لجأ سكان منطقة القصيم أمس ولأول مرة منذ عشرات السنين لمخيمات ومراكز الإيواء كالمدارس والملاعب المجمعة والشقق المفروشة والفنادق, هرباً من مياه السيول الغزيرة التي دخلت مساكنهم, وأجبرتهم على اللجوء لسطوح المنازل, والمخيمات البرية.
حيث أكد الفلكي خالد الزعاق أن مياه الأمطار لهذه السنة لم تشهدها المنطقة منذ ثلاثين عاماً, مستشهدا بجريان عدد من الأودية التي وئدت منذ عام 1402.
فقد عاشت مدينة بريدة منذ يوم الاثنين الماضي حتى فجر أمس أياماً عصيبة استنفرت فيها جميع الجهات المعنية كالدفاع المدني والمرور وأمانة المنطقة والدوائر الخدماتية الأخرى كافة فرقها الميدانية, وطاقتها التشغيلية, من معدات وآليات وإمكانيات بشرية في سبيل إجلاء وتخليص وفك احتجاز ومعاونة أكثر من 190 مواطناً ومقيماً, وفتح الكثير من الطرق والممرات التي أغلقتها المياه وإزالة الانزلاقات الترابية والطينية المصاحبة لجريان السيول.
وقد نزح غالبية سكان حي العليا والشقة شمال مدينة بريدة بالإضافة لسكان حي الإسكان وخصوصاً إسكان ( 6.5) من منازلهم ليلة أول أمس بسبب محاصرة ودخول مياه الأمطار لمنازلهم, مسببة خسائر مادية فادحة, وملحقة أضراراً جسيمة بمحتويات ومقتنيات البيوت, حيث تعذر مع غزارة المياه وكثافة منسوبها الدخول أو الخروج من تلك المنازل, كما حاصرت المياه عددا من المحال والمجمعات التجارية ما أجبر عددا من المتسوقين للبقاء داخل تلك المجمعات لساعات طويلة.
وخوفاً من تكرار حادثة غرق مستشفى الملك فهد التخصصي كما حدث عام 1418, فقد لجأت أمانة المنطقة لوضع مصدات وحواجز ترابية أغلقت بها الطرق المؤدية لموقع المستشفى.
فيما احتجزت مياه السيول أكثر من 40 سيارة في حي مشعل ببريدة, بالإضافة إلى إغلاق الكثير من التقاطعات والطرق الرئيسية ببريدة كتقاطع طريق الملك عبد العزيز مع الدائري الشرقي لبريدة, وتقاطع طريق الدائري الغربي مع طريق القصيم - المدينة السريع لارتفاع منسوب المياه فيها, فيما لم يسلم طريق القناة والذي يحتضن أكبر قناة لتصريف مياه الأمطار من التجمعات التي أعاقت سير الحركة المرورية بالإضافة لطريق الملك عبد العزيز الذي شهد فيضان المياه من عبارات التسييل والصرف لمياه الأمطار, حيث تكدست السيارات وشكلت قاطرة من المركبات التي تعطلت لغزارة المياه.
وفي عنيزة كشفت الأمطار سوء التصريف حين تحولت طرق المحافظة إلى بحيرات عائمة ما جعل البلدية تلجأ لإزالة أحد الأرصفة التي أنشأتها حديثاً لإيجاد معبر للسيول.
من جهة أخرى أغرت غزارة مياه المستنقع الواقع بجوار ميدان الفلك بعنيزة, شابين ليمارسا هواية السباحة بقارب مطاطي، حيث قاما بإيقاف سيارتهما والركوب على القارب والتجّول داخل المستنقع معبرين عن فرحتهما بهطول الأمطار الغزيرة.
كما شهدت محافظة الرس أمطارا غزيرة لليوم الرابع على التوالي ما تسبب في شل حركة السير للكثير من الطرق الرئيسية داخل الرس حيث قامت الدوريات الأمنية بإغلاق عدد من الطرق نظراً لارتفاع منسوب المياه فيها وتعطل عدد من الإشارات الضوئية في التقاطعات الرئيسية.
كما شهدت محافظة المذنب تواصل الأمطار عليها بشكل قوي ما أدى إلى جريان جميع أوديتها, خاصة أن المذنب تعد أكثر محافظة تصب فيها الشعاب على مستوى المنطقة, وأدت غزارة الأمطار على شعيب المظيفر بحي الديرة والمنيقع بالإضافة لضيق مساره إلى رجوعه وفيضانه بحي الديرة ما أدى إلى محاصرة واحتجاز أكثر من ثلاثين منزلاً مأهولة بأكثر من 100 مواطن ومقيم حيث كانت قلة الإمكانيات لدى الدفاع المدني بالمحافظة وتأخر الجهات المعنية بإجلاء المتضررين وراء تذمر العديد من المواطنين.
كما أدت السيول التي حاصرت المنازل إلى سقوط أكثر من عشرة مبان شعبية تقطنها عمالة وافدة بحي الديرة وحي الجديدة جراء دخول الأمطار والسيول إليها.
