الجزء الخامس

أنطلق خالد معهم و خلفه باقي أفراد قبيلة الجن...
شعر بهم يحتفون به وستقبلونه استقبال الأبطال...
حين يلتفت حوله يراهم يزدادون عدداً...
الذينيستطيعون التشكل بأشكال قريبة من أشكال البشر هم القريبون منه أما اللذين تنقصهمالخبرة و المهارة فهم في الصفوف الخلفية...
و يستطيع أيضاً أن يرى بعض الأشكالالمرعبة و الأعين المتوهجة لكنه و بعد طمأنة ملك القبيلة له وجد نفسه أكثرثقةً...

ساروا جميعاً و هو ممسك بيد الطفلة حتى إذا وصلوا إلى جبل عظيمالتفوا حوله ليراه خالد من الجهة الأخرى قصراً منيفاً...
رحبوا بخالد كثيراً وأجلسوه في صدر المجلس عن يسار ملك القبيلة, جوار خالد جلست الطفلة و كان على يسارالشيخ شقيقه "هيدبا" و يليه "طارخ"...
مجلسٌ كبير امتلأ بالجن المتشكلين علىهيئات بشر
أما المجلس المقابل فقد جلس فيه أنصاف البشر

دارت أقداح القهوةعلى الحضور, تذوقها خالد ليجدها من ألذ ما ذاقه يوماً...
دار الحديث بين خالد وملك الجن و "هيدبا" .. أحياناً يتدخل الفتى "طارخ" فبدا ذا عقلٍ راجح يسبق سنهبكثير عكس ما توقع خالد...

قال الشيخ: يا خالد سأخبرك الآن سبب استضافتنا لكو استقبالك في عالمنا...
نحن يا خالد من قبائل الجن المسلمة و هناك حرب دائرةبيننا و بين قبيلة أخرى من الجن و هذه القبيلة لا تدين بالإسلام, فهم من عبدة النارو قد جعلنا بيننا و بينهم منطقة عازلة و حدوداً يراقبها مجموعة من خيرة شبابالقبيلة و في مقدمتهم قائدهم "طارخ"...
في بعض الأحيان تغير علينا تلك القبيلةفيتصدى لها "طارخ" و الذين معه حتى يلتحق بهم باقي أفراد القبيلة...
و بين حدودقبيلتنا و حدود القبيلة الأخرى هناك منطقة عازلة نستطيع بلوغها لكن بحذر فهم لايؤمن جانبهم...

في تلك الليلة ابتعدت ابنتي"زيزفزنة" كثيراً عن حدودقبيلتنا...
و المشكلة أن عيناً من تلك القبيلة رصدت تحركاتها فأوصلت الخبر إلىملك تلك القبيلة لينطلق في إثرها و معه الكثير من أتباعه ناوٍ اختطافها...
و منفضل الله استشعرت "زيزفونة" الخطر و حاولت العودة قبل أن يظفروا بها...

طارت "زيزفونة" في محاولة منها الوصول إلى حدود القبيلة حيث يستطيع "طارخ" حمايتها

نظر خالد إلى الطفلة" زيزفونة" قبل أن ينقل بصره إلى الشيخ و هويسأل بدهشة: و هل تطير "زيزفونة"؟
أجاب الشيخ بابتسامة: نعم يا خالد, منا نحنمعشر الجن من يطير و منا من يمشي و هناك أيضاً من يعيش في الماء كالسمك...
نظرخالد إلى طارخ و هو يسأل: و هل تطير أنت يا "طارخ"؟
أجاب "طارخ": نعم يا خالدفأنا أيضاً من عائلة الملوك و طبعاً أفضل الجن هو الجن الطائر...

أعتدل خالدفي جلسته و نظر إلى "زيزفونة" المبتسمة و هو يمسح على شعرها لتغمض عينيها في سكونآسر...
عاد الشيخ يتابع كلامه: حين طارت" زيزفونة" في محاولة منها النجاةأجبرتها أضواء سيارتك على أن تتشكل بسرعة إلى أي صورة فلم تجد إلا أن تتشكل بصورةطفلة حتى لا تُرعِبك...

و قد أدركوها على مشارف سيارتك حتى قبل أن نعلم بمايجري...
حين أوقفت سيارتك و حملت زيزفونة صار من الصعب عليهم الاقتراب أتدريلماذا؟
أجاب خالد باستغراب: لماذا؟
قال الشيخ: لأنك و قبل بداية رحلتك قرأتدعاء السفر فجعل الله لك حافظاً من عنده يمنعهم عنك...

استرسل الشيخ فيكلامه قائلاً: وصلنا الخبر من طارخ بأن زيزفونة في يد إنسي مما جعلنا نغتم كثيراًفانطلق أهل القبيلة في إثرك لأننا خفنا أن يكون ساحراً من الأنس قد تمكنمنها...
أول من وصل إليك كان"طارخ" ناوياً الهجوم و القضاء عليك لكنك كنت في حفظالله فوقف طارخ حائراً...
قرر أن يخلصها رغم أمكانية احتراقه للأبد و لأنك فيحفظ الله ,فلن يستطيع أن يلمس منك شعرة , غير إن زيزفونة شرحت له الموقف بلغة لاتعيها أنت و أخبرته بأن الموت قادم و أبن ملك القبيلة الأخرى فيإثرها...

أخذ"طارخ" "زيزفونة" منك و قد أدركهم فرسان القبيلة الأخرى في نفسالمكان الذي كنتَ تقف فيه...
كانوا ينتظرون ابتعادك فقط فلن يستطيعوا العبورمادمت واقفاً...
وحين اختفى "طارخ و زيزفونة" في الظلام شرعا أجنحتهما و طارامبتعدين...
في هذه الأثناء كنت أنت ساكن تفكر مما منحهما الوقت الكافي للابتعادعن الخطر, فتقابل طارخ مع باقي أفراد القبيلة و قد تجمعوا فأرسل "زيزفونة" مع أحدهمو عاد مع باقي الفرسان لصد الهجوم فوجدوك و قد أسندت رأسك بمقود سيارتكساكنا...

قال خالد: نعم فقد كنت أفكر في "زيزفونة" و جمالها الطفولي ورائحتها العبقة, لأنني حين قبلتها.......
قاطعه الشيخ هازاً رأسه و هو يقول: نعم.. بلغنا يا خالد أنك كنت تقبل زيزفونة في سيارتك...
أجاب خالد باسماً: لابد انه "طارخ" أنت من أخبرهم يا طارخ أليس كذلك؟
أجاب "طارخ" بغلظة: نعم أنا منأخبرهم , هل هناك ما يمنع؟
لم يجب خالد بل اكتفى بالنظر إلى "زيزفونة" و هو يسألباسماً: تطيرين أيضاً؟ و ماذا بعد؟
لم تجبه" زيزفونة" بل ابتسمت و هي تشيحبوجهها عنه بهدوء و خجل؟؟؟

قال خالد و هو موجهاً كلامه إلى الشيخ: و ماذاحدث بعد ذلك أيها الملك؟
قالت "زيزفونة" و هي تلكز خالد : أيها الملك؟ ثمضحكت...
رد عليها خالد قائلاً: حسبتك لا تحبين الكلام...
ضحك الملك و هويقول: اللحظات التي كنت مسنداً فيها رأسك بمقود السيارة كانت كانت كافية لفرساننابأن يشكلوا صفوفهم و يقدروا عدد العدو و تشكيلاتهم و لم يكن سيتسنى لنا تجاوزك ومعرفة وضعهم لولا أن كنا من المسلمين خاصةً أننا لم نكن ننوي أذيتك فدعاء السفرالذي قرأته قبل أن تبدأ رحلتك لم يحمك بفضل الله من السوء فقط بل كان سلاح معنا وكأنك في صفوفنا...

صمت الشيخ قليلاً قبل أن يقول: هل تذكر يا خالد تلكالحجارة التي انهمرت على سيارتك؟
اتسعت عينا خالد و هو ينتظر الإجابة فقد كانيظنها من أبناء البدو...

تابع الشيخ كلامه قائلاً: لقد لاحظ أحد فرساننا أنفي سيارتك الكثير من أشرطة الغناء و المعازف فخشينا أن تدير آلة التسجيل فينطلقمنها صوت الموسيقى و كما تعلم فإن المعازف من المحرمات...
و لو حدث ذلك لكانتفرصة للقبيلة الأخرى بأن تؤذيك
فكيف ترجو الحفظ من الله و أنت تصدح بالأغاني وفي قلب الظلام؟
وهذا يا خالد ما جعل فرساننا يرمون على سيارتك بعض الحجارة علكتنطلق مبتعداً في حفظ الله و هذا ما حدث بالفعل...
و بمجرد ابتعادك اندلعت حربطاحنة كانت الغلبة فيها لنا و كان الفضل لله ثم لك بقراءة دعاء السفر و بذلك تكونقد ساعدتنا مرتين
مرة بإنقاذك "زيزفونة" و مرة بمنحنا فرصة معرفة تشكيلة العدو ومعرفة عدته و عتاده...

قال خالد مبتسماً: حماها الله من كل شر
نظر إليهافرآها تبتسم , انحنى خالد و طبع قبلة حانية على خد الطفلة ليطلق "طارخ" زمجرة خفيفةجعلت خالد ينظر إليه بتعجب و يرجع ليطبع قبلة ثانيه على خذ الطفلة الآخر قبل أنيستطرد موجهاً سؤاله إلى الشيخ: لكن ما قصة المجنون المربوط إلى الشجرة و العنزالمسلسلة إلى قدمه؟

رفع خالد رأسه ليلاحظ نظرات قاسية موجهه إليه من كل منفي المجلس و لاحظ أن "طارخ" يغلي غضباً لكنه أطمأن حين سمع ضحكة الشيخ و هو يقول: ذلك الذي رأيته ليس مجنوناً يا خالد, لو عرفت من هو لتعجبت
ياتُرى من هو ذلك
ولما هو هكذا
أسئلة كثيرة
واستنتاجات أكثر
والإثارة لم تبدأ بعد
سنعرف كل التفاصيل قريبًا
...