عصفور السعادة




زار أحد الشباب وكان اسمه ( جبر) إحدى المدن ، وقرر مضيفوه أن يطوفوا به البلدة
ترحيبا بمقدمه ، وفي نهاية الجولة مروا قريبا من المقابر ،

فدنا (جبر) من شاهد إحدى القبور فوجد مكتوبا عليه : هذا قبر فلان بن فلان ولد
سنة 1910 وتوفي سنة 1975 ، وعاش 7 سنوات ،

ومر على شاهد آخر فوجد مكتوبا عليه هذا قبر فلان بن فلان ولد سنة 1922 وتوفي
عام 2000 وعاش 4 سنوات !! .

ومر على ثالث ورابع ، وكل شاهد مكتوب عليه تاريخ ميلاد وتاريخ وفاة ، وحساب
للسنوات التي عاشها صاحب القبر لكنها غير دقيقة ،

فتساءل عن السر ، فأخبروه أنهم يحسبون لمن مات عدد السنوات التي عاشها بعدد
الأيام السعيدة التي قضاها في الحياة ويُسقطون تلك الأيام التعيسة والحزينة فلا
تستحق أن تُحسب من عمره ، لأنه لم يعشها أو يستمتع بها !!.

فهذا مثلا عاش 65 عام ، لكنه لم يسعد طوال هذه الأعوام سوى سبع سنوات فقط ،
لذا يكتبوا هذه السنوات السبع على أنها كل ما عاشه هذا الرجل ! .

هنا التفت إليهم ( جبر) مبتسماً في مرارة وقال : إذن يا أصدقائي رجاءً إذا واتتني
المنية في أرضكم هذه أن تكتبوا على قبري : ( هذا قبر جبر .. من بطن أمه إلى القبر) !! .

إن أهل هذه المدينة فطنوا إلى أن عداد السنين لا يسجل إلا تلك اللحظات الجميلة السعيدة
وأن لحظات الشقاء يجب إسقاطها من ذاكرة الأيام غير مأسوف عليها .

ولا أقصد باللحظات الجميلة لحظات المتعة المختلسة ، أو الاستغراق التام في لذات الحياة
بلا حسبان أو تدبير ، وإنما أقصد تلك اللحظات التي يسعد فيها المرء حقا ، ويفخر بها
على الملاء .

حتى الكبوات والملمات إذا ما استئسد المرء أمامها وواجهها بشجاعة
تصبح فيما بعد ذكرى حسنة تدلل على شجاعته وقوته وحسن تصرفه وتدبيره
ويذكرها عداد اللحظات السعيدة .

لكن الكثيرون منا للاسف ، ما يلبثوا يصبغون أيامهم بفرشاة رمادية داكنة ،
ويخاصمون السعادة في إصرار غريب ، فهم يتهيبون القدر وكأنه ينصب لهم فخاً
ويخاصمون الحياة وكأنها تحاربهم ، ويرفضون أي دعوة للتفائل والمرح .

إن هناك من أدمن التشاؤم والحزن ، وطوقه القلق والخوف حتى أذعن لهما
وأعطاهم ناصيته يحركونها كيفما شاءوا في دروب سوداوية كئيبة .

إن السعادة كعصفور جميل ، ما يلبث يحط على كتف من ناداه ، ليغرد له أنشودة
البهجة والمرح ، لا يشترط أن تكون غنياً أو قوياً أو ذو سلطة ونفوذ كي يحط
على كتفك .

إن شرطه الوحيد أن تكون راغباً حقا في سماع أنشودته الجميلة ، أن تفتح
ذراعيك متفائلاً ، مبتسماً ، راضيا بما كتبه الله عليك ، غير متذمر أو شاكي .

إن عصفور السعادة يطير فزعاً إذا ما لاحظ سحب التشاؤم والخوف والقلق تلوح
في الأفق . يهرب بلا استئذان .. ولا يعود قبل أن تشرق شمس التفاؤل من جديد
وتصفو سماء الواحد منا .

إننا يا صديقي نستيقظ بعد فترة وإذا بالعمر وقد سُرق منا ، وعداد السنين لا يحوي
إلا على لحظات معدودة من السعادة ، ونأسف على حياة ضاعت دون أن نحياها حقاً .


إشراقـــــة : عندما ينغلق باب للسعادة، ينفتح غيره، لكننا نحملق في الباب المغلق
لفترة طويلة تلهينا عن الانتباه لذاك الذي انفتح من أجلنا. هيلين كيلر