أم أترك ذلك إلى آخر المطاف ؟
    وبعد تردُّد قصير عزمت على النصيحة المباشرة السريعة لتكون خاتمة الحديث معها.
    وقبل أن أتحدث أخرجت من حقيبتها قصاصاتٍ ملوَّنة وقالت : هذه بعض أوراق أكتبها ، أنا أعلم أنها ليست على المستوى الذي يناسب ذوقك ، ولكنها خواطر عبرت بها عن نفسي ...
    وقرأت القصاصات بعناية كبيرة ، إني أبحث فيها عن مفتاح لشخصية الفتاة ..
    إنها خواطر حالمة ، هي فتاة رقيقة المشاعر جداً ، أحلامها تطغى على عقلها بشكل واضح ، لفت نظري أنها تستشهد بأبيات من شعري ، قلت في نفسي هذا شيء جميل لعل ذلك يكون سبباً في أن ينشرح صدرها لما أريد أن أقول ، بعد أن قرأت القصاصات عزمت على تأخير النصيحة المباشرة وسمحت لنفسي أن تدخل في حوارٍ شامل مع الفتاة ..
    قلت لها : عباراتك جميلة منتقاة ، ولكنها لا تحمل معنىً ولا فكرة كما يبدو لي ، لم أفهم منها شيئاً ، فماذا أردتِ أن تقولي ...؟
    بعد صمتٍ قالت : لا أدري ماذا أردتُ أن أقول : إني أشعر بالضيق الشديد ، خاصة عندما يخيَّم عليَّ الليل ، أقرأ المجلات النسائية المختلفة ، أتأمَّل فيها صور الفنانات والفنانين ، يعجبني وجه فلانة ، وقامة فلانة ، وفستان علاَّنة ، بل تعجبني أحياناً ملامح أحد الفنانين فأتمنَّى لو أن ملامح زوجي كملامحه ، فإذا مللت من المجلات اتجهت إلى الأفلام ، أشاهد منها ما أستطيع وأحسُّ بالرغبة في النوم ، بل إني أغفو وأنا في مكاني ، فأترك كل شيء وأتجه إلى فراشي ...، وهناك يحدث ما لا أستطيع تفسيره ، هناك يرتحل النوم ، فلا أعرف له مكاناً .
    عجباً ، أين ذلك النوم الذي كنت أشعر به وأنا جالسة ، وتبدأ رحلتي مع الأرق ، وفي تلك اللحظات أكتب هذه الخواطر التي تسألني عنها
    (( إنها مريضة )) قلتها في نفسي ، نعم إنها مريضة بداء العصر ؛ القلق الخطير ، إنها بحاجة إلى علاج .
    قلت لها : ولكنَّ خواطرك هذه لا تعبر عن شيء ٍ مما قلت إنها عبارات برَّاقة ، يبدو أنك تلتقطينها من بعض المقالات المتناثرة وتجمعينها في هذه الأوراق ...
    قالت : عجباً لك ، أنت الوحيد الذي تحدَّثت بهذه الحقيقة ،كل صديقاتي يتحدثن عن روعة ما أكتب ، بل إن بعض هذه الخواطر قد نشرت في بعض صحفنا ، وبعثَ إلىَّ المحرِّر برسالة شكر على هذا الإبداع ، أنا معك أنه ليس لها معنى واضح ، ولكنها جميلة .
    وهنا سألتها مباشرة : هل لك هدفٌُ في هذه الحياة ؟!
    بدا على وجهها الارتباك ، لم تكن تتوقع السؤال ، وقبل أن تجيب قلت لها :هل لك عقل تفكرين به ، وهل لديك استقلال في التفكير ؟ أم أنك قد وضعت عقلك بين أوراق المجلات النسائية التي أشرت إليها ، وحلقات الأفلام التي ذكرت أنك تهرعين إليها عندما تشعرين بالملل .
    هل أنتِ مسلمة ؟!..