كما أقفلت القوة الخاصة لأمن الطرق بالمحافظة طريق المذنب ساجر وطريق المذنب أم حزم جراء السيول التي احتجزت أكثر من 20 سيارة في الطريق.
وقدمت جمعية البر في محافظة المذنب المساعدة لـ70 أسرة تضررت من السيول حيث تم إيواؤهم داخل المحافظة وفي القرى التابعة لها، وذلك بالتنسيق مع الدفاع المدني، حيث مازالت الجمعية حسب عضو مجلس إدارتها أحمد عبدالعزيز العقيلي تواصل بالتنسيق مع الدفاع المدني تقديم خدماتها للمتضررين من السيول في المحافظة.
وشملت الأمطار محافظة الأسياح والشماسية والقرى التابعة لهما, حيث شهد مركز قبة جريان وادي السهل وأبو الحياص ووادي أبو خويمة وقد تسببت الأمطار الغزيرة في الكثير من الاحتجازات.
وأدى هطول الأمطار المستمر لليوم السادس على محافظة رياض الخبراء والبكيرية والمراكز التابعة لها إلى تحول بعض شوارعها وطرقها الرئيسية إلى بحيرات مائية يصعب عبورها.
وفي مركز عقلة الصقور تسببت غزارة الأمطار في سقوط بعض المنازل الشعبية في قرية الأفيهد, وباشرت فرق الدفاع المدني بالمركز جميع تلك البلاغات وعرض على المتضررين أماكن إيواء لهم مقدمة من جمعية البر الخيرية بمركز عقلة الصقور.
كما اجتاحت السيول مساء أول من أمس جنوب منطقة القصيم وشملت مركز العمار ومركز الملقا ومركز الخرماء الجنوبية والشمالية وهجرة الصالحية وعدد كبير من الهجر.
وقد تواصل هطول الأمطار طوال الليل وحتى ساعات الصباح الأولى و غمرت السيول عددا كبيرا من المزارع وتوقفت الحركة على الطرق الرئيسية كطريق مركز العمار - ساجر (طريق الرياض القديم) بعد أن غمرت السيول روضة معرضة تماماً وتوقفت الحركة على الطريق حتى ظهر أمس وقد قام المجمع القروي بمركز العمار طوال ليل أمس الأول في تصريف السيول عن منازل المركز و إنقاذ المحتجزين.
ولم يتمكن مركز الدفاع المدني بالعمار من تقديم المساعدات للمحتجزين لديهم لانقطاع الطريق بين مركز العمار ومحافظة المذنب.
أيضا توقفت الحركة من مساء أول من أمس وحتى بعد ظهر أمس على طريق العمار الملقا(طريق مكة المكرمة) بعد أن اجتاح وادي الرشا القادم من مرتفعات الحجاز ومحافظة عفيف ودخل منطقة القصيم من جهتها الجنوبية وجرف الكثير من المواشي والسيارات وغمر مزارع ومنازل لمواطنين سبق أن أخلوها بعد تحذيرات من الدفاع المدني.
وقد تسببت سيول وادي الرشا في مغادرة أهالي مركز ربيق وهجرة الناعمين وهجرة العاقلية وهجرة السالمية وهجرة وادي الرشا وهجرة السمار منازلهم والإقامة في شقق مفروشة في محافظتي عنيزة والمذنب.
وفيما ذكر عدد كبير من المواطنين أنهم فقدوا ماشيتهم وخيامهم بسبب قوة جريان الوادي، أكد رئيس المجمع القروي بمركز العمار المهندس فايز العقيلي أن المجمع تدخل مساء أول من أمس في إنقاذ وإخلاء المحتجزين خوفاً على حياتهم، بعد أن تعذر وصول الدفاع المدني لمركز العمار بسبب غمر السيول للطريق الرابط بين مركز العمار ومحافظة المذنب.
ووفقا لكبار سن فإن وادي الرشا لم يسل بهذا الكميات الكبيرة وهذه القوة في الجريان منذ أكثر من 50 عاماً.
وفيما يخص تفاعل الجهات ذات العلاقة أوضح مساعد مدير عام للتربية والتعليم بمنطقة القصيم " بنين " محمد بن عبدالكريم الحنايا أن الإدارة وضمن المسؤولية المناطة بها في مثل هذه الظروف فقد تم وفي مدينة بريدة تحديد وتجهيز خمس مدارس لاستقبال الأسر التي تضررت من مياه السيول وكذلك تعميد مديري مراكز الإشراف الثمانية في المنطقة خارج مدينة بريدة وهي الأسياح والمذنب وعيون الجواء وقصيباء والبكيرية والفوارة وعقلة الصقور ورياض الخبراء بتخصيص مقرات المراكز والمدارس التابعة لهم كمواقع إيواء وأن عليهم التواصل مع الجهات المعنية في مواقعهم وذلك لتمكين أية أسرة من اللجوء لتلك المقرات بالإضافة إلى تمكين أي شخص يحضر بنفسه لتلك المقرات وكذلك العمالة الوافدة المتضررة من السيول.
