يجيب عليها سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ *مفتي عام المملكة العربية السعودية
جميع مساجد مكة الداخلة في حدود الحرم يشملها التفضيل
* يعلم سماحتكم عن ازدحام المسجد الحرام في هذا الشهر الكريم، فهل أجر الصلاة في المساجد الأخرى في مكة يعدل الصلاة في المسجد الحرام؟
- يا أخواني سائر مساجد مكة -شرّفها الله- الداخلة في حدود الحرم، لها الفضل سواء صليت في المسجد الحرام أو صليت في العوالي أو صليت في العزيزية أو صليت في أي جزء من أجزاء مكة أو صليت في الشرائع التي هي جزء من الحرم فإنك بذلك تنال هذا الثواب العظيم، لا تتصور أن الثواب مخصص للمسجد الحرام لا بل جميع مساجد الحرم يشملها التفضيل. وأنا أقول الاجتماع في الحرم ونظر الإنسان إلى الكعبة المشرفة وكثرة الطائفين والمصلين فإن ذلك يعطي دفعة للإنسان وقوة وعزيمة ومثابرة على الخير، هذا الأمر لا إشكال فيه، لكن نقول إذا كان الحرم زحاماً لاسيما في الليالي الأخيرة وأصبح بعضنا لا يجد مكاناً وإن وجد فقد يتأثر حتى في ركوعه وسجوده لاسيما ليلة سبع وعشرين أو ليلة الختمة أو ليلة جمعة من العشر الأخيرة فالناس يتكاثرون ويزدادون رغبة في الخير بلاشك فإذا رأيت هذا الزحام فصليت في أي مسجد فأنت على خير إن شاء الله.
من اعتمر عن نفسه فليدع العمرة للآخرين
* مع دخول الأيام العشر الأخيرة من رمضان يتدفق مئات الآلاف من المسلمين من داخل المملكة وخارجها على مكة المكرمة للعمرة والعبادة لأيام مما يكون له بالغ الأثر في مزاحمة المسلمين خصوصاً ممن يؤدون العمرة لأول مرة.. فما هو حكم ذلك؟
- العمرة مشروعة بلاشك والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة في رمضان تعدل حجة معي" لكن ينبغي إذا اعتمر المسلم ألا يكثر.. يعتمر ويمضي أما أن نجعل كل ليلة في العشر الأخيرة عمرة فهذا فيه زحام وتضييق على المسلمين.. من اعتمر عن نفسه -والحمد لله- فليدع العمرة للآخرين في شهر آخر أو عام آخر.. أما أن يكرر المسلم العمرة في العشر الأخيرة مرة أو مرتين ففيه تضييق وإحراج للآخرين.
العشرة الأخيرة من رمضان
* ما هي نصيحتكم في اغتنام العشر الأخيرة من رمضان؟
- إن العشرة الأخيرة من رمضان هي أيام وليالٍ مباركة اختصها الله بأن جعل في أحد لياليها ليلة القدر التي قيامها والعمل فيها خير من العمل في أي شهر.. تلك العشر المباركة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصها بالاعتكاف بمزيد من الاجتهاد في صلاته، وكان صلى الله عليه وسلم يمزج العشرين الأولى بصلاة ونوم فإذا كان العشر الأخيرة شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله.. تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر) أخرجه مسلم، فحري بنا يا شباب الإسلام ويا فتيات المسلمين أن نجتهد جميعاً في هذه العشر المباركة، فعلينا أن نستغل هذه الأيام بالخير وألا نجعلها سهراً في اللعب واللهو بل نأخذ نصيباً من الليل في التهجد والصلاة لعل الله أن يمنّ علينا بإدراك هذه الليلة المباركة.
المعصية في ليل رمضان
* هل المعصية في ليل رمضان كنهاره؟
- شهر رمضان لياليه وأيامه كلها ليالٍ وأيام مباركة والحسنة فيه مضاعفة في ليله ونهاره فإن الفريضة في رمضان تعدل سبعين فريضة والنافلة تعدل فريضة سواء فعلت في الليل أو في النهار، ولاشك أن المعصية أثناء مباشرة الصيام عظمها وإثمها كبير، لأنه عصى الله وهو يؤدي عبادة من العبادات فلاشك أن هذه المعصية في نهار رمضان شأنها كبير، نسأل الله السلامة والعافية، وكذلك في ليالي رمضان فإن للمعصية فيها آثاراً سيئة، إذ المطلوب للمسلم في ليالي رمضان أن يشغلها بالذكر والقيام والاشتغال بما ينفعه في دينه ودنياه، وأما شغل الليل بالمعاصي والسيئات فهذا خطر عظيم ويخشى عليه أن يكون قد صام عمّا أحل الله له وأفطر على ما حرم الله عليه.
كلتا العشرين لها فضل
* أيهما أفضل العشر الأول من ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟
- كلتا العشرين لها فضل، العشر الأخيرة من رمضان لها فضل، والعشر الأول من ذي الحجة لها فضل، لكن يقول بعض العلماء: يمكن الجمع بأن يقال: إن الفضل في العشر الأخيرة من رمضان خص بالليالي؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يحيي ليالي العشر الأخيرة من رمضان بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن، وليالي العشر الأخيرة من رمضان ترجى ليلة القدر في إحدى لياليها، وإن كانت الأوتار آكد من الأشفاع. وعلى كل حال العشر الأخيرة من رمضان فيها ليلة القدر؛ لهذا فضلت ليالي العشر الأخيرة من رمضان، أما عشر ذي الحجة فقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر فخص الفضل بالأيام، ومع أن ليالي العشر الأخيرة من رمضان فيها خير، لكن اليوم يطلق على النهار.
