وبعد تردد قصير عزمت على النصيحة المباشرة السريعة لتكون خاتمة الحديث معها.
وقبل أن أتحدث أخرَجَـت من حقيبتها قصاصات ملونة وقالت : هذه بعض أوراق أكتبها , أنا أعلم أنها ليست على المستوى الذي يناسب ذوقك ولكنها خواطر عبرتُ بها عن نفسي ....
وقرأتُ القصاصات بعنايةٍ كبيرة , إني ابحثُ فيها عن مفتاح لشخصية الفتاة ...
إنها خواطر حالمة , هي فتاةٌ رقيقة المشاعر جداً أحلامها تطغى على عقلها بشكل واضح , لفتَ نظري أنها تستشهدُ بأبياتٍ من شعري , قلتُ في نفسي هذا شيء جميل لعل ذلك يكون سبباً في أن ينشرح صدرها لما أريد أن أقول , بعد أن قرأت القصاصات عزمتُ على تأخير النصيحة المباشرة وسمحتُ لنفسي أن تدخل في حوارٍ شاملٍ مع الفتاة ..
قلتُ لها : عباراتك جميلة مُنـتـقاة ولكنها لا تحمل معنىً ولافكرة كما يبدو لي , لم أفهم منها شيئاً , فماذا أردتِ أن تقولي ... ؟
بعد صمتٍ قالت : لا أدري ماذا أرتُ أن أقول : إني أشعرُ بالضيق الشديد , خاصةً عندما يخيم عليَّ الليل , أقرأ المجلات النسائية المختلفة , أتأملُ فيها صور الفنانات والفنانين , يعجبني وجه فلانة وقامة فلانة وفستان علانة , بل تعجبني أحياناً ملامح أحد الفنانين فأتمنى لو أنَّ ملامح زوجي كملامحه , فإذا مللتُ من المجلات اتجهتُ إلى الأفلام , أشاهد منها ما أستطيع وأحسُّ بالرغبة في النوم بل إني أغفو وأنا في مكاني فأترك كل شيء واتجه إلى فراشي ...... وهناك يحدث ما لا أستطيع تفسيره , هناك يرتحل النوم فلا أعرف لهُ مكاناً .
عجباً أين ذلك النوم الذي كنتُ أشعر به وأنا جالسة , وتبدأ رحلتي مع الأرق وفي تلك اللحظات أكتب هذه الخواطر التي تسألني عنها ..
" إنها مريضة " قلتها في نفسي , نعم إنها مريضة بداء العصر , القلق الخطير , إنها بحاجة إلى علاج .
قلتُ لها : ولكنَّ خواطرك هذه لا تـُـعبر عن شيٍ مما قلت إنها عبارات براقة , يبدو أنك تلتقطينها من بعض المقالات المتـناثرة وتجمعينها في هذه الأوراق .
قالت : عجباً لك , أنت الوحيد الذي تحدثت بهذه الحقيقة , كل صديقاتي يتحدثن عن روعة ما أكتب , بل إن بعض هذه الخواطر قد نُـشرت في بعض صحفنا , وبعث إلي المحرر برسالة شكر على هذا الإبداع , أنا معك أنهُ ليس لها معنىً واضح ولكنها جميلة .
وهنا سألتها مباشرة :
هل لك هدفٌ في هذه الحياة ؟!
بدا على وجهها الارتباك , لم تكن تتوقع السؤال , وقبل أن تجيب قلت لها :
هل لك عقلٌ تفكرين به , وهل لديك استقلال في التفكير ؟ أم أنكِ قد وضعتِ عقلك بين أوراق المجلات النسائية التي أشرت إليها وحلقات الأفلام التي ذكرتِ أنكِ تهرعين إليها عندما تشعرين بالملل .
هل أنتِ مسلمة ؟!
هنا تغير كل شيء , أسلوبها في الحديث تغير , جلستها على المقعد تغيرت , قالت :
هل تشك في أنني مسلمة ؟! إني – بحمد الله – مسلمة ومن أسرة مسلمة عريقة في الإسلام , لماذا تسألني هذا السؤال ؟ إن عقلي حرٌ ليس أسيراً لأحد , إني أرفض أن تتحدث بهذه الصورة ... وانصرفت إلى النافذة تـنظرُ من خلالها إلى ملكوت الله العظيم ...
لم أعلق على كلامها بشيء , بل إنني أخذتُ الصحيفة التي أمامي وانهمكتُ في قراءتها , ورحلتُ مع مقالٍ في الصحيفة يتحدث عن الإسلام والإرهاب , كان مقالاً طويلاً مليئاً بالمغالطات والأباطيل , يا ويلهم هؤلاء الذين يكذبون على الله , ولا أكتمكم أنني قد انصرفت إلى هذا الأمر كلياً حتى نسيت في لحظتها ما جرى من الحوار بيني وبين مجاورتي في المقعد , ولم أكن أشعر بنظراتها التي كانت تختلسها إلى الصحيفة لترى هذا الأمر الذي شغلني عن الحديث معها – كما أخبرتني فيما بعد – ولم أعد من جولتي الذهنية مع مقال الصحيفة إلا على صوتها وهي تسألني :
أتشكُ في إسلامي ؟!
قلتُ لها مامعنى الإسلام ؟!
قالت : هل أنا طفلة حتى تسألني هذا السؤال !
قلت لها : معاذ الله بل أنتِ فتاةٌ ناضجةٌ تمام النضج , تـُـلون وجهها بالأصباغ وتصفف شعرها بطريقةٍ جيدة وتلبسُ عباءتها وحجابها في بلادها فإذا رحلت خلعتهما وكأنهما لا يعنيان لها شيئاً ... نعم إنك فتاةٌ كبيرة تـُـحسن اختيار العطر الذي ينشرُ شذاه في كل مكان ... فمن قال إنك طفلة ؟!
قالت : لماذا تقسو عليَّ بهذه الصورة ؟
قلت لها : ما الإسلام ؟ ... قالت : الدين الذي أرسل الله به محمداً ص , قلت لها : وهو كما حفظنا ونحن صغار " الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك " قالت : إي والله ذكرتني , لقد كنت أحصل في مادة التوحيد على الدرجة الكاملة !
قلت لها : ما معنى " الانقياد له بالطاعة " ؟
سكتت قليلاً ثم قالت : أسألك بالله لماذا تتسلط علي بهذه الصورة , لماذا تسيء إلي وأنا لم أسيء إليك ؟
قلت لها : عجباً لماذا تعدين حواري معك إساءة ؟ أين موطن الإساءة فيما أقول ؟.
قالت : أنا ذكية وافهم ما تعني , أنت تـنـتقدني وتؤنبني وتـتهمني , ولكن بطريقة غير مباشرة ....
قلت لها : ألست مسلمة ؟
قالت : لماذا تسألني هذا السؤال ؟ إني مسلمة من قبل أن أعرفك , وأرجوك ألا تتحدث معي مرةً أخرى .
قلت لها : أنا متأسف جداً وأعدك بألا اتحدث إليك بعد هذا ...