وعن مدى جاهزية تلك المواقع لاستقبال المتضررين أوضح الحنايا بأن تلك المواقع قد تمت الاستفادة فيها من أثاث بيت الطالب لتجهيزها، وكذلك الملاعب المجمعة، وعن الآلية المتخذة من قبلهم في أماكن الإيواء أفاد بأنه تم تعميد مديري المدارس التي أعدت لذلك الغرض، وحراسها بالتواجد في تلك المقرات وتنظيم عملية اللجوء بالتنسيق مع فريق العمل المشكل من قبل الإدارة.
وعن كيفية وصول من يريد اللجوء لتلك المقرات قال الحنايا " قمنا بتأمين باصات حديثة مع سائقيها لنقل أية أسرة ترغب بالانتقال لتلك المواقع كما أن الإدارة العامة للتربية والتعليم وتعاوناً مع الدفاع المدني قد وفرت سيارات ذات دفع رباعي تابعه للإدارة تقوم بنقل الأسر من المواقع ذات الارتفاع العالي لمنسوب المياه.
وأكد المشرف على المرصد الفلكي بمدينة بريدة الدكتور خالد الزعاق أن الأمطار التي هطلت على منطقة القصيم لم تشهدها المنطقة منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً متجاوزة الأمطار التي شهدتها المنطقة منذ عام 1418 مستشهدا بأن أمطار هذا العام قد ضخت دماء الحياة في بعض الأودية التي لم تجر فيها المياه منذ عام 1402 بجنوب القصيم وغربه مثل وادي قصوى ووادي السحبا الواقع بين البدائع والرس ووادي الرشا الذي يغذيه وادي العمار.
وأضاف الزعاق أن المياه التي هطلت أول من أمس كانت مياها غزيرة تجاوزت 45 ملم3، واصفاً الأمطار التي هطلت بأنها تدخل ضمن الأمطار التي قد تشكل خطراً على أنفس البشر.
وقد قامت مديرية الدفاع المدني بمنطقة القصيم بالعديد من عمليات الإخلاء والإيواء لعددٍ من الأسر التي داهمتها مياه السيول في مدينة بريدة وبعض محافظات المنطقة وكانت غرف العمليات بإدارات ومراكز الدفاع المدني قد تلقت العديد من البلاغات وطلبات الاستغاثة تم التعامل معها وفق ما يتطلبه الموقف في مثل هذه الحالات.
وتطبيقاً لخطط الطوارئ في مثل هذه الظروف فقد تم عقد اجتماع طارئ لأعضاء اللجنة الفورية وذلك بمركز القيادة والسيطرة بالدفاع المدني بمدينة بريدة وبحضور مدير شرطة منطقة القصيم اللواء عبدالقادر بن عبدالباقي طلحة ونائب مدير الدفاع المدني بمنطقة القصيم العقيد جهز بن عبيد الفهيدي وبقية أعضاء اللجنة, ذكر ذلك لـ "الوطن" الناطق الإعلامي بمديرية الدفاع المدني بمنطقة القصيم الرائد إبراهيم بن عبدالعزيز أباالخيل الذي أوضح أن فرق الدفاع المدني بمنطقة القصيم قد باشرت العديد من حالات الإنقاذ والإخلاء وذلك نتيجة محاصرة السيول ومداهمتها لبعض المنازل الواقعة في حي الإسكان وحي العلياء بمدينة بريدة وكذلك في بعض المحافظات والمراكز تم إيواؤهم في مواقع الإيواء المخصصة لذلك والشقق المفروشة بالتنسيق مع فرع وزارة المالية بالقصيم، كما تم صرف مجموعة من الخيام لإيواء المتضررين في مختلف المحافظات والمراكز، وقد استنفرت كافة الجهات ذات العلاقة جهودها للتقليل من آثار السيول التي اجتاحت المنطقة وتقديم الدعم والمساعدة لكافة الأسر المتضررة حيث بذلت الشرطة والمرور والأمانة والمالية والحرس الوطني والكهرباء والهلال الأحمر وتعليم البنين والبنات جهوداً كبيرة كانت محل التقدير.
كما كانت جهود فرع وزارة المالية بالقصيم واضحة وذلك بالتنسيق مع الدفاع المدني من خلال تقديم خدمات الإيواء والإغاثة لجميع المتضررين.
وحول وسائل التوعية التي استخدمها الدفاع المدني قال الرائد إبراهيم إن دوريات السلامة تقوم بالمرور على كافة المواقع الخطرة وتقوم بالتحذير منها من خلال مكبرات الصوت كما أن إدارة العلاقات والإعلام بمديرية الدفاع المدني بمنطقة القصيم بثت عشرين ألف رسالة توعية عن طرق الجوال لمختلف المواطنين بالمنطقة وستعمل على بث هذه الرسائل بشكل يومي.