1- اخرج احمد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
)) ان الله ليطلع الى خلقه ليله النصف من شعبان فيغفر لعباده الا اثنين مشاحن او قاتل نفس ((
واسناده لين كما قال الحفظ المنذري
اخرجه الامام احمد في مسنده قال احمد شاكر اسناده صحيح وفي اسناده عبدالله بن لهيعه
اثنى عليه الامام احمد ووصفه بلأتقان والضبط وورد تضعيفه وقال ابن حجر صدوق خلط بعد
احتراق كتبه .
2- أخرج الطبراني وابن حبان في صحيحه
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
)) يطلع الله الى جميع خلقه ليله النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه الا لمشرك او مشاحن (( .
درجه الحديث : قال الحافظ الهيثمي في المجمع 8/ 65 رواه الطبراني في الكبير والاوسط ورجالهما ثقات .
قال محدث السلفيه الألباني المتناقض هو حديث صحيح لشواهده الكثير انظر تعليقه على رساله ليله النصف من شعبان .
وأخرجه ابن حبان في صحيحه ( الحسان بترتيب صحيح ابن حبان ).
3- واخرج الطبراني والبيهقي من طريق مكحول عن ثعلبه الخشني رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( يطلع الله الى عباده ليله النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين ويمهل الكافرين ويدع اهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه )).
قال البيهقي وهو بين مكحول وابي ثعلبه مرسل جيد .
4- أخرج البزار والبيهقي عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(( ينزل الله الى السماء الدنيا ليله النصف من شعبان فيغفر لكل شىْ الا رجل مشرك او رجل في قلبه شحناء ))
واسناده لابأس به كما قال الحافظ المنذري .
وقال البزار وقد روى هذا الحديث اهل العلم واحتملوه
5- اخرج البيهقي عن العلاء بن الحرث ان عائشه رضي الله عنها قالت :
((قام رسول الله صلى الله عليه
وسلم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت انه قد قبض فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت ابهامه فتحرك فرجعت فلما رفع راسه من السجود وفرغ من صلاته قال ياعائشه او ياحميراء اظننت انالنبي قد خاس بك قلت لا والله يارسول ولكني ظننت انك قبضت لطول سجودك فقال اتدرين أي ليله هذه قلت الله ورسوله اعلم قال هذه ليله النصف من شعبان ان الله عز وجل يطلع على عباده في ليله النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر اهل الحقد كما هم ))
قال البيهقي هذامرسل جيد ويحتمل ان يكون العلاء اخذه من مكحول .
6- أخرج البيهقي عن مكحول عن كثير بن مره عن النبي صلىالله عليه وسلم
( في ليله النصف من شعبان يغفر الله لأهل الأرض الا مشرك أو مشاحن ))
قال البيهقي : هذا مرسل جيد.
أقوال اهل العلم في فضل ليله النصف من شعبان :
ذكر ابن تيميه في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم ص 302
قال : ( ومن هذا الباب ليله النصف من شعبان فقد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعه ما يقتضي انها ليله مفضله وأن من السلف من كان يخصها بالصلاه فيها الى ان فال لكن الذي عليه كثير من اهل العلم او اكثر هم من اصحابنا وغيرهم علىتفضيلها وعليه يدل نص احمد لتعدد الأحديث الوارده فيها ما يصدق ذالك من الاثار السلفيه وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن وان كان قد وضع فيها اشياء اخر)
وسئل ابن تيميه في مجموع فتاوي ابن تيميه
: عن صلاة نصف شعبان:
فأجاب: إذا صلى الإنسان ليلة النصف وحده، أو في جماعة خاصة كما كان يفعل طوائف من السلف، فهو أحسن
وذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه لطائف المعارف ص 160
( واما صيام يوم النصف منه فغير منهي عنه فأنه من جمله ايام البيض الغر المندوب الى صيامها من كل شهر وقد ورد الأمر بصيامه من شعبان بخصوصه ففي سنن ابن ماجه باسناد ضعيف عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :-
( اذا كان ليله النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها....)
وفي فضل ليله النصف من شعبان احاديث اخر متعدده وقد اختلف فضعفها الأكثرون وصحح ابن حبان بعضها واخرجه في صحيحه
الى ان قال الحافظ ابن رجب : فينبغي للمؤمن ان يتفرغ في تلك اليله لذكر الله تعالى ودعاءه بغفرانالذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب وان يقدم على ذلك التوبه فأن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب.ثم قال :
فكم من فتى قد بات في النصف امنا ****** وقد نسخت فيها صحيفه حتفه فبادر بفعل الخير قبل ان قضاءه** وحاذر هجوم الموت فيه بصرفه
وصم يومها لله واحسن رجاءه ****** لتظفرعند الكرب منه بلطفه
الى ان قال ابن رجب ايضاَ:
ويتعين على المسلم ان يجتنب الذنوب التي تمنع من المغفره وقبول الدعاء في تلك الليله........
