لأول مرة في حياتي منذ أن تعلمت ألف باء الكتابة أجد نفسي عاجزاً عن السيطرة على قلمي وعن التعبير عما يدور في خلدي بسبب حالة الرعاش التي أصابتني والذهول الذي انتابني مذ سمعت كلمات ذلك الحوار الصادم الذي اخترق مسامعي كالصاعقة..! أثناء تواجدي بأحد صوالين الحلاقة، ولكم تمنيت حينها أن ما أسمعه كابوس ويأتي (سَعُّودي) بشقاوته المعهودة ليزعج منامي فأفيق منه، ولكنه للأسف.. كان حقيقة!! سأحاول جاهداً من خلال الأسطر التالية أن أنقل لكم تفاصيلها على الرغم من صعوبة الحالة التي ما زالت تسيطر علي. فبينما كنت جالساً على كرسي الحلاقة مسلِّماً أمري لله ولساني يلهج بذكره بأن يحالف التوفيق الحلاق في مهمته، للمحافظة على ما بقي من وسامتي بتحسين الجزء المتبقي من شعر رأسي كون "جزء من النص مفقود" بسبب عوامل الطبيعة والزمن.. وبين تضرع وترقب، وإذا بصوت الحق يرتفع من مسجد مجاور منادياً للصلاة.فهم أحد العاملين بالصالون بإغلاق الباب، وخاطب من كانوا ينتظرون دورهم: بأن يعودوا بعد الصلاة. فثار أحدهم قائلاً: لِمَ هذا الخوف؟ أكمل عملك، فأنا لن أخرج من المحل حتى أحلق. فرد عليه آخر ممن كانوا ينتظرون دورهم محاولاً احتواء الموقف: الأمر ليس بالطريقة التي فهمتها "والدنيا ما هي طايرة" نذهب للصلاة ثم نعود. رد الأخ المُعارض سائلاً: ولمَّ أغلق الباب، أليس خوفاً من الهيئة؟ فأجابه نفس الشخص: لا بل استجابة للنداء كونه مُسلِماً مِثلنا، وكذلك احتراماً وتمشياً مع أنظمة بلدنا، وليتجنب ما سيلحقه من عقوبة إن هو استمر في عمله وقت الصلاة. رد المعارض: أنا أختلف معك..، ولا أرى ضرورة لعمل الهيئة..، ولن أُصلي، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده! فسأله نفس الشخص: أليست الصلاة عماد الإسلام؟ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة من شعائره؟... أجابه المُعارض: ولكنها ليست بالإكراه، وأنا حر! - فهالني ما أسمع لدرجة أحسست معها أن شعر رأسي المفقود سينبت من جديد - عاود نفس الشخص يسأل المُعارض: أين تعمل يا أخ؟ - وأظنه أراد أن يعرف مستوى القدرة العقلية والحالة النفسية للأخ (المعارض) من كونه يعمل أو لا، بسؤال ذكي وطريقة لبقة- فأجابه المعارض بثقة: أنا مُعَلِّم تربوي! فعمّ أرجاء المكان صمت رهيب.. وبهذه الإجابة المدوية.. انتهى الحوار وانتهت معه مهمة الحلاق معي دون أن أهتم بنهايتها، وغادر الجميع المكان باستثناء (المعلم التربوي) وأحد العاملين.ومن تلك اللحظة وأنا في حيرة! وتحاصرني الأسئلة. أين تلقى هذا التربوي.. تعليمه؟ - هذا إن كان لديه تعليم أساساً-، ومن الذي أجاز له الانتساب لهذه المهنة السامية؟ وهل يؤتمن هو ومن مثله.. على تربية وتعليم أبنائنا؟ وبمّ سيتحفنا تلامذته في المستقبل؟ وعلى من يقع اللوم..؟فالأمر ليس بالسهولة التي قد يتصورها البعض، فهذا المعلم وأمثاله ممن يقتاتون بِفُتات وضحالة عقولهم وسطحيتها.. من هذه المهنة التي لا يُقدِّرون مكانتها، ولا يدركون بأنها رسالة سامية قبل أي شيء آخر، وأن الانتماء لها شرف ومسؤولية...، يشكلون بذلك خطراً يهدد عقول أبنائنا ومستقبل وطننا..، وبسطحيتهم هذه أيضاً إساءة لمهنة عظيمة، يفترض بمن ينتسب لها أن يكون مالكاً لأدواتها.. مستوفياً لجميع اشتراطاتها.. وهم كُثر بكل تأكيد حتى لا نبخس الشرفاء حقوقهم. فيجب أن تستشعر جهة الاختصاص خطورة ذلك، وأن تسارع بتدخلها بشكل فاعل، لانتشال نواة حاضرنا ومستقبل وطننا من براثنه "فلا شيء يعدل الوطن". وذلك من خلال عقد ورش عمل عاجلة تعمل على دراسة وضع المُعلم ومستواه..، وتُقدم التوصيات والسُبل الكفيلة بتقويم أدائه وتطويره وإثراء معرفته.. مع التشديد على مبدأ الصرامة في التطبيق. وهذا يعني ضرورة تخلي الوزارة المعنية عن سياسة الـ(طبطبة) التي تنتهجها مع المعلم، والتي أرى أنها أحد أسباب تقوقعه وتَصَحُّر معلوماته وتهالك مستواه. وقبل أن أختم مقالتي، ثمة سؤال ملح هنا.. لماذا لا يهتم المعلمون بتحسين أدائهم وقدراتهم ويعملوا على تثقيف أنفسهم، بالقدر الذي يبذلونه للحصول على حقوقهم...؟إبراهيم عسكر آل عسكر ________________________________________حقوق الطبع © محفوظة لصحيفة الوطن 2009 منقووووووووووووووووووول