أكل أموال الناس بالباطل..
--------------------------------------------------------------------------------
أكل أموال الناس بالباطل
قال أبو هريرة رضي الله عنه : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره , ثم قال : " لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول : يا رسول الله أغثني ! فأقول : لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك . لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول : يا رسول الله أغثني ! فأقول : لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك . لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول : يا رسول الله أغثني ! فأقول : لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك " . أخرجه الشيخان . والصامت هو : الذهب والفضة .. خلاف الناطق .
حقاً لقد بلغت , وبينت , وحذرت يا رسول الله , فلم يبق لمسؤول , أو موظف حجة بعد هذا البلاغ .
وكيف وبأي حجة يحتج من يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟؟
وهو يحذر بكل وضوح الموظف المسلم من الاستخدام الشخصي لما بين يديه من أشياء , وأدوات .. كالسيارات , والأدوات المكتبية , ونحو ذلك مما تعود ملكيتها للأمة , أو للعمل الذي يعمل فيه .
و يذكر ذلك الموظف بإيمانه بالله , واليوم الآخر لعل الإيمان يحجزه عن الوقوع في ذلك , فيقول صلى الله عليه وسلم : " ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه , ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه " . رواه أبو داود . وهو حديث حسن .
سبحان الله ! .. ما أروعها من شفافية ومكاشفة ! ..
فهل يجد الموظف أو المسؤول بعد هذا كله مجالاً , أو باباً للالتفاف على النظام , أو للبحث عن ثغرات للتعدي على المال العام ؟؟؟
.. مع التأكيد أن الاعتداء على المال العام لا يشمل الموظفين والمسؤولين فقط , بل يمتد إلى المستثمرين والتجار والمقاولين الذين يتولون تنفيذ المشاريع العامة للبلاد والعباد .
وكم نسمع ونرى وللأسف من صور الغش والاحتيال , وأكل المال بالباطل في التنفيذ للمشاريع العامة مما أضر ويضر بمصالح الناس .
ولخطورة الفساد الإداري والمالي , وأثره على المجتمع , ولأهمية وجود القدوة وصلاحها , فقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه لأنه قدوة وأسوة , فأسمعوه يقول : " إني لانقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لأكلها , ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها " . رواه الشيخان .
وقد أشتهى عمر بن عبد العزيز يوماً أن يأكل تفاحاً , فأهدى إليه بعض الناس جانباً منه , فرفضه عمر , فقيل له : لِم ترفض والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية , ولا يقبل الصدقة ؟ فأجاب عمر : إن الهدية كانت لرسول الله هدية , وهي اليوم لنا رشوة !!!
وكأنه – رحمه الله – يشير إلى حالنا وواقعنا اليوم , فالهدايا , والإكرامية , والعمولة , وغيرها من المسميات التي تُشترى بها الذمم وتُباع .. تعددت المسميات , والهدف واحد . رشوة , وسكوت , وحيل , وخداع , وتدليس , وأكل مال بالباطل .
إن عمر – رحمه الله – يُعطي درساً عملياً لكي يتفطن المسؤول , والموظف , والعامل لحيل النفس , ويحذر خطوات الشيطان , وإلا فالنفس ضعيفة لا يزال بها شيطانها , وشياطين الإنس ممن حولها يُهونون عليها الرشوة , والسرقة , والتعدي بشتى صوره , ويسمونها بغير اسمها .
وربما يضعف الموظف أمام فقره , وحاجته , وأمام ظروف الحياة المعاصرة ومتطلباتها , وكثرة حاجات ونداءات الزوجة والأولاد . ظناً منه أن هذا سينقذه مما هو فيه , وهنا تغيب معاني الإيمان , وتغيب الحقائق والقيم والأخلاقيات من بركة المال والتوفيق والتعويض , فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه , وتغيب معاني " الجزاء من جنس العمل " . فقد يمحق المال الذي سرق , أو أغتصب , وتحل العقوبات .
فكم من صور المصائب , والكوارث المتمثلة في خسارة المال , ومحق بركته .. من حوادث , وخسائر , وأمراض , وكثرة المشاكل الأسرية والبيتية , وعقوق الأبناء ونكدهم , وغير ذلك مما قد يكون نتاج عاجل , ودنيوي لأكل الباطل .
فاللهم ارزقنا الحلال .
اللهم أكفنا بحلالك عن حرامك , وأغننا بفضلك عن سواك .
منقول للفائده