كن صاحب يد بيضاء
التلذذ بالأخذ يشترك فيه معظم البشر ، لكن التلذذ بالعطاء لا يعرفه سوى
العظماء وأصحاب الأخلاق السامية السامقة .
يقول الأستاذ سيد قطب ـ رحمه الله ـ :
( لقد أخذت في هذه الحياة كثيراً ، أعني : لقد أعطيت !! .
أحيانا تصعب التفرقة بين الأخذ والعطاء
لأنهما يعطيان مدلولاً واحداً في عالم الروح !
في كل مره أعطيت لقد أخذت ، لست أعني أن أحداً قد أعطى
لي شيئاً إنما أعني أنني أخذت نفس الذي أعطيت ،
لأن فرحتي بما أعطيت لم تكن أقل من فرحة الذين أخذوا ) .
إن بهجة العطاء تفوق لذة الأخذ ، فالأولى روحانية خالصة
تتملك وجدانك وأحاسيسك ، والثانية مادية بحتة محدودة الشعور .
يقول جورج برنارد شو :
( المتعة الحقيقية في الحياة ، تتأتى بأن تُصهر قوتك الذاتية
في خدمة الآخرين ، بدلاً من أن تتحول إلى كيان أناني يجأر بالشكوى
من أن العالم لا يكرس نفسه لإسعادك ! ).
فالمرء منا حينما يكون دائم العطاء ، سيتملكه بعد فترة شعور بأنه
يستمد من رب العزة أحد أسمى وأروع صفاته وهي صفات
( الجود والعطاء والكرم) ، وما أسعد الخالق
حينما يتمثل أحد خلقه صفاته الجميلة الرائعة
إن أحد أسرار السعادة هو أن تكون صاحب يد عليا معطاءة
فهي الأحب والأقرب إلى الله عز وجل .
هذه اليد المعطاءة هي ـ وحدها ـ القادرة على نقلك من
عالمك المادي الضيق ، إلى عالم الروح الرحب الواسع ،
فالنفس تحب أن تكنز وتجمع ، وصعب عليها أن تجود وتنفق
فإذا ما علمتها العطاء والجود ، كنت أحق الناس بالارتقاء
والعلو والرفعة في الدنيا والآخرة .
صعب على عقل مادي أن يفهم معادلة العطاء السعيد
لذا لا أجدني مبالغا حين أجزم أن أصحاب اليد
العليا هم نسيم الحياة وملائكة الإنسانية .
أصحاب اليد العليا هم رواد كل زمن ، ورموز كل عصر
يجودون بالمال إن تطلب الأمر ، ويضحون بالنفس بنفوس راضية ،ويقدمون راحة غيرهم على راحتهم وهنائهم .تعرفهم بسيماهم ، قلوب هادئة .. و ابتسامة راضية واثقة ..ونفوس مطمئنة مستكينة .
هم أسعد أهل الأرض ، ولهم في السماء ذكرٌ حسن .. وأجر عظيم .
إشراقــــــــة
لا تنسى وأنت تعطي أن تدير ظهرك عن من تعطيه
كي لا ترى حيائه عاريا أمام عينيك .
جبران خليل جبران