    هنا تغيَّر كل شيء ، أسلوبها في الحديث تغيَّر ، جلستها على المقعد تغيَّرت ، قالت :هل تشك في أنني مسلمة ؟ ! إني - بحمد الله - مسلمة ٌُ ومن أسرة مسلمة عريقة في الإسلام ، لماذا تسألني هذا السؤال ، إن عقلي حرٌّ ليس أسيراً لأحد ، إني أرفض أن تتحدَّث بهذه الصورة ..... وانصرفت إلى النافذة تنظر من خلالها إلى ملكوت الله العظيم ...
    لم أعلق على كلامها بشيء ، بل إنني أخذت الصحيفة التي كانت أمامي وانهمكت في قراءتها ، ورحلت مع مقال في الصحيفة يتحدث عن الإسلام والإرهاب (( كان مقالاً طويلاً مليئاً بالمغالطات والأباطيل ، يا ويلهم هؤلاء الذين يكذبون على الله , ولا أكتمكم أنني قد انصرفت إلى هذا الأمر كلياً حتى نسيت في لحظتها ما جرى من حوار بيني وبين مجاورتي في المقعد ، ولم أكن أشعر بنظراتها التي كانت تختلسها إلى الصحيفة لترى هذا الأمر الذي شغلني عن الحديث معها - كما أخبرتني فيما بعد-، ولم أعد من جولتي الذهنية مع مقال الصحيفة إلا على صوتها وهي تسألني :
    أتشك في إسلامي ؟!
    قلت لها : ما معنى الإسلام ؟!
    قالت : هل أنا طفلة حتى تسألني هذا السؤال !
    قلت لها: معاذ الله بل أنت فتاة ناضجة تمتم النضج ، تُلوِّن وجهها بالأصباغ ، وتصفِّفُ شعرها بطريقة جيدة ، وتلبس عباءتها وحجابها في بلادها ، فإذا رحلت خلعتها وكأنهما لا يعنيان لها شيئاً ، نعم إنك فتاة كبيرة تحسن اختيار العطر الذي ينشر شذاه في كل مكان ..فمن قال إنك طفلة ... ؟!
    قالت : لماذا تقسو عليَّ بهذه الصورة ؟
    قلت لها : ما الإسلام ؟ ... قالت : الدين الذي أرسل الله به محمد صلى الله عليه وسلم ، قلت لها : وهو كما حفظنا ونحن صغار (( الاستسلام لله بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة ، و الخلوص من الشرك )) ، قالت : إي والله ذكرتني ، لقد كنت أحصل في مادة التوحيد على الدرجة الكاملة !
    قلت لها : ما معنى (( الانقياد له بالطاعة )) ؟
    سكتت قليلاً ثم قالت : أسألك بالله لماذا تتسلَّط عليَّ بهذه الصورة ، لماذا تسيء إليَّ وأنا لم أسئ إليك ؟
    قلت لها : عجباً لك ، لماذا تعدّين حواري معك إساءة ؟ أين موطن الإساءة فيما أقول؟
    قالت : أنا ذكية وأفهم ما تعني ، أنت تنتقدني وتؤنبني وتتهمني ، ولكن بطريقة غير مباشرة ..
    قلت لها : ألست مسلمة ؟
    قالت : لماذا تسألني هذا السؤال ؟ إني مسلمة من قبل أن أعرفك ، وأرجوك ألا تتحدث معي مرة أخرى .
    قلت لها : أنا متأسف جداً ، وأعدك بألا أتحدث إليك بعد هذا.
    ورجعتُ إلى صفحات الصحيفة التي أمامي أكمل قراءة ذلك المقال الذي يتجنَّى فيه صاحبه على الإسلام ، ويقول : إنه دين الإرهاب ، وإن أهله يدعون إلى الإرهاب ، وقلت في نفسي : سبحان الله ، المسلمون يذبَّحون في كل مكان كما تذبح الشيِّاه ، ويقال عنهم أهل الإرهاب ...