ونقل ابن رجب ايضا:- قال وروى سعيد بن منصور : حدثنا ابو معشر عن ابي حازم ومحمد بن قيس عن عطاء بن يسار( وهومن علماء الحجاز) قال :- مامن ليله بعد ليله القدر افضل من ليله النصف من شعبان ينزل الله تبارك وتعالى الى السماء الدنيا فيغفر لعباده كلهم الا لمشرك او مشاحن او قاطع رحم فيامن اعتق فيها من النار هنيئاَ لك المنحه الجسيمه ويا ايها المردود فيها جبر الله مصيبتك هذه فاءنها مصيبه عظيمه .
وقال ابن رجب ايضاَ :- قال عطاء بن يسار ( وهو من فقهاالمدينه )
اذا كان ليله النصف من شعبان دفع الى ملك الموت صحيفه فيقال : اقبض من في هذه الصحيفه فأنالعبد ليغرس الغرس وينكح الازواج ويبني البنيان وان اسمه قد نسخ في الموتى ما ينتظر به ملكالموت الا ان يؤمر به فيقبضه ........
وقال صاحب كتاب كشف القناع عن متن الاقناع من الحنابله
واستحب شيخنا وقال: قيام بعض الليالي كلّها مما جاءت به السنة (إلا ليلة عيد) لحديث:«من أحيـى ليلة العيد أحيـى الله قلبه يوم تموت القلوب» رواه الدارقطني في علله.
وفي معناها: ليلة النصف من شعبان. كما ذكره ابن رجب في اللطائف، (وتكره مداومة قيامه كلّه) لأنّه لا بد في قيامه كلّه من ضرر، أو تفويت حق. وعن أنس مرفوعاً: «ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليقعد»
ونقل الامام البيهقي في السنن الكبرى عن الأمام الشافعي انه يقال بلغنا انه كان يقال ان الدعاء يستجاب في خمس ليال : في ليله الجمعه وليله والاضحى وليله الفطر و اول ليله من رجب وليله النصف من شعبان.
ذكر ايضاَ الامام شيخ الاسلام النووي في كتاب المجموع شرح الهذب
قال الشافعي في «الأم»: وبلغنا أنه كان يقال: إن الدعاء يستحاب في خمس ليال: في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان. قال الشافعي: وأخبرنا إبراهيم بن محمد قال: رأيت مشيخة من خيار أهل المدينة يظهرون على مسجد النبي ليلة العيدين فيدعون ويذكرون الله تعالى، حتى تذهب ساعة من الليل، قال الشافعي: وبلغنا أن ابن عمر كان يحيي ليلة النحر، قال الشافعي: وأنا أستحب كل ما حكيت في هذه الليالي من غير أن تكون فرضاً.
الامام الاوزاعي امام اهل الشام
وقد استحب الامام الأوزاعي امام اهل الشام من التابعين في احياء ليله النصف من شعبان ان يصلي الرجل فيها لخاصه نفسه
واما اهل الشام من التابعين كأمثال خالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم فقد كانوا يلبسون فيها احسن الثياب ويتبخترون وكتحلون ويحيون ليلتهم في المسجد تلك
و وافقهم الأمام الجليل اسحاق بن راهويه ( وهو شيخ البخاري ) على ذلك كما وافقهم طائفه من عباد اهل البصره
قال الأمام الحافظ ابن الصلاح شيخ الامام النووي وشيخ الأمام الحافظ ابو شامه :
واما ليله النصف من شعبان فلها فضيله وأحياؤها بالعباده مستحب ولكن على انفراد من غير جماعه ووافقه على ذلك سلطان العلماء العز بن عبد السلام
وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي ج: 3 ص: 365
اعلم أنه قد ورد في فضيلة ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث مجموعها يدل على أن لها أصلا فمنه ...