مات قبل أن يكمل رمضان
* والدي مات مريضاً ولم يكمل رمضان، فهل نصوم عنه قضاء الأيام التي لم يصمها أم ماذا علينا؟
- الأيام التي مات قبل أن يصومها لا شيء عليه؛ لأنه لم يدركها، فموته قبل استكمال الشهر لا يتطلب القضاء عنه؛ لأنه لم يدرك هذه الأيام، أما بالنسبة للأيام السابقة، فإن كان مرضه مرضاً خطيراً لا يرجى برؤه، لزمهم أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً، وإن كان ليس مرضاً خطيراً، وتوفي قبل أن يكمل الشهر فلا قضاء ولا إطعام.
وجوب الزكاة ليس مربوطاً برمضان
* متى تجب الزكاة؟ وما وقت وجوبها؟ ومن هم مستحقوها؟
- تجب زكاة الأموال إذا ملـك المسلم نصاباً وحـال عليه الحول، وكان المالك حراً. ومقدار النصـاب عشرون مثقـالاً بالنسبة للذهب، وهو ما يقارب اثنين وتسعين جرامـاً، ومن الفضة مائتـا درهم، وهو مـا يقارب ستة وخمسين ريالاً سعودياً، فمتى ملك النصاب وتمت السنة من ملكه له وجبت الزكاة، وهـي ربـع العشر. ففي مائة ريـال مثلاً ريالان ونصف، وفي الألف خمسة وعشرون ريالاً، وهكذا. ووقت وجوبها: حسب ملـك النصاب، فإن ملكه في محرم وجب في مقابله مـن العام المقبل، وهكذا، وليس وجـوب الزكـاة مربوطاً برمضان، وإنما المسـلمون يتحرون إخراج زكـاة أموالهم في رمضان لمضاعفة الأجـر فيه، ومن تم حول زكاته في غـير رمضان وجب إخراجها، ولا يؤخرها إلى رمضان، وإن عجلها قبل تمام السنة ليوافق رمضان فلا بأس به إن شاء الله. وأما مستحقوها: فهم المذكورون في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (60) [التوبة].
لا ينبغي للمسلم أن يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله
* عندما أدخل دورة المياه - أجلكم الله - ومعي المصحف أضعه خارجاًَ لكني أنسى مكانه وقد لا أجده وأجد أن أحدا قد أخذه حينئذ، هل يجوز أن أدخل بالمصحف دورة المياه أو لا؟
- لا ينبغي للمسلم أن يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله؛ لأن في ذلك امتهانا له، والقرآن أعظم الذكر بل هو كلام الله، فعلى المسلم أن ينزهه عن تلك الأماكن؛ إلا أن يخاف عليه من الضياع أو النسيان إن هو تركه خارجا عن مكان الخلاء، فحينئذ لا بأس أن يدخل به، ولكن ليحفظه ويغطيه، والله أعلم.
المفطرات التي تفطر الصائم
* ما هي المفطرات التي تفطر الصائم؟
- المفطرات التي تفطر الصائم قسمان: قسم أجمع المسلمون عليه إجماعاً وهو تعمد الأكل والشرب في نهار رمضان وتعمد الجماع في نهار رمضان، فهذه أمور متفق بين المسلمين على أنها مفطرة لأن الله يقول لنا { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ }[البقرة: 187] ، ويقول تعالى لنا: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ } [البقرة: 187] . فدل على أن الأكل والشرب والجماع من تعمد شيئاً منها فإن صومه يفسد بلا إشكال، فمن العلماء أيضاً من يلحق إخراج المادة المنوية من الإنسان كالذين يعملون العادة السرية المنهي عنها فيخرجون المادة المنوية منهم فهذا بلا شك أنه يفطر الصائم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق الصائم يدع طعامه وشرابه وشهوته لأجلي فإخراج المادة المنوية فيها شهوة وهذا مفطر للصائم. ومما يفطر الصائم أيضاً الحجامة وهي إخراج الدم من الجسد، فإن في حديث ثوبان "أفطر الحاجم والمحجوم" قال العلماء: وما يفطر ما يلحق بالأكل والشرب كالإبر المغذية التي توضع في يدي المريض حتى تقوم مقام أكله وشربه وتغنيه عن الطعام والشرب فهذه أيضاً مفطرة ويفطر الصائم أيضاً خروج دم الحيض من المرأة فخروج دم الحيض من المرأة أو ولادتها في نفاس مصحوب بدم فهو يفطر الصائمة أيضاً. ومما يفطر الصائم تعمد إخراج القيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من استقى فعليه القضاء ومن ذرعة القيء فلا قضاء عليه" فالذي يحاول إخراج القيء من جوفه نقول هذا يفطر الصائم لكن لو خرج القيء من دون تعمد غلب عليه خروجه فلا يلزمه حبسه، بل يدعه يخرج ولا شيء عليه. وكذلك ما يفطر الصائم التقطير في الأنف فإن للأنف منفذاً للحلق والنبي صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن صبرة: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" فدخول الشيء عن طريق الأنف كالقطرات ونحوه إذا وصلت الحلق فإنها تفطر الصائم لأن الأنف منفذ للحلق، يوصل للحلق ما يأتي عن طريقه، فهذه مفطرات الصائم أما الأكل والشرب نسياناً فلا يفطر لحديث "من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" والاحتلام من الصائم لو نام في نهار رمضان فلا يؤثر عليه لأن هذا خارج عن إرادته، ولو جرحه شيء أو سقط شيئاً على جسده فخرج دماً من غير اختياره بل جرح جرحاً غلب عليه فلا شيء عليه لأن هذا الشيء ليس من اختياره بل أمر غلب عليه.