    وقلبتُ صفحة أخرى فرأيت خبراً عن المسلمين في كشمير ، وصورة لامرأة مسلمة تحمل طفلاً ، وعبارة تحت صورتها تقول : إنهم يهتكون أعراضنا ينزعون الحجاب عنَّا بالقوة وأن الموت أهون عندنا من ذلك ، ونسيت أيضاً أن مجاورتي كانت تختلس نظرها إلى الجريدة ، وفوجئت بها تقول :
    ماذا تقرأ ؟ .. ولم أتحدث إليها ، بل أعطيتها الجريدة وأشرت بيدي إلى صورة المسلمة الكشميرية والعبارة التي نُقلت عنها.
    ساد الصمت وقتاً ليس بالقصير ، ثم جاءت خادمة الطائرة بالطعام ... واستمر الصمت ...وبعد أن تجوَّلتُ في الطائرة قليلاً رجعت إلى مقعدي ، وما إن جلست حتى بادرتني مجاورتي قائلة ً :
    ما كنت أتوقع أن تعاملني بهذه القسوة !..
    قلت لها :لا أدري ما معنى القسوة عندكِ ، أنا لم أزد على أن وجهت إليك أسئلة ً كنت أتوقع أن أسمع منك إجابة ًعنها ، إ لم تقولي إنك واثقة بنفسك ثقة ً كبيرة ؟ فلماذا تزعجك أسئلتي ؟
    قالت : أشعر أنك تحتقرني ..
    قلت لها : من أين جاءك هذا الشعور ؟
    قالت لا أدري .
    قلت لها : ولكنني أدري .. لقد انطلق هذا الشعور من أعماق نفسك ، إنه الشعور بالذنب والوقوع في الخطأ ، أنت تعيشين ما يمكن أن أسمّيه بالازدواجية ، أنت تعيشين التأرجح بين حالتين..
    وقاطعتني بحدّة قائلة : هل أنا مريضة نفسياً ؟ ما هذا الذي تقول ؟!قلت لها : أرجو ألاَّ تغضبي ، دعيني أكمل ، أنت تعانين من ازدواجيةٍ مؤذية ، أنتِ مهزومة من الداخل ، لاشك عندي في ذلك ، وعندي أدلّة لا تستطيعين إنكارها .
    قالت مذعورة ً : ما هي ؟
    قلت : تقولين إنك مسلمة ، والإسلام قول وعمل ، وقد ذكرت لك في أول حوارنا أن من أهم أسس الإسلام (( الانقياد لله بالطاعة)) ، فهل أنت منقادة لله بالطاعة ؟
    وسكتُّ لحظة ً لأتيح لها التعليق على كلامي ، ولكنها سكتتْ ولم تنطق ببنتِ شفةٍ - كما يقولون - كما يقولون - وفهمت أنها تريد أن تسمع ، قلت لها :
    هذه العباءة ، وهذا الحجاب اللذان حُشرا - مظلومَيْن - في هذه الحقيبة الصغيرة دليل على ما أقول ....
    قالت بغضب واضح : هذه أشكال وأنت لا تهتم إلا بالشكل ، المهم الجوهر .
    قلت لها: أين الجوهر؟ ها أنت قد اضطربت في معرفة مدلولات كلمة (( الإسلام )) الذي تؤمنين به ، ثم إن للمظهر علاقة قوية بالجوهر ، إن أحدهما يدلُّ على الآخر ، وإذا اضطربت العلاقة بين المظهر والجوهر ، اضطربت حياة الإنسان ...
    قالت : هل يعني كلامك هذا أنَّ كل من تلبس عباءة ً وتضع على وجهها حجاباً صالحة نقية الجوهر ؟
    قلت لها : كلا ، لم أقصد هذا أبداً ، ولكنَّ من تلبس العباءة والحجاب تحقِّق مطلباً شرعياً ، فإن انسجم باطنها مع ظاهرها ، كانت مسلمة حقّة ، وإن حصل العكس وقع الاضطراب في شخصيتها ، فكان نزعُ هذا الحجاب - عندما تحين لها الفرصة هيِّناً ميسوراً ، إن الجوهر هو المهم ، وأذكِّرك الآن بتلك العبارة التي نقلتها الصحيفة عن تلك المرأة الكشميرية المسلمة ، ألم تقل : إن الموت أهون عليها من نزع حجابها ؟ لماذا كان الموت أهون ؟
    لأنها آمنت بالله إيماناً جعلها تنقاد له بالطاعة فتحقق معنى الإسلام تحقيقاً ينسجم فيه جوهرها مع مظهرها ، وهذا الانسجام هو الذي يجعل المسلم يحقق معنى قول الرسول عليه الصلاة السلام : (( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) .