وساق عدة أحاديث ثم قال:
فهذه الأحاديث بمجموعها حجة على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء والله تعالى أعلم
وذكر الامام ابن حجر الهيثمي في الفتاوي الحديثيه حيث اعتبر ليله النصف من شعبان من اليالي الفاضله كليله القدر.حيث قال :-
(والأيام الفاضلة كثيرة كيوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، والأيام المعلومات والمعدودات، وليس في الليالي إلا ليلة القدر وليلة نصف شعبان. )
وفي أخبار مكة ج: 3 ص: 84 للفاكهي المتوفى سنة 275 هـ
ذكر عمل أهل مكة ليلة النصف من شعبان واجتهادهم فيها لفضلها
وأهل مكة فيما مضى إلى اليوم إذا كان ليلة النصف من شعبان خرج عامة الرجال والنساء إلى المسجد فصلوا وطافوا وأحيوا ليلتهم حتى الصباح بالقراءة في المسجد الحرام حتى يختموا القرآن كله ويصلوا ومن صلى منهم تلك الليلة مائة ركعة يقرأ في كل ركعة ب الحمد و قل هو الله أحد عشر مرات وأخذوا من ماء زمزم تلك الليلة فشربوه واغتسلوا به عندهم للمرضى يبتغون بذلك البركة في هذه الليلة ويرى فيه أحاديث كثيرة ثم ساق عدة أحاديث
وروى البزار حديث أبي بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان ليلة النصف من شعبان ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فيغفر لعباده إلا ما كان من مشرك أو مشاحن لأخيه
ثم قال وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي بكر إلا من هذا الوجه وقد روي عن غير أبي بكر وأعلى من رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وإن كان في إسناده شيء فجلالة أبي بكر تحسنه وعبدالملك بن عبدالملك ليس بمعروف وقد روى هذا الحديث أهل العلم ونقلوه واحتملوه فذكرنا لذلك
مسند البزار ج: 1 ص: 207
وفي الحاوي للفتاوي للسيوطي
فائدة: قال ابن الحاج: فإن قيل ما الحكمة في كونه عليه الصلاة والسلام خص مولده الكريم بشهر ربيع الأول ويوم الاثنين ولم يكن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وفيه ليلة القدر ولا في الأشهر الحرم ولا في ليلة النصف من شعبان ولا في يوم الجمعة وليلتها؟ فالجواب من أربعة أوجه:
وهذا يدل على ان ليله النصف من شعبان عند الحافظ ابن الحاج تعتبر من اليالى الفاضله.
نقل الذهبي عن ابن الحافظ ابن عساكر أنه رحمه الله كان مواظبا على الجماعة والتلاوة يختم كل جمعة ويختم في رمضان كل يوم ويعتكف في المنارة الشرقية وكان كثير النوافل والأذكار ويحيى ليلة النصف والعيدين بالصلاة والذكر وكان يحاسب نفسه على لحظة تذهب . تذكرة الحفاظ ج: 4 ص: 1331
وفي ذلك تقوية للحديث بعمل هذا المحدث الإمام.
وقد استحب الاحناف الغسل ليلة النصف من شعبان، وليلة عرفة وليلة القدر، وعند الوقوف بمزدلفة صبيحة يوم النحر، وعند دخول مني يوم النحر لرمي الجمار، وعند دخول مكة لطواف الزيارة، ولصلاة الكسوف والخسوف
حكم الاحتفال بـ ( ليلة النصف من شعبان ) !
سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز
: الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد نبي التوبة والرحمة ،أما بعد : فقد قال الله - تعالى - : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ﴾ . [ المائدة : 3 ] ، وقال - تعالى - : ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ ﴾ . [ الشورى : 21 ] .
وفي " الصحيحين " عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ، وفي " صحيح مسلم " عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في خطبة الجمعة : ( أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ) .
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وهي تدل دلالة صريحة على أن الله - سبحانه وتعالى - قد أكمل لهذه الأمة دينها ، وأتم عليها نعمته ، ولم يتوف نبيه - عليه الصلاة والسلام - إلا بعدما بلغ البلاغ المبين ، وبين للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال .
وأوضح - صلى الله عليه وسلم - : أن كل ما يحدثه الناس بعده وينسبونه إلى دين الإسلام من أقوال أو أعمال ، فكله بدعة مردود على من أحدثه ، ولو حسن قصده ، وقد عرف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمر ، وهكذا علماء الإسلام بعدهم ، فأنكروا البدع وحذروا منها ، كما ذكر ذلك كل من صنف في تعظيم السنة وإنكار البدعة كابن وضاح ، والطرطوشي ، وأبي شامة ، وغيرهم .
ومن البدع التي أحدثها بعض الناس : " بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان ! " ، وتخصيص يومها بالصيام ، وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه ، وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها ، أما ما ورد في فضل الصلاة فيها ، فكله موضوع ، كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم ، وسيأتي ذكر بعض كلامهم - إن شاء الله - .
