تتمة الفصل الأول


جلس (ماجد) على أحد الكراسي الوثيرة المتحلّقة على طاولة اجتماع صغيرة في ركن الغرفة، وجلس القائد أمامه، وقال وهو يمد له بملف ضخم:
- أعرف أنك منهك بعد أحداث صباح اليوم، لذلك سأختصر عليك الوقت، وسأدخل مباشرة في صلب الموضوع، ففي الأسبوع الماضي تم اكتشاف جثة مواطن رُميت في (نهر الحاير) جنوب الرياض، وبعد رفعها وتحليل المعمل الجنائي لها، تبين أن سبب الوفاة هو ضربة بآلة حادة في مؤخرة الرأس، لم تكن هناك مقاومة، ولا أي أدلة على التعذيب، وقبل هذه الحادثة لعلك تذكر الطفلة الصغيرة التي خطفت من أمام أحد المحلات في الشهر الماضي، والتي كانت في تغرق في غيبوبة عميقة، وغيرها من القضايا التي بدأت تظهر على السطح وتُنشر ملابساتها في الصحف والمجلات، والتي يزخر بها هذا الملف، والملفات الأخرى التي بدأت تملأ الأرفف.

قطب (ماجد) حاجبيه، وهو يسمع كلام (القائد) محاولاً ألاّ يفوت أي شيء، وبعد أن أنهى (القائد) حديثه، تطلع إليه بعينين حائرتين وقال:
- معذرة يا سيادة القائد، ولكن ما دورنا في كل هذا؟ أليست مثل هذه العمليات من اختصاص الشرطة والمباحث الجنائية؟
- بالضبط يا (ماجد)، الأمر هو كما قلت، ولكني لا أتحدث عن التحقيق في هذه الجريمة أو مثيلاتها، التي يزخر بها الملف الذي بين يديك، وإنما أتحدث عن أمر أكبر من هذا بكثير، أريدك أن تقرأ هذا الملف بعناية، وغدًا صباحًا سنجتمع مع فريق خاص جدًا، وسنتباحث الأمر سويًا.

نهض (القائد) من مقعده معلنًا بذلك انتهاء المقابلة، فنهض (ماجد) حاملاً الملف الضخم وحقيبته الجلدية، وصافحه القائد قائلاً:
- إذًا موعدنا في تمام التاسعة صباحًا، سوف يوصلك (سلمان) إلى مكتبك لدينا، وستكون جميع مواد المكتبة تحت تصرفك طيلة الوقت، وإن أردت أي شيء لا تتردد في الاتصال بي.

خرج (ماجد) من غرفة القائد، فوجد (سلمان) الشاب الذي استقبله في انتظاره، وقال له:
- من فضلك اتبعني، سأقودك إلى مكتبك.

انطلق (سلمان) بخطوات واسعة يقوده عبر ممرات حديثة، إلى أن توقف أمام مصعد في أحد الأركان، تعجب (ماجد) من وجود مصعد في هذا المبنى المتهالك، فهذا المبنى حسب ما يتذكر ذو طابق وحيد، فلم الحاجة إلى مصعد، كتم تساؤلاته، وهو ينصت إلى شرح (سلمان) عن المبنى، ففي هذا الطابق توجد غرفة المراقبة، التي قابل فيها القائد، وغرفة الاجتماعات، والمكتبة المرئية، وبعض الغرف الجانبية!

أعلن المصعد عن قدومه بصوت ضعيف، وعندما ابتلعهما بداخله، قطب (ماجد) حاجبيه وهو يتأمل أزراره، التي كانت تشير بوضوح إلى قدرته على التنقل بين خمسة طوابق! هل يعقل أنه فقد قدرته الشهيرة على الملاحظة، وفاتته الطوابق الخمسة!، أم أن هناك في الأمر سر لا يعلمه؟
التفت نحو (سلمان) الذي كان متوقعًا مثل هذا التعجب، فعاجله قائلاً:
- بدل أن نلفت الانتباه بطوابق علوية، جعلناها في الأسفل!

لم يتمالك (ماجد) سوى أن يبتسم، والمصعد ينزلق بهما في صمت، إلى أن توقف وانكشف الباب بهدوء ولوحته الإلكترونية تعلن عن (-3)، امتد الممر أمامها بإضاءة ضعيفة، تقدم (سلمان) نحو الممر، و(ماجد) يرمق الأبواب التي تناثرت على جانبيه إلى أن توقف أمام باب جانبي حمل الرقم (315) وكتب عليه بخط أنيق (ماجد صالح عبدالرحمن – العمليات الخاصة)

فتح (سلمان) الباب، وأضاء الأنوار، ودعا (ماجد) إلى الدخول وهو يقول:
- تفضل ... هذا هو مكتبك، واعذرنا على التقصير في إعداده، فلقد وصلنا خبر قدومك متأخرًا.

دلف (ماجد) إلى الداخل، وهو يتأمل الغرفة غير المعدة جيدًا في تعبير (سلمان)، كانت الغرفة فسيحة، في أحد أركانها قبع مكتب كبير، صفت عليه عدة أجهزة متنوعة، فهناك حاسب آلي حديث، وجهازي هاتف، وطابعة ليزرية ملونة، بالإضافة إلى جهاز فاكس وماسح ضوئي، وعدة أجهزة لم يتبين كنهها بعد.

تنحنح (سلمان)، وواصل حديثه بعد أن ترك له فترة للتأمل:
- سأكون في الطابق الأرضي، بإمكانك الاتصال بي هاتفيًا، دليل الأرقام ستجده في الدرج العلوي، بالمناسبة لقد طلب مني القائد أن أترك لك هذا الصندوق.

وأشار إلى صندوق كبير، بداخله عدد من الملفات الضخمة، وضعه في أحد أركان الغرفة. خرج (سلمان) من الغرفة وأغلق الباب خلفه، وترك (ماجد) وحيدًا.

وضع (ماجد) الملف وحقيبته الجلدية على مكتبه الجديد، وألقى بجسده على الكرسي الوثير، وأغلق عينيه لفترة طويلة، لوهلة بدا نائمًا، مستغرقًا في النوم، غير أن عقله كان يعمل بأقصى طاقته، يحلل المواقف التي مر بها منذ الصباح، ويستخلص منها أدق النتائج، فتح عينيه فجأة، والتقط الملف الكبير، وفتح حقيبته وأخرج منها جهازه المحمول، وعلى ضوء الغرفة الخافت، بدأ يقرأ في الملفات، ويسجل ملاحظاته.

.
.
انتهى الفصل الأول ..
ومازال في الحديث بقيّة ..