    إنَّ لبس العباءة والحجاب - عندك - لا يتجاوز حدود العادة والتقليد ، ولهذا كان هيّناً عليك أن تنزعيهما عنك دون تردُّد حينما ابتعدت بك الطائرة عن أجواء بلدك الذي استقيت منه العادات والتقاليد ، أما لو كان لبسك للحجاب منطلقاً من إيمانك بالله ، واعتقادك أن هذا أمر شرعي لا يفرّق بين مجتمع ومجتمع ، ولا بلدٍ وبلدٍ لما كان هيّناً عليك إلى هذه الدرجة .
    الازدواجية في الشخصية - يا عزيزتي - هي المشكلة .. أتدرين ما سبب هذه الازدواجية ؟
    فظننت أنها ستجيب ولكنها كانت صامتةً ، وكأنها تنتظر أن أجيب أنا عن هذا السؤال..
    قلت: سبب هذه الازدواجية الاستسلام للعادات والتقاليد ، وعدم مراعاة أوامر الشرع ونواهيه ، إنها تعني ضعف الرقابة الداخلية عند الإنسان ،ولهذا فإن من أسوأ نتائجها الانهزامية حيث ينهزم المسلم من الداخل ، فإذا انهزم تمكن منه هوى النفس ، وتلاعب به الشيطان ، وظلَّ كذلك حتى تنقلب في ذهنه الموازين ...
    لم تقل شيئاً ، بل لاذت بصمت عميق ، ثم حملت حقيبتها واتجهت إلى مؤخرة الطائرة ... وسألت نفسي تراها ضاقت ذرعاً بما قلت ، وتراني وُفَّقت فيما عرضت عليها ؟ لم أكن - في حقيقة الأمر - أعرف مدى التأثر بما قلت سلباً أو إيجاباً ، ولكنني كنت متأكداً من أنني قد كتمت مشاعر الغضب التي كنت أشعر بما حينما توجه إليَّ بعض العبارات الجارحة ، ودعوت لها بالهداية ، ولنفسي بالمغفرة والثبات على الحق .
    وعادت إلى مقعدها .. وكانت المفاجأة ، عادت وعليها عباءَتُها وحجابها ... ولا تسل عن فرحتي بما رأيت !
    قالت : إن رحمة الله بي هي التي هيأت لي الركوب في هذا المقعد ، صدقت - حينما وصفتني - بأنني أعاني من الهزيمة الداخلية ، إن الازدواجية التي أشرت إليها هي السمة الغالبة على كثير من نبات المسلمين وأبنائهم ، يا ويلنا من غفلتنا ! أنَّ مجتمعاتنا النسائية قد استسلمتْ للأوهام ، لا أكتمك أيها الأخ الكريم ، أن أحاديثنا في مجالسنا نحن النساء لا تكاد تتجاوز الأزياء والمجوهرات والعطورات ، والأفلام والأغاني والمجلات النسائية الهابطة ، لماذا نحن هكذا ؟
    هل نحن مسلمون حقاًً ؟
    هل أنا مسلمة ؟
    كان سؤالك جارحاً ، ولكني أعذرك ، لقد رأيتني على حقيقة أمري ، ركبت الطائرة بحجابي ، وعندما أقلعت خلعت عني الحجاب ، كنت مقتنعة بما صنعت ، أو هكذا خُيِّل إليَّ أني مقتنعة ، بينما هذا الذي صنعته يدلُّ حقاً على الانهزامية والازدواجية ، إني أشكرك بالرغم من أنك قد ضايقتني كثيراً ، ولكنك أرشدتني ، إني أتوب إلى الله وأستغفره .
    ولكن أريد أن أستشيرك .
    قلت وأنا في روضةٍ من السرور بما أسمع من حديثها : (( نعم ... تفضلي إني مصغ ٍ إليك )) .
    قالت : زوجي ، أخاف من زوجي .
    قلت : لماذا تخافين منه ، وأين زوجك ؟
    قالت : سوف يستقبلني في المطار ، وسوف يراني بعباءتي وحجابي ..
    قلت لها : وهذا شيء سيسعده ...
    قالت : كلا ، لقد كانت آخر وصية له في مكالمته الهاتفية بالأمس : إياك أن تنزلي إلى المطار بعباءتك لا تحرجيني أمام الناس ، إنه سيغضب بلا شك .!!
    قلت لها : إذا أرضيت الله فلا عليك أن يغضب زوجُك ، و بإمكانك أن تناقشيه هادئة فلعلَّه يستجيب ، إني أوصيك أن تعتني به عناية الذي يحب له النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة .
    وساد الصمت .... وشردت بذهني في صورة خيالية إلى ذلك الزوج يوصي زوجته بخلع حجابها ... أ هذا صحيح ؟!
    أيوجد رجل مسلم غيور كريم يفعل هذا ؟! لا حول ولا قوة إلا بالله ، إن مدنية هذا العصر تختلس أبناء المسلمين واحداً تلو الآخر ، ونحن عنهم غافلون ، بل ، نحن عن أنفسنا غافلون .