وورد فيها أيضا آثار عن بعض السلف من أهل الشام وغيرهم ، والذي أجمع عليه جمهور العلماء أن الاحتفال بها بدعة ، وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة ، وبعضها موضوع ، وممن نبه على ذلك الحافظ ابن رجب ، في كتابه : " لطائف المعارف " وغيره . والأحاديث الضعيفة إنما يعمل بها في العبادات التي قد ثبت أصلها بأدلة صحيحة ، أما الاحتفال بليلة النصف من شعبان ، فليس له أصل صحيح حتى يستأنس له بالأحاديث الضعيفة ، وقد ذكر هذه القاعدة الجليلة الإمام أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - .
وأنا أنقل لك - أيها القارئ - ما قاله بعض أهل العلم في هذه المسألة ، حتى تكون على بينة في ذلك ، وقد أجمع العلماء - رحمهم الله - على أن الواجب : رد ما تنازع فيه الناس من المسائل إلى كتاب الله - عز وجل - ، وإلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فما حكما به أو أحدهما ؛ فهو الشرع الواجب الاتباع ، وما خالفهما وجب اطراحه ، وما لم يرد فيهما من العبادات ؛ فهو بدعة لا يجوز فعله ، فضلاً عن الدعوة إليه وتحبيذه ، كما قال - سبحانه - في سورة النساء : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ . [ النساء : 59 ] ، وقال - تعالى - : ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ﴾ . [ الشورى : 10 ] ، وقال - تعالى - : ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ . [ آل عمران : 31 ] ، وقال - عز وجل - : ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ﴾ . [ النساء : 65 ] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وهي نص في وجوب رد مسائل الخلاف إلى الكتاب والسنة ، ووجوب الرضى بحكمهما ، وأن ذلك هو مقتضى الإيمان ، وخير للعباد في العاجل والآجل ، وأحسن تأويلاً : أي عاقبة .
قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله - في كتابه " لطائف المعارف " في هذه المسألة - بعد كلام سبق - ما نصه : ( وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام ؛ كخالد بن معدان ، ومكحول ، ولقمان بن عامر ، وغيرهم ، يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة ، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها ، وقد قيل : إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية ، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان ، اختلف الناس في ذلك ؛ فمنهم من قبله منهم ، ووافقهم على تعظيمها ، منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم ، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز ، منهم : عطاء ، وابن أبي مليكة ، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن فقهاء أهل المدينة ، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم ، وقالوا : لك كله بدعة واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين :
أحدهما : أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد . كان خالد بن معدان ، ولقمان بن عامر ، وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ، ويتبخرون ويتكحلون ، ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك ، وقال في قيامها في المساجد جماعة : ليس ذلك ببدعة ، نقله حرب الكرماني في " مسائله " .
والثاني : أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء ، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه ، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم ، وهذا هو الأقرب - إن شاء الله تعالى - إلى أن قال : ولا يعرف للإمام أحمد كلام في ليلة نصف شعبان ، ويتخرج في استحباب قيامها عنه روايتان : من الروايتين عنه في قيام ليلتي العيد ، فإنه - في رواية - لم يستحب قيامها جماعة لأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، واستحبها - في رواية - ، لفعل عبد الرحمن بن يزيد بن الأسود لذلك ، وهو من التابعين ، فكذلك قيام ليلة النصف ، لم يثبت فيها شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا عن أصحابه ، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام ) . انتهى المقصود من كلام الحافظ ابن رجب - رحمه الله - .
وفيه التصريح منه بأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا عن أصحابه - رضي الله عنهم - شيء في ليلة النصف من شعبان ، وأما ما اختاره الأوزاعي - رحمه الله - من استحباب قيامها للأفراد ، واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول ؛ فهو غريب وضعيف ؛ لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعًا ، لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله ، سواء فعله مفردًا أو في جماعة ، وسواء أسره أو أعلنه ؛ لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ، وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها .
وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي - رحمه الله - في كتابه : " الحوادث والبدع " ما نصه : ( وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم ، قال : ما أدركنا أحدًا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان ، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول ، ولا يرون لها فضلاً على ما سواها ) ، وقيل لابن أبي مليكة : إن زيادًا النميري يقول : ( إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر ) ، فقال : ( لو سمعته وبيدي عصا لضربته ) ، وكان زياد قاصًا ) . انتهى المقصود .
وقال العلامة الشوكاني - رحمه الله - في " الفوائد المجموعة " ما نصه : ( حديث : يا علي من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب ، وقل هو الله أحد عشر مرات قضى الله له كل حاجة ) . إلخ ، وهو موضوع ، وفي ألفاظه المصرحة بما يناله فاعلها من الثواب ما لا يمتري إنسان له تمييز في وضعه ، ورجاله مجهولون ، وقد روي من طريق ثانية وثالثة كلها موضوعة ورواتها مجاهيل ) .
وقال في " المختصر " : ( حديث صلاة نصف شعبان باطل ) .
ولابن حبان من حديث علي : ( إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها ، وصوموا نهارها ) ، ضعيف .
وقال في " اللآلئ " : ( مائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشر مرات مع طول فضله ، للديلمي وغيره موضوع ) . وجمهور رواته في الطرق الثلاث مجاهيل ضعفاء قال : ( واثنتا عشرة ركعة بالإخلاص ثلاثين مرة موضوع وأربع عشرة ركعة : موضوع ) .
وقد اغتر بهذا الحديث جماعة من الفقهاء كصاحب " الإحياء " ، وغيره ، وكذا من المفسرين ، وقد رويت صلاة هذه الليلة - أعني - ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة ، ولا ينافي هذا رواية الترمذي من حديث عائشة لذهابه - صلى الله عليه وسلم - إلى البقيع ، ونزول الرب ليلة النصف إلى سماء الدنيا ، وأنه يغفر لأكثر من عدة شعر غنم بني كلب ، فإن الكلام إنما هو في هذه الصلاة الموضوعة في هذه الليلة ، على أن حديث عائشة هذا فيه ضعف وانقطاع ، كما أن حديث علي الذي تقدم ذكره في قيام ليلها ، لا ينافي كون هذه الصلاة موضوعة ، على ما فيه من الضعف حسبما ذكرناه ) . انتهى المقصود .
وقال الحافظ العراقي : ( حديث صلاة ليلة النصف موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكذب عليه ) .
وقال الإمام النووي في كتاب " المجموع " : ( الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب ، وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ، ليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة ، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان ، ولا يغتر بذكرهما في كتاب " قوت القلوب " ، و " إحياء علوم الدين " ، ولا بالحديث المذكور فيهما ، فإن كل ذلك باطل ، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة ؛ فصنف ورقات في استحبابهما ، فإنه غالط في ذلك ) .
وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابًا نفيسًا في إبطالهما ، فأحسن فيه وأجاد ، وكلام أهل العلم في هذه المسألة كثير جدًا ، ولو ذهبنا ننقل كل ما اطلعنا عليه من كلام في هذه المسألة ، لطال بنا الكلام ، ولعل فيما ذكرنا كفاية ومقنعًا لطالب الحق .
ومما تقدم من الآيات والأحاديث ، وكلام أهل العلم ، يتضح لطالب الحق :
أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها ، وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم ، وليس له أصل في الشرع المطهر ، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة - رضي الله عنهم - ، ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله - عز وجل: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ . [ المائدة : 3 ] ، وما جاء في معناها من الآيات ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ؛ فهو رد ) ، وما جاء في معناه من الأحاديث .
وفي " صحيح مسلم " عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يومها بالصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ) ، فلو كان تخصيص شيء من الليالي ، بشيء من العبادة جائزًا ، لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها ؛ لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس ، بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من تخصيصها بقيام من بين الليالي ، دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى ، لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة ، إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص .
ولما كانت ليلة القدر وليالي رمضان يشرع قيامها والاجتهاد فيها ، نبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ، وحث الأمة على قيامها ، وفعل ذلك بنفسه ، كما في " الصحيحين " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ) ، فلو كانت ليلة النصف من شعبان ، أو ليلة أول جمعة من رجب ، أو ليلة الإسراء والمعراج يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة ، لأرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمة إليه ، أو فعله بنفسه ، ولو وقع شيء من ذلك لنقله الصحابة - رضي الله عنهم - إلى الأمة ، ولم يكتموه عنهم ، وهم خير الناس ، وأنصح الناس بعد الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ، ورضي الله عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرضاهم ، وقد عرفت آنفا من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا عن أصحابه - رضي الله عنهم - شيء في فضل ليلة أول جمعة من رجب ، ولا في ليلة النصف من شعبان .
فعلم أن الاحتفال بهما بدعة محدثة في الإسلام ، وهكذا تخصيصها بشيء من العبادة ، بدعة منكرة ، وهكذا ليلة سبع وعشرين من رجب ، التي يعتقد بعض الناس : أنها ليلة الإسراء والمعراج ، لا يجوز تخصيصها بشيء من العبادة ، كما لا يجوز الاحتفال بها ، للأدلة السابقة ، هذا لو علمت ، فكيف والصحيح من أقوال العلماء أنها لا تعرف ، وقول من قال : أنها ليلة سبع وعشرين من رجب ، قول باطل لا أساس له في الأحاديث الصحيحة ، ولقد أحسن من قال : ( وخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع ) .
والله المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين للتمسك بالسنة والثبات عليها ، والحذر مما خالفها ، إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


