أُجبرتُ على المداخلة رغم ضيق الوقت فشكراً لصاحب المقال والتعقيبات....
ما سأرده هُنا مجرد رؤية شخصية تتخللها بعض الحقائق من مراجع علمية مُحلفة ......
أعتقد أن الموضوع يرتكز على عدة محاور ولكن سيكون التركيز هُنا على محوريين أساسيين هما الدولة والفرد.
في البداية لا بُد من التذكير بأن دخل الفرد السعودي حسب مُنظمة الصحة العالمية هو 13000 دولار امريكي في السنة وهذا يعكس الدخل القومي بشكلٍ او بآخر وأن نسبة الأُمية قد تصل الى 30 % بين النساء و أن متوسط الأعمار بين الذكورلا تتعدى 60 وبين النساء 63 سنة وان معدل وفيات الأطفال تحت سن الخامسة 30 لكل ألف
(1)..... وبنظرة سريعة مُتفحصة في هذه المؤشرات الدالة على الصحة العامة نجد أن السعودية مازال لديها الكثير لعمله....ففي حين قُضي على أمراض مستوطنة كالملاريا في أوربا الغربية بداية العشرينات من القرن المنصرم مازالت تفتك بإخواني في منطقة جازان بكل ضراوة(2,3).
هذا على المستوى القومي للمملكة العربية السعودية أما المستوى المحلي لمنطقة جازان فتتجلى سياسة التفرقة للعيان وما تفشي مرض حمى الوادي المتصدع في عام 2000 /2001 الا دليلاً واضحاً على سياسة الكيل بمكيالين في هذا المجال(4). وبمعرفة الباثولوجي لهذا المرض تتكشف لنا جلياً البنية التحتية الهشة لهكذا مجتمع أنهكته تجمعات مائية راكدة وتصريف صحي بدائي/ذاتي.
لذا ربما كان من الأنفع هنا عدم الخوض والإسهاب في الشكوى فالمثل الهندي يقول " خيرٌ لك من أن تُنقذ غريقاً كل يومٍ أن تستكشف من الذي يَقذف بهم من أعلى الجبل"
برأي الخاص أن سياسة البرامج الصحية بشكل عام في المملكة يتلحفها الهُزال والرجعية. وهنا أعني تبنيها ووضعها في الأجندة السياسية ثم تخطيطها ثم التطبيق على أرض الواقع وتقييمها ولربما تجديدها كماهو متعارف عليه عالمياً وذلك من أجل نجاح اي برنامج صحي (5). البرامج في المملكة إذا تبُنيت بعد أن تصل للأجندة السياسية بواسطة الوزير فإنها دائماً سياسة الأعلى الى الأسفل وهذا غير مجدي في معظم البرامج. فلا بد من مشاركات كل المستفيدين والمتضررين في وضع سياسة اي برنامج فلا نجاح لأي برنامج بدون رغبة العامة وإشتراكهم. كذلك عنصر الإستمرارية الذي يعتبر من أهم عناصر النجاح يكاد يكون مفقود في أي منشأة/برنامج صحي في المملكة وكأن الصحة عنوانها الجرعة الواحدة(6)....... كذلك عنصر التوعية الصحية مفقود في جُل البرامج الصحية بينما هو دعامة الطب الحديث في جميع الدول المتقدمة .... فالإعلام هذا الصرح العظيم بكل أطيافه (المقروء, المسموع, المرأي) مملوك للدولة ولا يحق لأي مشكلة صحية في بدايتها أن تصل ما لم يرتضيها الهرم السياسي....
أما الحديث عن محور الفرد/المجتمع في المنطقة فقد أثقل كاهل الصحة بثقافة عدم المبالاة وتجرع مسكنات الصمت .....فالقات وبشكل ملحوظ يلعب دوراً رئيساً في تدهور ساعات الإنتاج في جميع الدوائر/المؤسسات الحكومية والمستوى الإقتصادي بل وتردي الحالة الصحية بشكل عام....بالإضافة الى أنه وبسبب قلة الكوادرالوطنية وخلافه كُثر هم من يملكون سلطة القرار في المجال الصحي في المنطقة من غير المؤهلين لهذا النفوذ ....لذا تقييم الأمور الصحية الهامة في بدايتها وقبل تفاقمها لربما ندُر توفره...
وأخيرً الوعي الصحي للعامة في المنطقة غير جيد فمازال متداولاً في اوساط المتعلمين التداوي بالطُرق التقليدية كالكي للأورام والحجامة والختان/الطهارة بواسطة غير المختصين.....وكم هو شائع هناك الذهاب الى الصيدلية وجلب ما طاب من الدواء.......
تعقيباً على ما ذُكر لمقولة وزير الصحة السابق الدكتور أسامة الشبكشي "إذا لم يمُت المريض من المرض في منطقة جازان كان له ذلك بين أيدي الدكتور"
قد يكون في العبارة شيء من الحقيقة وهذا ليس لي تعليق عليه....لكن كان لي حديث مع الوزير المذكور أثناء إفتتاح مستشفى الطوال العام وكنتُ أطالب بتوفير محاليل "كيتات" خاصة لجهاز جديد أساسي لتحليل الدم لم يُستخدم بعد وما كان منه الا أن إستعد لي وأمر احد معاونية بتدوين ذلك في أجندته الخاصة "جداً" حسب قوله.....عَملتُ هناك بصفتي مديراً طبياً لقرابة الثلاث سنوات وبإرسال عشرات الفاكسات تعقيباً للوزارة "ما زلتُ أحتفظ بها" لم يكن نتاجها الا الفشل...وبإتصالي منذ أسابيع مع أحد الزملاء هناك وبعد قرابة الخمس سنوات مازال الجهاز الجديد قابع بأتربته وبدون محاليل.....
هذا والله أعلم.....
تحياتي
أخوكم
عبدالإله حسين مذكور
بكالوريوس طب جراحة/جامعة الملك سعود/المملكة العربية السعودية.
ماجستير في الأشعة الطبية /جامعة ليدز/ المملكة المتحدة.
ماجستير صحة عامة /جامعة لوند /السويد.
طالب دكتوراة تدخل جراحي بالأشعة /جامعة لوند/السويد.
رد مع اقتباس