    وصلت الطائرة إلى ذلك المطار البعيد ، وانتهت مراسم هذه الرحلة الحافلة بالحوار الساخن بيني وبين جارة المقعد ، ولم أرها حين استقبلها زوجها ، بل إن صورتها وصوتها قد غاصا بعد ذلك في عالم النسيان ، كما يغوص سواها من آلاف الأشخاص والمواقف التي تمر بنا كلَّ يوم ...
    كنت جالساً على مكتبي أقرأ كتاباً بعنوان (( المرأة العربية وذكورية الأصالة )) لكاتبته المسمَّاة ((منى غصوب )) وأعجبُ لهذا الخلط ، والسفسطة ، والعبث الفكري واللغوي الذي يتضمَّنه هذا الكتاب الصغير ، وأصابني - ساعتها - شعور عميق بالحزن والأسى على واقع هذه الأمة المؤلم ، وفي تلك اللحظة الكالحة جاءني أحدهم برسالة وتسلَّمتها منه بشغف ، لعلَّي كنت أودُّ - في تلك اللحظة - أن أهرب من الألم الذي أشعله في قلبي ذلك الكتاب المشؤوم الذي تريد صاحبته أن تجرد المرأة من أنوثتها تماماً ، وعندما فتحت الرسالة نظرت إلى اسم المرسل ، فقرأت : (( المرسلة أختك في الله أم محمد الداعية لك بالخير )) .
    أم محمد ؟ من تكون هذه ؟!
    وقرأت الرسالة ، وكانت المفاجأة بالنسبة إليَّ ، إنها تلك الفتاة التي دار الحوار بيني وبينها في الطائرة ، والتي غاصت قصتها في عالم النسيان !
    إن أهم عبارة قرأتها في الرسالة هي قولها : (( لعلَّك تذكر تلك الفتاة التي جاورتك في مقعد الطائرة ذات يوم ، إِني أبشِّرك ؛ لقد عرفت طريقي إلى الخير ، وأبشرك أن زوجي قد تأثر بموقفي فهداه الله ، وتاب من كثير من المعاصي التي كان يقع فيها ، وأقول لك ، ما أروع الالتزام الواعي القائم على الفهم الصحيح لديننا العظيم ، --لقد قرأت قصيدتك )) ضدَّان يا أختاه (( وفهمت ما تريد )) !
    لا أستطيع أن أصور الآن مدى الفرحة التي حملتني على جناحيها الخافقين حينما قرأت هذه الرسالة .... ما أعظمها من بشرى ..... حينما ، ألقيت بذلك الكتاب المتهافت الذي كنت أقرؤه (( المرأة العربية وذكورية الأصالة )) ، ألقيت به وأنا أردد قول الله تعالى : { يُرِيدُونَ أن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بَأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ } ....
    ثم أمسكت بالقلم ... وكتَبْتُ رسالةََ ً إلى (( أم محمد )) عبَّرْتُ فيها عن فرحتي برسالتها ، وبما حملته من البشرى ، وضمَّنتها أبياتاً من القصيدة التي أشارت إليها في رسالتها ، منها :

    ضدان يا أختاه ما اجتمعادين الهدى والفسق والصَّدُّ
    والله مـا أزرى بأمتنـاإلا ازدواج ما لـه حَـدُّ


    وعندما هممت بإرسال رسالتي ، تبيَّن لي أنها لم تكتب عنوانها البريديَّ ، فطويتها بين أوراقي لعلّها تصل إليها ذات يوم


    فكم رأينا من نسائنا .. العباءة لها تقليد وليست اسلام ..

  19. #19
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية kfncc000
    تاريخ التسجيل
    05 2005
    الدولة
    عالــ في ـــمي
    المشاركات
    1,376

    رد: قصةالعشماوي وفتاة الطائرة

    جميلة وراااااائعة أخي سالم

  20. #20
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية سالم فلوس
    تاريخ التسجيل
    01 2008
    المشاركات
    676

    رد: قصةالعشماوي وفتاة الطائرة

    شكراً
    KfnccOOO
    على المرور والتعليق
    ويسرني مرورك الدايم على كل مواضيعي

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •