الفصل الرابع
في غرفة واسعة، تحلّق عشرة أشخاص حول طاولة اجتماعات فاخرة، كل منهم يتحدث بصوت هامس مع من بجانبه، بينما انهمك أحدهم في مراجعة أوراق أمامه.
كان (ماجد) يجلس باسترخاء في مقعده حول الطاولة، وهو يمسك كأس القهوة الساخن بكلتا يديه ويرشف منه باستمتاع، ثم يعود ليتأمل الحاضرين، بألبستهم العجيبة، لم يكن يعرف أي واحد منهم، سوى (سلمان) الذي كان يقوم بخدمتهم بنشاط، كان بعض من حوله في لباس عسكري خاص بالصاعقة، والشرطة، وجهات عسكرية أخرى، وآخرون بلباس مدني، بل إن أحدهم حضر إلى الاجتماع بمشلح أسود!
لفترة كانت الأحاديث الجانبية هي المسيطرة، ولكنها سرعان ما بدأت في التلاشي عندما دخل القائد إلى الغرفة بحيوية وسحب كرسيًا وجلس عليه ووضع أوراقًا كان يحملها على الطاولة، ونظر إلى الجميع بوجهه الباسم وقال:
- السلام عليكم ورحمة الله .... أسعد الله صباحكم بكل خير.
تناثرت الكلمات من بين الحاضرين ترد السلام، وسرعان ما عم الصمت، الذي بدده القائد مرة أخرى، وقال وهو يحرص على أن ينظر إلى عينيّ كل شخص:
- أعتقد أنكم تعلمون لماذا نحن مجتمعون اليوم؟ ... لذلك لن أضيع الوقت في مقدمات لا فائدة منها .. فكلنا يعرف أن هناك شرذمة تعبث منذ مدة في أمننا وبلدنا، وتعتقد أنها هي صاحبة اليد الطولى في كل شيء، وأن مقاليد جزء من هذا البلد في يدها، تعبث كيفما تشاء، وتتحرك كالخفافيش في الظلام، بل وحتى تحت وهج شمسنا اللاهبة وكأنها لا تخش شيئًا، وبالرغم من المداهمات العديدة التي قامت بها قطاعتنا الأمنية التي حدّت من نشاطاتهم إلا أنّا نجدهم يعودون بعد فترة، وبطرق جديدة .. وبقسوة أكبر؛ من أجل هؤلاء أنتم هنا، من اجل القضاء عليهم تم اختياركم، أنتم النخبة من كل قطاع، فأنتم أملنا بعد الله عز وجل في تقويض هذه الفئة، واجتثاثها من جذورها، بل وتلقين درس لكل من تسول له نفسه المساس بأمننا وبوطننا.
توقف القائد هنيهة، ليلتقط أنفاسه، وليترك فرصة للآخرين ليستوعبوا كل حرف مما يقول، وبعد أن ارتشف من كأس الماء الموضوع أمامه واصل يقول:
- في هذه العملية لا نستطيع أن نخاطر بحياة عدد كبير، بل نحتاج إلى مجموعة صغيرة، وبخطة محكمة لإنتشال هذه الحثالة من أساسها، أنا على يقين بأنكم أهل لهذه المهمة، لكم مطلق الصلاحيات، وكل الاعتمادات مني شخصيًا، ومن كافة القيادات العليا، وكل ما نطلبه منكم هو إراحة الوطن من تسلط هذه الفئة، ولي طلب واحد قبل أن أترككم مع منسق العملية، وهو أن تتناسوا حتى فترة انتهاء هذه العملية كل الرتب العسكرية والتيجان والنجوم التي تتزاحم على أكتاف بعضكم، والدرجات الوظيفية العالية التي يتمتع بها المدنيون منّا لكي نخلق جوًا من الألفة بيننا، الآن سأترككم مع المنسق لهذه العملية السيّد (ماجد)، فمنذ يومين وهو عاكف على وضع الخطوط العريضة لهذه القضية، بل ..
وأردف وهو ينظر إليه بابتسامة فخر :
- لقد كان صباح الأمس في مطاردة مثيرة في شوارع الرياض مع هؤلاء حتى وصل إلى مقرنا الجديد، تفضل يا أبا صالح.
تنحنح (ماجد) وبدأ حديثه قائلاً:
- بداية أرحب بكم في هذه الفريق الذي أتشرف بالانتماء إليه، وأحب أن أبدأ بالتعريف بنفسي فأنا (ماجد صالح عبد الرحمن) من العمليات الخاصة، طوال هذا الأسبوع سنتحدث عن (البطحاء) ... و(دون) المتحكم فيها وعن مملكة البنغال التي تسيطر على كل شيء فيها.
توقف وهو يشير إلى (سلمان) ليوزع ملفات تم إعدادها من قبل، وواصل حديثه:
- في هذه الملفات تجدون ببساطة كل شيء، فخلال الأسبوعين الماضيين كرست طاقمًا كاملاً للبحث والتحري، عن كل شاردة وواردة تدور هناك، وبين أفراد تلك العصابة، ولقد استطعنا وبفضل من الله تجنيد عدد من الأعين لنا في الداخل، بل .. وفي صباح الأمس تمكنّا من الحصول على معلومات ستمكننا بإذن الله من تفريق شمل هذه العصبة.
.
.
وللحديث بقيّة ..